محمود قابيل.. سينما 'العشوائيات' لا تعبر عن الواقع!

محمود قابيل , غزة, مسلسل, منظمة اليونيسيف للطفولة, دولة الإمارات

15 يونيو 2010

يعيش الفنان المصري محمود قابيل حالة نشاط مكثفة كسفير اليونيسيف للنيات الحسنة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وعاد أخيراً من زيارة لموريتانيا، شارك خلالها في إطلاق حملة إقليمية لمكافحة مرض شلل الأطفال في غرب إفريقيا. كما قام بزيارة للإمارات شارك في لجنة تحكيم مسابقة «جوائز أناسي للأفلام الوثائقية». ويستعد قابيل لدخول عالم القصور وبلاط العائلة المالكة في مصر في فترة ما قبل ثورة تموز/يوليو، من خلال دوره في مسلسل «ملكة في المنفى» الذي يعود به إلى جمهور الشاشة الصغيرة  في شهر رمضان المقبل.

 
- جمعت زيارتك الأخيرة لدولة الإمارات بين صفتك كفنان وأيضا كسفير لليونيسيف. كيف تحقق ذلك؟

شاركت في لجنة تحكيم مسابقة «جوائز أناسي للأفلام الوثائقية»، وهي واحدة من اكبر الجوائز المتخصصة في مجال الأفلام الوثائقية، كما تربطها علاقة شراكة باليونيسيف تم من خلالها إضافة جائزة لأفضل فيلم ضمن محور «الطفل في عيوننا»، وجائزة لأفضل فيلم وثائقي عن الطفل بإنتاج الناشئة. وهي خطوة مهمة نحو توظيف الأفلام الوثائقية لزيادة وعي أفراد المجتمع لقضايا الطفل، وأيضا لفتح مجال أمام الأطفال أنفسهم للتعبير عن قضاياهم ومشكلاتهم من وجهة نظرهم بواسطة أفلام لا تتجاوز مدتها دقيقة واحدة، وهي الشراكة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وأفريقيا.
من جهة أخرى، تضمنت زيارتي للإمارات لقاء مع اللواء ناصر العوضي المنهالي وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون الجنسية والإقامة والمنافذ بالإنابة، للبحث في التعاون بين اليونيسيف ووزارة الداخلية الإماراتية في مجال حماية الطفولة، وتوجيه الشكر للإمارات على جهودها الكبيرة في مجال تأهيل الأطفال الذين شاركوا في سباقات الهجن سابقا ودمجهم في مجتمعاتهم، والذين التقيت عدداً منهم خلال الزيارة التي قمت بها لجمهورية موريتانيا الإسلامية. أيضا كان هناك لقاء مع المديرة العامة للاتحاد النسائي نورة السويدي لمناقشة سير الإستراتيجية الشاملة التي يجرى إعدادها بالتعاون بين اليونيسيف والاتحاد النسائي لتكون بمثابة مرجعية لكل ما يتعلق بحقوق الطفل والمرأة.

- وكيف كانت زيارتك لموريتانيا؟
كانت موفقة جدا. فقد كان الهدف الرئيس من الزيارة إطلاق حملة عالمية لمقاومة فيروس شلل الأطفال، وهي حملة عالمية انطلقت في مناطق مختلفة من العالم في وقت واحد، ولقيت اهتماماً كبيراً في موريتانيا حيث شهد رئيس الدولة حفلة الإطلاق، وهي المرة الأولى التي يشهد فيها رئيس الجمهورية هناك حدثاً كهذا منذ ما يزيد عن 20 عاماً. ولم تقتصر الزيارة على إطلاق حملة شلل الأطفال، بل زرنا جمعية أهلية لمكافحة ختان الإناث، وأسرة طفل عمره 10 سنوات، وهو أحد الذين كانوا يشاركون في سباقات الهجن، والذين تعمل الإمارات على إعادة تأهيلهم ودمجهم، حيث سبق وتم جلبه للإمارات للعمل في ركوب الهجن خلال السباقات ولم يكن عمره يتجاوز الخمس سنوات.

