هل ينجح عمرو دياب في تحسين صورته؟

فنان / فنانون, عمرو دياب, تامر حسني, إعدام, سلمى المصري, الرقابة, مطربون, سياحة, حسني مبارك, موقع / مواقع الفنانين الإلكترونية, موقع / مواقع إلكترونية, أغنية مصرية, الجمهور, أغنية وطنية, عادل حقي, الثورة المصرية

21 مارس 2011

يعيش الوسط الغنائي المصري بكل أطيافه وفئاته حالة فنية ضبابية غير مسبوقة لم تحدث منذ سنوات طويلة، ولا يستطيع الخبراء استنتاج ما هو قادم أو التكهن بحال سوق الغناء. ورغم محاولات البعض تحليل هذه الحالة للوصول إلى نتيجة أقرب ما تكون الى المنطق، فإن الأيام الأخيرة أثبتت فشل كل تلك الاجتهادات، خاصة بعد انقسام الوسط الغنائي على نفسه، وظهور قائمة سوداء ضمّت أعداء الثورة من المطربين الذين أطلقوا تصريحات مؤيدة للنظام السابق، وأخرى بيضاء رفعت أسماء أصحابها إلى عنان سماء الأغنية المصرية بعد تأييدهم للثورة منذ يومها الأول. 

تربّع عمرو دياب على عرش القائمة السوداء للمطربين، تماماً كما تربع من قبل على عرش الغناء خمسة وعشرين عاماً، خاصة بعد انقسام جمهوره نفسه على موقفه من الثورة المصرية، إذ لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين أن يسافر إلى لندن في الساعات الأولى من الثورة هرباً من سخونة الأحداث في الشارع المصري، وخوفاً من المجهول الذي عاشته مصر لمدة ثمانية عشر يوماً وأكثر، حتى جاء ميعاد تنحي الرئيس السابق.
ومما زاد موقف دياب سوءاً بين جمهوره، أن شباب التحرير هم أنفسهم من اتخذوا منه رمزاً دائماً للشباب ونموذجاً للحفاظ على الحيوية رغم سنوات عمره الخمسين، وهو ما كان يتباهى به دياب دائماً في حفلاته عندما يمازح جمهوره بافتخار في منتصف كل حفلة بأنه لم يشعر بالإجهاد بعد، بينما بدأت حالات الإرهاق تظهر على وجوههم، منهياً مزاحه في معظم الأوقات بأنه لن يترك الميكروفون إلا بعد أن يقولوا له لقد اكتفينا.

كل هذا وأكثر صعَّب موقف دياب وزاده إحراجاً بين جمهوره الذي لم يخذله يوماً في فنه على مدار مشواره الطويل، بل ما زاد الموقف سخونة انتشار تفاصيل الصداقة القوية التي تربطه بنجلَيْ الرئيس السابق في أحاديث ميدان التحرير، واقترابه منهما ومقابلاتهما المستمرة معه، والتي وصلت إلى تبادل الزيارات المنزلية والعائلية خلال السنوات الماضية، وهو ما أشعل النفوس ضده بعد أن توهم البعض أن دياب سيقف معهم دون حسابات سياسية أو حتى فنية، وهو ما لم يحدث بالطبع بسبب سفره ضارباً بكل التوقعات عرض الحائط.

وقد حاول مدير أعماله نفي سفره مرة واحدة فقط لم يكررها، الى درجة أنه تعمّد عدم الرد على الاتصالات الهاتفية منعاً لخروج ما لا يحمد عقباه من لسانه. وقد ردد البعض أن محاولة نفي سفره كانت بأوامر من عمرو نفسه، لكنها لم تحقق المرجو منها، وهي المحاولة التي قابلها شباب التحرير بصدمة كبيرة، خاصة بعد قيام البعض بمحاولة التواصل مع دياب عن طريق صفحته الخاصة على 'الفيسبوك' أو 'تويتر' أو حتى موقعه الرسمي، طالبين منه النزول إلى الميدان لمؤازرتهم وتشجيعهم على الاستمرار في مسيرتهم.
إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل لتتحول مخاوفهم إلى أمر واقع لا مفر منه، وصدمة عليهم أن يتقبلوها بشكل أو بآخر، مما جعلهم ينسونه للتركيز على مستقبل مصر. ولعل هذا هو السبب نفسه الذي جعل يحيى الموجي، أحد أعضاء فرقة دياب وأحد أصدقائه المقربين، يصرح أن عمرو دياب موجود في مصر ولم يسافر أو يهرب كما أشيع، لكنه يلزم منزله منذ بداية الأحداث ليقوم بحراسته مثل كل المصريين الذين يحرسون منازلهم.

