القاصّة وكاتبة قصص الأطفال الكويتية منيرة العيدان: اخترت الكتابة باللغة العربية لأنها الأجمل

حوار: فاديا فهد 02 ديسمبر 2020

منيرة العيدان كاتبة قصص للأطفال وقاصّة كويتية مبدعة، أسّست "نادي قصّتي للأطفال" ونجحت في تقريب الأطفال من الكتاب والقراءة. الحوار معها رواية تأخذك في الخيال الى أماكن بعيدة، تماماً مثل كتبها. ممتعة هي ومثقّفة وجميلة قلباً وقالباً، في الحياة اليومية، كما بين السطور.


- يقولون إن ثمّة طفلة لم تكبُر في كلّ كاتبة قصص للأطفال، هل هذا صحيح؟ 

صحيح مئة في المئة. حين أكون في مرحلة الكتابة، أسعى كثيراً للتواصل مع أصدقاء الطفولة لاستعادة الذكريات والأحلام والآمال القديمة. أحاول جاهدةً أن أبحث عن العالم الذي كنّا نتخيّله ونحن أطفال. ويساعدني في ذلك سماع الأغاني التي كنت أسمعها في مرحلة الطفولة.


- من هي منيرة العيدان؟ 

منيرة العيدان هي إنسانة بسيطة جداً، لها تطلّعات وأحلام كبيرة… لا أدري إن كانت أحلامي تطاردني، أم أنا من يطاردها.

- أيّ عالم تريدين أن ترسمي للأطفال الذين يقرأون قصصك؟

 أعيد في قصصي رسم عالمنا الشرقي الجميل بحكاياته وأبطاله وأبعاده، فهذا حقّ لأطفالنا العرب علينا. أرغب في ترك البصمة نفسها التي تركها فينا الكتّاب والمؤلفون الكبار العرب في طفولتنا.

- ماذا عن طفولتك، كيف كانت؟ أيّ أحلام طبعَتها؟

طفولتي كانت جميلة جداً لكنها انتهت سريعاً. "قطار الأحلام" مستوحى من أحلام طفولتي، وهي حكاية قطار يذهب بالأطفال الذين ينامون قبل الثامنة إلى أبعد سماء حيث تسكن الأساطير. 


- هل كتابة قصص الأطفال أسهل من كتابة الروايات للكبار أم أصعب؟ 

الكتابة للأطفال طبعاً أصعب بكثير، فأنتِ تخاطبين فئة عمرية فذّة لديها فضول كبير. وعليك أن تبذلي جهداً كبيراً لجذبها والإجابة عن تساؤلاتها.

- درستِ اللغة الإنكليزية، لكنك اخترتِ اللغة العربية لكتابة قصصك، لماذا؟ 

لأنها باختصار أجمل، وهي لغتي الأم، لغة المعاني والفصاحة. إنها لغة تضيف الى الحكايا سحراً من خلال استخدام المفردات والتراكيب التي تفتنني قبل أن تفتن القراء الصغار.

- هل فكّرت في نقل قصصك الى اللغة الإنكليزية التي تجيدينها؟

 هذا الأمر يحتاج الى جهد دار النشر وليس من اختصاص الكاتب نفسه. ومع الأسف دور النشر العربية لا تقوم بهذا الدور. 

- هل من كتاب تعودين إليه باستمرار؟

أعود الى سيرة الكاتب طه حسين "الأيام" لأنها عمل رائع. السيرة مكتوبة بقالب روائي جذّاب ومتقن. إنها منهج حياة وفيها قواعد تربوية شديدة الأهمية، لو تمعّنت فيها… في كل مرحلة من مراحل حياتي، أراني أعود الى سيرة طه حسين الذاتية، وأنهل منها معاني مختلفة. 

- أسّستِ "نادي قصتي للأطفال"، أخبرينا أكثر عن هذه التجربة ونجاحها في الكويت؟ وهل تفكّرين في تعميمها على العالم العربي من خلال شركاء في دول عربية مختلفة؟

"نادي قصتي للأطفال" هو أجمل تجربة في حياتي. كانت البداية في أواخر عام ٢٠١١ بعدما صدمت في وظيفتي الحكومية الأولى بعد تخرّجي في قسم الآداب. العالم الحقيقي بعيد كل البُعد عن توقعاتي وطموحاتي. الحمد لله مشروعي لقي نجاحاً كبيراً، وفتح لي باب العمل في مجالات كثيرة تخصّ الثقافة والطفل… كان نادياً مخصّصاً للقراءة يستقبل الأطفال من سنّ الثامنة وحتى سنّ الثانية عشرة، حيث نقرأ قصصاً معينة ونتناقش فيها. كذلك نُجري بعض البحوث الصغيرة ونتبادل الآراء... وقد توسّع النادي مع الوقت. نعم، أتمنى أن أنقل التجربة الى الدول العربية الأخرى لتعمّ الفائدة.

