رئيسة لجنة "الفن والقوى الناعمة" في المجلس القومي للمرأة: الدكتورة رانيا يحيى... العنف ضد النساء ظاهرة عالمية

القاهرة - جمال سالم 06 ديسمبر 2020
تُعدّ الدكتورة رانيا يحيى، متعددة الاهتمامات، من صنّاع الوعي لدى الرأي العام المصري لما تقوم به من مهمات كبيرة ومؤثّرة من خلال رئاستها للجنة "الفن والقوى الناعمة" في المجلس القومي للمرأة، ورئاستها لقسم فلسفة الفن في أكاديمية الفنون، ورئاستها لسلسلة "عالم الموسيقى" في وزارة الثقافة، ومؤلفاتها المتنوعة، كما أنها أشهر عازفة فلوت في الوطن العربي، بالإضافة الى متابعتها لما يجري على الساحة الدولية في ما يخصّ قضايا المرأة، ولما يتم إنجازه من تحوّل إيجابي في المسيرة السعودية تجاه المرأة والفنون. "لها" التقت الدكتورة رانيا يحيى في حوار كشفت فيه الكثير من آرائها حول القضايا الشائكة التي تهمّ المرأة العربية.


- تعتزّين بالانتماء الى عائلة فنية، فهل تحرصين على امتداد ذلك الى أسرتك الصغيرة؟

أنا أنتمي الى عائلة تتميز بالذائقة الفنية، وقد نمّت فينا أسرتنا هذه الذائقة، بحيث ألّفتُ وشقيقتي الدكتورة رشا، عازفة الفيولا فرقة موسيقية، انضم إليها حديثاً ابني يحيى وابنتي فريدة محمد الهرميل، ويسعدني أن أسرتَيّ الصغيرة والكبيرة تعشقان الموسيقى، وهو عشق متوارث في العائلة، علماً أن والدي – رحمه الله – كان لواءً في الشرطة، وزوجي هو ضابط الشرطة محمد الهرميل، ويهتمّ بالفنون وقضايا المرأة، وقد ساعدني كثيراً في اكتشاف المواهب الفنية التي يتمتع بها ولدانا، يحيى وفريدة.


- من خلال تجربتك العملية، كيف تكتشف الأم الموهبة الفنية لدى أبنائها؟

الموهبة من نِعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان، ودوري كأم هو مراقبة ولدَيّ منذ الصغر واكتشاف مواهبهما وتنميتها، وكسر حاجز الخوف لديهما في مواجهة الجمهور ليحترفا الموسيقى والعزف على أكثر من آلة موسيقية، ويصبح اعتلاء خشبة المسرح أمام الجماهير في مصر وخارجها أمراً محبّباً لهما، رغم أنهما أصغر عازفَين في دار الأوبرا المصرية، فيحيى عمره 15 عاماً، وهو طالب في المرحلة الثانوية، وبدأ العزف وعمره أقل من ست سنوات، وتم اعتماده كعازف في الأوبرا، لمهارته في العزف على أكثر من آلة موسيقية، مثل الفلوت والبيكلو فلوت والإكسيلفون والمارمبا والبيانو، وأنا نمّيت موهبته بالدراسة والممارسة في قسم التأليف والقيادة في الكونسرفتوار في أكاديمية الفنون في القسم الحر، وقد حصل على جوائز كثيرة، لعل أبرزها جائزة "شوبان الدولية" التي فاز بها مرتين. أما ابنتي فريدة فعمرها 11 عاماً، وهي طالبة في المرحلة الابتدائية، وفي السابعة من عمرها بدأت العزف في الكونسرفتوار على أكثر من آلة موسيقية كالبيكلو فلوت والإكسيلفون والمارمبا والكمنجة، كما أنها تتعلّم الباليه في القسم الحر في أكاديمية الفنون، وحصلت على جوائز عدة، ولهذا أنصح الأمهات بالمراقبة الدقيقة لمواهب أولادهن وتنميتها، وعدم إجبارهم على ما لا يحبّونه، فكل إنسان موهوب، لكن الأهم هو اكتشاف موهبته وتنميتها.

