معرض له في دبي يصوّر مأساة بيروت ويحمل رسالة... عمّار عبد ربّه: كلّنا يحمل جروحاً لا تندمل من انفجار الرابع من آب

حوار: فاديا فهد 22 ديسمبر 2020

يعشق المصوّر الصحافي عمّار عبد ربّه بيروت، وقد عرفها منذ أكثر من 30 عاماً، واختارها مقرّاً له قبل أكثر من خمس سنوات، شهد خلالها على تحوّلات تاريخية حديثة، كان آخرها انفجار المرفأ الذي خسر فيه أصدقاء ومعارف. وهو ما أوحى له فكرة معرضه التصويري الأخير "لبيروت..." والذي استضافته "غاليري أيام" في دبي، ويعود ريعه لمؤسسة "بيت البركة" اللبنانية التي تُعنى بضحايا الانفجار والأزمة الاقتصادية.


- أيّ علاقة نسجت مع بيروت عبر السنين، أنتَ المصوّر السوري- الفرنسي؟

إنها علاقة خاصّة جداً، فبيروت مدينة مفتوحة تستقبل الغريب بشكل فريد وترحّب به بحفاوة، وتجعله يشعر كأنه "من أهل البيت". بالنسبة إليّ، هي ليست مدينة غريبة، ولم أشعر يوماً بأنني غريب عنها. أمضيت فترة من طفولتي في بيروت، وأعرف شوارعها وأهلها. بيروت للجميع… ليست مدينة جميلة، فمبانيها شُيّدت بشكل فوضوي وعلاقتها بالبحر غريبة، ولكنها جذابة يحبّها العرب والأجانب، وقد كتب عنها الشاعر الدمشقي نزار قباني أجمل الكلمات، هي التي يردّدها اليوم المتظاهرون، وأكثرهم لا يعرفون من كتبها عندما يغنّون "يا ست الدنيا يا بيروت"…


- عشتَ في بيروت لأكثر من خمس سنوات، ماذا تعرف عن هذه المدينة؟ 

لم أكتشف بيروت منذ خمس سنوات، بل أمضيت فيها سنوات عدّة على مدى ٤٠ سنة، وعرفت فيها الحلو والمرّ، وعدت إليها قبل ٣٠ سنة مع نهاية الحرب الأهلية وبدايات عملي كمصوّر صحافي. بيروت هي مدينة فوضوية، وأنا أظنّ أن الفوضى جزء منّا، ونرتاح للفوضى بمقدار ما نحتاج الى التنظيم والترتيب. 

- عايشت السلم، ثم الثورة، والانفجار والدمار؟ أي حالة تسكنك؟ 

طوال مسيرتي كمصوّر صحافي، واجهت لحظات صعبة وعاطفية كثيرة، سواء كان ذلك من خلال متابعة عائلات ممزّقة أو مدن محاصرة أو منازل مدمّرة. واليوم، وجدت نفسي أصوّر الدمار في الحيّ البيروتي الذي أسكنه. لأول مرة، أشهد على المأساة والخراب في بيئة مألوفة للغاية. وشعرت بأنني مضطر أكثر من أي وقت مضى لتصوير المأساة وتوثيقها.


- هل كنت في بيروت يوم الرابع من آب؟ أخبرنا أكثر؟ 

في 4 آب/ أغسطس الماضي، كنت في باريس. كان وقع الانفجار عليّ كالصاعقة، فاتّخذت بسرعة القرار الوحيد الذي كان ممكناً يومها: العودة إلى بيروت! أولاً، لألملم دمار شقّتي، وثانياً لتصوير ما حدث وتوثيقه. في اليوم التالي، أي في صباح الخامس من آب، كنت في حيّ الجميزة مع كاميرتي ألتقط الصور.

- أيّ أثر تركه فيك الانفجار ونقلته في صورك؟

نقل ما جرى كان صعباً للغاية… ففي ثوانٍ قليلة، فقدتُ أصدقاء ومعارف كثراً، وأُصيبَ العديد من المقرّبين، ودُمّرت المنازل والمباني. كلّنا يحمل آثاراً وجروحاً لا تندمل من انفجار الرابع من آب/ أغسطس. في المعرض أردتُ أن أُظهر ما رأيته بعمقه الأبعد: لا صور للضحايا أو الجرحى، وفضّلت اتخاذ المسافة اللازمة لمشاهدة الحدث بسورياليته. في صوري نرى سفينة شحن ضخمة تخرج من البحر، ونرى جبلاً من الذرة يسير فوقه الناس، ونرى مشاهد حربيّة تذكّر بشواطئ إنزال الحلفاء في النورماندي، عام 1944... أحياناً نعتقد أننا أمام ديكور من فيلم خيالي مثل "كوكب القرود" أو "ماد ماكس"، لكنها للأسف حقيقة مؤلمة.


- ماذا عن معرضك "لبيروت..."؟ ماذا يتضمن؟ ولمن يعود ريعه؟

المعرض عبارة عن ١٥ صورة تحكي، بل تُلخّص الموقف من المرفأ الذي صوّرته من زوايا مختلفة إلى حبل المشنقة الذي أراد المتظاهرون اللبنانيون أن يعبّروا من خلاله عن غضبهم وعن رغبتهم بمحاسبة المسؤولين. يعود ريع المعرض لمؤسسة "بيت البركة" الناشطة ميدانياً في بيروت، وهي لا تعتني بضحايا الانفجار فقط، إنما أيضاً بعدد كبير من المتضرّرين من الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان. وأنا أدعم مشاريعها هذه.


- أيّ رسالة تريد أن يحملها معرضك هذا الى محبّي بيروت في الإمارات والعالم؟

في صوري، أريد التركيز على رسالة وحيدة: "كي لا ننسى"… الصور هي للتذكير دائماً بالماضي والحقيقة التي لا يمكننا نكرانها. وهي تطرح أمامنا قضيّة علينا معالجتها: يرحل الأحبّاء وينتهي الطغيان ويمرّ الوقت... لكن الصور تبقى لتشهد على ما جرى… لا يمكننا إخفاء الحقائق ولا تمويهها مع وجود الصور.