«لا للضغوط»

- المهمات التي تقوم بها كسفير، هل هي من اختيارك أم تأتي بناءً على تكليف من المنظمة العالمية التي تمثلها؟
التنسيق للأنشطة التي أقوم بها أو أشارك فيها يتم من خلال المكتب الإقليمي لليونيسيف في عمان الذي يتولى عرض المهمات عليّ، والتنسيق معي لاختيار الوقت المناسب لي للقيام بها.

- خلال عملك مع اليونيسيف هل شعرت بأن هناك ضغوطاً ما تتم ممارستها عليك للقيام بمهمات لا تتفق مع اتجاهاتك؟
أعمل مع اليونيسيف منذ سبع سنوات، وخلال هذه الفترة الطويلة لم تمارس أي ضغوط عليّ، فاليونيسيف منظمة إنسانية ترعى حقوق الأطفال في مختلف إنحاء العالم، وهو هدف إنساني ليس فيه مجال للضغوط. فعلى سبيل المثال عندما زرت لبنان، طلبت زيارة قرية قانا، وبالفعل تم ترتيب الزيارة ووضعت الزهور على مقابر الشهداء هناك. وعموما إذا شعرت بان هناك أي ضغوط فسأرفضها على الفور حتى لو وصل الأمر إلى الاستقالة من المنصب.

- كيف كانت زيارتك للضفة الغربية وغزة؟
كانت الزيارة التي تضمنت الضفة الغربية والقدس وغزة قاسية جداً، ليست عليّ فحسب ولكن على كل إنسان. فليس من الضروري أن يكون الإنسان عربياً حتى يشعر بقسوة الأوضاع هناك. ونحن نرى الضفة الغربية وقد ابتلعت أراضيها لتضم إلى المستعمرات الإسرائيلية، والقدس تم تهويدها في ظل ترحيل الأهالي المقدسيين العرب من بيوتهم، وما يجدونه من معاناة في حياتهم اليومية. بالإضافة إلى الجدار العازل المشين والمهين الذي يذكر العالم دائما بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني في تحدٍ سافر من دولة الاحتلال رغم كل جهود الأمم المتحدة والقرارات الدولية. أيضاً زرنا قطاع غزة، حيث جمعني لقاء مع الفنانة العالمية ميا فارو، كما زرت مركز اليونيسيف لتأهيل الأطفال الذين كانوا يشاركون في حفر الأنفاق.

- هل تشعر بأن الجهود التي تقوم بها لها صدى على أرض الواقع؟
الأمر يختلف من مكان إلى آخر. ولكن في معظم الأحوال أشعر بأن ما نقوم به يحدث فرقا بالفعل، ويكفي أننا نوصل إلى العالم من خلال وسائل الإعلام ما يحدث في المناطق التي نقوم بمهمات فيها من معاناة وانتهاكات. فالإعلام والرأي العام هو السلاح الذي نستخدمه في الدفاع عن حقوق الطفل، ومن خلال الإعلام ندعو الناس للتفكير ومناقشة القضايا بشكل واسع. وفي بعض الأحيان يحدث رد فعلي مباشر كما في زيارتي لليمن، والتي فوجئنا خلالها بأنه مازال هناك أطفال يموتون من الجفاف وسوء التغذية في القرن الـ21. وعقب تسليط الضوء على ما يحدث هناك، توالت التبرعات على اليمن سواء من الداخل او الخارج، وفي مقدمتها التبرع السخي الذي قدمته دولة الإمارات بقيمة 3 ملايين دولار. 

- وهل تجد أن هذه الايجابية تنطبق على بقية سفراء الأمم المتحدة من الفنانين العرب؟ وبماذا ترد على الآراء التي تذهب إلى أن بعض الفنانين يتعاملون مع هذه المنصب كنوع من الوجاهة؟
أعتقد أن الأداء ايجابي بشكل عام، فالفكرة تعتمد على ما يتمتع به الفنان من جماهيرية ومكانة لدى الجمهور، بما يجعل منه قدوة لهم. كما أنني لا أستطيع أن احكم على زملائي، ولكن بصورة عامة أجد أن هناك جدية وايجابية.


