يحيى سعادة.... وداعاً

يحيى سعادة , وفاة

20 ديسمبر 2010

عاد من تركيا في نعش خشبي وكانت تلك رحلته الأخيرة. يحيى سعادة المخرج اللبناني الشاب الذي خطفه الموت على غفلة وهو في قمة عطائه وإبداعه، عاد إلى بيروت ليل الأحد في التاسع عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر وفي انتظاره عشرات ومئات من محبيه وأصدقائه من الوسطين الفني والإعلامي ومن خارجهما. استقبلوه مرتدين الأبيض كما طلبت منهم شقيقته إيمان التي تعمل مساعدة له والتي كانت معه لحظة الحادث الفاجعة الذي هزّ الجميع. مات بين يديها وقال لها قبل أن يلفظ أنفاسه: "مش حاسس بجسمي، ما تتركيني".
هو خبر لم نتوقع أن نكتبه يوماً ولم نفكر فيه للحظة، لكن مرة جديدة إنه القدر الذي يذكّرنا دائماً بأن الموت دائماً يأتي على غفلة منا. يحيى سعادة، المخرج المبدع الذي رحل باكراً جداً، قصد تركيا دون أن يعرف أنه سيصوّر فيها فيلمه الأخير. فقد اختارته مايا دياب لتصوّر معه أول كليب خاص بها بعد قرارها الغناء منفردة، وهي التي ترطبها به صداقة وطيدة منذ زمن، لكن الموت أيضاً اختاره في اللحظة ذاتها ليصعقه بالكهرباء في محطة للقطارات، ليصبح سعادة حلماً في صورة خيّمت حزناً على لبنان واللبنانيين.
وفي تفاصيل الحادثة كما روتها مايا دياب في اتصال مباشر أجرته مع الإعلامي طوني خليفة في برنامج "للنشر"، ذكرت مايا أن يحيى كان قد حذّر كل الطاقم العامل معه من الاقتراب من السلك الكهربائي، الا أن فضوله هو من سبب وفاته، فقد أصر على أن يتسلّق القطار وحاول أن يلمس الشريط ليتأكد من أن الكهرباء تمر من خلاله. كما أشارت مايا إلى وجود فيلم قصير (على اليوتيوب والفايس بوك) التقط من خلال كاميرات المراقبة الموجودة في المكان، ويظهر كيف لمعت الأضواء لحظة الصعقة الكهربائية. وقالت مايا إن السلطات التركية فتحت تحقيقاً في الحادث وأن الطبيب الشرعي أصدر تقريره في أسباب وفاة يحيى، إلاّ أن التأخير الذي حصل في كان بسبب المعاملات في وزارة الخارجية التركية لنقل جثمانه، شاكرة جهود السفير اللبناني في تركيا للمساعدات التي قدمها.

من أشهر أعمال يحيى سعادة
أعمال كثيرة شاهدناها وأعجبنا بها وبعضها الآخر أثار جدلاً، حملت توقيع المخرج يحيى سعادة. فهو اشتهر بداية بكونه أشهر وأمهر مدير فني في الكليبات العربية، وعمل مع عشرات المخرجين والفنانين قبل أن يصبح هو مخرجاً/ منها على سبيل المثال لا الحصر كليبي "يا سلام" وشخبط شخابيط" لنانسي عجرم. أما بداياته في عالم الإخراج فكانت في كليب "بياع الورد" لأمل حجازي الذي حقق نجاحاً كبيراً رغم كل الجدل الذي أثاره، لتكرّ سبحة أعمال يحيى ومنها مع جانين داغر وهيفاء وهبي ("حاسة ما بينا في حاجة"، "يا ابن الحلال"، "مش قادرة استنى"، "يا ما ليالي")، وشمس الكويتية (تأتأه)، ونيكول سابا ("انا طبعي كده"، "براحتي"، "كنت بحالي")، وميريام فارس ("مكانه وين"، "إيه اللي بيحصل")، وكارول سماحة ونجوى كرم (خليني شوفك بالليل)، ونوال الزغبي ("قبي اسألوه" و"منى عينه") وإيوان وكارول صقر وسمية الخشاب ("عايزاك كده") وشذا حسون "وعد عرقوب) وغيرهم الكثير. ومن آخر أعماله كان أن عمل مديراً فنياً في الفوازير الذي صوّرتها ميريام فارس، كما صوّر أخيراً كليباً لنيكول سابا لم يعرض بعد.

مخرج متمرّد رفض العيش في مثاليات كاذبة
مما لا شك فيه أن يحيى سعادة كان فعلاً مخرجاً مثيراً للجدل، وقد انتقده كثيرون معتبرين أنه يبالغ في جرأته، لكن يحيى قال مراراً إنه يفضّل أن يكون وقحاً على أن يكون كاذباً وكان يردد أيضاً "حياتك من اختيارك فتمتع بها" خصوصاً أنه كان يريد ان يعيش حياته كما يريدها هو وليس كما يريدها الآخرون. وكما في حياته كان في كليباته وأعماله المصوّرة، ولهذا لا يستطيع أحد أن ينكر أنه حقق فعلاً نقلة نوعية في عالم إخراج الكليبات واستطاع أن ينقل الكليب العربي إلى عالم آخر كان يسمّيه "الواقع" بعيداً عن الأحداث التقليدية التي كنا نراها في أغاني الغرام والفراق والحب والاشتياق. قالوا إنه متمرد وثائر ويرفض العيش في مثاليات كاذبة، بينما البعض وصفه بالغرابة، لكن المؤكد أن كل من عرفوه على صعيد شخصي أجمعوا على أنه انسان طيب وحنون ويرفض التمييز بين الناس على أي أساس.