ما هو اضطراب "فرط الحركة" (ADHD) الذي تسبّب بطرد جنى عمرو دياب من المدرسة؟

فرح جهمي - فرنسا 12 يونيو 2021
حقق مسلسل "خلّي بالك من زيزي" نجاحاً واسعاً في الشارع المصري أثناء عرضه ضمن السباق الرمضاني لعام 2021، ونجحت النجمة المصرية أمينة خليل في تقمص شخصية فتاة مصابة بنوع من الوسواس للإنجاب بأي طريقة، فتظهر خلال أحداث المسلسل مندفعةً، تتحدث بسرعة، غير منظّمة، وصاحبة شخصية انفعالية وغاضبة، كأي مصاب بمرض "فرط الحركة" ADHD، وهو ما شجّع جنى، ابنة النجم عمرو دياب على الاعتراف بمعاناتها وسرد رحلتها الطويلة مع هذا الاضطراب النفسي، الذي تسبّب في طردها من المدرسة.


ووجّهت جنى رسالة جريئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى مدرستها القديمة في لندن وخاطبت من خلالها الأساتذة الذين لم يستطيعوا التعامل معها بالشكل الصحيح، وكانوا يتّهمونها بتشتيت انتباه زملائها، ويصفونها بـ"الغبية" و"الكسولة" و"المتمردة"، لا بل أجبروها على ترك المدرسة، ما دفعها للالتحاق بمعهد "بيم" للموسيقى، ونجحت خلال الفترة الماضية في الحصول على شهادة دبلوم في الغناء، كاشفة أنها تسعى لدراسة علم الاجتماع.


ودعت جنى كل مَن يعاني اضطراباً نفسياً، أيّاً كان نوعه، الى عدم الاستسلام والتمسك بحظوظه في النجاح، والسعي باستمرار من دون النظر إلى من يعطّل مسيرته نحو المستقبل، وهو ما شجّع الكثير من متابعيها على التحدّث عن تجربتهم الخاصة مع هذا المرض أو غيره من الاضطرابات النفسية. ورغم ذلك، طرح كلام جنى الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة مرض الـ ADHD وأسبابه وسُبل علاجه.

تعريف اضطراب "فرط الحركة" وأسبابه

تقول الاختصاصية والمعالِجة النفسية مريم سعد إن "فرط الحركة وتشتّت الانتباه" ليس مرضاً عضوياً، بل اضطراب نفسي ينتج من خلل في الدماغ ناجم عن تأخّر في النمو العصبي ونبدأ بملاحظته بعد سنّ السابعة، وهو ما يؤخّر علاجه أو التدخل النفسي لمساعدة المصابين به، لأنه يظهر في مرحلة متأخرة من الطفولة على عكس اضطرابات نفسية أخرى كـ"طيف التوحّد".

علماً أن الدراسات العلمية لم تتمكن بعد من اكتشاف السبب الرئيس وراء إصابة الأطفال بهذا الاضطراب النفسي، أو التعرّف على نوع وطبيعة الخلل الذي يصيب دماغ من يعاني مرض الـ"ADHD" ويتسبّب في نشاطه الزائد وحركاته وانفعالاته السريعة.

وتواكب الطفل المصاب باضطراب "فرط الحركة" مجموعة من التصرّفات التي تجعله غير قادر على التقيد بالأنظمة والسيطرة على سلوكياته، كما قد يجد صعوبة بالغة في التزام القوانين والإرشادات، وغالباً ما يتلهّى بالأشياء الصغيرة.

أعراض اضطراب "فرط الحركة" عند الأطفال والبالغين

تؤكد د. مريم سعد أن أعراض اضطراب "فرط الحركة" عند الأطفال لا تختلف عنها لدى البالغين، فالصورة الشائعة لدى الأغلبية أنهم "مشاغبون بطبيعتهم" وعاجزون عن اتباع التعليمات وإنجاز المهمات بشكل كامل، كما يجدون صعوبة في التركيز أو الاستماع إلى الإرشادات، ما يدفعهم إلى القيام ببعض التصرفات المتهورة أو الأفعال الخطِرة التي تُلحق الضرر بهم.

وتلفت المعالِجة النفسية إلى أن المصابين بهذا النوع من الاضطراب يواجهون صعوبة في الاندماج بصفوف المدارس والتفاعل والتعلّم، لا لأنهم أغبياء أو بليدون، بل لعدم امتلاكهم القدرة على التركيز والتقيّد بقوانين المدرسة وتعليمات الأساتذة كباقي الأطفال الأسوياء، إضافة إلى صعوبة تذكّرهم الأنشطة اليومية وتنظيم مهامهم، وهم يعانون أيضاً من عدم القدرة على اللعب مع أترابهم بهدوء.

