«شخصية العام الإعلامية» نايلة تويني: هذا ما أوصاني به جدّي غسّان!

حوار: فاديا فهد 06 يناير 2021
فازت رئيسة مجلس إدارة صحيفة «النهار» اللبنانية نايلة تويني جائزة «شخصية العام الإعلامية» خلال الدورة التاسعة عشرة لمنتدى الإعلام العربي. جائزة تكلّل 15 عاماً من النضال والتحدّي والعمل الدؤوب، منذ تسلّمها إدارة الدار العريقة بعد اغتيال والدها الشهيد النائب والصحافي جبران تويني، وحتى اليوم. حملت نايلة شعلة «النهار» في ظروف اقتصادية وسياسية صعبة، ودافعت عن الكلمة الحرّة، محافظةً على الورقي، ومواكبةً التغيرات الرقمية وعالم الأونلاين. فنجحت في الحفاظ على الإرث الصحافي الكبير الذي تركه لها والدها جبران وجدّها غسّان، وفق أسلوبها الشخصي، تاركة بصمتها الخاصّة في كلّ ما قامت وتقوم به. عن الجائأة وتحدّيات المهنة وهمومها وشجونها، كان هذا الحوار...

- نايلة تويني، أول سيدة تفوز بجائزة "شخصية العام الإعلامية" في حفلٍ نظّم افتراضياً في دبي. ماذا أضافت هذه الجائزة الى مسيرتك المهنية التي انطلقت وسط تحدّي الاستمرار بعد اغتيال الوالد النائب والصحافي جبران تويني؟

هذا التكريم جاء ليؤكد أن قراري تحدّي الموت والخوف والاستسلام للقاتل وإرادته في خنق صوت "النهار" كان في محلّه. التكريم هو وسام يعلّق على صدر كلّ من آمن باستمرارية "النهار" وما تمثّله من حرية إعلامية. أهديه الى والدي الشهيد جبران تويني، وجدّي غسّان، كما أهديه الى أسرة "النهار"، وكلّ الذين مرّوا بهذه المؤسّسة العريقة وتركوا بصماتهم فيها، وإلى القرّاء والمتصفّحين الذين ينتظرون كلّ صباح صياح ديكها. كذلك فإن التكريم هو رسالة تأتي في وقت تزداد فيه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في لبنان سوءاً، لتؤكد لي أن لا مجال للاستسلام.

لقد كانت مسيرة حافلة بالتحدّيات والمصاعب والنضال المستمرّ اخترتُ أن أكملها وحيدةً بعد استشهاد الوالد ورحيل الجدّ. وهذا التقدير يعطيني دفعاً الى الأمام في مرحلة تزداد اسوداداً وظلمة. لا بدّ من نور ينبعث من آخر النفق. ولن أنسى أن أهدي هذه الجائزة إلى كلّ امرأة عربية تسعى الى تحقيق ذاتها في مجتمع ذكوري صعب المراس لا يعترف بنجاحاتها.


- كرَّمك منتدى الإعلام العربي لجهودك في دفع المهنة إلى الأمام، والحفاظ على الصحيفة الورقية، مع مواكبة التغيرات الرقمية وعالم الأونلاين، بما يتيح تتبّع حركة العصر ومتطلّباته، وفي آن واحد، تلبية حاجات القارئ الغارق في وسائل التواصل، وما تضخّه من معلومات، مع سرعة انتشار المعلومة وتأثيرها في القاعدة الجماهيرية. هل كان من الصعب عليكِ قيادة عملية التطوير في مؤسسة كلاسيكية عريقة مثل "النهار" التي تأسست عام 1933؟

لقد كانت مهمّة صعبة لا بل شبه مستحيلة أن أدخل رياح التطوير، وأُطلق المنصّات الإعلامية المختلفة إلى جانب الحفاظ على الورقي، فيما تشهد السوق الإعلانية المحلّية والعالمية تراجعاً مستمرّاً... من جريدة مطبوعة الى موقع إخباري يعمل على مدار الساعة وبث مباشر على "فايسبوك" ومواقع تواصل اجتماعي. بدأنا بغرفتَي أخبار، دمجناهما في غرفة واحدة. ولم يكن من السهل إقناع صحافيين تقليديين بالتنقّل بين كتابة تحقيق صحافي إلى تصوير تقرير تلفزيوني لـ"الويب" واستضافة اختصاصيين في بثّ مباشر على "فايسبوك" ونشر صورة على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد كانت عملية صعبة ونجحنا فيها. كما نجحنا في إدخال أقسام جديدة إلى "النهار" مثل "لايف ستايل" والمرأة والصحّة وحول العالم وغيرها.


