منزل «غيولنغ» في الريف الأسترالي: ظلال من الماضي في ضيافة الحاضر!

باريس - نجاة شحادة 15 يناير 2021

منزل «غيولنغ» في الريف الأسترالي، ليس منزلاً عادياً، بل تحفة زخرفية بكل ما يحمله هذا الوصف من معنى. وقّع تصميمه المهندس «غريغ ناتال» بصياغة بارعة فريدة، مُزاوجاً فيها بين الطراز الكلاسيكي الجميل والأنماط الصناعية، المعززة ببعض الأكسسوارات القديمة، وبنخبة من التحف التراثية القيّمة، مما أضفى على المكان قيمة جمالية، ومظهراً ينسينا أنه كان في الماضي مزرعة لتربية الخيول.


يقع هذا المنزل الذي يعود بناؤه إلى عام 1880، في منطقة ريفيّة لا تبعد كثيراً عن مدينة ملبورن، وهو مشيّد من الحجر الصخريّ الأزرق، بطابع هندسيّ جميل من الطراز «الفيكتوري». وقد أراد مالكوه ترميمه وتحديث أجوائه مع الحفاظ على طابعه الهندسي وهويته التراثية الأصيلة التي تحمل خواصّ ذلك الزمن...

لم يخرج غريغ ناتال في تصميمه عن هذه المعادلة لصياغة جوّ جديد للمنزل، وقد وفّر الفرصة لكلّ عناصر الديكور ومكمّلاته لتلعب دوراً مهماً في توليد المشاهد الداخلية، وتكوين مناخات زخرفية بديعة فريدة من نوعها.

ولكي يدفع بالتصميم الى أعلى درجات الابتكار، استخدم ناتال الخشب والمعدن، الزجاج والأقمشة المخملية الناعمة والجلود، كمواد أساسية في صناعة الأثاث، فيما عززت أجواء الديكور قطع أثاث قديمة ومُعاد تدويرها، إضافةً إلى عناصر الزينة التي كان بعضها منسيّاً في أقبية المزرعة.

على أن موقع المنزل وسط مساحة واسعة من الطبيعة الريفية والأراضي الخضراء، قد دفع بالمهندس غريغ ناتال خلال إعادة ترميمه البناء وزخرفته الأجواء الداخلية، للاستعانة بخيارات مميزة من الألوان المستمدّة من العناصر الطبيعية المحيطة بالمنزل، كالحجر الرماديّ الفاتح اللون أو الداكن، والطوب الأحمر والأبيض، والتي طُليت بألوانها السقوف والجدران وأُطر النوافذ والأبواب في الداخل.

وقد ساهمت مجموعة قطع السجاد المزخرف بالأشكال الهندسية والألوان التي زيّن بها ناتال الأرضيات الخشبية الداكنة في المكان في تطريز الأجواء وإعطاء الديكور طابعاً أنيقاً ومدهشاً... موفراً في الوقت نفسه لكل فضاء من الصّالات والغرف مظهراً ريفيّاً ساحراً.


طُليت جدران المدخل باللون الرمادي الداكن، وتم تزيينها بصور فوتوغرافية كبيرة لخيول أصيلة كانت تعيش قديماً في تلك المزرعة. وغُطّيت الأرض بقطعة سجاد مستديرة من تصميم ناتال نفسه، وقد نسق فوقها طاولة قديمة، تمّ العثور عليها بين أثاث المزرعة، ليُعاد ترميمها وتوظيفها في الديكور كتحفة جميلة.

أما صالة الطعام فقد لُبّست جدرانها بورق «الشيفرون» الداكن اللون المزخرف بخطوط تتناسق بشكل رائع مع قطع الأثاث وأدوات الزينة التي يعود بعضها إلى حقبة تاريخية موغلة في الزمن. وقد تصدّرتها مرايا مُذهّبة وثريات نحاسية مشغولة باليد وعدد من الكراسي الملبّسة بالجلد الأسود يعود طرازها إلى عام 1930، تمَّ أيضاً العثور عليها في مخازن السوق العتيق في مدينة سيدني، إضافةً إلى بعض التحف الأخرى من ساعة مميزة للزينة وطقم صحون مزخرف بخيوط من الذهب تصدَّر الواجهة الزجاجيّة لخزانة غرفة الطعام.

ومما لا شك فيه أن التعامل مع الأشياء القديمة وقطع الأثاث المستعادة والتحف، لم يكن سهلاً، في عملية الدمج والتنسيق، والتي احتاج تحقيق التناسق بينها إلى حساسية فنية فائقة وقدرة وخيال وخبرة في المواءمة بين الأشياء، لإبراز جماليتها التراثية، بسلاسة تامة دونما أي مبالغة، مما ولّد في أنحاء المكان مناخاً جديداً مشبعاً بالأناقة والجاذبية.

