تأملات في درب حاتم علي... والدرس الأخير

أمين حمادة 04 يناير 2021

لا تنظروا الى وجوه الفنانين في وداع حاتم علي، فهي كادر ضيق لا يتسع للصورة، هي لقطة تقليدية لا تلائم أسلوب الراحل الموجود. طالعوا وجوه الناس العاديين، اقرأوا تعابيرها الحقيقية، اختلسوا النظر إلى حزن المشاهد الشخصي أمام رحيل مبدع لم يلتقِ به يوماً وجهاً لوجه، ففيها كل الدروس لنا جميعاً في هذه المهنة الذابلة بتوهّج!

فرهبة المشهد الأخير في حياة الراحل لا يصنعها هذا الأسى الضارب في العمق وحده، ولا كبرياء الوداع المهيب فقط، ولا حتى الأبعاد الشكسبيرية في موت غادر في ختام تغريبة سوريّة نبتت في جولان احتُلّ وأينعت في مخيم شتات فخطفها التهجير، ولا أسف على خسارة خاطفة في عام المصائب، ولا عظمة نقطة وصل آنية في شوط إضافي من فرقة بين هم ونحن، ولا امتداد من بردى الى النيل جارياً مثلهما، ولا حتى فقد العطاء حين نضجه الأعلى، أو حسرة جيل جديد لم ينل فرصة قدّمها علي لجيل سبق.

وأيضاً، لا تقلّل منه سخافة حاشية تريد وضعه في خانة أصغر من شعاعه، ولا يد طويلة لنواطير الفن تشتهي خنقه ميتاً كما حياً، فما زاده شطب اسمه إلا تكريماً، ولا خبث من لم يروا في النعوش إلا الرايات السود.

ولكن إذا لم يكن من بد للنظر في وجوه النجمات والنجوم والممثلات والممثلين والكتّاب والمخرجين والمنتجين وأرباب دور العرض، فأخبروهم بحزنكم، بوجعكم، بلهفتكم، بخسارتكم، أن مجد علي، أرشيف علي، اسم علي، جلّه صُنع في الدراما التلفزيونية "الترفيهية" عينها، حيث ارتكز على القيمة بما قدّم ورفض أيضاً. لم يقل يوماً "الجمهور عاوز كده" و"أزمة نصوص" و"لقمة عيش"، ولا بحث عن الرائج الآني، بل نفض التراب عن القضية الإنسانية والتاريخية والمجتمعية والسياسية والعادية أيضاً، ليصنع منها ذاكرة أجيال ودراما، لا "شقفة مسلسل"، ولا "ترند" مسائياً ينتهي بعد شهر رمضان. اهمسوا لهم بأن التصفيق تحصيله سهل، وأن الفضائح لها جمهورها وأقلامها، ولكن الفن صعب، حاتم علي احترم الناس فحصّل الجمهور، واحترم الدراما فحقق الإبداع. أدار ظهره من دون أن يرحل...