إنتفاضة كتاب الدراما التلفزيونية السورية: ميثاق شرف لحماية الحقوق

أمين حمادة 23 مايو 2020


يكمن الفارق الأهم بين دول العالم الأول والثالث على الأرجح، في أن يطالب أهل الأولى بمكتسبات جديدة تواكب كل تطور إيجابي او سلبي في أوطانهم تلبية لمتطلبات موجودة اصلاً او حتى متوقعة مستقبلاً، بعد ان تخطوا عتبة حقوق أصبح البحث فيها "لزوم ما لا يلزم" لبديهيتها وحتمية وجودها وحرمة المساس بها، كحرية التعبير مثلاً.

بينما يرزح أهل الثانية "الثالثة" تحت "خط الحقوق الطبيعية" التي باتت حلمهم المسفوك او الممنوع او المؤجل او المسروق، مثل حق المؤلف الذي تضمنه حقوق الملكية الفكرية حول العالم، فيُصان في الأول ولا يشرب حبره ورق الثالث، الأمر الذي دفع مجموعة تتضمن عدداً من ابرز كتاب الدراما السورية "المستقلين" من مختلف الأطياف، والأنواع الدرامية، والأجيال، إلى إطلاق "ميثاق شرف" وتطلعات يطمحون إليها ومستعدين لمناقشتها بصدر رحب، على رأسهم الدكتور ممدوح حمادة ومازن طه وفؤاد حميرة وعدنان العودة وسامر رضوان ورافي وهبي وخالد خليفة وإيمان سعيد وإياد أبو الشامات وعثمان جحا وخلدون قتلان ونور شيشكلي وسلام كسيري ورانيا بيطار وبلال شحادات وكوليت بهنا. وانضم إليهم سليمان عبد العزيز وشادي كيوان وجورج عربجي وسامر محمد اسماعيل وعلي وجيه لواء يازجي ومحمد ماشطة.

ودعوا زملائهم الآخرين بشكل مفتوح إلى الإنضمام إلى الميثاق الذي إضطروا إليه حمايةً لنتاجاتهم الفكرية، عبر تنظيم العلاقة فيما بينهم، ومع الأطراف الأخرى في صناعة الدراما التلفزيونية، لا سيما شركات الإنتاج في سلوك يقوم على شراكة بأسس جديدة تحترم حقوق الجميع، إثر "عددٍ من الحوادث التي تتلخصُ باستقدامِ كُتّابٍ وتكليفِهم لتبديلِ أو تعديلِ الناتجِ الأصيل، وخروجِ نتاجٍ لا يشبهُ المحتوى المتفقَ عليه، والذي قد يخالفُ موقفَ كاتِبِهِ الأصليِّ بزجِّ كلامِ الآخرينَ وأفكارِهم فيه، وفق الوثيقة التي أطلقها "كتاب الدراما السوريين"، آملين من "الشركاء المِهْنِيينَ من منتجين ومخرجين وممثلين وفنيين، تأييدَها". 

ومن دون الخروج عن المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤكدة على الحق في الاستفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على تأليف أي مصنف علمي أو أدبي أو فني، واتفاقية "برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية" التي وُقعت عام 1886، جاء في البند الأول: "بمجردِ إعلانِ هذه الوثيقة، أتعهدُ (انا الكاتب السوري) باحترامِ منجزِ زملائي، وعدمِ التّدخلِ في نصوصِهم، أو تعديلِ أَيِّ بناءٍ دراميٍ لهم، أو إعادةِ كتابتِه، أو استكمالِه نيابةً عن صاحبِه المتعاقدِ عليه أصولاً، إلّا في حالِ الحصولِ على موافقةٍ خطّيةٍ مُسْبَقَةٍ منه، وبما يضمنُ كافّةَ حقوقِهِ الماديّةِ والمعنويّة"، علماً ان السنوات الأخيرة شهدت حوادث كثيرة في هذا الإطار، حتى بين بعض الموّقعين انفسهم قبل ان ينبذوها على مبدأ "صفحة جديدة" خلال فترة تحضيرية ربما تعكس حواراً سورياً - سورياً في جانب منها رغم صغر رقعته، بعيداً من الأزمات الدائرة خارجه.