- هل تؤمنين حقّاً بأن الصحافة الورقية لم تمُت، أم أنكِ تحافظين عليها لأنها إرث عائلي ثمين ترفضين التفريط به؟

أؤمن بأن الصحافة الورقية لم تمُت، ولن تموت، بل سيكون لها الدور الأبرز في صناعة الأحداث وتحليلها وفهمها بعمق في ظلّ انتشار الأخبار الزائفة Fake News على مواقع التواصل الاجتماعي. وباتت الحاجة أكبر الى مصدر موثوق يتحرّى عن الأخبار من مصادرها، وهو ما يقوم به فريق عمل الصحيفة. لقد غاب عن الصحافة الورقية الخبر الآني، الذي يقدّمه الموقع الإلكتروني لحظة حدوثه، وتتناقله مواقع التواصل الاجتماعي. وبات التحدّي أكبر في تقديم التحاليل العميقة وأعمدة الرأي والمانشيتات المحرّكة للرأي العام والمعبّرة عن مواقف سياسية. وأذكر هنا صدور الجريدة بصفحات بيضاء تعبيراً عن التعطيل الحكومي والفراغ الذي يعيشه لبنان، كذلك استضافة "النهار" لإيلي صعب في محاولة لدعم المواهب اللبنانية وأصحاب المؤسّسات الإبداعية الصغيرة، ودعمنا الورقي عبر إطلاق خدمة Premium و Paid Online في موقع "النهار"، سائرين بذلك على خطى الصحف العالمية الكبرى مثل "الفيغارو" و"النيويورك تايمز".

- ماذا تعلّمت من جدّك غسّان تويني؟

جدّي غسّان مدرسة في الصحافة والفكر والثقافة والوطنيّة. هو مرجعية كبرى وقد تعلّمتُ منه الكثير. لكن أكثر ما تعلّمتُ منه، هو الصبر على المُصاب. غسّان تويني رجل جبّار، فَقَدَ كلّ أفراد عائلته الصغيرة، ابنته نايلة، وابنه مكرم، وزوجته ناديا، ثم فَقَدَ جبران وبقي شامخاً كأرزة لم تنحنِ، رغم الحزن الأبدي الذي يسكن قلبه.


- بمَ أوصاكِ جدّك قبل وفاته؟

كان جدّي يمرّر لي في كلّ حركة أو تصرّف رسالةً. أذكر عندما أهداني كتابه "سرّ المهنة وأسرار أخرى". لقد كان هذا الإهداء بمثابة رسالة مبطّنة عن الإرث الذي سأحمله ذات يوم. أذكر أيضاً يوم كنا معاً في باريس، وتبلّغنا خبر اغتيال والدي الشهيد جبران. حينها دخل جدّي إلى غرفتي وكنتُ تحت هول الصدمة، غارقةً في دموعي، وقال لي: "لن أطلب منك أن تقومي بمهام الرجال، بل أن تكوني على قدْر المسؤولية التي تركها غياب جبران". وفهمتُ حينذاك أو في ما بعد، أنه لا يريدني أن أكون جبران تويني ولا غسّان تويني ولا جبران الجدّ، بل أن أكون أنا نفسي بكلّ مسؤولية! وهذا ما فعلته. أنا اليوم نايلة تويني ابنة جبران وحفيدة غسّان، أحمل رسالة ولديّ دورٌ إعلامي أقوم به، متّكلةً على نفسي ومحافظةً على الإرث الذي تركه لي والدي وجدّي.

- ماذا أخذتِ عن والدك النائب والصحافي جبران تويني؟

أخذتُ عنه كلّ شيء: تواضعه، حبّه للناس، شغفه بهذه المهنة، طموحه الى عولمة "النهار" واستلهامه تجارب عالمية ناجحة، روحه الشبابية، إيمانه بلبنان والدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب اللبناني في النهوض بالوطن، احترامه للآخر أيّاً كان، ومهما كانت ديانته وطائفته ولونه وموقعه. جبران رجل استثنائي. لقد اكتشفتُ بعد رحيله كم كان يساعد بصمت، فلا تعرف يده اليسرى بما تُنفق اليمنى!

- ماذا ورثتِ من طباعه؟

لا ألاحظ وجه الشبه بيني وبينه، لكن المقرّبين الذين عايشوا والدي يؤكدون أنني أخذت عنه الكثير. لقد ورثت ضحكته. مثله "أعصّب" في ثانية، وأهدأ في ثانية. لا أحمل ضغينة لأحد، ولا أترك الحقد يعشّش في قلبي. مثله أعرف حدودي وأحترم الآخرين.


- متى تتذكّرين والدك جبران؟

جبران يعيش معي في كلّ لحظة: هو معي عندما أفرح، وعندما أحزن، في القرارات الكبرى، كما في المواقف اليومية العادية. أتذكّره في هذه المحنة التي يمرّ بها لبنان، وأتذكّر إيمانه بقيامة وطننا، مهما طال النفق المظلم. أذكره يردّد دائماً: "بيروت لا تموت! بيروت مدينة منذورة للحياة". ما أحوجنا إليه وإلى أمثاله في هذه الأوقات الصعبة، كي نبعث الأمل في نفوس الشباب اليائس فيصمد في أرضه ويقاوم إغراءات الهجرة.