- أكدتِ أكثر من مرة أن "موسم الرياض الترفيهي" يُعدّ انطلاقة فنية جديدة في السعودية وتجربة جديرة بالاحترام والتشجيع، فما هي رؤيتك له؟

بدايةً، أثمّن وأشجع ما تشهده المملكة العربية السعودية من انطلاقة غير مسبوقة في مختلف المجالات، خاصة في مجال حقوق المرأة الذي شهد تقدّماً كبيراً، كما تم التوسّع في المجالات الفنية والثقافية ودعمها، حتى أصبح "موسم الرياض الترفيهي" أحد أهم الأنشطة الثقافية في الوطن العربي، وليس في السعودية وحدها، ذلك أنه حدث فني مميز شارك فيه الكثير من الفنانين العرب والعالميين، مما جعل السعودية قِبلة سياحية وثقافية، خاصة بعد موافقتها على إصدار التأشيرة السياحية عام 2019، مما ساهم في تعزيز مكانتها الثقافية على خريطة السياحة والترفيه العالمية، وهذا فخر لكل عربي، وقد سعُدت بتأكيد المسؤولين استمرار الرغبة في التغيير، واستمرار التحوّل الفكري والثقافي الذي تشهده المملكة لمسايرة الحَراك العالمي، تحقيقاً لأهداف رؤية 2030 في ما يتعلق بالتنمية المستدامة، والتي تسعى إليها غالبية الدول، وتتميّز السعودية عن باقي الدول بالبُّعد الروحاني، لأنها أرض الحرمين الشريفين والكثير من المعالِم التاريخية والدينية.

- ما هي أمنيتك لهذه المسيرة السعودية التي تَعِد بمستقبل زاهر؟

أتمنى أن تضع الهيئة العامة للترفيه أسساً لمعاهد فنية تُفرز أجيالاً متميزة من المبدعين الحقيقيين في مجالات الفنون، والاستعانة بالمتخصصين في هذه المجالات، لأنني أعتبر أن الفنون سلاح فتّاك في مواجهة الأفكار الظلامية والرجعية والإرهابية، بل إن الفن يحقق دائماً قيم الحق والخير والجمال.


- استحدث المجلس القومي للمرأة أخيراً لجنة "الفن والقوى الناعمة" ضمن لجانه الدائمة، وأسند رئاستها إليك، فما هي الأهداف المرجوة من هذه اللجنة؟ وماذا يمكن أن تقدّم لخدمة المرأة المُحبِّة للفن؟

الهدف الأول للجنة هو العمل على اكتشاف القدرات الإبداعية لدى المرأة في كل المجالات الفنية، وتحويل هذا الإبداع الفني إلى واقع حقيقي ومؤثّر يساعد المرأة فكرياً واقتصادياً وتنموياً، لأن للفن مفعول السحر في حياة الإنسان بعامة، والمرأة الرقيقة بطبعها بخاصة. كما تخطّط اللجنة لتقديم مفاهيم الإبداع الفني وترسيخها في نفوس الفتيات منذ الصغر، من خلال التواصل مع المدارس وقصور الثقافة ووسائل الإعلام وأولياء الأمور. وتضم اللجنة في عضويتها مجموعة من الفنانين والفنانات والأكاديميين في مختلف المجالات الفنية ممن يملكون الخبرة العلمية، وقد تركزت اجتماعاتنا الأولى على إعداد مقترح لدور الفن في ترسيخ الانتماء الوطني لدى المرأة، وكذلك دور الفن في مواجهة بعض القضايا الملحّة الخاصة بالمرأة في مختلف مراحل عمرها، مثل "ختان الإناث" و"زواج القاصرات"، وكذلك إنتاج وإعداد الأفلام القصيرة أو التسجيلية عن أهمية الكشف المبكر لسرطان الثدي، وتنفيذ بعض الأغاني التي تساهم في التوعية، وتنظيم مسابقات فنية بين شباب الجامعات المصرية لمواجهة الظواهر السلبية التي تعانيها النساء.

- بعض المفاهيم الدينية الخاطئة والتقاليد الاجتماعية البالية قد تظلم المرأة، فما هو دور اللجنة في التصدّي لذلك؟

لدينا خطط مدروسة في كيفية مواجهة الفكر المتطرف الظالم للمرأة، حتى قبل ولادتها، حيث لا نزال نرى بعض الجهّال الذين يفضّلون إنجاب الذكور على الإناث، بل إنهم يقومون بما قام به العرب في عصر الجاهلية، وسجّله القرآن الكريم ليحذّر مجتمعاتنا منه إلى يوم القيامة، "وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَواري مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ"، ونحن نعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة والتقاليد الاجتماعية البالية من خلال تشجيع الأعمال الفنية الإبداعية والمؤثرة، وكذلك ضمن فعاليات مبادرة خاصة باللجنة تحت عنوان "الفن حياة".