- قصّتك "نورة وأحذيتها السحرية" جلبت لكِ لقب "أم النور"، ماذا يعني لك هذا اللقب؟ أخبرينا أكثر عن ظروف كتابة هذه القصّة؟

"نورة وأحذيتها السحرية" هي أول عمل لي مطبوع للأطفال... إنها حكاية طفلة من الكويت تسافر بواسطة أحذيتها السحرية التي أخذتها من جدّتها إلى دول عربية عدة للتعرف على الحضارة والتاريخ الخاص بكلّ دولة. 

"أم النور" هو لقب أهدتني إياه صديقتي العزيزة والغالية علي قلبي السيدة فايقة الخياط، وهو لقب أعتز به كثيراً. ظروف كتابتي للقصة تعكس أحلامي التي لم تتحقّق، فهناك دول عربية أتوق إلى زيارتها مثل سورية والعراق واليمن... لعل هذه القصة تحقق حلمي في تعريف الأطفال في الخليج على سحر العالم العربي والمحجوب إعلامياً وأدبياً.


- أيّ رواية من رواياتك هي اليوم الأقرب إلى قلبك؟

الرواية الأقرب الى قلبي دائماً هي "بين المجمعة والمرقاب"، لأنها قصّة جدّة والدي التي هاجرت من نجد إلى الكويت على ظهر ناقة… امرأة أمّية لم ألتقِ بها يوماً، لكنها ألهمتني هذا العمل. هي أوّل مدخل وأول ارتباط لي بالقصص، فحين كنت طفلة كان والدي يحكي لي القصص الشعبية النجدية، ويقول لي إن "هذه قصص جدّتك نورة". وهو ما ترك في وجداني أثراً ودفئاً لا يُمحيان. وقد لقيت الرواية صدى كبيراً، خصوصاً في السعودية حيث بيعت منها آلاف النسخ. 

- يُقال إن الكاتبة تزرع نطفاً من ذاتها في كلّ رواية وقصّة؟ كيف يمكن أن نلملم ظلال منيرة في كتبها؟ 

سؤالك ذكي جداً... لكنني لن أفصح عن تلك النطف لأنها سرّ لا أستطيع البوح به، وأريدكِ أن تبحثي عنه بنفسك. المخيف والمفاجئ أحياناً أنني لا أتنبّه الى ذلك إلا بعد مراجعة الرواية. أشعر بالخوف من بعض الأفكار التي تحدّثنا عن أنفسنا بما نجهله. لا أدري كيف تتزحلق تلك الأفكار من ذاتي إلى قلمي فالرواية...

- كيف يمكن الأم أن تزرع حبّ القراءة في نفوس أطفالها في زمن التكنولوجيا؟

نستطيع غرس حبّ القراءة في نفس الطفل بطرق شتى، أولها أن نبدأ بأنفسنا فنقرأ أمام أولادنا ومعهم، وتكون التجربة مقرونه بالمتعة. الأطفال العرب اليوم ينفرون من اللغة العربية لأسباب عدة، منها صعوبة المناهج والتحدّيات التي يواجهها المعلّمون العرب في نقل المعرفة وقلّة التقنيّات المتطوّرة وندرة المراجع التربوية. للأسف، الكتاب الأجنبي جذّاب أكثر للطفل من الكتاب العربي.

- ماذا يمكن أن تصنع قراءة قصّة في نفس الطفل؟

قراءة القصة للطفل بحب وشغف واهتمام مع إجابات حاضرة وذكية عن تساؤلاته، ستخلق له عالماً من المتعة بعيداً كل البُعد عن التجربة التلقينية في المدارس. لقد راسلتني فتاة وأطربتني رسالتها حين قالت: "أنا الآن في الجامعة ولن أنسى تجربتي معك حين كنت طفلة واستمتعت بالرواية التي كتبتها، ومنذ ذلك الحين وأنا أعشق القراءة..." هذا دليل على أن أيّ جهد يقدَّم بحب الى الطفل، سيولّد في نفسه معاني كبيرة تؤثر فيه وترافقه في حياته. 

