ميلاد يوسف: أصبحت جوكر الدراما السورية

مقابلة, دراما سورية, ميلاد يوسف, مسلسل

15 سبتمبر 2009

طموحات كثيرة تغمر نفس الفنان وتجوب مخيلته وهمّه الأكبر أن يتربع على عرش قلوب مشاهديه ليكنز رصيداً ثراً من حبهم له يمدّه بدفق من الحماس والتصميم للتقدم بخطوات ثابتة إلى الأمام . وقد تملًك هذا الهاجس الفنان ميلاد يوسف الذي سعى عبر أدواره المختلفة إلى ترسيخ هويته الفنية بكل مصداقية فحفر لنفسه مكاناً متقدماً على الساحة الدرامية المحلية خاصة والعربية عامة، كما حقق حضوراً لافتاً في شهر رمضان عبر المسلسلات التي شارك فيها..  كثيرة هي المحاور في حديثنا معه ولكن لتكن البداية من مسلسل «باب الحارة».


- ما حقيقة العقد الذي قيل أن المخرج بسام الملا منع بموجبه ممثلي «باب الحارة» من المشاركة في أعمال أخرى عن البيئة الشامية؟
كل ممثل شارك في «باب الحارة» وقّع عقداً جاء في نهايته بند يقول (يُرجى عدم الالتزام بأي عمل بيئة شامية إلى حين انتهاء عرض مسلسل باب الحارة). وأعتبر أن العقد الذي وقعته هو عقد صحي وأخلاقي بالدرجة الأولى للالتزام بالعمل كبيئة شامية مع المخرج بسام الملا إلا أنني كنت من الأشخاص القلائل الذين التزموا به، فعندما تشارك في أعمال اجتماعية لا تتشابه لن يكون هناك مشكلة، ولكن للبيئة الشامية خصوصية ينبغي الحفاظ عليها ولها طبيعتها وتفاصيلها، فمفاتيحها قليلة بيد الممثل إن كان من ناحية الأداء أو اللهجة أو الملابس لأنها ستكون متشابهة كما أن طبيعة العلاقات بين الشخصيات ستكون محدودة. ولذلك الالتزام مع بسام الملا لم يأتِ من عبث، وقد شاهدت ممثلين شاركوا في أكثر من عمل يندرج ضمن البيئة الشامية وكانوا يشبهون بعضهم البعض.

- سرت شائعة أن هناك جهة إنتاجية عرضت أموالاً على الفنانين المشاركين في «باب الحارة» كي لا يشاركوا في الجزء الثالث. فهل حصل هذا الأمر معك؟
لم أسمع بذلك ولم يُعرض علي مثل هذا العرض.

- إلى أي مدى أثّر رفض بعض الفنانين متابعة دورهم في هذا الجزء من «باب الحارة»؟ فهل لتغيير ممثل أن ينعكس على سير العمل ككل؟
شعرت بداية بالخوف من هذه المسألة حتى أنني حاولت التدخل بطريقة غير مباشرة لحلحلة الأمور وأن أثنيهم عن هذا القرار ولكن كانت لديهم مبرراتهم التي أحترمها. عموماً  هنا تكمن خطورة الأجزاء، وإن تحدثت عن «باب الحارة» تحديداًَ فقد حقق نجاحاً أدى إلى أن شخصياته لم تعد ملكاً للممثل وإنما للجمهور. فقد وصلت هذه الشخصيات إلى مستوى من التأثير أشبهه بأعمال الفنان دريد لحام في الستينات والسبعينات أي تلك الكركترات التي مازالت حية في ذاكرة الناس مثل أبو عنتر، غوار الطوشة، ياسين بقوش، حسني البورظان، فطوم... هذه الكركترات التي عشنا عليها في صغرنا وارتدينا الأقنعة الخاصة بها حتى أصبحت تقليداً رمضانياً في حياتنا، وهذا ما شعرت به هذه السنة في أن «باب الحارة» أصبح تقليداً من تقاليد رمضان، وينبغي أن يعي الممثل هذه المسألة وبالتالي أن يتخلى عن نوع من الأنانية في لحظات معينة. وأنا هنا لا أقول ألا يُطالب بحقوقه ولكن ليطالب بها بالحدود المعقولة أو حتى بالحدود الدنيا. فعلى سبيل المثال قدم لي «باب الحارة» الكثير فمجرد حضوري فيه أمدني بزخم في الخارج ورفع لي أجري ليصبح أجراً ممتازاً، وبالتالي تجربتي في هذا العمل على المستويين المادي والمعنوي كانت ناجحة.

