صوفيا عاصمة بلغاريا الخضراء

جولي صليبا 27 سبتمبر 2020

عندما نتحدث عن السفر إلى بلغاريا، تخطر في بالنا فوراً الشواطئ الرملية الذهبية أو الجبال الشاهقة. صحيح أن هذه الأماكن رائعة وتستحق الاستكشاف، لكن السفر إلى العاصمة صوفيا يمنح المرء فرص ترفيه متعددة وسط طبيعة ساحرة. هيّا بنا نتعرف معاً على تلك المدينة الأوروبية التي يتعانق فيها التاريخ مع الحضارة، وتتأصّل فيها العادات البلغارية الجميلة... 



صوفيا، عاصمة جمهورية بلغاريا وأكبر مدنها، تمتدّ على مساحة 492 كيلومتراً مربعاً، وهي المركز الثقافي والاقتصادي الأساسي الذي تعتمد عليه بلغاريا. 

تحتل المدينة موقعاً استراتيجياً غرب بلغاريا على مفترق الطرق التي تربط أوروبا الغربية بالشرق الأوسط والشرق الأقصى، ونهر الدانوب بالبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود بالبحر الأدرياتيكي. وتتمتع بتضاريس متنوعة من السهول والهضاب والمرتفعات والوديان والجبال المتفاوتة الارتفاع. 

يرجع تاريخ بناء المدينة إلى ما قبل 2700 سنة، عندما أنشأها البلغار القدامى على مساحة 1310 كيلومترات مربعة في سهل صوفيا العالي على السفح الجنوبي لجبال فيتوشا. يبلغ متوسط ارتفاع المدينة 550 متراً عن سطح البحر، وتتميز بشتاء بارد كثيف الثلوج وصيف معتدل الحرارة، مما يناسب مختلف أنواع السياحة، كالسياحة البيئية والبحرية، والرياضية، والثقافية، والعلاجية... 

حملت المدينة اسمها الحالي (صوفيا) في نهاية القرن الرابع عشر، تيمّناً بكنيستها الرئيسية في ذلك الحين "بازيليكا القديسة صوفيا"، التي كانت تعتبر رمزاً للمدينة. وفي العام 1838 وقعت مدينة صوفيا في أيدي العثمانيين، وبقيت كذلك حتى تحريرها عام 1878. وفي شهر نيسان/أبريل 1879، تم إعلان صوفيا عاصمةً للدولة البلغارية المحرّرة. 

وفي العاصمة صوفيا الكثير من المناظر الطبيعية الخلابة، مثل التلال الجميلة التي يكسوها اللون الأخضر، والشواهد التاريخية التي تؤكد عراقة المدينة وتعاقُب الأزمنة المختلفة عليها. 

 تتأصّل جذور الماضي في الأماكن السياحية في صوفيا، بحيث يروي كل مكان سياحي قصة مختلفة من الصراع والثبات والمثابرة، وهذا ما يجعل العاصمة صوفيا تزخر بالطاقة والثراء الثقافي.

متحف الفن الاشتراكي   

كانت بلغاريا بلداً شيوعياً في السابق، ولا تزال مدينة صوفيا تعيش حتى الآن بروح ماضيها الاشتراكي. لذا، تم إنشاء متحف الفن الاشتراكي بهدف عرض الأعمال الفنية التي تم انشاؤها في الفترة الاشتراكية في بلغاريا. 

ويضم المتحف أعمال بعض أبرز الرسّامين والنحّاتين في ذلك الوقت، علماً أنه يتميز بمعرض داخلي وحديقة للنحت في الهواء الطلق. 

يشتمل المتحف على عدد من المعروضات الجذّابة، منها النجمة الحمراء التي زيّنت مقر الحزب الاشتراكي في صوفيا في الماضي، إضافة إلى المنحوتات التي تصوّر قادة مشهورين، أبرزهم جوزيف ستالين. 


متحف التاريخ الوطني 

هو متحف تاريخي مميز، غني وثري بالمعروضات الجميلة حيث يضم ما يزيد على سبعة ملايين تحفة أثرية متنوعة من التراث الثقافي التابع لبلغاريا. عند زيارة هذا المتحف، يستطيع المرء التعرف على تاريخ المدينة القديم والاطّلاع على مدى غناه وتنوعه.  تمّ بناء المتحف عام 1978 ليكون موطناً لأروع التحف والمعروضات الأثرية الموزّعة على صالات مختلفة تشرح كل منها حقبة معينة من تاريخ المدينة. 

مسجد بنيا باشي 

إنه أحد المعالم التي تخلّد فترة الحكم العثماني التي عاشتها المدينة. تمّ بناء المسجد في الحقبة العثمانية عام 1576، ولا يزال محافظاً إلى يومنا على هيئتة الأولى. 

يقع المسجد على مجموعة من البرك والحمّامات القديمة حيث يمكن مشاهدة البخار يخرج من المصارف في أرضية المسجد بالقرب من الجدران. يشتهر المسجد بقبّته الضخمة ومنارته العالية، وهو حالياً يعتبر المسجد الوحيد المفتوح للصلاة في صوفيا ويستخدمه قرابة 8614 شخصاً من أصل 1,170,842 مسلماً يعيشون في البلاد.  


قصر صوفيا الوطني للثقافة 

يقع القصر الوطني للثقافة في مركز مدينة صوفيا، وهو عبارة عن مجمّع متعدد الوظائف يجمع ما بين الهندسة المعمارية الحديثة والفنون البصرية البلاستيكية. تم افتتاح القصر عام 1981 كجزء من الاحتفالات بعيد ميلاد بلغاريا الـ 1300.  يتألف هذا القصر من 15 قاعة متعددة الوظائف و55 مرفقاً للاجتماعات واللقاءات تستوعب أكثر من 8000 شخص. وقد استقبلت قاعات القصر العديد من الفنانين العالميين المشهورين، مثل خوسيه كاريراس، وأندريا بوتشيلي، وريكاردو موتي وغيرهم... كما يستقبل القصر مهرجاناً موسيقياً دورياً ينشد فيه الفنانون البلغاريون.  وفي قاعات القصر الوطني للثقافة، يستطيع كل شخص أن يلمس عن قرب أنواعاً مختلفة من الفنون.


