منى واصف...أحلام طفولتي تحققت!

فيلم قصير, منى واصف, بشار الأسد, بسام الملا, مسرحية, فنانة / فنانات سوريات, شخصية أم جوزيف, الكاتب الروسي فيشنيفسكي, رفيق الصبان, أنديرا غاندي, كتاب الإسرائيليات, السيد القمني, كتاب البابا الأخضر, كتاب الحرب والسلم, عائشة الهاملة, ماكبث, شكسبير, علي

29 يناير 2010

بدأت عطاءها الفني في ميدان المسرح عام ١٩٦٠ عبر مسرحية «العطر الأخضر»، ثم انطلقت لتحقق حضوراً عربياً واسعاً بعد مشاركتها في فيلم الرسالة عام ١٩٧٤. سينمائياً بلغ عدد الأفلام التي مثلت فيها ثمانية وعشرين فيلماً وهو رقم كبير لفنانة سورية، ومن أبرز أعمالها السينمائية تلك المأخوذة عن روايات الكاتب حنا مينه. أما على صعيد المسرح فشاركت في أكثر من خمس وعشرين مسرحية لأهم المؤلفين العرب والأجانب. وفي إطار الدراما التلفزيونية العدد كبير من الصعب أن يُحصى. والمتأمل لأرشيفها الفني يكتشف مقدار ما حصدت من أوسمة وجوائز في مختلف المحافل داخل سورية وخارجها. إنها الفنانة منى واصف التي قدمت عبر مسيرتها الفنية والإنسانية عطاءً متدفقاً لا ينضب. وهي اليوم من أركان الفن السوري وركيزة من ركائزه، فجيلها هو ذاك الجيل الذي أسس بكثير من الجهد والحب.
حول وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة الذي قلدها إياه الرئيس السوري بشار الأسد، وعن أعمالها الجديدة، وأهمها الجزء الخامس من «باب الحارة»، وحول رؤيتها الفنية على المستويين الخاص والعام كان لنا معها هذا اللقاء.

- كيف تصفين لقاءك مع الرئيس بشار الأسد قبل أن يقلدك الوسام؟
امتد اللقاء نصف ساعة، وقد شعرت بأن هذه الدقائق بمثابة ثلاثين وساماً. وعندما قلدني وسام الاستحقاق كان الوسام  الحادي والثلاثين، فلم أتوقع هذه الحفاوة وذلك الاستقبال الراقي و الرائع. كان لقاءً مبهراً وعميقاً وإنسانياً ووطنياً، وهي المرة الأولى التي أقابله فيها. إلا أن زملائي الذين سبق ان كرمهم قالوا إنه يتسم بسمة التواضع ولكن التواضع الذي لمسته فيه هو تواضع العظماء، وهذا لا يدركه أي كان، وأقصد بتواضع العظماء أنك تنسى في لحظة كل شيء وتشعر أنك جالس مع صديق. كنت أحلم وأنا صغيرة بأنني طير أو فراشة تطير من بلد الى آخر أحارب وأنتصر وأعود إلى قصري في جبل قاسيون، وكان لزاماً أن يكون القصر على جبل قاسيون ولكني لم أر نفسي نائمة فيه وإنما أعود إليه لأرتاح وأعاود الذهاب للحصول على انتصار آخر. واليوم أشعر أنني حققت انتصارات طفولتي التي كنت أحلم بها.

- ما الذي لمسته من رد فعل الناس على نيلك الوسام؟
لمست شعوراً جميلاً جداً، فكان هناك حب عميق. كما أن الإعلاميين تحدثوا إلي بفرح. سمعت كلاماً رائعاً مضمونه المحبة الخالصة، وعموماً اليوم الذي تم فيه تقليدي الوسام شعرت بأنه عرس حقيقي بالنسبة إلي، و منذ ذلك اليوم وأنا سعيدة للغاية وتجدني مبتسمة دائماً.


أم جوزيف تعود

- بعد أن توقع كثيرون استشهاد «أم جوزيف» في الجزء الرابع من «باب الحارة» سنعود ونراها في الجزء الخامس، فكيف ستظهر؟ وما الجديد الذي سيُقدم عبرها؟

نص الجزء الخامس لا يزال قيد الكتابة، ولكن في الجزء الرابع لم نرَ جنازتها، وبالتالي كان احتمال عودتها في الجزء الخامس قائماً. وبالفعل ستكون موجودة في الجزء الجديد من «باب الحارة».