- هناك من اعتذر لأنه رأى أن دوره في الجزء الثالث لن يُقدم له جديداً؟
هناك سؤال مهم ينبغي أن يوجّه إلى الممثلين الذين اعتذروا عن استكمال أدوارهم. فهل غيابك أيها الفنان أهم أم أن تكون موجوداً بالشخصية التي انطبعت في ذاكرة الناس ولو كانت محدودة الفعل؟ أهذا أهم أم أن يأتي ممثل آخر ليؤدي الشخصية ويشوهها!؟
ففي الجزء الثالث هناك شخصيات عدد مشاهدها قليل ورغم ذلك لم تُقدم بشكل هامشي فالمخرج بسام الملا ليس لديه شخصية هامشية لأنه يهتم بالشخصيات الثانوية حتى أكثر من الشخصيات الأساسية وكأنه يحمل هماً فنياً تجاهها بشكل أكبر، وبالتالي لم يكن هناك شخصية في «باب الحارة» مهما صغر حجم دورها إلا حملت قضية إنسانية، وهنا مكمن سر نجاح العمل. وحتى عندما تم استبدال الممثلين لم يستبدلهم بممثلين مغمورين وإنما بفنانين جيدين جداً. وهذا الأمر يمكن تلمسه في أعمال الملا كلها وليس «باب الحارة» فقط. فعلى سبيل المثال شخصية طلبة التي أديتها في «الخوالي» أعتبرها من الشخصيات التي أثّرت في ذاكرة المشاهد رغم أن عدد مشاهدها لم يتعدَ ٧٠ مشهداً في عمل مؤلف من ثلاثين حلقة. لذلك أقول أنه يمكن أن تتنازل مادياً في سبيل التعامل مع مخرج مثل بسام الملا لأنه سيقدمك بشكل صحيح.

- إذاً الممثل لديه إما خيار الخضوع لشرط الكاتب في الشخصية وشرط المنتج في الأمور المادية وإما أن يرفض استكمال تمثيل دوره في أجزاء أخرى؟
هناك قاعدة يجب أن يفهمها كل ممثل، فمن حقه إما القبول أو الرفض، وإن قبل الدور عليه أن يكون وفياً والإبحار بالسفينة حتى النهاية وتحمل النتائج سلبية كانت أو إيجابية، لماذا إن كانت النتائج إيجابية يهلل للعمل وإن أتت سلبية يصرخ ويرفض؟
إن ما كبرت ما بتصغر...

- هل يمكن للأعمال التركية المدبلجة أن تؤثر على الإنتاج الدرامي العربي عامة والسوري خاصة؟
أتمنى حدوث ذلك لأنه إن لم تكبر فلن تصغر، إنني فنان أخاف على عملي وأنا ضمن حركة فنية موجودة في بلدنا وأخاف عليها، وأرى أن الدراما التركية قد أثّرت على الإنتاج السوري وإن لم تؤثر الآن فستؤثر مستقبلاً واستقيت هذا الكلام من مجموعة من الجهات الإنتاجية التي رصدت أموالاً لإنتاج المسلسلات السورية، فعادت وقالت عوضاً من رصد هذا المبلغ لإنتاج عمل سوري فإنها بهذا المبلغ تنجز ثلاثة مسلسلات مدبلجة. أما على صعيد الجانب الفني فأنا أرفض أن يتحول الممثل السوري إلى مؤدي صوت أي إلى نجم صوت، لأن الممثل السوري مقدرته عالية جداً. والذين قدموا هذه المسلسلات لا تعنيهم الدراما السورية. ثم ألا تعي أيها الممثل والمخرج والكاتب الصراع الذي تعيشه الدراما السورية ومن أشكال الصراع الإنتاج المصري وهجرة ممثلينا ومخرجينا إلى مصر، بالإضافة إلى المسلسل الخليجي ومزاجية المحطات في قبول العمل السوري، أضف إلى ذلك الإنتاج المشفر الذي يغيّب عدد كبير من ممثلينا والمخرجين.
فهل أنت من السذاجة أن تفتح باباً قد يؤثر على الدراما السورية الذي هو الدوبلاج أي فوق ذلك تتبنى الدراما التركية... لماذا؟.