حديقة الحيوانات 

تُعدّ حديقة حيوان صوفيا أكبر وأقدم حديقة حيوانات في بلغاريا، وهي تحتوي على تنوع بيولوجي هائل حيث يوجد فيها أكثر من 1200 حيوان من مختلف الأنواع. يستطيع الزوّار التمتع برؤية مختلف أنواع الحيوانات الموجودة هناك، ولا سيما فرس النهر والفيل وغيرهما من الحيوانات البرية. 

اللافت في الحديقة، بركة جميلة تتيح للزائر القيام برحلة بحرية لاستكشاف الحديقة. تستمرّ هذه الرحلة قرابة الثلاث ساعات، لكنها رائعة فعلاً. 


كنيسة القديسة صوفيا 

تُعدّ الكنيسة الأرثوذكسية للقديسة صوفيا من أقدم الكنائس الموجودة في العاصمة البلغارية، وهي تحتلّ المركز الثاني لناحية القِدم. بالفعل، يرجع تاريخ الكنيسة إلى القرن السادس الميلادي، وكانت هذه الكنيسة السبب الرئيس في إطلاق اسم "صوفيا" على المدينة.  تم بناء الكنيسة على أطلال كنيسة قديمة شُيّدت في العصر الروماني، لكنها دمّرت في عهد الإمبراطور البيزنطي جوستنيان الأول حين تم غزو المدينة. وعندما سيطرت الإمبراطورية العثمانية على المدينة، تم تحويل المكان إلى مسجد، وعُثر في داخله على بعض أجزاء الفسيفساء التي ترجع إلى أحد المعابد القديمة.

الينابيع الحارّة 

قليلة هي البلدان الأوروبية التي تستطيع منافسة بلغاريا في مجال السياحة العلاجية والتأهيل بالمياه المعدنية والطين. فنظراً لتعدّد أنواع المياه المعدنية الحارّة وموارد الطين العلاجي في الأراضي البلغارية، تحتلّ البلاد المراتب الأولى في أوروبا في هذا النوع من السياحة. 

ولا شكّ في أن وسط العاصمة صوفيا يضم العشرات من مراكز الاستشفاء والسبا، حيث يستطيع الزائر الانغماس في العلاجات التأهيلية والتجميلية. 

كما تشتهر مدينة صوفيا بتنوع الأعشاب الطبية والنباتات العطرية، وتوفّر بذلك ظروفاً ملائمة لزيارة البلاد وتلقي علاجات مذهلة لمختلف أنواع الأمراض، أو حتى لمجرد الراحة والاستجمام. 


الحدائق الخضراء  

عاصمة بلغاريا مليئة بالمساحات الخضراء والحدائق الغنّاء، مثل حدائق "بوريسوفا غرادينا" و"يو تشن بارك". عند زيارة هذه الحدائق، لن يجد المرء فقط الأشجار والبرك والألوان الساحرة، وإنما سيصادف أيضاً السكان المحليين الباحثين عن الاسترخاء. 

بالفعل، يبحث الأشخاص الذين يتضايقون من ضوضاء المدينة وأضوائها الساطعة ومبانيها الشاهقة عن ملاذ هادئ للاسترخاء. وسوف يجدون حتماً ضالّتهم في حديقة "بوريسوفا غرادينا" حيث الهواء النقي والهدوء التام. 

تم إنشاء هذه الحديقة عام 1884 وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء فيها الكثير من المساحات الخضراء، إضافة إلى بحيرة رائعة. وهذا ما يجعل من الحديقة مكاناً مثالياً للاستمتاع بالجمال البلغاري الطبيعي. 


المتنزّهات  

المتنزّهات في صوفيا هي المكان المفضل للاستراحة وممارسة النشاطات الرياضة. ولعل أشهر تلك المتنزّهات، متنزّه الملك بوريس الذي يتوسط المدينة. أما المتنزّه الجنوبي فيقع بالقرب من قصر الثقافة الوطني. وعلى مسافة قريبة من صوفيا، هناك ملعبان للغولف وتحديداً عند مدينة إختيمان (Ihtiman) وقرية رافنو بوليه (Ravno pole). 

في فصل الشتاء، يصبح جبل فيتوشا الوجهة المفضلة لمحبّي رياضة التزلج، علماً أن الزوّار يقصدونه أيضاً خلال فصل الصيف للتنزّه والمشي لمسافات طويلة. فالمكان ساحر بمناظره الطبيعية الجميلة وغطائه الأخضر.


وجهة مثالية 

لا شك في أن السفر إلى صوفيا سيكون تجربة ممتعة لجميع الأشخاص من كل الفئات العمرية، مهما اختلفت ميزانياتهم. بالفعل، تعتبر صوفيا وجهة مثالية لذوي الميزانية المحدودة، وهي أرخص من أجزاء أخرى في بلغاريا ذاتها. واللافت أن المسافر إلى صوفيا يستطيع الاستمتاع بالكثير من الأنشطة السياحية، وتناول وجبات الطعام بأسعار معقولة، من دون أن ننسى طبعاً الحياة الليلية المتنوعة التي تشتهر بها المدينة وتلبّي مختلف الأذواق. 


ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى ودّ السكان المحليين في صوفيا الذين يقدّمون المساعدة للجميع بكل سرور ورضى.