- عندما أوكل إليك المخرج تجسيدها في الجزء الرابع هل خشيتِ من فكرة أنك سبق ان جسّدت دور العرافة في الجزء الثاني من المسلسل ذاته؟
كانت لدي هواجسي حول هذا الموضوع فقد ظهرت عبر أربعة مشاهد في الجزء الثاني بدور العراّفة وكنت حزينة لأن حضوري في «باب الحارة» سيقتصر على هذه المشاهد الأربعة. ولكن عندما طلب مني المخرج بسام الملا تأدية دور «أم جوزيف» سألته كيف يمكنني فعل ذلك وسبق أن شاركت في الجزء الثاني، فأجاب بأنه يراهن على خبرتي وخبرته والأهم أن أقنع الناس بالشخصية وأن أجعلهم ينسون دور العرافة. وقد شدتني الشخصية وأحببتها لأنها تشبه النساء اللواتي أحبهن، فدائماً كنت أقول أنني أحب لعب دور المرأة القوية التي تأخذ ثأرها بيدها، ولكن تمر أحياناً عدة سنوات ولا أجسد دور هذه المرأة لأنه وفقاً لعمري بات هناك صعوبة في إيجاد هذه الأدوار التي كنت ألعبها في السابق. ولذلك عندما يأتيني دور يلامس القوة التي أحسها في النساء اللواتي أقدمهن أدافع عنه وأتبناه بشكل كبير.

- هل توقعت أن تحقق «أم جوزيف» الصدى القوي والحضور الساحر لدى الناس؟
لم أتوقع الصدى الذي حدث حول شخصية «أم جوزيف» خاصة أنني من النوع الذي لا يفكر أثناء التصوير في ما يمكن أن يحققه العمل من حضور أو نجاح. فعلى سبيل المثال لم يسبق لي القول (انتظروني فسأقدم عملاً سيدهشكم) كما قد يفعل آخرون، ولكن أشعر بأن هناك دوراً أحببته وأحسّ بالمتعة عند تأديته وأتمنى أن ينجح.

- امتلكت الشخصية منذ إطلالتها الأولى مفرادتها الخاصة، فما هي حدود إضافاتك الى الشخصية لتكون منصهرة ضمن النسيج المتكامل للعمل؟
النسيج المتكامل كان في النص، وفي دور المخرج ووجهة نظره، كما كان لي محاولتي في تقديم ما هو حقيقي وله مصداقيته وساعدني في ذلك المكياج والملابس. فعندما نظرت إلى نفسي في المرأة شعرت بأنني «أم جوزيف» بطريقة كلامها وملابسها، وقد استعنت بخبرتي خاصة أنني سبق ان رأيت الكثير من النماذج التي تشبه «أم جوزيف» وأصبح لدي مخزون غني من خلال الرصد الحياتي عبر السنوات الطويلة ومتابعتي للأعمال العربية والعالمية. وهذا التراكم يجعل الممثل يستطيع أن يُخرج الشخصية كما يريد، أضف إلى ذلك وجود نص جيد يشحذ المخيلة ومخرج يعرف مبتغاه تماماً فنتحاور ونتناقش حتى تظهر النتائج الجيدة.


موضة البيئة الشامية

- هل تخشين على أعمال البيئة الشامية من الوقوع في فخ التكرار؟

لا، فالأعمال الشامية لا تندرج ضمن هذا الإطار ونحن حتى الآن نشاهد الكاوبوي الأميركي. النجاح هنا يرتبط بالقصة وكيف يتناول المخرج العمل، فلدينا بيئة غزيرة الأحداث وتاريخ عريق جداً وإن أردت الكتابة عن دمشق يمكن أن تكتب مئات الموضوعات دون أن يحدث تشابه، ولكن بالطبع لا يعني نجاح عمل إنجاز آخر ولكن البيئة غنية، وقد بنت أعمال البيئة الشامية نوعاً من التواصل خاصة مع المغتربين.
ولكن بعد إنجاز هذه الأعمال بتنا نخاف أن نطرح موضوعات قد تجرح المتلقي أو تولّد نوعاً من الحساسية لدى البعض. وهنا يتنازعني نازعان، الأول منبعه إحساسي وهو فكرة تطهير هذه البيئة والثاني أنني كفنانة لست مع هذا الأمر لأن ما نقدمه هو فن ويمكن إظهار العيوب فيه، ولكن تشعر بأنك أصبحت مسؤولاً بشكل من الأشكال عن أخلاقيات هذه البيئة وباللاشعور تحس أنك بت حارساً لها.