لكن من يعرف دياب وطريقة عمله، سيتأكد من دون شك أنه لا يجوز لأحد من المتعاملين مع دياب التصريح بأي شيء أو الزج باسمه في الصحافة إلا بعد الرجوع إليه وبموافقته، وهو ما يعني أن عمرو نفسه هو من طلب من الموجي التصريح بذلك. لكن يبدو أن الموجي خانه التعبير عندما تحدث دون أن يستوعب معرفة البعض بمكان إقامة عمرو دياب تحديداً.
ما أدى إلى أن يخرج على الشباب بهذا التصريح عن طريق الصحافة، وذلك لوجود كثيرين يعرفون أن عمرو دياب يقيم في قصر على مشارف طريق مصر إسكندرية الصحراوي، ويتمتع بحراسة جيدة جداً في الأيام العادية نظراً لطبيعة المنطقة التي يسكن فيها وبعدها عن العاصمة، ومن الطبيعي أن يتحول هذا المكان إلى ثكنة أمنية في أيام الطوارئ، خاصة مع إقامة العديد من الأسماء المهمة في المنطقة نفسها، وهو ما يطرح الكثير من الشكوك حول مصداقية تلك التصريحات، بالإضافة إلى عدم وجود دليل على وجود عمرو في مصر أو رؤيته في اللجان الشعبية، وعدم مشاهدة أى شخص له في أي مكان.

مصر 'قالت'
وبعد أيام قليلة ومع بداية شهر شباط/فبراير الماضي، خرجت صفحة عمرو دياب على 'الفيسبوك' تطلب من الشباب الهدوء والتروي حفاظاً على أمن مصر، ملمّحة إلى 'ما وصلنا إليه من تغييرات جيدة في القيادات السياسية حتى الآن'. لكن لم يأخذ هذا الطلب الاهتمام المرجو من الشباب بسبب سخونة الأحداث، خاصة مع استمرار تقديم الاستقالات من القيادات في الحزب الحاكم. ومرت الأيام ونجح الشباب المصري في إجبار الرئيس السابق على التنحي عن الحكم في الحادي عشر من الشهر نفسه، وبعد أسبوع تقريباً من الحدث التاريخي، وتحديداً في الثامن عشر من الشهر ذاته، فاجأنا عمرو دياب بأغنية وطنية تحمل اسم 'مصر قالت'، كتب كلماتها مجدي النجار، ولحنها دياب نفسه، ووزعها موسيقياً عادل حقي.
ولاقت الأغنية استحسان البعض من الناحية الفنية بعد أن جاءت كلماتها قوية صارمة، وجاء لحنها هادئاً معبراً عن حالة الحزن التي شعر بها الشعب المصري لفقدان أكثر من 300 شهيد، كما جاء صوت عمرو نفسه صادقاً في أدائه لهذه الأغنية.

لكن ظلت المشكلة قائمة رغم كل هذا، ولم تحقق الأغنية النجاح المعروف والمتوقع لأغنيات دياب في المناسبات العامة كما اعتدنا جميعاً، ولم تكتسح سوق أغاني الثورة مثلما توقع الجميع، لكن هذا لم يمنع الأغنية من تحقيق نجاح إعلامي وليس جماهيرياً، وهو ما أعاده البعض إلى تاريخ دياب الذي شفع له عندما أخطأ، لكن تأخر طرح الأغنية إلى ما بعد تنحي الرئيس السابق أعطى مطربين كثيرين فرصة الوجود بشكل قوي بعد طرح أغنياتهم أولاً، مما جعل طرح أغنية عمرو بعد انتهاء الحدث أشبه بهدف التعادل الذي يحرزه فريق كرة قدم قوي في لحظات المباراة الأخيرة من الوقت المحتسب بدل الضائع، وهو ما ساعده على حفظ ماء الوجه بعد خيبة الأمل التي شعر بها جمهوره.  

وما إن بدأت الحياة تأخذ منعطفاً أقل هدوءاً، حتى تردد أن عمرو حاول استغلال ذكائه مرة ثانية في محاولة لكسب تأييد شعبي، وذلك من خلال نفي وجود صداقة قوية بينه وعائلة الرئيس، بترديد أنباء عن قيام دياب بطرح أغنية وطنية رفضتها الرقابة قبل عشر سنوات بسبب كلماتها السياسية القوية، والمعروف في مصر أن الرقابة لا ترفض كلمات أغنية إلا إذا كانت تحمل كلاماً مباشراً وواضحاً وصريح المعنى ضد الأوضاع السياسية.
لكن كلمات الأغنية التى انتشرت لم يكن فيها نقد سياسي قوي وواضح، اذ يقول: 'مابين الماضي والحاضر ماقولتش ليكي غير حاضر، ماقولتش ليكي غير أيوه وأنا غايب وأنا حاضر، وأنا ماشي على شوكك وأنا بتطوح يمين وشمال، وبتمليني في شروطك عشان عارفة ماعنديش مال، عشان حبيت سماع صوتك بيقيت ببني قصور في خيال، بعد ما ضاع في عمرى كتير واتحملت في بعدك كتير، مش من حقي عليكي أغير، مش من حق حبك غير إني أفضل أقولك حاضر، أنا اللي كنتي بتتداري في حضني وتنامي، أنا اللي كنت بغنيلك وكلي آلام، أنا اللي ماكنتش شايف غيرك قدامي، أنا اللي حكمتي عليه بالإعدام'.

