شاليمار SHALIMAR قصة نجاح العطر الأسطوري من غيرلان Guerlain

13 أغسطس 2020
عطر شاليمار هو عطر نادر تمرّ عليه العصور من دون أن يفقد بهاءه. إنه عطر فريد من نوعه، صاغ تركيبته جاك غيرلان عام 1921 وأطلقه عام 1925، ليخرج إلى النور أول عطر شرقي لا يقاوَم في تاريخ العطور، ولا يزال أريجه حاضراً اليوم في شتى أنحاء العالم. يجمع العطر بين الارتجال البديهي والعبقرية، وينبع نجاحه من معادلة مثالية تتمثل في التقاء الإلهام الأبدي مع عطر ثوري يجسّد روح العصر.

قصة الإلهام لهذه الأسطورة الخالدة

استوحي عطر شاليمار من قصة حب. في مستهل العشرينيات من القرن العشرين، اتّخذ جاك غيرلان من قصة الحب بين إمبراطور سلطنة مغول الهند شاه جهان والأميرة ممتاز محل في القرن السابع عشر مصدراً للإلهام. خصّص الحاكم الهندي حدائق ملكية غنّاء في لاهور لمحبوبته وأطلق عليها اسم "شاليمار"، ويعني باللغة السنسكريتية "معبد الحب". وكانت هذه الحدائق حتى وفاة الأميرة المأسوية شاهداً على قصة حبّهما، ثم بنى الحاكم الذي فُجع بحبيبته في هذه الحدائق ضريح تاج محل الذي أصبح واحداً من عجائب الدنيا السبع.

عطر فانيليا من وحي البديهية

كانت هذه القصة جميلة لكنها وحدها لا تكفي لصناعة عطر، بل لا نزال نحتاج الى صياغة التركيبة للحصول على عطر رائع. تطلّب الأمر شيئاً من المصادفة مع لمسة من العبقرية الفذّة لكي يرى عطر شاليمار النور. وقعت تلك المصادفة عندما قدّم الكيميائي جاستن دوبون مادة إيثيل فانيلين، وهي أحد أحدث ابتكاراته إلى صديقه جاك غيرلان، وهنا التمعت في ذهن غيرلان فكرة صب بضع قطرات من هذه الجزيئات المعطّرة في قارورة عطر جيكي. هل أدرك حينها أنه قد رسم لتوّه خط البداية لأول عطر شرقي في تاريخ العطور؟ اكتملت تركيبة العطر بعد تلك الواقعة بأشهر عدة، وهي تجمع بين الفانيليا الآسرة للحواس والمنعشة، وكمية وفيرة من البرغموت ولمسات رقيقة من السوسن وحبوب التونكا النادرة التي تفيض دفئاً ودلالاً. وقد شكّل هذا العطر فتحاً جديداً في عالم صناعة العطور، فلم يسبق أن ظهر عطر بمثل هذه الطاقات الحسية الفائقة.


ابتكار ثوري

اختار غيرلان لهذا العطر المذهل قارورة مميزة صمّمها خصيصاً لهذا العطر ابن أخيه ريمون. وتستحضر قارورة العطر، التي تُعَد عصارة لابتكارات عدة مزدانة بلمسات مستوحاة من الثقافة المغولية والزخارف العربية المائلة، إلى الذهن أحواض المياه في حدائق شاليمار. كانت قارورة عطر شاليمار أول قارورة عطر في التاريخ بتصميم بقاعدة، كما أنها أول زجاجة بغطاء ملون مصنوع من كريستال باكارا المطلي بأسلوب لا يزال سراً حتى يومنا هذا. أُعلن عن هذه القطعة الفنية الفريدة التي تفيض جرأةً وجسارةً والمعروفة باسم "عطر شاليمار" في المعرض الدولي للفنون الزخرفية في باريس، والذي أُقيم عام 1925، أي بعد 4 سنوات من ابتكار العطر. قررت الدار أن تنتظر إلى أن تأتي اللحظة المناسبة لإطلاق هذا العطر الجديد، وقد كان ذلك قراراً مثمراً حيث منحت هذه الفعالية المرموقة الجائزة الأولى لعطر شاليمار. يتميز عطر شاليمار بطابع من الغموض والغرابة وبلمسات هندية مميزة تجعل منه تجسيداً لانبهار تلك الحقبة بعالم الشرق، فهو أفضل تعبير عن روح ذلك العصر.

نحو عالم الأساطير

ثمة عوامل مختلفة اجتمعت معاً لتصنع قصة نجاح شاليمار. فمن طريق بلورة خيالات حقبة العشرينيات الصاخبة التي شهدت مولد هذا العطر الذي غيّر من قواعد صناعة العطور، شكّل هذا العطر نواة لعائلة متكاملة من العطور الشرقية. ومنذ أن حصد العطر إعجاب العميلات في الولايات المتحدة الأميركية، أصبح خياراً أساسياً للعديد من النساء. وفي رحلة عبر المحيط الأطلسي، أصبحت زوجة ريمون غيرلان سفيرة للعطر حيث وقع المسافرون الأميركيون تحت تأثير العطر الساحر وراحوا يسألونها عن العطر الذي تضعه. وقد كانت تلك الاستجابة الحماسية انعكاساً للنجاح المبهر للعطر الذي واصل نجاحه وغمر العالم كله بنفحاته الآسرة للحواس. يُعَد عطر شاليمار أسطورة في عالم العطور الحديثة، وقد بات الآن رمزاً شهيراً. ويحمل اسم العطر المكوّن من ثلاثة مقاطع غريبة- لكنها شائعة- سحراً لا يفقد بهاءه مع مرور الزمن.