- ما جديدك في مسلسلي «القعقاع» و«أسعد الوراق»؟
أشارك في المسلسل التاريخي «القعقاع» إخراج المثنى صبح بدور مدّعية النبوة سجاح، وقد صورنا جزءاً من العمل في المغرب وسيتم استكمال عمليات التصوير في سورية. كما أشارك في مسلسل «أسعد الوراق» إخراج رشا شربتجي. وهو عمل درامي سبق أن قُدِم كسباعية عام 1975 سنة ولعبت فيه دور «منيرة». أما اليوم فالمسلسل مؤلف من ثلاثين حلقة وعندما قرأت النص أعجبت به كثيراً، فهناك الكثير من الخطوط التي اختلفت والأحداث الجديدة التي دخلت الى العمل، فالمعالجة أتت مختلفة ولكن النبض الأساسي مازال موجوداً. وأجسد في المسلسل الجديد شخصية «أم نعيم» الزوجة الأولى لأبي نعيم الإنسانة الواعية القوية المتسامحة الواثقة من نفسها الجريئة والتي تفهم الحياة، لديها ابن شاب وابنة متزوجة.


شخصياتي ممنوعة عربياً

- سبق وأن قلت: كل الشخصيات التي قرأتها واستفزتني لأمثلها ممنوعة عربياً... ما هذه الشخصيات وهل لا تزال ممنوعة؟

أعتقد أنها لا تزال كذلك، وهذه الأدوار هي أدوار مسرحيات، فهناك أدوار من الصعب تقديمها خاصة في هذه الفترة. ربما أصبحت أقل جرأة حيال هذه الأدوار، فهناك أدوار سينمائية قدمتها قد لا أقدمها مجدداً فعندما تصبح ممثلاً تلفزيونياً تصبح مدجناً بشكل من الأشكال خاصة أنك تدخل كل بيت. لدي أحلام بأن أقدم مجموعة من الأعمال وأشعر بأن هذه الأحلام لن تتحقق لكني أحافظ على الحلم، وهناك أدوار من الجيد أنني قدمتها في زمن كان فيه حرية اجتماعية أكبر فعلى سبيل المثال «مأساة المتفائلة» للكاتب الروسي فيشنيفسكي إخراج علي عقلة عرسان أعتقد أنه لا يمكن عرضها اليوم، وكذلك الأمر بالنسبة الى مسرحية «من يخاف فيرجينيا وولف» للكاتب الأميركي ادوار أولبي إخراج د.رفيق الصبان. وحتى «ترطوف» لموليير وإخراج رفيق الصبان. وبالتالي هناك واقع عربي تغير، وانطلاقاً من ذلك أقول أن هناك أعمالاً تبقى ممنوعة عربياً.

- أمازلت تطمحين الى تجسيد شخصية أنديرا غاندي؟
دائماً أحلم بتجسيد شخصيتها ولا أظن أنني سأحقق الحلم. لماذا أنديرا غاندي؟ لأنها امرأة من العالم الثالث استطاعت أن تحكم شبه قارة وبجدارة، وهي مسيّسة منذ الطفولة وحتى تسلمها الحكم ومن ثم موتها عبر نهاية تراجيدية. وأشعر كممثلة بأن هذه النهاية تمثل صراع السلطة والموت. إنها المرأة التي كانت شبيهة بالرجل منذ طفولتها من حيث السلطة والقوة، حتى في قتلها هناك تراجيدياً. إنها تستهويني. هل هناك ممثلة لا تستهويها البداية والنهاية في السلطة بالنسبة الى امرأة تمكنت من أن تحكم شبه القارة الهندية بكل ما تحمل من فروقات وأديان ولغات متعددة وفقر مدقع؟!


