رباب تفارق الحياة

حاتم العراقي, معاناة, الكويت, مطربة, رباب كنعان, وفاة, برنامج نجم الخليج

13 يوليو 2010

بحضور خلا من معظم رفقاء دربها الفني الطويل إلا من صدف وجودهم في الإمارات، ودع عدد من الفنانين وبعض عشاق صوتها المطربة العراقية رباب الملقبة بـ «سفيرة الفن الخليجي»، وألقوا نظرة الوداع الأخيرة على جثمانها قبل مواراتها الثرى عن عمر يناهز 60 عاماً في إمارة الشارقة، عقب أداء صلاة الجنازة عليها في مسجد الصحابة، في مشهد لا يليق بفنانة خليجية ارتبط اسمها لعقود بالإبداع الغنائي وقدمت المئات من الأغنيات الناجحة.


رحلة معاناة الفنانة رباب مع المرض طويلة، وهي ليست معاناتها الوحيدة، فالقدر لم يمكنها أيضاً من إتمام زيارة لأهلها في العراق، أو لأصدقائها وأحبائها في الكويت التي عاشت فيها وصنعت فيها اسمها الفني. وشكل عدم قدرتها على العودة إلى الكويت والعراق لاعتبارات سياسية الجزء الأكبر من آلامها النفسية التي ضاعفتها حدة التجاهل الذي صادفته من أهل الفن، من أصدقاء الماضي أو حتى الحاضر. وهو ما فاقم أمراضها العديدة مثل السكري وضغط الدم المرتفع، علماً أنها خضعت قبل عشر سنوات لجراحة دقيقة في القلب. فقد اتهمت الراحلة رباب بدعم الغزو العراقي للكويت، وهي تهمة أنكرتها مؤكدة أن الشهيد فهد الأحمد لو كان حياً ما تركت الكويت لأنه من كان يدعمها ويعلم انتماءها الى كل ما هو كويتي.
وحملت الفصول الأخيرة لرحيل خيرية عمارة- أو حسب اسمها الفني  رباب - معاناة شديدة من مرحلة متأخرة من الإصابة بداء السكري أُدخلت على أثرها إلى مستشفى الزهراء في إمارة الشارقة. لكن الكثيرين من الطاقم الطبي والتمريضي هناك كانوا يجهلون أن المريضة فنانة معروفة ولها شعبية كبيرة لدى جمهور الأغنية الخليجية، بسبب غياب سؤال زملائها الفنانين عنها، فضلاً عن أن رباب دخلت المستشفى باسمها الحقيقي الذي لا يعرفه حتى من يفكر في السؤال عنها.
وقالت مديرة أعمالها أمينة التي تفضل دائماً تعريف نفسها بأنها صديقتها المقربة، إن صحة رباب تدهورت بشكل مفاجئ قبل 5 أيام فقط من وفاتها، وظلت فيها حبيسة غرفة العناية الفائقة، بسبب ارتفاع شديد في ضغط الدم تسبب بنزف داخلي وبشكل خاص في الدماغ. وأوضحت أن سوء حالتها جعل الأطباء يفضلون عدم التدخل جراحياً بانتظار معجزة الشفاء، بعد دخولها في حالة دائمة من فقدان الوعي قبل أن تتحسن حالتها فجأة قبل وفاتها بـ24 ساعة، لكنها فارقت الحياة بشكل يخالف وتيرة تحسن حالتها الصحية نسبياً عند التاسعة مساء.