دراما مرفوضة

- يبدو أن حالة النشاط التي تتميز بها كسفير لليونيسيف كان لها تأثير على حضورك كفنان؟
بالفعل أنا مقل في أعمالي بحيث لا أقدم أكثر من عمل تلفزيوني وآخر سينمائي في العام «علشان أوحش الناس». فالدقة في الاختيار أمر مهم جداً، ولابد من احترام عقلية المشاهد خاصة في الأعمال التلفزيونية التي تدخل البيوت ويشاهدها جميع أفراد الأسرة. فنحن في النهاية عرب ولنا عاداتنا وتقاليدنا التي يجب أن نحافظ عليها.

- كيف ترى الدراما العربية التي تقدم في رمضان؟
للأسف هناك أعمال درامية تعرض على شاشات التليفزيون في رمضان ولا تليق إطلاقا بهذا الشهر الفضيل. والمشاهد نفسه يشعر بذلك ويرفضه. لا تتخيلوا كم الشكاوى التي أتلقاها من جمهور من مختلف فئات المجتمع، وكلها تنتقد مستوى أعمال عرضت في رمضان وتضمنت الكثير من الجرأة والخروج على تقاليد المجتمع وحرمة الشهر المبارك. حتى الإعلانات أصبحت تعاني من الإسفاف والخروج على العادات والتقاليد، ولابد من موقف من الجهات التي تسمح ببث هذه الإعلانات. 

- هل يمكن أن يكون للفنانين دورهم هنا؟
صعب. فمن يقوم على صناعة الإعلانات وتمثيلها في الغالب ليسوا من الفنانين، وغير مقيدين في نقابة الممثلين. أما في الأعمال الدرامية والمسلسلات فالأمر يرجع بالدرجة الأولى إلى أسلوب تفكير الفنان، فالبعض يجد أن الجرأة في الأعمال التي يقدمها تزيد جماهيريته، بينما أؤمن أنا بأن احترام الجمهور جزء من احترامي لنفسي. وأي درجة من النجاح أحققها فإنه المشاهد هو الذي أوصلني إليها ولذا عليّ احترامه.

 

سينما «العشوائيات»

- ماذا عن السينما؟ كيف ترى الموجة الأخيرة من الأفلام التي وصفت بأفلام «العشوائيات»؟
هذه الأفلام يعتقد البعض أنها واقعية تعبر عن الواقع المصري وتناقش قضاياه ولكنها ليست كذلك، فهي تضخّم حجم السلبيات وتبرزها بصورة تفوق حجمها. كما أنها تفتقد في بعض الأحيان جماليات الفن التي يمكن أن تبرز الواقع القاسي ولكن بصورة جميلة وراقية، فالتوازن مطلوب دائما. واعتقد أن هذه الأفلام في النهاية تضرّ بالمجتمع أكثر مما تفيده.

- وما رأيك في الأفلام التي يقدمها الشباب؟
أعتقد أن لدينا كتاباً ومخرجين ومديري تصوير متميزين جدا من الشباب، وأنا حريص دائما على متابعة ما يقدمه الشباب من أعمال، ولا أتردد في المشاركة معهم في أي عمل يطلبون مني المشاركة فيه حتى ولو بمشهد واحد. وأتمنى أن يواصلوا تقديم أعمال تحمل أفكاراً جديدة تعبر عنهم، ولا ينضموا إلى تيار السينما السائدة حالياً.

 

مع «الملكة»

- وما جديدك في الفترة المقبلة؟
أشارك حالياً في مسلسل تلفزيوني تاريخي بعنوان «ملكة في المنفى»، مع الفنانة نادية الجندي، والمعالجة التاريخية والسيناريو لراوية راشد. وهو يتناول قصة حياة الملكة نازلي زوجة الملك فاروق.

- في الفترة الأخيرة كانت أعمال السير الذاتية موضوعا لجدل واسع بين التأييد والمعارضة، كيف ترى هذا الجدل وتأثيره على هذا النوع من الدراما؟
الجدل ظاهرة صحية لأنه يظهر وجهات نظر مختلفة ومتنوعة. كما أنني أجد أن أعمال السير الذاتية أمر جيد ومفيد. فخلال العمل الذي يقدمه، يسعى المؤلف لتعريف الجمهور بشخصية معينة من خلال المعلومات التي جمعها، وفي بعض الأحيان يرى البعض أن العمل أغفل جوانب ما أو انحاز إلى جهة بعينها، وهذا في حد ذاته مفيد لأنه يشجع المشاهدين على القراءة والإطلاع أكثر لمعرفة الحقيقة وتكوين صورة واضحة عن الشخصية والأحداث التاريخية التي عاصرتها.