وكشفت إيمان سعيد بعض كواليس هذه الفترة بقولها: "مبادرة للصالح العام بوقت يصعب فيه الاجتماع والحوار والاتفاق.. كل الشكر للزملاء يللي سمعوا بعض بحب واحترام وسعة صدر على مدى ثلاث أسابيع. هذا الجهد بصفتنا عينة متنوعة من الكتاب فقط وليس بصفتنا ممثلين عنهم. وهذه المبادرة هي لصالح كل الكتاب الزملاء الدراميين المستقلين في سبيل وضع تقاليد مهنية وتطوير الواقع الدرامي واحترام حقوق الزمالة تجاه بعضنا وحماية حق الكاتب ماديا ومعنويا. فلكم جميعا ولأقلامكم كل الخير يللي صاغوا ويللي تبنوا الميثاق وشاركوه ولا تزال الدعوة مفتوحة لجميع الزملاء لمشاركة الميثاق".

وطالب الميثاق في بنده الثالث بتغيير "صيغةِ العقدِ الذي تُبْرِمُهُ شركاتُ الإنتاجِ مع الكاتب، من صيغة عقدِ (إذعان) إلى صيغةِ عقدٍ يضمنُ حقوقَه وحقوقَ جميع الأطرافِ الأخرى"، داعياً "المؤسساتِ الرّسميّةَ والخاصةَ المعنيةَ بالإنتاجِ الدراميّ، للمشاركةِ في وضعِ صياغةٍ قانونيّةٍ موحَّدةٍ لعقود كُتّاب الدراما، تضمن حقوقَهمْ في الملكيّةِ الفكريّةِ والأدبيّةِ لنصوصِهم، وتمنعُ أيَّ شكلٍ من أشكالِ الاعتداءِ عليها، وتراعي عدمَ سلبِهم ثمراتِ جهدِهم في تأليفِها، وتكفلُ عدمَ تعديلِ أو تحريفِ كتاباتِهمْ شكلاً أو مضموناً".

ولا بد هنا من الإشارة إلى ان ثالث البنود تكفله قانوناً الحقوق المعنوية ضمن "حق المؤلف" عبر "أبوة المصنف" الذي يعطي "الحق في الاعتراض على التغييرات التي تُدخل على المصنف بشكل قد يسيء إلى سمعة المبدع". وإلى جانب الحق المعنوي الذي لا يمكن التنازل عنه قانوناً حتى برضا صاحبه، أشار الميثاق الى جانب من الحقوق الإقتصادية التي تظل خاضعة للإتفاق بين أطراف التعاقد، بمناداته بـ"حقَّ الكاتبِ في استخدامِ مقاطعَ من عملِه، ليبثَّها على قنواتِه الشّخصيّةِ في مواقعِ التّواصلِ الاجتماعيِّ، بوصفهِ حقّاً شرعيّاً لا ينتقصُ من حقِّ المُنْتِجِ في عرضِ كاملِ الحلقات، وأَنْ يُنظَرَ إلى هذا المطلبِ - من جميعِ الزملاء - بوصفهِ نَقّلَةً حضاريّةً جديرةً بالاحترام ، وليس بوصفهِ مطالبةً بتقاسمِ الغنائم...".

وركّز البند الرابع على حرية التوجه الفكري في الطرح الدرامي الذي يقدّمه الكاتب، بقوله: "آملُ ألّا يتمَّ استهدافي بسببِ ما أطرحه في عملي الدراميّ من مواقفَ فكريةٍ أو سياسيةٍ، أو تقييدِ حريّةِ تفكيري مما يؤثر سلباً على نوعيّةِ الدراما التي أُقدِّمُها"، إلّا أن الأبرز جاء في مقدمة البند في ما يشبه تبريراً غير مباشر لنتاج الكتاب من أعمال مشتركة عربياً وتبرؤ ادبي منها: "أدركُ أنَّني جزءٌ من الحَراكِ الفكريِّ للهويّة الوطنيّةِ بشتى تفرعاتِها وتقسيماتِها، وأَنَّ سوريا هي أولاً وقبلَ أيِّ شيءٍ آخر، وأعي أَنَّ تراجعَ دراماها إنّما هو انعكاسٌ طبيعيٌّ لحالةِ الصّراعِ الذي تعيشه يومياتُها، وأَنَّه من غير الممكنِ بأيِّ حالٍ من الأحوال، تحسينُ المُنتَجِ الدراميِّ بواقعِ الأوضاعِ الرّاهنةِ أو بمعزِلٍ عنها، وخصوصاً في ظلِّ افتقاد الدراما الواقعيةِ لمصادر التمويلِ المستقلَّةِ، ولمِنَصَّاتِ العرضِ المهتمّةِ فإنْ كانَ من الطّبيعيِّ أَنْ أهاجرَ وغيري من زملاءِ المهنةِ مؤقتاً للعمل في الإنتاجاتِ المشتركةِ، ريثما يستيقظُ رأسُ المالِ المحليِّ، لأخذِ دورِه في رحلةِ البناءِ القادمةِ رغمَ شقائِها".