مسيرة حافلة

كانت المسيرة الفنية لرباب حافلة على عكس حياتها العادية. وهي حملت الجنسية العراقية فقط، ولكنها كانت تحمل جواز سفر كويتياً سُحب منها بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990.  وقد رافقت مسيرة رباب الفنانة العراقية المحسوبة على المشهد الغنائي الكويتي عشرات من الأقاويل والشائعات، ولم تتوقف تلك الأقاويل حتى في مشهدها الخاص الأخير وصولاً إلى اللحد، في جدل يحيل بالضرورة إلى إشكالية اعتماد الانتماء القطري للفنان العربي على حساب الانتماء إلى جنسه الإبداعي الذي يتميز به لدى جمهور عربي لا تهمه كثيراً اعتبارات بعيدة عن ما يتذوقه من فن. وهي المأساة التي بثتها الراحلة رباب في مناسبات مختلفة قبل وفاتها لواحدة من صحف الإمارات، رغم تحسسها من الاقتراب من هذا الملف الذي كانت تعتبره «ملغوماً».
والثابت هو أن الراحلة ساهمت بشكل نشط في إثراء مكتبة الأغنية الخليجية، وبشكل خاص في مرحلة الثمانينات، وكان لها أسلوبها الخاص وملامحها الطربية المتميزة عبر عدد من الأعمال التي حجزت لها مكانها في ذاكرة تلك الأغنية، مثل «حاسب الوقت» و«احتمال أنسى حبك» و«انت بديت» و«اجرح» و«قبل أحبك» و«أرجوك»، ناسجة تعاونات كثيرة مع عدد من ابرز شعراء الأغنية الخليجية، قبل أن تضطر لمغادرة الكويت عام 1990، وتتنقل ما بين قطر والإمارات، لتستقر في النهاية في إمارة الشارقة، تاركة وصية حسب مدير أعمالها رياض العراقي بان تدفن في الإمارات، ودعاء وأمانٍ بسيادة الأمن والرخاء في العراق والكويت.
وكانت رباب قد شكت في أحد حواراتها الأخيرة من تعاظم التجاهل الفني والإعلامي تجاهها، ملقية شكوكاً لم تشأ أن تصرح بها بأنه تجاهل لا يفتقر إلى التخطيط والإصرار من جهات بعينها، مؤكدة دائماً أنها لن تتوقف عن الغناء إلا مع توقف آخر أنفاسها، وهو الموقف الذي كان يتسبب دائماً بإجهادها، لا سيما أنها لم تكن تمتلك أي مصدر آخر للدخل سوى أجور إحيائها للحفلات المختلفة وبشكل خاص الأعراس الإماراتية، بعدما قامت «روتانا» بفسخ تعاقدها معها، عقب آخر ألبوماتها «قراري الأخير» الذي ما زال حتى اللحظة آخر أعمالها الفنية.


قراري الأخير

كان آخر أعمال الراحلة رباب من الألبومات الفنية متوائماً مع ترتيبه بالفعل في مكتبة أغانيها وهو ألبوم «آخر قراري» الذي غنت فيه عدداً من آخر أعمالها قبل انفصالها عن شركة «روتانا». لكن سفيرة الأغنية الخليجية ظلت بعدها تعاني لسنوات دون أن تتمكن بسبب تواضع إمكاناتها المادية من إنتاج أعمال على نفقتها الخاصة، في حين كانت هناك حالة عزوف ملحوظة من تعاون عدد من الشعراء والملحنين المعروفين معها لأسباب غير فنية.
رباب في أيامها الأخيرة لم تكن تخفي ضيقها ذرعاً بالعزلة الفنية والتجاهل الإعلامي والفني الذي تعيشه، وشبهت في تصريح لها هذا التجاهل بـ «السم البطيء الذي يسري بهدوء قاتل في الجسد»، مؤكدة دائماً أن عذاباتها ومعاناتها روحية أكثر منها جسدية.


الحسرة على معاناة جيلها

الظهور العلني الأخير للراحلة رباب كان مع وجودها في لجنة تحكيم مسابقة «نجوم الخليج» لاختيار أفضل الأصوات الخليجية. ويومها أشادت بفكرة تبني بعض المحطات للمواهب الفنية، وتحسرت على المعاناة التي مر بها جيلها من أجل الظهور الأول على الشاشة التلفزيونية أو الإطلالة عبر الأثير، وهو ما جعلها تنضم الى لجنة تحكيم مسابقة «نجوم الخليج» التي تنظمها شبكة قنوات نجوم، مضيفة حينها: «وجود أي فنان في لجنة تحكيم أو اختيار مسؤولية كبرى يجعله في لحظة ما هو من بيده قرار قد يكون شديد التأثير ليس لدى صاحب الموهبة الفنية فقط، بل أيضاً في مجمل الحركة الفنية التي قد تُثرى بمولد نجم. كما أنها ستتأثر أيضاً بغيابه في حال كونه يمتلك موهبة حقيقية لم تكتشفها لجنة التحكيم».