المخرج نجدة أنزور: الروح هي الأساس والعقل خطير...

فيلم قصير, جورج وسوف, ميلاد يوسف, نجدت أنزور, سيف الدين سبيعي, نضال نجم, مجد رياض, مصطفى الخاني, مسلسل

07 أبريل 2010

عادة ما تثير الأعمال التي يتصدى لها المخرج نجدة أنزور الجدل حول ما تطرحه من أفكار ومواضيع تتعلق بقضايا حارة وحاضرة في الساحة العربية. في مسلسله الأحدث «ما ملكت أيمانكم» يحاول مرة أخرى أن يثبت أنه السبّاق في اختراق الخطوط الحمر وخوض غمار الشائك من القضايا، إذ يثير مجموعة أسئلة منها: «كيف يتحول شخص إلى إرهابي ويحمل السلاح؟ وما البنية الفكرية التي يملكها هذا الشخص؟ وكيف يمكن التوجه إليه لإقناعه بحقيقة الإسلام بعيداً عما يُزرع في رأسه من أفكار؟ ثم هل الإرهابي فقط هو من يحمل السلاح؟ أليس من يحاول هدم جيل بأكمله أو هدم الإنسان من الداخل هو أيضاً إرهابي أكثر خطورة؟... كلها أفكار يرصدها أنزور عبر كاميرته المقتحمة في عمل وصف على أنه الأجرأ. حول مسلسله الجديد «ما ملكت أيمانكم» ومشروعه المقبل مع الكاتبة أحلام مستغانمي عبر إخراجه لرواية «ذاكرة الجسد» وقضايا فنية أخرى كان لنا هذا اللقاء:

- أين تكمن خصوصية (ما ملكت أيمانكم) وما أهم المحاور التي يطرحها؟
يتناول المسلسل الحديث عن مثلث في المجتمع فيه ثلاثة أضلاع هم العقل والجسد والروح، فعقل وجسد دون روح لا فائدة منهما. وأرى أن المجتمع هو الروح لأنها الأساس ولكن عندما تضمحل وتنتهي يشتغل العقل وهو خطِر أما الجسد فرخيص. هناك من يسيطر على الجسد ويتحكم في غرائزه ويسيره كما يريد من خلال العقل المتسلط الذي يعتمد إما على المادة أو على الدين، ولكن أين هي الروح؟ إننا نقدم مجموعة من النماذج فلا نقدم مجتمعاً أسود أو أبيض فدائماً هناك مكان للخير والإصلاح ولا نقطع الأمل، فالمسلسل يحكي عن الفساد والسلك التعليمي والأصولية والتطرف والانفلات، ولا نحكي عن المجتمع بقصد التشهير به بل من منطلق الحرص عليه لأن الدراما تدخل كل بيت.
ولا أخفيك أنني أجريت اختباراً، فقد اخترت مجموعة مشاهد مما صورناه في العمل لا تتجاوز مدتها خمساً وعشرين دقيقة و دعيت بشكل عائلي عن طريق زوجتي مجموعة من النساء المحجبات - هذا المجتمع الذي أحاول التوجه إليه - فرأوا المشاهد بصمت مُطبق وذهول وكانت هناك حالة انجذاب كبيرة، وبالتالي ما قدمناه ليس فيه خدش للحياء وإنما قدمنا حقائق.

