العازف عمر بشيرأدار فرقة من 24 موسيقياً وعمره 16 عاماً

حاتم العراقي, ألبوم غنائي, مهرجان الموسيقى العربية, عمر بشير, آلة العود

26 يوليو 2010

عندما يهدي عصارة تجربته الفنية الممتدة عشرين سنة، فهو يجسّد مبدأه القائل: «للعود القدرة على عزف أي شيء وكل شيء». فقد كانت لبراعته وعلمه بموسيقى التراث العراقي وإتقان تقنية العزف على العود الأثر الفعّال في جعل الأساليب الموسيقية المختلفة تنسجم في تجانس مرموق حمل اسمه إلى العالمية. فقد ولد في بودابست عام 1970، وبدأ العزف على آلة العود وهو في الخامسة على يد والده عازف العود الشهير منير بشير. الحديث مع فنان العود عمر بشير لا بد أن يمتزج بشجن آلته الموسيقية الشرقية الصامدة حتى الآن رغم الحداثة وأصالتها.

- البداية الفنية كانت في جو أسري فني، كيف ساعدك هذا في الوصول إلى «عمر بشير»؟
عند الحديث عن البدايات ينبغي العودة إلى الأم فهي التي كونت عمر بشير قبل منير بشير، وهي التي اكتشفت الموهبة الفنية بداخلي وأنا في الخامسة من عمري. وكان والدي يرفض أن يعمل أي من أبنائه في هذا الوسط بسبب الظلم الذي رآه في فترة الأربعينات والخمسينات، وصعوبات العمل والمشاكل الفنية. لكن والدتي أصرت أن أنمي موهبتي وأسير في المشوار الفني لأكون امتداداً لوالدي. ووافق والدي وأعطاني العود بل وكان يقسو عليُ حتى أتعلّم الموسيقى وأصول الفن الأصيل.

- يبدو من حديثك أن عمر بشير لم يعش طفولته؟
لا أنكر ذلك، ولكن والدي قدّم لي ما أريده من هدايا ولعب أطفال. ولكن مقابل هذا لم يكن عندي وقت للعب مع الأطفال لأني كنت أمضي كل أوقاتي في التمرين والعزف، فالصباح للمدرسة والمساء مخصص للتدريب والعزف.

- ومتى كانت انطلاقتك الأولى؟
قدمت أول عرض موسيقي وأنا في السن التاسعة في قاعة «الخلد» في بغداد. وهذه كانت انطلاقتي الأولى على خشبة المسرح وكان ذلك عام 1987. ثم التحقت بمعهد «الدراسات الموسيقية» في بغداد حيث بدأت درس المقامات الغنائية وتاريخ الموسيقى وتخرجت منها عام 1991. وفي 1986 قام والدي الفنان الراحل منير بشير بتأسيس فرقه موسيقية من أربعه وعشرين عازفاً متخصصاً بالتراث الموسيقي العراقي، وقمت بجولات فنيه معهم في دول عربية وأوروبية عدة. وقد حازت الفرقة جوائز وشهادات تقديرية.

- متى بدأ عمر بشير الاحتراف؟
بدأت بالاحتراف عام 1988 كعازف منفرد وقدمت أمسيات موسيقية في جميع أنحاء العالم، وقد نجحت في ثنائي العود مع والدي الفنان منير بشير وقدمنا أمسيات موسيقية في أوروبا والوطن العربي.

- ما هي أبرز أعمالك والجوائز التي حصلت عليها؟
حصلت على جوائز وشهادات تقديرية عدة من المهرجانات الموسيقية في العالمين العربي والغربي. وقد حصلت على جائزة أفضل عزف وأفضل صوت عام 1997 في باريس،  ولديُ 16 عملاً موسيقياً (سي دي)، وفي كل عمل أقدم العود بشكل جديد وبتقنية جديدة مما أعطاني أسلوباً خاصاً.
قمت بعمل فيلم لبناني أسمة «طيف المدينة»، ثم قدمت ألبوم «العود الغجري» مع موسيقية غجرية هنغارية، ومن بعدها ألبوم «العود اللاتيني» الذي حقق نجاحاً كبيراً وكان من إنتاج شركةEMI  العالمية. ولي ألبومات «من الفرات إلى الدانوب»، «الأندلس»، «صوت من الحضارات»، «ذكرياتي»، «مقام»، «إلى والدي»، «سهرة الفلامنغو»، «العود الغجري» وقدمت فيه لأول مرة في تاريخ العود الموسيقى الغجرية الهنغارية والرومانية مع الموسيقى الشرقية.