- تؤمنين بدور القراءة في نشر الوعي الفني بين الشعوب، فماذا قدّمتِ للتوعية بأهمية القراءة والفن؟

أفتخر بأن وزارة الثقافة أسندت إليّ رئاسة سلسلة "عالم الموسيقى" التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، ومن خلال هذا المنصب أحاول نشر الوعي بأهمية الموسيقى، من طريق جعل الكتب في متناول الجميع وبأسعار زهيدة، لأنني أؤمن بأهمية الموسيقى في الارتقاء بالذوق الفني لدى الشعوب، فالموسيقى تُحيي الروح، ولهذا لا بد من تدريسها في المدارس على أيدي المتخصصين فيها لاكتشاف المواهب منذ الصغر. كما أنني ألّفت 13 كتاباً في مختلف الفنون، منها ستة إصدارات في مجال موسيقى الأفلام والثقافة الموسيقية، وهي: "غذاء الروح"، "موسيقى أفلام يوسف شاهين"، "علِّي صوتك بالغنا"، "سحر الموسيقى في أفلام صلاح أبو سيف"، "نغمات على شاطئ الواقعية"، و"فرسان النغم في السينما المصرية"، وعرضت في كتابي الأخير مسيرة 13 مؤلِّفاً ممن وضعوا موسيقى تصويرية لأشهر الأفلام في تاريخ السينما المصرية، منذ بدايات السينما الصامتة، ودورهم في وضع اللبنة الأولى للمدرسة الموسيقية في السينما والدراما في مصر، والانتقال منها الى الوطن العربي، حيث لعبتْ السينما دوراً عظيماً في تأكيد الهوية المصرية في عالمنا العربي، من خلال اللغة والعادات والتقاليد المصرية، التي نجد لها صدى واسعاً في كل الدول العربية، باعتبار مصر الحاضن الأول لأشقائنا العرب.

- ماذا عن كتابك "الأنثى حياة"؟

هذا الكتاب نشرته المطابع الأميرية بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، وهو عبارة عن مجموعة من الأبحاث والمقالات التي تدور حول مناهضة العنف، ويتضمن تشكيلة من الصور والرسوم واللوحات الفنية، وقد لاقى رواجاً كبيراً وتفاعلاً من مختلف المنظّمات النسوية والثقافية، وساعدتني فيه مجموعة كبيرة من المؤمنين بقضايا المرأة من أهل الفن والقانون والشرطة، وغيرهم ممن يؤمنون بأن المرأة هي نور الحياة في كل مراحل حياتها.

- ماذا تقصدين بقولك "الموسيقى تراجعت لتأثّرها بالذوق العام"؟

للأسف، الموسيقى تشهد تراجعاً في السنوات الأخيرة لتأثّرها السلبي بالذوق العام، والهبوط في الذوق الفني والعزوف عن الفن الجيد، ولهذا لا بد من أن يستفيق المجتمع من كبوته، ويشجّع الفنانين الجادّين وينمّي إبداعاتهم، لكن يجب ألا نفقد الأمل، لأن مصر ومختلف الدول العربية ستظل ولاّدة للمواهب الفنية، ودورنا اكتشاف المواهب ورعايتها، لأن الفن من أهم وأقوى عوامل القوة الناعمة، وسيكون شعارنا دائماً "الخير آتٍ"، لكن بالتحرّك وعدم الاستكانة.

- ماذا حققت مبادرة "طَرْق الأبواب" للوصول إلى المرأة المصرية في بيتها؟

مبادرة "طَرّق الأبواب" تهدف الى إيصال رسائل عدة للمرأة، لتوعيتها بالقضايا الحياتية، مثل كيفية التعامل مع التجّار الجشعين، وتنشيط مشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودورها في مكافحة الإرهاب، وكيفية حمايتها من الزواج المبكر، وتجريم ختان الإناث، وزواج القاصرات. ويعمل المجلس على توصيل رسائله الى المرأة في مختلف المناطق، لأن لديه أذرعاً حقيقية في فروعه التي تضم مختلف التخصصات، بمن فيهن: الرائدات الريفيات، الواعظات من الأوقاف، راهبات الكنائس، وتم التواصل مع أكثر من مليون ونصف المليون امرأة في القرى والنجوع والمحافظات الحدودية. والحملة تلقى استجابة قوية، خاصة أنها تهدف الى جعل المرأة شريكاً فعالاً في المجتمع.


