'بعدما روّج الصوت للنرجيلة، الصورة تروّج للحشيش'

نقد, فيديو كليب, فارس كرم, ترويج الحشيش

03 نوفمبر 2010

3 في واحد
يختار الفنان عادةً موضوعاً معيناً يروّج له من خلال أغنية أو كليب، دعماً لمشروع بيئي أو لمكافحة مرض عُضال، أو للحدّ من حوادث السير أو لآفة الميسر أو الإدمان والخ... أما فارس كرم، فإن أحداً لم يسبقه بعد إلى الترويج لثلاثة مواضيع "هامة جداً ومفيدة للصحة والمجتمع" في آن معاً. فهو ينشر أولاً رسالة النرجيلة، ثم الكيف (أو الحشيش)، وأيضاً رسالة تحقير المرأة من خلال النظر إليها كسلعة أو أداة تسلية لا يجب أن تبدو ملامح السن على وجهها، ولا أن يترهّل جسدها، بل يجب أن تبقى صبية بجسد ممشوق لأن الرجل لا يحبّها إلا هكذا، خصوصاً أن دورها في الحياة يقتصر فقط على إسعاد الرجل بكلّ الوسائل الممكنة.
"إن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فتلك مصيبة أكبر". هذا هو باختصار ما يُمكن قوله للفنان فارس كرم والمخرج فادي حداد وأيضاً لشاشة تلفزيون روتانا التي سمحت بعرض كليب أغنية "ريتني" أو "الأركيلة" كما يحلو للبعض تسميتها. لسنا ندري صراحة من أين يستوحي بعض مخرجينا أفكارهم، أو بماذا يفكّرون عندما يجلسون ويستمعون إلى أغنية، فيعصرون أدمغتهم ليطلّوا علينا بأفكارٍ، مهما حاولنا التخفيف أو التلطيف من وصفها، لا يمكننا سوى القول إنها مسمومة وتروّج للآفات. فالموضوع تخطّى بأشواط كثيرة مشاهد الإثارة والإبتذال في عدد كبير من الأغنيات المصوّرة، ووصل إلى مرحلة لا بدّ معها من دقّ ناقوس الخطر، بما أن الصورة هذه المرة تعرض وتروّج علناً لتعاطي الكيف (أو الحشيش)، بعدما قام الصوت بالترويج للأركيلة. من شاهد الكليب يعرف في شكل واضح عما نتحدث، أما لمن لم يشاهده بعد فنقول:
يبدأ الكليب بمشهد نرى فيه صبية تقوم بدور مراسلة صحافية تُخبر المشاهدين أن قوى الأمن تقوم حالياً بتلف الحقول والأراضي التي تجري فيها زراعة نبتة الحشيش. وبالفعل، تشتعل النيران ويبدأ التلف، فتعتقد لبرهة أن الكليب هادف ويحمل رسالة للتحذير من آفة تعاطي الحشيش، خصوصاً أن الأغنية في الأساس تروّج للنرجيلة التي يصل معدل خطرها إلى أضعاف مخاطر السيجارة العادية، وكان يجب تصحيح تلك الصورة عن نجم أغنية "التنورة". لكن أملك يخيب بعد ثوان قليلة عندما ترى كثافة الدخان تصل إلى أهل القرية، ومنهم فارس كرم الذي نراه جالساً في مقهى مع سيدة عجوز . فيشتم الرائحة وينتشي (أو بينسطل كما يُقال بالعامية اللبنانية)، وكأنه تعاطى فعلاً الحشيش. وهنا تبدأ المأساة، عندما ترى فارس كرم في تلك الحالة، خصوصاً عندما يخيّل إليه أن السيدة العجوز الجالسة معه في المقهى ليست سوى صبية رائعة الجمال... وهكذا يستمرّ الكليب، وتستمر حالة النشوة بسبب الحشيش، كما يستمر خيال فارس كرم ليرى كل سيدات القرية العجائز، صبايا في العشرين من أعمارهنّ يتوددّن إليه ويعرضن جمالهنّ ويتدللن، ويحمل عدد منهن طبعاً نرجيلة ويشربنها "بكلّ رواق". ذلك الخيال "المُبدع" لم يرحم رجلاً يسوق حماراً، بل أيضاً انقلب حاله وأصبح امراة تجلس على دراجة نارية وتتمايل، لأن فارس كرم تخيّل ذلك. "هو حرّ، إنتوا شو إلكن معو". أما الخاتمة، خاتمة الكليب، فهي أنك ترى فارساً نائماً على الأرض، ليستفيق على صراخ والدته التي تنادي الوالد لتشكوه ابنها الذي وصفته بالـ "أزعر" وكيف أنه جعل سيدات القرية مرتميات أيضاً على الأرض، لتبدأ بعد ذلك أغنية "طالع لجدّك منزوع" مع "الجينيريك"، وهي أغنية أيضاً من ألبوم فارس الأخير... ولك عزيزي المشاهد أن تتخيّل بدورك، "فأنت أيضاً يحق لك أن تتخيل". لك أن تتخيل ماذا كان يفعل فارس كرم طوال الليل على الأرض مع سيدات القرية العجائز بعد أن تخيلّهن صبايا رائعات الجمال بسبب "الحشيش". هذا دون أن ننسى طبعاً أن الكليب مسجّل برعاية إحدى ماركات "المعسّل" كما هو مكتوب في الجينيريك.