- أيّ درس طبعه فيكِ رحيله المفاجئ والمبكر؟

رحيله جعلني أنظر الى الحياة نظرة مختلفة: هناك المهمّ والأهمّ... ولا شيء يستأهل حزننا ولا غضبنا. الحياة قصيرة جداً، وعلينا أن نتمتّع بكلّ لحظة من لحظاتها.

- ماذا علّمك والدك عن الصحافة؟ وماذا اكتشفتِ بنفسك في "مهنة المتاعب"؟

علّمني أن الصحافة رسالة وشغف ومسؤولية وشفافية وموضوعية. وهو أيضاً ما اكتشفته منذ تسلّمي مهامي في "النهار". على الصحافي أن يحمل راية الكلمة الحرّة والفكر التطويري. أؤمن بأن الديك، ديك "النهار"، يجب أن يصيح كلّ صباح حاملاً الحقيقة إلى القرّاء الذين ينتظرونه بفارغ الصبر.

- بعد 15 سنة من الخبرة في مجال الصحافة، ما هي أبرز ملامح نايلة تويني الإعلامية؟

لا أحبّ التحدّث عن نفسي. لكن يمكنني القول إنني خلال هذه السنوات الخمس عشرة، عملت على نفسي، وتعلّمت ألاّ أستسلم ولا أنهار أمام المصاعب. أواجه المشاكل بأعصاب باردة وأبحث عن حلول لها. أستمع الى آراء الآخرين المتعدّدة، باحترام ومحبّة، قبل أن أتّخذ قراري بنفسي وأتحمّل مسؤوليته حتى النهاية. وأحبّ عائلتي، عائلة "النهار"، وأقدّرها وأهتمّ بها.


- ماذا تريدين لأولادك الثلاثة، جبران وشريف ونور أن يتعلّموا عن الصحافة، خصوصاً أنهم كبروا في مكاتب "النهار" وترعرعوا فيها؟ وهل تحضّرينهم لتسلّم مهام في الصحيفة والموقع في ما بعد؟

الواقع أنني أمٌّ لا تحبّ أن توكل واجباتها إلى أحد، فترينني أهتمّ بكلّ شاردة وواردة في حياة أولادي الثلاثة. وعندما أنجبتُ ابني البكر جبران، التزمت البيت مدّة شهرين ولم أغادره إطلاقاً. أذكر أن السيدة روز الشويري زارتني في نهاية إجازة الأمومة وقالت لي: "نايلة لديكِ مسؤوليات، ولا يمكن أن يستمرّ غيابك على هذا النحو. لا بدّ من متابعة حياتك العملية... خذي طفلك معك إلى المكتب، إذا كنت مصرّة على البقاء الى جانبه!". وهذا ما كان. أولادي الثلاثة كبروا في "النهار" التي يعتبرونها بيتهم الثاني. لن أؤثر مستقبلاً في خياراتهم المهنيّة، ولا أرغب في أن أحمّلهم إرث إدارة مؤسسة عريقة مثل "النهار"، إذا لم يرغبوا في ذلك، لأنني أعرف كم هي صعبة إدارتها. لكنني أريد لهم أن يتعرّفوا على تاريخ "النهار" العريق والمسيرة الطويلة التي قطعها أجدادهم للنهوض بهذه المؤسّسة، والأثمان الباهظة التي دفعوها كي يحافظوا على الشّعلة، شعلة حرية الكلمة، متّقدة عبر السنين.


- ما هو الدور الذي يلعبه زوجك الإعلامي مالك مكتبي في "النهار"؟

مالك هو زوجي وحبيبي وشريك حياتي، وليست له أيّ صفة إدارية أو استشارية في مؤسسة "النهار". هو لي الدعم المعنوي، وأتناقش معه في بعض الأمور التي تقع ضمن اختصاصه وخبرته التلفزيونية الطويلة، مثل تجهيز الاستديوهات وإنتاج الفيديوهات والفايسبوك Live وتلفزيون الويبWeb TV . لا بدّ من الإشارة هنا الى أن مالك هو شخصية مثالية تعشق التفاصيل والعمل المُتقن، ولا تتردّد في إبداء رأيها بصراحة جارحة في بعض الأحيان. وهذا ما يعجبني فيه. أما بالنسبة إلى الفصل بين عمله وعملي، فأعتقد أنه أساس نجاح زواجنا ودوامه.

- ما هي أمنياتكِ للعام الجديد؟

أحلامي تتركّز على الصحّة. أتمنى أن تنتهي الكورونا ونعود الى حياتنا البسيطة التي بتنا نشتاق إليها. وأتمنّى أن يتعافى لبنان من جروحه، ويتوقّف عن دفع أثمان أجندات الآخرين الباهظة، وينبذ ثقافة الحقد والكراهية فينعم اللبنانيون بالسلام والبحبوحة.