'جميعنا استغلّ فيروز... وليس دفاعاً عن محمد عبده'

محمد عبده, زياد الرحباني, منصور الرحباني, فيروز

14 ديسمبر 2010

من منّا تجرّأ وانتقد شركات الإنتاج عندما قال زياد إن الألبوم جاهز ولا يوجد من يُنتجه!

توقّعت وأنا أكتب نصّ الحوار الذي أجريته مع محمده قبل أخيراً، أن يكون هناك انتقادات وردود تطال فنان العرب، خصوصاً لجهة ما قاله عن قضية خلاف ورثة منصور الرحباني والسيدة فيروز، إذ اعتبر أنه كان فيها نوع من الدعاية "بروباغندا" لحفلاتها التي تلت الخلاف، أي الحفلتين الحلم اللتين أحيتهما في "بيال" وحضرهما أكثر من 7500 متفرّج في كل واحدة منهما. لكنني حقيقة لم أتوقّع أبداً أن تصل الانتقادات إلى حدّ التجنّي والتجريح الشخصي بحق فنان العرب فقط لأنه قال رأياً معيناً. ولو أني أختلف في طبيعة الحال مع هذا الرأي ولا أوافقه أو أوافق عليه، لكن هذا الرأي لم يكن هجوماً على فيروز ولا تجريحاً بها ولا إساءة ولا إهانة، بل حقيقة مجرد رأي ذكره فنان العرب المعروف بصراحته، وهو رأي كان من جملة أقاويل وتصريحات أدلى بها للمرة الأولى عن فيروز في "لها"، وقال عنها إلى جانب ذلك الرأي، أحلى الكلام وأرقاه عن رمز وطننا و"سفيرتنا إلى النجوم" وحامية وحاملة إرثنا الغنائي منذ أكثر من ستين سنة. فقال مثلاً إنه يشكر الله لأنه يعيش في زمن فيروز، وإنه ينتظر بفارغ الصبر أن تُبث الحفلتان الأخيرتان على شاشة التلفزيون، وإنه يعشق الأغنيات القديمة التي قدمتها فيروز من ألحان نجلها العبقري زياد الرحباني الذي اعتبره محمد عبده "امتداداً لعاصي الرحباني" المبدع الكبير... وخصّ بالذكر أغنية "ع هدير البوسطا" وقال إن فيروز "حالة في كل الحالات".

لم أجد أحداً وقد علّق على هذا الكلام، بل هم للأسف أخذوا السطرين الأخيرين ونسوا المقاطع الكاملة عن فيروز. وحتى في السطرين اللذين يقول فيهما إن البلبلة التي حصلت كان فيها نوع من البروباغندا، فإننا لو دققنا فيهما نرى أنه قال ما قال بكل احترام ورقيّ وبعيداً عن أيّ تجنٍّ. وقال بالحرف عندما سألته عن رأيه في قضية الخلاف مع ورثة الراحل منصور الرحباني: "بصراحة كوّنت تفسيراً معيناً لما حصل، ورأيي هذا قد يكون صحيحاً وقد لا يكون، لكني مقتنع به. أعتقد أن ما حصل كان دعاية تمهيدية للحفلتين اللتين أحيتهما". فسألته:

- هل يُعقل أن تكون فيروز معنية بأمر كهذا؟
قال: "لا أعرف. قد يكون هناك خلاف مع ورثة منصور ولكن كان يُمكن حلّه ضمن إطار العائلة وعدم إيصاله إلى الإعلام. أقصد القول إنهم ربما تقصّدوا تفعيله وتضخيمه تمهيداً لما سيلي، أي الحفلتين، وذلك من باب البروباغندا".

أي هو لم ينكر وجود خلاف، ولم يُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى القضاء اللبناني كما كتب أحد الصحافيين الذين اعتبروا أن محمد عبده يقصد القول إن القضاء لعبة في يد فيروز تستغلّه لتحقق البروباغندا المطلوبة... ما دخل القضاء اللبناني هنا؟ ومن الذي تهجّم عليه وأساء إليه؟ ولا أدري حقيقة كيف تمّ الربط بين الأمرين.