- أستغرب كلامك هذا لأن أكثر أعمالكم هي من إنتاج مال عربي والمحطات الخليجية التي طالبت بهذه الأعمال التركية؟
هناك صعوبة في استقطاب هذا الإنتاج وصعوبة في إنجاز العمل من رأسمال سوري وبالتالي هناك اعتماد على هذه الجهات.

- ولكن أليس هذا المال العربي هو من يحدد سياستك الإنتاجية؟
بطريقة أو بأخرى أنت خاضع لهذا الرأسمال الذي ينتج أعمالك، ولكن وجود العمل التركي أتى نتيجة ضربة فهل نكرسها؟ إنني مع أن نحترم هذه التجربة ولكن ألا نكرسها فهي تجربة لها حسناتها بأن هناك مجموعة من الممثلين المغيّبين ظهروا من خلالها وأصبح لهم حضور، ولكن يجب عدم تكريس هذا الأمر. فهذه الأعمال حتى على المستوى التقني سيئة جداً، وأنا كممثل لدي تحفظات كثيرة عن الأداء الصوتي فإن قال لي الممثل الذي يُدبلج أنه كان يقول جمله بحس حقيقي فلن أصدقه. حتى أن إحدى الحلقات سمعت فيها صوت ممثل وهو يدبلج وفي الوقت نفسه صوت همسه على الهاتف يكلم زوجته خارج التسجيل وظهر ذلك على الهواء!...
كان هدف الدراما المصرية الحد من انتشار الدراما السورية وتأثيرها في المجتمع العربي وتقبل المشاهد لها، والدراما التركية نبهت إلى كيفية تحويل الدراما السورية إلى مجرد صوت ودوبلاج وطرح قضايا اجتماعية لا تعنينا! خارج اللعبة

- هل انحسرت ظاهرة عمل الممثل السوري في مصر؟
انحسرت بشكل جيد، وأرى أنه عندما تستقطب ممثلين يجب أن تستقطبهم لنجوميتهم وأدائهم. فقد شاركت في عمل بحريني (ملامح بشر) وفيه طلب مني المخرج أن أكون كما أنا بلهجتي وأدائي وانفعالي وحرفيتي، فاستقطبني كممثل سوري وليس ليقولبني ضمن قوالب مختلفة ويفرض علي لهجة أخرى، وهنا سر جمال هذه التجربة التي أحترمها.

- من أجل ذلك سبق واعتذرت عن أعمال مصرية؟
بالطبع، فلماذا سأكون موجوداً فيها؟ يمكن أن تأتي بأي ممثل مصري ويؤدي الشخصية، والسؤال ما تقويم عمل ممثل سوري في مسلسل مصري؟ تقويمه من خلال إتقانه للهجة المصرية ليس إلا، فأنا لست ضمن هذه اللعبة.

- دائماً يتحدث ممثلون عن أدوار اعتذروا عنها، فمتى تعتذر عن دور، عندما لا يعجبك الأجر أم الشخصية أم المخرج أم...؟
(ضاحكاً) لست ممن يسوّقون فكرة أنهم يعتذرون عن أعمال، فقليلة هي الأعمال التي اعتذرت عنها. ويبدو أنه عندما يُطرح علي الدور يكون اختياري له بالمكان المناسب، فنادراً ما يحدث أن طُرِح علي شخصية وشعرت بأنها ليست لي، أما من الناحية الإنتاجية فأصبح ميلاد يوسف جوكر أي أنه يلعب مع الجميع وليس لديه مشكلات مع 90% من المخرجين.