- قلتِ في حديث سابق إن "المعلومات التي يقدّمها التعليم الإلزامي ليست كفيلة بأن تخلق الإبداع لدى الجيل الجديد"… كيف يمكن أن نولّد الإبداع لدى جيل اليوم؟

يولد الإبداع لدى الطفل من طريق تنمية خياله ومن ثم ترك مساحة له ليترجم صوره الخيالية الى واقع عبر الفنون التعبيرية أو الرسم أو حتى الموسيقى. أرى أن التكنولوجيا تقتل الإبداع وتقتل الطفولة أيضاً، فلا مساحة معها للحركة أو الضحك أو حتى الخطأ. فلننتظر ونرَ آثار هذه الثورة التكنولوجية الكبيرة المخفية.

- الكويت، بلدكِ الأم، أعطاكِ الكثير ولكن هل أنصف منيرة الكاتبة؟

دولة الكويت بالنسبة إليّ هي الأم وليست الوطن فقط. أعطتني الكثير الكثير، وأرى، ولله الحمد، أنني أتمتع بمقدار كبير من الحرية والثقة والتقدير، لا تستمتع بها زميلاتي في بلدان عربية أخرى. الكويت ممثلةً بمؤسّساتها وقطاعاتها دائمة الدعم والتواصل معي وتقدّم لي فرصاً كثيرة ومتنوعة.


- ماذا عن بيروت، المدينة التي تعشقين، وقد قرأنا تعليقاتك المؤثرة على مأساة انفجار مرفأ بيروت؟ 

عساني أن أقول… علاقتي ببيروت لا توصف بأسطر ولا بكتاب… بيروت هي فعلاً قطعة من الجنّة. تعاملي مع المؤسسات والأشخاص في بيروت مذهل. لبنان بلد الكرم، وشعبه شعب طيب، منفتح ومبدع جداً… هل تعلمين أنني في بيروت لا أشعر بالخوف أو بالغربة أبداً؟! تجدينني أقود سيارتي وحدي طوال النهار ولا أخشى شيئاً… في الطريق أكثر من شخص مستعدّ لمساعدتك. أتردّد كثيراً على بيروت، ولي فيها الكثير من الأصدقاء، وفعلاً أشعر أنني في بلدي… الشعب اللبناني يشبه كثيراً الشعب الكويتي… إنه يعشق الحياة والجمال والتواصل والفرح والسعادة.

لا أبالغ إذا قلت إن انفجار مرفأ بيروت دوّى في قلبي… أشعر بالضياع لغيابي القسري عن بيروت لأشهر بسبب الأوضاع الحالية. وكلّي ثقة بأن الشعب اللبناني سينهض من عثرته وتعود بيروت درّة الشرق.

- أيّ ذكريات لك في بيروت؟

ذكرياتي في لبنان كثيرة وأصدقائي كثر… أجمل ما في بيروت أنها تفتح ذراعيها لقاصدها بحبّ ومودّة. في بيروت مؤسسات تؤمن بما أقوم به ومهرجانات تقدّمني إلى الجمهور الأوسع. 

- هل أوحت لك مأساة بيروت رواية أو صورة روائية ما؟

الحادثة أليمة ولم توحِ لي بشيء حالياً لأن قلبي ينفطر حزناً… مع الوقت، حين تصبح مجرد ذكرى، ربما أفكر في كتابة رواية عنها. أما الآن فالوجع كبير.

- ما هي أحلام منيرة العيدان اليوم؟

أحلامي تتلخص في رؤية أطفالنا فخورين بلغتهم العربية. أمنيتي لو تكون اللغة الفصحى موضة بين الشباب كما كانت من قبل أيام العباسيين والأندلسيين… لقد رأيت ذلك منذ فتره في مقاهي بيروت بين الشباب وشعرت بالفخر.

- هل تُعدّين لنا رواية جديدة، وما عنوانها؟

روايتي المقبلة للكبار بعنوان "رحلات سدير"، وهي تحكي قصّة شبان صغار في السنّ يهجرون نجد آملين في حياة أفضل في الكويت، إلا أن أربعة منهم فقط يوفّقون في الوصول الى مقصدهم.