أنا لا أريد الدفاع عن محمد عبده، ولا أريد أن أزايد في محبتي، لا بل عشقي الكبير للسيدة فيروز التي أسمع أغنياتها وهمساتها ليلاً نهاراً... ولكني أسأل:

ألم نقم جميعنا باستغلال اسم فيروز بحجة الدفاع عنها بعد الخلاف الكبير بينها وبين ورثة منصور؟

أسأل نفسي وكل الزملاء الصحافيين الذين هم من جيلي على الأقلّ، منذ متى لم نكتب حرفاً عن فيروز؟

ألم نكن جميعنا أو قسم كبير منا، من الذين حضروا حفلتيها الأخيرتين، نقوم بذلك للمرة الأولى في حياتنا رغم أنها موجودة بيننا وغنت وقدمت مسرحيات جديدة؟

وألم يكن قسم أيضاً منا يحضر الحفلتين فقط ليعرف إن كانت فيروز ستغني من أعمال الأخوين أم ستكتفي بأرشيف زياد؟ وكل ذلك فقط بسبب قصة الخلاف وربطاً بها؟

وحتى عندما كتبنا تغطيتنا للحفلتين، ألم نركّز على غياب زياد واعتبرنا أنه ربما معترض على موضوع الخلاف ولا يوافق والدته في قراراتها وأنه إلى جانب أولاد عمّه ورثة منصور... متناسين أن الحدث يبقى دائماً فيروز التي نريدها أن تغني بعيداً عن الشوشرات والتحليلات...

لماذا لا ننتقد أنفسنا قبل كلّ شيء خصوصاً أن قسماً منا كتب مقالات حللت وفنّدت ألبوم فيروز واعتبرته عملاً "فاشلاً" لا يرقى إلى أعمالها السابقة؟ أين سهامنا تجاه تلك المقالات؟

متى تذكرنا كصحافيين مسؤولين أن فيروز غائبة ولم تصدر أي جديد منذ مدة؟

هل علّقنا أو انتقدنا أو لعنّا زمننا (كما كان يجب أن نفعل) على الكلام الخطير الذي قاله زياد الرحباني في مؤتمره الصحافي في مصر، عندما ذكر أن فيروز أنهت تسجيل ألبوم جديد منذ زمن ولكن لا توجد شركة تُنتجه؟

لماذا لم تهبّ العصبية فينا أو النخوة لنعترض ونستنكر عدم وجود شركة ترعى وتقدم ألبوماً جديداً لفيروز، في الوقت الذي نكون فيه أوائل من يحضرون حفلات توقيع الألبومات لأشباه الفنانين؟

لماذا لم نكن بالعشرات والمئات في الاعتصام الذي أقيم في بيروت تضامناً معها ومن أجلها في عزّ أزمتها؟

لماذا لم نعترض على القرار الوزاري "اللبناني" الذي أقرّ بتدريس "فنّ الأخوين وأدب منصور الرحباني بعد رحيل عاصي الكبير" رغم أنه صدر قبل سنتين تقريباً، أي قبل الخلاف؟ وهو القرار الذي اعتبره ورثة عاصي تقليلاً من شأنه وتقليلاً من شأن فيروز...

لماذا صفقنا جميعنا وهللنا لفيلم "سيلينا" (الهالة والملك) رغم أنه نفّذ دون مباركة فيروز وربما دون عملها لا نعرف؟ طالما أننا نرفض ونستهجن كل ما ومن يتجرأ على المسّ بفيروز...

نحن الذين نعترض كل يوم على سياسة بعض الفنانين فنقول إنهم لا يحترمون حرية الرأي، ويضعون علينا "فيتو" إن انتقدناهم... أين نحن من حرية الرأي تجاه ما قاله محمد عبده الذي نصرّ مرة جديدة أننا لا نوافق عليه! ملحم بركات قال مثلاً أنه لا يحب فيروز بأغاني زياد (وهذا أيضاً ما لا أوافق عليه بالمرة)، فهل يكون مهاجماً لها؟ وألا يجب أن نهاجمه على اعتبار ان فيروز لا يمكن إلاّ أن تغني كل ما هو جميل!

فرجاء إيها الزملاء، لنرى عيوبنا ونتطلع إليها ونحاول تصحيحها قبل أن نعاتب الآخرين ونقسو عليهم بمقالات جارحة لن تحقق شيئاً لفيروز... ولنحاول أن نرقى كما ارتقينا مع فيروز التي وإن كانت لا تحتاج إلى دعاية ولا بروباغندا ليحتشد الآلاف في حفلاتها، لكن لا يمكن أن ننكر أن "ضجة الخلاف" التي حدثت ذكّرتنا، أو ذكّرت قسماً كبيراً منا بتلك الأيقونة التي تحمل ببساطة اسم فيروز. فإن كنا نحبها لنتعلّم من صمتها وهمسها ولنكن مثلها "راقين" عندما يجب أن نكون، ولنقسو وننتقد ونكون شرسين أيضاً عندما يجب أن نكون!