- تحدثت أنك تعمل مع 90% من المخرجين فماذا عن الـ ١٠٪؟
لها علاقة برأيي الخاص بالمخرج، والمسألة ليس لها علاقة بأمر فني. أحب عندما يتعامل معي مخرج أن يتعامل معي كممثل ولأني حيادي وليس لأني محسوب على فلان أو علتان.

- هل شعرت بأنه تم زجك في صراعات فنية لا تعنيك؟
بالطبع، المشكلة في وسطنا إن أردت أن يكون لك موقف أو رأي فهذا له ثمن، كما أن العلاقات الخاصة خارج إطار العلاقات المهنية تلعب دورها في موضوع انتقاء الممثل، لقد حاولت أن أبتعد عن المحسوبيات كي لا أكون محسوباً على طرف. وهنا أقول إن عملك مع شركة رائدة أو مخرج رائد لا يحقق لك النجاح دائماً، ففي فترة معينة عندما كنت أجد أن الجميع يركض باتجاه معين فأركض بالاتجاه المعاكس ورغم ذلك حققت نتائج جيدة، فعلى سبيل المثال لم أعمل مع هيثم حقي وباسل الخطيب ونجدة أنزور وياسر العظمة ومنذ خمس سنوات لم أعمل مع حاتم علي، وهؤلاء في فترة من الفترات أمسكوا بالدراما بشكل من الأشكال ورغم ذلك حققت جزءاً معيناً من الشهرة والوجود. وبالتالي أنت كممثل يمكنك الوجود إن أردت ذلك دون أن تتكئ على عناصر جاهزة دائماً. فينبغي على كل منا أن يشق طريقه بقواعد اللعبة الخاصة به.
الشائعة في حياة الفنان

- ما أكثر شائعة أطلقت حولك وكانت الأشد قسوة؟
في العام الماضي سرت شائعة قوية بأنه جرى معي حادث وأصبت بمكروه، ولا أعرف كيف صدرت ولكنها انتشرت بطريقة سريعة جداً، وبالطبع هناك شائعات حول زواجي من ممثلات أو علاقات، ولكني أتعامل معها بطرافة ولا أتبناها وأحاول تكذيبها فإن لم تحاول الحد من الشائعة يمكن أن تنتشر وتشكل أزمة لذلك أحاول إعلامياً أن أحد منها.

- كيف يمكن أن تولد الشائعة؟
أحياناً الحب الزائد يكون سبباً لشائعة، أو غيابك أو أن هناك شخصاً في الوسط يريد الإساءة إليك خاصة أنك شخص ظاهر في المجتمع، فمن الطبيعي أن تُحاك حولك الشائعات ولكن عليك التعامل معها بذكاء.

- هل تتمنى أن يصبح أحد أبنائك فناناً عندما يكبر؟
لا أحب هذه المعادلة أي أنك ممثل فأبنك سيكون ممثلاً أو أنك نجار فسيكون ابنك نجاراً. أحب أن يكون هناك حرية واستقلالية لأبني، فإن فشل ابنك في المجال الذي تعمل فيه فستحمل وزره.

- ولكن كثيراً ما نلاحظ مخرجون وممثلون يوكلون لأولادهم أدواراً في أعمالهم؟
لا أفضل هذا الأمر لأنه دائماً سيتم ربطه باسم الأب وتاريخه، وقد يكون الابن جيداً جداً ولكن قد يؤثر على اختياره لأنه ارتبط بمهنة الأب.

- هناك فنانون يقولون إن الحرية أفضل من الزواج خاصة في ظل عمل فيه سفر وسهر وجهد... فإلى أي مدى حياة الاستقرار مهمة للفنان ولإبداعه؟
مملكتي الصغيرة هي أسرتي التي تحقق لي التوازن والاستقرار وأنا أحب الاستقرار، ربما كنت فيما قبل طائشاً ومتمرداً ولكن في فترة من الفترات أخذت قرار الاستقرار الأمر الذي حقق لي التوازن والتركيز على عملي وأصبحت قادراً على تقويم الأمور بشكل أفضل...