أرفض تقديم تنازلات

- قلت في أحد اللقاءات «لست مضطرة لتقديم التنازلات»... فهل جيل اليوم يقدم التنازلات؟

لم أقدم تنازلات بمعنى أنه ليس هناك أحد صنعني أو شركة تبنتني، أما في ما يخص المادة فقد أخذت أدواراً قد لا تليق بي لكني لا أعتبرها تنازلات فأنا ليس لدي سوى هذه المهنة. المحامي قد ينجح في قضية ويفشل في أخرى لكن هذه مهنته ولا يستطيع العمل في مهنة أخرى. وأنا كذلك. وفي المقابل عندما أقدم تنازلات من جهة أعطي الى الفن من جهة أخرى لدرجة أنني قد أتنازل عن أجري لقاء دور ممتاز إن لم يكن المنتج لديه إمكانات مادية جيدة، وإلا كيف كنت أستطيع أن أحافظ لمدة تسع وأربعين سنة على مستوى معين وبقيت في المقدمة، فهذه السنوات لم تأتِ من فراغ، وكثيرة هي الظروف التي عاندتني لكني تجاوزتها وكنت في كل الفترات أثقف نفسي.

- هل استطعنا تكريس عادات وتقاليد إنتاجية سعياً لإرساء صناعة درامية حقيقية؟
رغم وجود شركات إنتاج كثيرة وكبيرة فإنها لم تستطع أن تفرض نوعاً من تقاليد العمل، علماً أن هذا النوع من الإنتاج له وجه اقتصادي مهم، لكن هذا الأمر غير موجود عندنا وإن وجد يكون فردياً. ينبغي أن ندرس ونخطط من أجل الأجيال القادمة فالفن السوري يستحق ذلك.

- إلى أي مدى تفكرين في حجم الدور عندما تختارينه؟
لا أفكر في مساحة الدور وإنما في قوته، وأول ما أفكر فيه هو العمل ككل، فإن كان قوياً ومكتوباً بشكل جيد وفيه مخرج ممتاز وممثلون متميزون يسعدني أن أشارك فيه وإن كان دوري صغيراً. فأنا أتألق مع الجماعة، وإن شاركت بدور بطولة في عمل ضعيف لا يضيف إليَ هذا شيئاً. وهذا صراع البقاء للفنان الذي يشعر بأن لديه ما يقدمه وإن كان صرخة في مسلسل، فمساحة الدور ليست مشكلة بالنسبة إلي. ولنعترف بأن الفنان كلما تقدم في السن تقل لديه فرص لعب أدوار البطولة.


القراءة وقود لخيالي

- ما نوعية الكتب التي تجذبك؟

إنني امرأة قارئة ولأنني امرأة قارئة أحس الحياة بمعناها الحقيقي بشكل كبير فأحب الحياة بالقراءة، أما آخر ما قرأته فهو «الإسرائيليات» للسيد القمني، و«البابا الأخضر» لأستورياس. وهذا الكتاب نفسه قرأته قبل خمس سنوات، إلا أنني أعيد قراءته حالياً لأن لديّ اقتناعاً بأن الإنسان ينضج مع الأيام وبالتالي ما قرأته قبل خمس سنوات قد أقرأه الآن بشكل أكثر عمقاً. فعلى سبيل المثال «الحرب والسلم» قرأته على مدار ثلاثين سنة حوالي ست مرات. وأرى أن القراءة وقود لخيالي. أما التلفزيون فمشاهدته بشكل كبير تقمع الخيال وخاصة عند الأطفال. واستذكر هنا كيف كنا أنا وزوجي نقتطع من راتبينا لكي نشتري الكتب. أنا أكدس الكتب كما يكدس البخلاء أموالهم. وعندما أسافر نصف حقيبتي تكون كتباً. عموماً أتمنى ألا أضيع في جزيرة إلا ومعي حقيبة مليئة بالكتب.

- أي الشخصيات التي قرأتها وتمنيت تأديتها؟
تمنيت لو كنت رجلاً لألعب هاملت وماكبث لشكسبير...