"بسّ الكليب حلو، وفارس طالع فيه مهضوم"
هذه الجملة هي ما سمعناه من بعض المدافعين عن الكليب أو من أشخاص يعملون مع فارس كرم. لكن عفواً، أليست تلك هي الكارثة بحدّ ذاتها؟! إن كان الكليب طريفاً وكوميدياً كما يعتقد البعض، أو أن فارس كرم "طالع فيه مهضوم"، فإن ذلك تأكيد واضح على أن الكليب يروّج فعلاً للحشيش، لأنه يُظهر للمشاهد أن الحشيش "شي كتير مهضوم وشي كتير لطيف وظريف". أنت أيضاً عزيزي المشاهد يحقّ لك أن تشتم رائحة الحشيش، خصوصاً إن كانت زوجتك قد كبرت قليلاً في السنّ، أو أن خطيبتك ليست على قدر كاف من الجمال. إشتمّ رائحة الحشيش، فأنت لا تتعاطاها بل يكفي أن تشتم رائحتها فقط لتبدو مثل فارس كرم، "مهضوم". أما زوجتك او خطيبتك أو حبيبتك، فهي أجمل من سيندي كروفورد وكلوديا شيفر، وأكثر إثارة من بيونسي وترقص أفضل من شاكيرا وجينيفر لوبيز، وأيضاً سيارتك موديل عام 1980 ليست سوى أحدث سيارة من العام 2012 . قُدها بجنون وخذ حبيبتك إلى لاس فيغاس وجزر المالديف. "يعني... ما حدا أحسن من حدا".

مئات الضحايا على طرقاتنا...
سألنا في البداية من أين يستوحي بعض مخرجينا أفكاراً مسمومة من هذا النوع، لكن يجب أن نسأل أيضاً بماذا يفكر نجومنا عندما يوافقون على هكذا سيناريوهات مبتذلة ومُروّجة للآفات، في الوقت الذي تشهد فيه طرقاتنا عدداً لا يحصى من حوادث السير القاتلة التي حصدت حيوات شبان وشابات وأطفال وعجائز، بسبب القيادة المجنونة لأشخاص غير مسؤولين لا يكترثون لحياتهم ولا لحياة الناس، شربوا الخمر ربما أو تعاطوا المخدرات والحشيش، وكل هذا مع تأكيدات الإحصاءات التي تقول تقاريرها إن غالبية حوادث السير ناتجة عن فقدان الوعي والهذيان بسبب الخمر أو الحشيش. فأي مسؤولية تقع على عاتق الكلّ عندما نروّج لآفات من هذا النوع، وأي خطر يعيه نجومنا والعاملون في قطاع الفن عندما يعتقدون أنهم ريّاديون في أفكارهم دون أي حدّ أدنى من المسؤولية، فيمررون هذه الرسائل المسمومة إلى جيل الشباب الذي يمتصّ فكره الموسيقى في شكل أسرع من امتصاص الإسفنج للمياه. أليست الموسيقى أخطر وأسرع وسيلة للترويج...؟ شكراً فادي حداد وشكراً فارس كرم، وحقيقة إن كنتما تدريان فتلك مصيبة، وإن كنتما لا تدريان فتلك مصيبة أكبر.