واستمر الميثاق في البند الخامس مشدداً على ضرورة التحام الدراما بواقع جمهورها: "أعي أَنَّ العالمَ العربيَّ يعيشُ تحولاتٍ جذريةً وعميقةً في كلِّ الميادين، وعلى كافةِ الأصعدة ، وأَنَّ الصراعَ المحتدمَ بمختَلِفِ أشكاله وتجلياتِه و مواقفِ أقطابه ومصالِحِهم، يعيدُ تشكيلَ الهوياتِ، وتعريفَ مفاهيمِها، وصياغةَ عقودِها الاجتماعيةِ، مستخدماً - فيما يستخدم- الأعمالَ الدراميّةَ بوصفها قوةَ تغييرٍ ناعمةٍ، لما تمتَلِكُهُ من جاذبيةٍ بصريّةٍ و حكائيّةٍ، وتأثيرٍ عميقٍ لنجومِها على جمهورِ المشاهدين. لهذا أرى أَنَّ الخطرَ لا يَكمنُ فقط ، بتحميلها أجنداتِ مموليها السّياسيّةِ، ولا حساباتِ مُنْتِجِيَها الرّبحيّةِ، ولا مجموعةِ القِيَمِ التي تَهدُفُ مِنصاتُ عرضِها لتكريسِها، بل تكمنُ الخطورةُ أيضاً، بإبعادِ الإنتاجاتِ الدراميّةِ عن واقِعِهَا، ومحاولةِ تعقيمِها، ونزعِها من شرطِها التاريخيِّ وعزلِها عن محيطها، أملاً في خفضِ قوةِ تأثيرِها على مجتمعاتِها، وإظهارِها بوصفِها مُنْتَجاً كسيحاً، يسيرُ في وادٍ، وواقِعُهُ يسير في وادٍ آخر، وهذا يعني بدايةَ فَكِّ الارتباطِ مع الجمهورِ المستهدف، الذي تابعنا ردودَ أفعالهِ الغاضبةَ من دراما تتحدث لهجةَ بَلَدِه، إلّا أنّه لا يرى نفسَهُ بها، ولا مشكلاتِه فيها".

وأكّد البند السادس عدم قدسية الميثاق، داعياً جميع الأطراف في صناعة الدراما التلفزيونية إلى نقاشه وتطويره: "أتحملُ كاملَ المسؤوليةِ عن أعمالي الدراميّةِ التي ساهمت في رسمِ صورةِ الدراما السّوريّةِ الحالية، مدركاً أَنَّ دوري في ما آلت إليه، هو دورٌ مركزيٌ ورئيسٌ وجوهريٌ، وأَنَّ مهمتي بصفتي محترفاً يتقنُ الكتابةَ الدراميّةَ، أو مثقفاً يعي خطورةَ المُنْتَجِ الدراميِّ وحساسيةَ توظيفِه، لا تستقيمُ موضوعياً من دون الشراكةِ الإيجابيةِ مع زملائي. لهذا آملُ منهمُ المساهمةَ في مناقشةِ وتطويرِ هذه الوثيقة، على قاعدةِ المصلحةِ المشتركةِ في تحسينِ الأداءِ الدراميّ ، وتقديمِ إنتاجاتٍ دراميةٍ تحترمُ عقل المشاهد، وترتقي لمستوى التغييراتِ الهائلةِ التي تصيبُ مجتمعاتِنا العربيّة. داعياً إلى مشاركةِ جميع الشركاء من أصحابِ القراراتِ الإنتاجيّةِ الدراميّةِ في المؤسسات الرسميّة، والشركاتِ الخاصّة، ومحطاتِ التلفزة، والبثِّ عبر الإنترنت، إضافةً إلى الزملاءِ المخرجين والممثلين والفنيين، ومن يعنيهم الأمر من صحافيين ونقادٍ ومتابعين، أدعوهم إلى نقاشٍ مفتوحٍ، وإلى مراجعةٍ جريئةٍ معلَنَةٍ لما جاء في بنود هذه الوثيقة".

وختم الميثاق بتعهد "الكاتبُ السّوريُّ المستقل": "أَنْ أقفَ موقفاً واضحاً ومباشراً من أيِّ اعتداءٍ على نصوصِ زملائي ومساندتِهم إذا ما تعرّضَت نتاجاتُهم للاعتداء، آملاً في إرساءِ تقاليدَ تمنعُ استقدامَ الغرباء للعبِ بأفكارِ الكاتبِ ومواقفِ شخصياتِه ومقولاتِ حكاياِته".