- تؤكدين أنه لن تكون هناك عدالة اجتماعية عالمياً إذا استمر العنف وقهر المرأة، ما هي خطورة استمرار هذا الوضع، وكيف يمكن مواجهته؟

قد يُصدم كثيرون إذا قلت إن العنف ضد المرأة لا يقتصر على المجتمعات النامية، والتي تسيطر عليها "الثقافة الذكورية"، بل يشمل أيضاً بعض المجتمعات الديموقراطية التي لا تُعامل فيها المرأة كالرجال تماماً في مختلف القضايا، مع اعترافي باختلاف نِسب التمييز والعنف ضدها، حسب ثقافة الشعب وموروثاته واحترامه لحقوق الإنسان، ورغم إصدار المجتمع الدولي تسعة قرارات من مجلس الأمن، متعلقة بـ"أجندة المرأة والسلم والأمن"، عقب صدور القرار الرقم 1325 لعام 2000، وما تبعه من قرارات ساهمت في وضع الركائز الأربع لهذه الأجندة.

- ما أهم هذه الركائز؟

هذه الركائز هي: المنع والوقاية، المشاركة، الحماية، وبناء السلام وإعادة التأهيل، مما ساعد المنظّمات الدولية والإقليمية على وضع استراتيجيات ترعى حقوق المرأة وتحميها من العنف والتمييز وعدم المساواة. ومن يطّلع على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة باسم "سيداو"، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، يجدها ميثاقاً دولياً يجمع كل ما تضمّنته الاتفاقيات السابقة من حقوق الإنسان والمرأة خصوصاً، وكذلك وثيقة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة في الدورة 57 لعام 2013، لمنع كل أشكال العنف ضد المرأة والفتاة، حيث طالبت بضرورة إنهاء العنف لتحقيق أهداف التنمية والقضاء على الفقر، والمساواة بين الجنسين، وحتمية تمكين المرأة، ولهذا لا عدالة اجتماعية في ظل استمرار العنف ضد المرأة.

- كيف تنظرين الى مفهوم العنف ضد المرأة، خاصة في ظل إباحة البعض لضرب المرأة باسم الدين؟

اتفق المتخصّصون عالمياً على أن العنف هو "الإتيان بفعل يمكن أن يؤدي إلى أذى بدني أو نفسي أو معاناة للمرأة، أو القهر أو الحرمان التعسفي من الحرية". وطبقاً لإعلان الأمم المتحدة ولجنة وضع المرأة، فإن "العنف الأسري" يُقصَد به العنف الممارَس من الزوج، أو أعضاء آخرين في الأسرة، ويظهر في سلوك أو فعل يتّسم بالعنف ويؤثر سلباً في الفتاة أو المرأة، سواء نفسياً أو جسدياً. ومن أشكال العنف: الحرمان من التعليم، التمييز في الحق بالميراث، إجبار المرأة على الزواج أو العمل بغير إرادتها، وختان الإناث. وأؤكد أن الأديان تنصّ على تكريم المرأة، وصدق رسولنا الكريم حين شبّهنا بـ"القوارير"، وكانت آخر وصاياه "أوصيكم بالنساء خيراً"، ولهذا حرّمت الأديان العنف الأسري، وكذلك العنف المجتمعي الذي يمارسه غرباء، مثل المضايقات والتحرّش في الشوارع وأماكن العمل والمؤسّسات الخاصة والعامة ومواقع تقديم الخدمات، مما يخلّ بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في محيط العمل والحياة العامة، علماً أن للعنف أشكالاً متعددة، منها: زواج القاصرات، الإتجار بالفتيات والنساء في أعمال مخلّة بالآداب العامة، والعنف الجسدي والمعنوي. وزاد الطين بلّة، ممارسة العنف ضد المرأة في الأعمال الدرامية والفنون المختلفة، وهذه كارثة إذ ترسّخ ظلم المرأة حالياً ومستقبلاً، ولهذا فإن المجلس القومي للمرأة يرصد صورة المرأة في المسلسلات والأفلام، للإشادة بالإيجابي والتنديد بالسلبي فيها.