- على أي أساس اختير الممثلون في «ما ملكت أيمانكم» ولماذا لجأت إلى تكرار تنميط بعض الممثلين في أدوار معينة سبق أن قدموها في أكثر من عمل؟
المسلسل فيه الكثير من الأدوار المتنوعة وقد تجاوز عدد الشخصيات فيه التسعين شخصية، وقد يحدث أن يكون هناك تشابه في عدد قليل منها، خاصة أن الخيارات في الدراما السورية باتت محدودة إلى حد ما. ولكني لا أعتمد على النماذج النمطية وإنما أسعى للتجديد دائماً، فحاولت أن أثبت أنه حتى هذه النماذج النمطية يمكن تغييرها وتقديمها بشكل جديد.
فالفنان في عملي ليس هو الفنان الجاهز لهذا الدور أو ذاك وإنما هو ذاك الذي يملك خبرة في هذه الشخصية فنعطيه مساحة أكبر ليُبدع فيها، وفي الوقت نفسه نعطي الفنانين الآخرين فرصاً. فالعمل يضم الكثير من الوجوه الجديدة ومن خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية الذين يلعبون أدوار بطولة.
كما أن هناك أدواراً قد يرى البعض أنها صغيرة ولكنها فاعلة ولها خطها الدرامي الذي يميزها، ومنها الشخصيات التي يؤديها كل من الفنانين نضال نجم، ميلاد يوسف، سيف الدين سبيعي، مجد رياض، إضافة إلى مصطفى الخاني وهو ممثل موهوب ويملك طاقات كبيرة، يقدم شخصية جديدة تماماً عما سبق أن قدمه. ففي هذه السنة كان أهم ممثل سوري وقدم دوراً نجح جماهيرياً في «باب الحارة» وسيقدم هنا دوراً مركباً وصعباً ينبغي أن يؤديه ممثل متمرس، وهو دور «توفيق» الشاب المتطرف، وهي شخصية تختلف «١٨٠» درجة عن الشخصية التي قدمها في «باب الحارة».
ومن المخضرمين يشارك في العمل عدد من الفنانين منهم نادين خوري، فايز قزق، وعدنان أبو الشامات الذي يؤدّي شخصية المدرس أمين الذي يتّهم بالتحرّش الجنسي في المدرسة نتيجة عملية تآمر بين الطلاب وهو بريء. وندخل من خلاله السلك التعليمي حيث تُشكل له لجنة ويتم طرده. كما أن هناك شخصية في المسلسل اسمها نادين، وهي فتاة تفتش عن عمل وسعت للتقدم إلى أكثر من وظيفة.
 وبعد مرور الوقت نرى أنه أصبح في دمشق أبراج وناطحات سحاب بينما هي لا تزال تفتش عن وظيفة، ومعنى ذلك أنه في الحقيقة لم يتغير شيء! ومن الشخصيات أيضاً هناك «ليلى» التي تعتبر نموذجاً يُطرح للمرة الأولى في الدراما العربية لأنه ليس من أحد يجرؤ على التطرّق إليه، فهي فتاة تشعر بأنها أخطأت عندما رأت عيناها شاباً ولتستغفر ربها عاقبت نفسها.


خرق الخطوط الحمر

- أين يمكن تصنيف «ما ملكت أيمانكم» ضمن مشروعك الإبداعي الذي دأبت على التحدّث عنه وتناوله في عدد من أعمالك السابقة؟
هناك أعمال سبق أن تطرّقت للمواضيع التي نتناولها في المسلسل كالدين والأخلاق والفساد، واستطاعت ملامسة الخطوط الحمر لكنها ما لبثت أن تراجعت خوفاً على عملية التسويق. لكننا تخطينا في عملنا هذه الخطوط كلها ودخلنا في العمق عبر مختلف المواضيع، وبالتالي أرى أن «ما ملكت أيمانكم» جاء متطوراً فكرياً حتى بالمقارنة مع أعمالي السابقة، فهو يحوي جرأة كبيرة جداً على كل الأصعدة ويطرح فكرة أنه من الأهمية بمكان احتواء خط الإرهاب ومواجهته. فالحل ينبغي أن يأتي من الداخل وليس من الخارج، ومن المهم احتواء هؤلاء الشباب وفهم مشكلاتهم وتقديم الفكر الذي يمكن أن يساعد في تراجعهم عما يفكرون فيه. إنني أمشي في الشارع فأرى الحجاب بأنواع وألوان كثيرة إلى درجة بات أشبه بالكرنفال، وهو أمر لا يمت إلى الدين بصلة، فتحول لدى البعض إلى عرف اجتماعي بعيداً عما هو مبني على أسس سليمة، فهل هذا يتماشى مع الدين؟ هذا ما نتناوله وهناك الكثير من الأسئلة المُثارة التي طرحنا لها أجوبة في المسلسل، وأرى أنه لي الحق بتناول التطرف الديني، فالتطرف الديني ليس فقط من يحمل السلاح ولكن هناك أشخاص يعملون على هدم هذا المجتمع بأساليب مختلفة، فينبغي أن نسلط الضوء عليهم ونقول لهم دعونا نُفهمكم الإسلام الحقيقي ما هو، لقد وصلت في عملي إلى مرحلة من الجرأة معهم سيشعرون فيها بالإحراج. كما دخلنا على خط العراقيين الموجودين عندنا، فهناك عائلات منهم باتت من نسيج هذا المجتمع ينبغي ألا تتجاهلها الدراما السورية. فهم مجتمع داخل مجتمع له تأثيرات سلبية وإيجابية، وقد تطرق العمل إلى جانب من هذا الموضوع، فتناولنا جزئية موجودة وليس المجتمع العراقي في سورية بشكل كامل لأنه  ينبغي عدم تجاهل هذا الأمر.

- لكن الفن يثير أسئلة ولا يطرح أجوبة!
  لقد وضعنا أجوبة مبنية على الدين الإسلامي التي هي (قال الله) (قال رسول الله)، وكل ما هو غير ذلك أو اجتهاد شخصي لم نقترب منه.