- وهل تتفق مع الرأي الذي يجد في الأعمال الدرامية التي تتناول فترة ما قبل الثورة في مصر حالة من الحنين إلى تلك الفترة؟
-ليس تماما. لكننا لابد أن نعترف أن مصر مرت بعد قيام ثورة يوليو بفترة شهدت الكثير من الايجابيات، ولكن أيضا كان لها سلبياتها، ومن أبرزها تغيير تاريخ فترة ما قبل الثورة، هذا التغيير الذي أدّى إلى تشويه صورة شخصيات تلك الفترة، وهو في الحقيقة تشويه لمصر بالكامل. ولكن من الجيد أن السنوات الأخيرة شهدت اتجاهاً واضحاً نحو فتح المجال أمام تصحيح هذه الصورة، وتدارك من الحكومة المصرية لهذا الوضع، وهو ما شجع الناس على أن تقرأ وتقارن بين مصادر مختلفة، الأمر الذي كشف مدى التشويه الذي ألحق بفترة الحكم الملكي في مصر. 

- ولكن كتابة أعمال السير الذاتية تتطلب مواصفات خاصة في من يتصدى لها، فهل ترى أن هذه المواصفات توافرت في من كتبوا هذه الأعمال؟
كل كاتب عندما يتجه إلى كتابة هذه الأعمال المهمة، يبذل كل جهده ليخرج العمل بالمستوى المطلوب، واعتقد أن غالبية أعمال السير الذاتية كانت تتمتع بمقدار كبير من المصداقية. حتى وان كانت هناك بعض المآخذ فالأساس موجود.
وبشكل عام علينا أن نتعامل مع الشخصيات التاريخية بأسلوب مختلف، فدفاعي عن جمال عبد الناصر لا يعني بالضرورة أني ضد السادات أو الرئيس الحالي محمد حسني مبارك. علينا أن نحترم قادتنا، وهو ما تعلمته في الجيش باعتباري ضابطاً سابقاً في القوات المسلحة المصرية، وفي الوقت نفسه ندرك أنهم في النهاية بشر لكل منهم ايجابياته وسلبياته.

- هل هناك أعمال أخرى تشارك بها حاليا؟
هناك مسلسل بعنوان «رحيل مع الشمس» مع الفنانة الهام شاهين، وهي قصة رومانسية للكاتبة منى نور الدين وإخراج تيسير عبود، ومن المنتظر أن يعرض في رمضان المقبل.

- هناك سباق محموم بين النجوم للانتهاء من أعمالهم وعرضها في رمضان، وكأنه أصبح الموسم الوحيد للدراما طوال العام؟
هذا الأسلوب أوجد فجوة كبيرة طوال العام، وجعلنا نتمنى أن يكون العام كله رمضان حتى نشاهد أعمالاً جيدة، أو أن يتوقف عرض الأعمال الدرامية طوال الشهر الفضيل، ليتفرغ الناس للعبادة ويستشعروا روحانياته، وبالتالي يتم عرض الأعمال الدرامية بصورة معتدلة طوال العام دون التكدس الذي يحدث عادة كل عام.

- تعبير الفنان عن مواقفه السياسية وآرائه في القضايا المختلفة هل يفيده أم يضره على المستوى الجماهيري؟
الفنان جزء من المجتمع، ولابد أن يعبر عن الرأي الذي يؤمن به، وليس من المهم أن يتفق مع جمهوره أو يختلف عنه، فلابد أن نفهم فلسفة الاختلاف وتقبل الآخر. أما مدى ما يتسم به الفنان من ذكاء ودبلوماسية في التعبير عن آرائه فهو أمر يختلف من شخص إلى آخر.

- وهل للفنان عمر فني؟
الفنان ليس له عمر، فطوال حياته سيظل فناناً. ولكن إذا ما شعر بان المناخ غير ملائم له ولإشباع إحساسه الفني وطموحه، عليه أن يبتعد قليلاً، ولكن يظل الفنان موجودا.