- لماذا أطلقت على ألبومك الأخير إسم «العود المجنون»؟
لأن العود مجنون وصمد من 2300 عام قبل الميلاد إلى الآن. وهذا الألبوم يقدم أسلوباً مختلفاً من الموسيقى على آلة العود، وهي موسيقى البلوز والفلامنكو مع اللاتيني والشرقي  بموسيقى الأمبيَنت.
العود المجنون هو تعبير موسيقي من أعماق الروح يمزج في لحظاته بين الحزن والفرح ويأخذك في طيّاته إلى ساحل الدموع  تارةً ، وإلى أن تتبسّم تارةً أُخرى، وأنت في جوّ من الاستماع  في عوالم وأنماط مختلفة، بأصوات وإيقاعات مُؤتَلِفة.

- من المعروف ان «الفلامنكو» تعزف على آلة «الغيتار». كيف حولتها للعزف على العود؟
«الفلامنكو» أصله من الوطن العربي، وقريب إلى الموسيقى العربية قبل أن يكون إسبانياً. قبل 1000 عام لم هناك يكن شيء اسمه فلامنكو، لأنه انطلق عن طريق الغجر الذين رحلوا من الهند إلى عدة بلدان واستقروا في المغرب، كما إنهم يطلقون على الغيتار الابن غير الشرعي للعود.

- وكيف تمكّنت من تطوير العزف على العود؟
عن طريق الاستماع إلى موسيقى شعوب العالم والتعرف على ثقافتهم وتراثهم، كما أن دراستي للموسيقى العربية والمقامات العراقية كانت سرّ نجاحي والتطوير في كل الأعمال الموسيقية والأمسيات التي قدمتها، ومن خلالها استطعت أن أقدم آلة العود بشكل جديد وبتقنية جديدة مما أكد لي أن آلة العود من أعظم الآلات الموسيقية في العالم، والطريف في الأمر أني ذهبت إلى اسبانيا وكنت أجلس مع العازفين في الشوارع استمع إليهم، وكانوا لا يعرفون من أنا لمدة عام، وفي يوم من الأيام عزفت معهم وعرفوا أني عمر بشير.

- أطلقوا عليك لقب «أمير العود» ما القصة وراء هذا اللقب؟
حصلت على جائزة أمير العود عام 2000، وصدر لي عمل بعنوان «مقام» قدمت فيه المقامات العراقية والارتجال الموسيقي في دار الموسيقى «الثقافات العالمية» بفرنسا، ويومها عزفت لمدة ساعتين دون توقف، ويومها أيضاً لقبني النقاد والصحافيون الفرنسيون بـ «أمير العود».


«أمير العود»


- كنت في سن 16 عندما أدرت فرقة موسيقية مكونة من 24 موسيقياً. هل كنت تمتلك روح الإدارة في هذا السن؟ وهل كان الموسيقيون يتقبّلون إرشاداتك لهم؟
 بالفعل كانت أول فرقة في العالم مكونة من 24 عازفاً موسيقياً، ووالدي كان يعمل نظاماً أسبوعيا يتمثل في أن يقوم أحد الموسيقيين بإدارة الفرقة، ولكني كنت «المدير الرئيسي» الدائم، وكانوا يتقبلون مني كل إرشاداتي ولا يغضبون مني لأننا خارج العمل أصدقاء.

- الآلات الغربية طغت على الآلات الشرقية في الفرق الموسيقية. لماذا ظل العود الآلة الشرقية الوحيدة الصامدة إلى الآن؟
السبب هو الفنان الأسطورة منير بشير هو الوحيد الذي صمد وقام بفتح مدرسة عراقية للعزف على العود، وهو الوحيد الذي أدخل آله العود إلى الغرب، وهو أيضاً أول من عزف «سولو» في تركيا وكان عنده قوة وإصرار على أن يكون العود «سيد الآلات»، بل كان يحارب من أجله طوال مشواره الفني.

- ما هي أقرب الأعمال إلى قلبك؟
مقطوعة «الطفلة الحزينة» هي من أقرب أعمالي إلى قلبي، وقد لحَّنتها لأطفال العراق الذين وقعوا ضحيةً للسياسة والفوضى والجريمة، عسى أن أُحرّك بالعود ضمائر من بمقدورهم أن يخفّفوا عن أطفال العراق معاناتهم ويفتحوا لهم أفقاً جديداً.