محظورات

- ما الذي دعاك للخوض في غمار هذه المواضيع ضمن عمل درامي؟
لقد فكرت في إنجاز هذا المشروع منذ ثلاث سنوات ووجدت أننا استطعنا في مسلسل «حور العين» الوصول إلى نقطة عبر الخط الذي قدمناه، لكن هناك الكثير من الخطوط الأخرى التي لم نستطع الخوض فيها ولكنها نضجت اليوم وأصبح من الممكن أن نحكي فيها. وهذا ما فعلناه في «ما ملكت أيمانكم». وقد كتبت الدكتورة هالة دياب المسلسل بإسهاب وكان دوري أثناء التنفيذ أن أقلّم المشاهد، فرغم أن «حور العين» نجح وحقق أهم مشاهدة عربية فقد عانى من بعض «المطمطة» والارتخاء، فعالجنا هذا الأمر في المسلسل الجديد لذلك سيكون إيقاعه سريع ولن يضم أي مشاهد مجانية.

- بات هناك نوعان من الجرأة في الأعمال التي تُقدم على أنها قد تخطت الخطوط الحمراء، الجرأة المُسفة الباحثة عن التسويق و الترويج فقط والجرأة التي تحاكي الواقع وتسبر عمقه بشكل حقيقي، فكيف لنا التمييز بينهما؟
لدى النظر إلى ما تم إنتاجه في العام الماضي نجد أنه كان هناك ما يُقارب الخمسة عشر مسلسلاً اجتماعياً، وهو أمر بحد ذاته يُعتبر مشكلة وكان له تأثير كبير. ولكن ما ميّز الدراما السورية الأعمال التاريخية سواء عبر تناول التاريخ القديم أو المعاصر إلا أن هذه الأعمال قلّت كثيراً وأصبح هناك نوع من الاستسهال عبر تناول المواضيع الاجتماعية، والأعمال المعاصرة بعضها نجح وبعضها فشل بينما لم يرَ بعضها الآخر النور ولم يُعرض. وتطرقت بعض تلك الأعمال إلى موضوع الفلسطينيين الذين يعيشون في سورية ولكن لم يتم التطرق لموضوع العراقيين الموجودين فيها، كما أن موضوع العشوائيات الذي طُرح عبر أكثر من مسلسل أرى أنه يمكن حله ببناء عشرة أبراج سكنية، ولكن السؤال من سيبنيها؟ وبالتالي من المهم عندما تحكي ألا تخاف، وفي عملنا لسنا خائفين من أحد.
وفي الفن يمكن أن تُرمّز وأن تحكي بجرأة، وكلا الوجهين موجود في «ما ملكت أيمانكم» حتى أننا دخلنا في المحظورات وتطرقنا على الصعيد الديني إلى الكثير من الموضوعات. فقد أتيت بشاب أصولي ودافعت عنه، وفي المقابل وقفت ضد شاب أصولي آخر وجعلتهما يتصادمان فكرياً في العمل لأقدم الفرق بينهما... من المهم ألا تفرض على المشاهد رأيك وإنما أن تترك له الخيار.


ذوبان الطبقة الوسطى

- كيف ستُقدم الطبقة الوسطى خاصة أن عملك يتناول التغيرات التي طرأت عليها وما آلت إليه الأمور معها؟
نرصد في العمل مشكلات الطبقة الوسطى وكيف تذوب بشكل قاسِ على حساب شكلين من أشكال التطرف هما التطرف الديني والانفلات الذي أعتبر أنه لا يقلّ خطورة عن المد الأصولي. ولكني أرى أن هذه الطبقة تحاول الهرب، وطرحت في العمل العديد من الأمثلة عن هذه الحالة فليس هناك محاولات لبناء هذه الطبقة. لا بل هناك تحولات اجتماعية غريبة تجري  قد تدعو البعض إلى التشاؤم.

- إلى أي مدى يحق للدراما توقّع المستقبل وما الهدف من وصول العمل إلى عام ٢٠١٨؟
لا أستطيع التوقّع ولكن عام ٢٠١٨ موجود من خلال المشهد الأخير فقط، والقصد منه القول إن كانت هذه هي المقدمات، فتلك هي النتائج لأن الخواتم تُقاس بالمقدمات.