هذه هي كلمات الأغنية التي كتبها الشاعر مجدي النجار الذي تعاون مع عمرو في معظم أغنياته الدرامية الناجحة منذ التسعينات. وكما هو واضح فإن كلمات الأغنية بعيدة كل البعد عن أي مضمون سياسي من قريب أو بعيد، وبنظرة بسيطة سيظهر ذلك واضحاً، إذ إن المتعارف عليه أن المطرب أو الشاعر عادة ما يركز في كلماته على ما يبعث الدفء في الوطن والحب لبلاده التي يتمنى أن يعيش في حضنها، لكن هذه الأغنية تقول 'أنا اللي كنتي بتتداري في حضني وتنامي' وهو ما يوضح أنها أغنية عاطفية في الأساس، موجهة إلى حبيبة، لأنه لا يمكن أن تنام بلاد في حضن إنسان.
واذا كان المقصود هو وجود كناية عن حب الشخص لبلاده، فإن الشاعر في هذه الحالة لم يوفق، إلا إذا كانت الأغنية عاطفية في الأساس، هذا بالإضافة إلى أن مجدي النجار معروف بدقة اختياره لمفردات أغنياته الدرامية تحديداً، ولعل أقرب مثال على ذلك أغنية 'ورجعت من السفر' التي غناها عمرو أيضاً في التسعينات وحققت وقتها نجاحاً كبيراً، وكانت كلماتها تقول 'ورجعت من السفر دايب من الفراق، فتحت الباب لقيت ورقة وكلمة وداع، سابتني اللي عشانها دُقت سنين الضياع، كنت فاكرها ملاك، كنت فاكرها ملاك، لكن طلعت بشر'.

بيان
ما يؤكد أن هذه الأغنية لم تكن سوى وهم كبير، البيان الذي أصدرته الرقابة على المصنفات الفنية على لسان رئيسها الدكتور سيد خطَّاب الذي قال فيه إن هذه الأغنية لا وجود لها من الأساس، ولا يوجد لها ملف داخل الرقابة، مؤكداً أنه توجه للعاملين في الرقابة بالسؤال للوقوف على سبب منع هذه الأغنية، فاكتشف عدم وجود الأغنية أو ملف لها.
وأبدى اندهاشه من هذه التصريحات التي تدين الرقابة في وقت حرج تطالب فيه مصر بقدر أوفر من الحرية، مشيراً إلى أن أغنيات محمد منير وعلى الحجار التي تقترب بشكل أو بآخر من الأوضاع السياسية أو الاجتماعية داخل مصر، كان يتم التصريح لها والموافقة عليها. وبعد بيان الرقابة أصدر عمرو بياناً ينفي فيه ما تردد عن وجود أغنية له رفضتها الرقابة قبل عشر سنوات، مؤكداً عدم معرفته بما نشرته بعض الصحف والمواقع الإلكترونية عن هذا الموضوع.

وبعد أيام قليلة أعلن الموقع الرسمي لدياب عن قيامه شخصياً بتبني حملة لتشجيع وتنشيط السياحة المصرية من أمام المتحف المصري الذي شهد أحداث الثورة، وقد تم إطلاق اسم 'مصري بجد' على هذه الحملة. وبعد أن كان من المفترض في البداية أن تستمر الحملة أسبوعاً واحداً، عادت إدارة الصفحة وأعلنت استمرار عملها لأسبوع جديد، مع تحويل الهدف في الأسبوع الثاني إلى إطعام الفقراء، على أن يكون التجمع هذه المرة في حديقة الأزهر على طريق صلاح سالم صباح يوم 9 آذار/مارس.
لكن جاءت الرياح بما لاتشتهي الأنفس، بعد أن رفضت إدارة الحديقة استضافة الحملة بدعوى أنها تدخل تحت بند تجمع سياسي، وهو أمر مثير للدهشة، خاصة بعد أن استضافت الحديقة نفسها والإدارة ذاتها المطرب تامر حسني في حملته للتبرع بالدم بعدها بثلاثة أيام مباشرة صباح يوم 12 آذار/مارس، مما ينبئ باختلال موازين القوى، وتدخل علاقات المطربين في الأعمال الخيرية لترجيح كفة على أخرى. وحتى كتابة هذه السطور كان من  المفترض أن تستمر حملة عمرو دياب الخيرية أسبوعاً آخر لإطعام فقراء الإسكندرية، لكن لا أحد يعلم هل ستستمر أم تتعرقل محاولات عمرو دياب لتحسين صورته أمام جمهوره؟