وتوضح د. مريم سعد أن في إمكاننا التعرّف إلى المصاب بـ"فرط الحركة" من خلال ردود فعله الانفعالية وتقلبات مزاجه السريعة، ونوبات الغضب الشديدة التي تنتابه باستمرار. كما يواجه صعوبة في انتظار دوره ويعجز عن الجلوس لفترة طويلة في مكان واحد، لافتةً إلى أن غالبية المصابين باضطراب "فرط الحركة" يعانون من الاندفاع والعصبية والإحباط، والقلق الدائم وتدني درجة احترامهم لأنفسهم والشعور السريع بالملل.

نصائح للأهل للتعامل مع أطفالهم المصابين بالـ ADHD

يظن أغلب الآباء والأمهات أن علامات اضطراب "فرط الحركة" التي تظهر على أطفالهم طبيعية وأن نشاطهم الزائد يناسب عمر الطفولة، ولكن صعوبة هذا الاضطراب تكمن في القرارات الانفعالية المفاجئة، التي قد تؤدي الى العديد من الحوادث الخطِرة بالنسبة الى الأطفال والتي تصل أحياناً إلى حدّ الموت.

ويقع على الأهل الدور الأكبر في احتواء طفلهم المصاب باضطراب "فرط الحركة" ومساعدته من خلال توفير بيئة مناسبة لحالته النفسية لتفريغ طاقته الزائدة باللعب وإشغال وقته بنشاطات متنوعة وهادفة.

وتشير د. مريم سعد إلى أن الأطفال المصابين باضطراب "فرط الحركة" قد يسبّبون الإرباك والحرج لأهلهم، خاصة في الأماكن العامة، بسبب نوبات الغضب التي تنتابهم، ونشاطهم الزائد وعدم قدرتهم على التركيز والاستماع الى التوجيهات. وتنصح د. مريم الأهالي بإعطاء الملاحظات والأوامر لأطفالهم الذين يعانون هذا النوع من الاضطراب على شكل جملٍ بسيطة ومجزّأة، لأنهم لا يستطيعون استيعاب الأوامر وتنفيذها مباشرةً وبشكل كامل، وبالتالي من الضروري عدم تعريض الطفل لمواقف مفاجئة بل تهيئته تدريجاً لتلقّي الأمور.

وتلفت أيضاً إلى أن هؤلاء المصابين يعانون مما يُعرف بـ"مقاطعة الحديث"، لذا من المهم الاستماع إليهم وتحمّل مقاطعتهم المستمرة للحديث، بسبب عدم قدرتهم على التركيز لفترة طويلة، كما يجب الإجابة عن أي سؤال يطرحونه وعدم تجاهل ذلك.


وتنصح د. مريم سعد الأهل بالتعرّف على أدقّ تفاصيل هذا المرض وبذل مجهود كبير لاستيعاب أبنائهم والتحدث معهم ومصارحتهم بطبيعة مرضهم إلى أن يبلغوا السنّ المناسبة التي تخوّلهم فهم حالتهم، كما من الضروري التأثير الإيجابي في نفسية الطفل حتى يكتسب الثقة بنفسه وبأهله وبمحيطه.

علاج الـADHD يحتاج إلى الصبر والقدرة على التحمّل

نظراً لصعوبة تحديد أسباب اضطراب "فرط الحركة" وتأمين علاج فعّال له، تنصح د. مريم سعد بالمواظبة على إعطاء أطفالهم الأدوية المنشّطة لقشرة المخ، بالإضافة الى تلقّي العلاج السلوكي (Behavioral therapy) في سنّ صغيرة، لأن ذلك يساعد المصاب بهذا النوع من الاضطراب على تقويم سلوك والتحكّم بتصرفاته.

وتضيف: " ثمة نوعان من العلاج السلوكي لـ"فرط الحركة"، الأول يركز على وضع استراتيجيات لمساعدة المصاب على التزام الأنظمة وتدريبه على المهارات الاجتماعية، أما النوع الثاني فيركز على تغيير شعور الطفل تجاه بعض المواقف والتأقلم معها لتجنب التصرفات المتهورة التي تسبّب له المشاكل، ومساعدته على إدارة مشاكله من طريق تغيير سلوكياته وأسلوب تفكيره".

وفي الختام، تؤكد المعالِجة النفسية مريم سعد أن هناك الكثير من الأطفال المصابين باضطراب "فرط الحركة" الذين يقلّ نشاطهم الزائد بالعلاج السلوكي والأدوية عند بلوغهم سنّ الـ 14، لكن البعض منهم لا يتمكنون من التخلص من هذا النوع من الاضطراب ويتعايشون معه مدى الحياة، إذ يضطرون للالتزام بالأدوية والمواظبة على العلاج السلوكي للسيطرة على تصرفاتهم الانفعالية التي تؤثر في حياتهم وعلاقاتهم مع الآخرين.