وهذا المناخ يعكسه تصميم الصالون الرئيسي في المنزل بصياغته الأنيقة وجاذبية أجوائه، المنسقة بسجادة كبيرة من تصميم المهندس أيضاً تم اختيارها من مجموعة «بحيرة كومو»، والتي تنسجم بنقوشها وألوانها مع طابع قطع الأثاث الموزع في الصالون وركن المدفأة، وقد تم تصنيعه وفق المقاس، بأشكال وألوان مبتكرة، وتتصدره كنبات من الجلد الأسود بصياغة تحمل طابع طراز «تشسترفيلد» البريطاني، كما تتناغم معه مقاعد مريحة ومبتكرة مُغطّاة بقماش مزخرف من ابتكار «رالف لورن». وتتوسط جلسة الصالون صناديق من الخشب المزخرف بخطوط من اللونين الأسود والبني تتكامل معها طاولة جانبية مصنوعة من البرونز المزخرف بنقوش صينية، وقد نسق فوق هذه الطاولة عنصر للإضاءة وبعض التحف باللون الأسود والذهبي.


أما جدران الصالون فقد وزعت فوقها لوحات من الصور الفوتوغرافية لخيول المزرعة، لتذكّر دائماً بهوية المنزل.

في صالة الجلوس قُبالة المطبخ، تمت تغطية الأرضية الخشبية الداكنة اللون، ببساط مبتكر من تصميم ناتال. كما وزعت في المكان كنبات مُنجَّدة بقماش من القطن المخمليّ الأحمر ومقاعد قديمة من الجلد الأسود.

فيما امتاز جانب من الصالون برفوف للكتب، يعود طرازها إلى مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي، وقد استُجلبت من حوض هولندي لبناء السفن...

جاء توزيع عناصر الأثاث والأكسسوارات في هذه الصالة ليضيف الى فضائها سحراً أليفاً تندر حيازته من دون تصور مسبق للمكان بالغ الدقة والحساسية.

أما حمّام الضيوف، فقد رصّعت أرضيّته وجدرانه ببلاط مزخرف بأشكال هندسية مكررة من «بوركشير»، ويتدلّى من سقفه عنصر للإضاءة، بينما زيّنت جدار الحمّام مرآة على شكل حِلْية مربوطة بحزام من الجلد... وأكثر ما يلفت الأنظار في هذا الحمام، تمديدات الحنفيات النحاسية، والمغسلة المثبتة فوق رفوف من الخشب والتي تبدو في منتهى الألفة مع المعدن الأصفر.


وفي ما يخصّ غرف النوم، فقد تمّ تنسيقها بأثاث جميل متجانس ومتناغم من تصميم «رالف لورين»، وقد زُيِّنت جدرانها بورق مزخرف بخطوط رفيعة ولوحات فنية. بينما زُيِّن السرير بمفارش ذات أغطية مشرقة الألوان نضِرة. كما أُتبعت المناضد الى جانب السرير بإضاءة ناعمة من تصميم «رالف لورين» أيضاً.

أما المطبخ فيتميز تصميمه الداخلي برفوف مستقلة وخزائن مفتوحة تظهر كل محتوياته بدلاً من محاولة إخفائها وراء أبواب الخزائن...

وقد غُطِّيت أرضياته بنوع من البلاط الفاخر، بينما تدلّتْ من السقف مصابيح كالثريّات تأخذ شكل خيوط حديثة الطابع، وهي من العناصر الصناعية القديمة المُعاد تدويرها. فيما احتلّت جانباً من المطبخ مائدة مستديرة تحمل الطابع الريفي تحيط بها مقاعد صغيرة.

ويتصدّر بعض الممرّات الداخليّة للمنزل، المؤدية إلى الصالات وغرف النوم والمطبخ، سرج عتيق للخيل مثبت فوق قاعدة، إضافة إلى أقمشة مزخرفة بالنقوش، كان يستخدمها الفرسان في الماضي في حلبة السباق، وكذلك صور للخيول الأصيلة التي عرفتها أنشطة ميدان السباق، وامتلأت بها جدران المنزل.

تحيط بالمنزل مصاطب واسعة، تطلّ من كل الجهات على المزارع والحديقة التي تحتل أحد أركانها نافورة مياه قديمة، لا تزال قائمة منذ عام 1900. تتميز هذه المصاطب بجلساتها المختلفة والتي تبرز في بعض أركانها كراسٍ معدنيّة قديمة، بالإضافة إلى طاولات صغيرة من الخشب الخامّ المُعاد تدويره.