- غالباً ما توصف الأعمال الدرامية على أنها ذكورية، فهل انقلبت المقاييس اليوم وباتت أنثوية؟
توجهت إلى المشاهد واكتشفت أنه أثنى وليس ذكراً، وللأسف أنني لم اكتشف هذا الأمر إلا حديثاً، فالذكر يتبع الأنثى في مُتابعة التلفزيون وليس العكس، لأن صاحب القرار في مشاهدة المسلسل في المنزل الأنثى وليس الذكر. لذلك نقول بشكل واضح إن هذا العمل أنثوي والذكور فيه هم ظل للنساء، لهم دور ولكن الدور الرئيسي والقصص الأساسية هي لنساء. وهذا أحد الأسباب التي يمكن أن تساهم في نجاح العمل، إضافة إلى الشارة والكاتبة والمخرج والممثلين وطبيعة الموضوع الذي نقدم. وفي النهاية إننا نضع مجموعة عوامل التي تُساعد الموضوع الذي نتناوله بأن يُقدم برشاقة، ومن ضمن هذه الأمور الموجودة في العمل أنه أنثوي.


أسلوب السهل الممتنع


- كثيرون يراهنون على الإبحار في الرؤية البصرية عبر العمل التاريخي ولكنهم يقفون عاجزين عنها في العمل المعاصر، فماذا عنك؟ وإلى أي مدى يمكن للمخرج أن يشطح عبر كاميرته في العمل المعاصر؟
التصوير هو أسلوب في العمل أينما صورت، والأساس فيه هو اللغة التي تضيفها. ويمكنني القول أن «ما ملكت أيمانكم» فيه إضافة نوعية على مستوى الصورة، فجاء التعامل مع الواقع بزاوية فنية خاصة وأيضاً بأسلوب السهل الممتنع. فليس لأنه مسلسل اجتماعي معنى ذلك أن نستسهل العمل فيه، لا بل على العكس تماماً فإننا نتعامل مع المشاهد تعاملاً فنياً عالياً وكأننا أمام مجاميع وحشود، ولا نتنازل فنياً إطلاقاً.

- لماذا وقع الخيار على المطرب جورج وسوف لغناء شارة المسلسل؟
يعتبر جورج وسوف أحد أعلام الفن وهو مطرب وفنان محبوب من قبل الجميع ولديه صوت جميل دافئ سيكون له تأثيره الكبير في إيصال مضمون العمل. فلم نفتش على صوت جميل بقدر ما فتشنا عن صوت يؤثر في وجدان الناس. وقد غنى الشارة بشكل درامي حتى أنني أعتبره أحد أعمدة هذا العمل، ليس فقط لأنه موجود في الشارة، وإنما طريقة أدائه لها وكلامها سيساهمان في إيصال الكثير من الأفكار.


ما بين سطور «ذاكرة الجسد»

- إلى أي درجة ستكون رواية «ذاكرة الجسد» حاضرة في المسلسل الذي ستتولى إخراجه بخطوطها وتفاصيلها؟
كلها ستكون حاضرة، وهناك فكرة مُسبقة ومغلوطة عن الرواية بأن فيها جنساً وانفتاحاً، ولكنها ليست كذلك، فهي قصة حب من طرف واحد وترصد حالة اجتماعية وسياسية عربية في فترة من الفترات، وهنا أهمية الموضوع.
وقد كلفت الكاتبة ريم حنا كتابة سيناريو عن الرواية، وحدث انسجام بينها وبين السيدة أحلام وجلسنا معاً وتناقشنا في الأفكار العامة لأكثر من مرة، وتكلمنا عما بين السطور. فأهم ما في الرواية هو ما بين السطور وقررنا تصويرها في أماكنها الحقيقية، أي أننا سنصور المسلسل في فرنسا ومدينة قسنطينة في الجزائر وبيروت واسبانيا. واخترنا اللغة العربية الفصحى المخففة لتصل الرواية إلى العالم العربي كله، وقررنا أن تكون البطلة جزائرية لنعطي العمل مصداقية أكبر، وسيكون معنا مجموعة من الفنانين منهم جمال سليمان وقصي خولي.

- سبق أن قدمت أعمالاً مأخوذة عن أصل أدبي فما الذي يميز هذه الأعمال؟ وهل صحيح أن الأدب هو البستان الخصب للشاشة؟
ميزة هذه الأعمال أن فيها أساساً، فأي شيء له أساس لتنطلق منه لا تشعر فيه بالخوف، ومهما كان السيناريو ضعيفاً أو ركيكاً سيكون أمامك قاعدة تستند إليها، فأي شيء أساسه متين يمكن أن تبني عليه لتصل إلى أعلى برج. كما أن العمل الأدبي خلاصة تجربة كبيرة في المجتمع فأنت تتناول عملاً يحمل بذرة نجاحه في داخله. كما قدمنا «بقايا صور» و«نهاية رجل شجاع»، فكان هناك شيء أدبي خطير جداً يحمي العمل ويضع له جناحين ليحلق ويطير بواسطتهما.

- فيلم «الظلم وسنوات العذاب» هل توقف إلى غير رجعة؟
لقد تجاوزت الموضوع . لكني امتحنت نفسي فيه وعرفت إمكاناتي...