كارمن لبّس: الإبداع لا يعترف بسنّ!

حوار: فاديا فهد 11 نوفمبر 2021

سجّلت عودة كارمن لبّس القويّة الى الشاشة الصغيرة، بأدوار رئيسة لافتة، بصمة جديدة في تاريخ عطاءات المرأة العربية المبدعة التي تتحدّى العمر وترفض نظرة المجتمع التي تحدّد إمكاناتها. ثلاثة أدوار أعادت كارمن الى الأضواء فتألّقت وسطعت: دور سيدة الأعمال الجميلة والأنيقة والقويّة في "ع الحلوة والمرّة"، ودور المرأة الوحيدة والقاسية بلا قلب في "2020"، والعمّة الشريرة العائدة الى الانتقام في "عروس بيروت"... بالنضج تكتمل الموهبة، فيكون الإبداع. في هذا الحوار، نكتشف أكثر كارمن المرأة الناضجة والموهوبة والمبدعة.


- من هي كارمن لبّس اليوم؟ هل تغيّرت مع السنين؟

لم أفكّر يوماً بهذا السؤال... هو سؤال معقّد لأنه يدخل الى عمق الذات الإنسانية. ليس من السهل على المرء أن يغور في أعماق ذاته ليجيب على أسئلة وجودية. أعتقد أنني أصبحت امرأة تعيش يومها، وتتمتّع به الى أقصى الحدود. صرت أقدّر الوقت أكثر، ولا أحبّ أن أضيّعه مع أشخاص لا يضيفون إليّ شيئاً. أحبّ الوقت الذي أمضيه مع نفسي. النضج حوّلني الى امرأة أكثر تفهّماً وتسامحاً. صرت امرأة تتفهّم ظروف الآخر وتعذره، بعدما كنتُ أحكم عليه وأدينه وأتّخذ موقفاً منه. كذلك أصبحت أتجنّب إبداء الرأي في أيّ شيء، إلا عندما يوجّه إليّ السؤال، لأنني بتُّ على قناعة بأنّ أحداً لا يستمع إلا عندما يكون مستعدّآً لذلك، وكلّ ما عدا ذلك كلام في الهواء، ومضيعة للوقت. 


- كيف صقلت السنون خبرتك في مجال التمثيل؟

الدورات التي خضعت إليها هي دورات في التمثيل السينمائي. في السينما، الممثل هو مارد بالنسبة الى الجمهور، لذا على الانفعالات أن تكون مدروسة وحقيقية وغير مبالغ فيها. الخبرة التي تكتسبينها كممثلة أكثر هي من قصص الحياة التي تصادفينها وتلتقطينها من هنا وهناك، وتستعيدين ردود فعلها في دور محدّد أو موقف درامي معيّن. من الواقع وتحوّلاته أركّب أدواري، ومن الانفعالات الحقيقية التي رصدتها. النضج والخبرة يجعلانك تختارين من مخزونك الشخصي، ردّ الفعل المناسب والتفاصيل المكمّلة لكلّ شخصية. 

- ما أهمّ ما تعلّمته عن التمثيل؟

تعلّمت ألاّ أُعجب بنفسي عندما أشاهد الدور الذي قدّمته على الشاشة، بل ترينني أبحث عن أخطائي كي أصحّحها ولا أعود إليها. في التمثيل كما في كلّ مهنة أخرى، عندما تنتشين بنجاحك وتعتبرين أنك بلغت القمّة، يتراجع أداؤك من حيث لا تدرين. 

- هل من دور أدّيته، وتحبّين اليوم أن تعيدي تقديمه؟

نعم، أحبّ أن أعيد دوري في "ابنة المعلّم". لعبت الدور في بداياتي بأسلوب جميل وأعطيته أفضل ما عندي في حينها، لكنني إذا لعبته اليوم فسأعطيه من خبرتي ونضجي وذاتي. أشعر أنني سأقدّم هذه الشخصية بأسلوب أقوى وأكثر تأثيراً في الجمهور.  

- تألّقت في أدوار عدّة أخيراً وكأنها عودة لكارمن لبّس، وترافقت هذه العودة مع تغيير في "اللوك"، وكأنك تريدين إثبات أن المرأة فوق الخمسين يمكنها أن تبدع في أدوار رئيسة وتلفت الأنظار. ما تعليقك؟

من الضروري أن تأخذ الممثلة العربية التي تجاوزت سنّ الخمسين، حقّها في أدوار رئيسة على الشاشة الصغيرة. فلنحذُ حذو الدراما التركية، ونبتكر أدواراً محورية رئيسة للمرأة الناضجة تعطيها حقّها، وتمنحها مساحة أكبر تبدع فيها وتسكب في الشخصية الموكلة إليها من خبرتها وذاتها ونضجها. سؤالي هنا للمنتجين العرب: لماذا تُسنَد أدوار البطولة الى الممثلات اليافعات، في وقت تؤكد الإحصاءات أن اللواتي يشاهدن التلفزيون هنّ نساء في الأربعين وما فوق؟! آن الأوان أن نعيد النظر في هذا الموضوع. على الدراما العربيّة أن تساهم في تطوير نظرة المجتمع الظالمة الى المرأة التي تخطّت سنّ الأربعين والخمسين بشكل عام.


- هل من رسالة نسوية وراء نجاحك هذا؟

لا وجود لسنّ اليأس إلا في ذهن البعض. تستطيع المرأة أن تحقّق نجاحات كبيرة وتبدأ مشاريع جديدة في أيّ عمر كانت. العمر ليس عائقاً، بل الخوف من خوض التجارب الجديدة والتردّد في تحقيق النجاحات. المهمّ أن تتسلّح المرأة بالشجاعة والإرادة ولا شيء يعيقها عن تحقيق أحلامها.

- لطالما كنتِ مدافعة عن حقوق المرأة، هل من دور نسائي تحبّين تقديمه في هذا المجال؟

ليس هناك من دور معيّن، مستعدّة للقيام بكل الأدوار التي تساعد في تمكين المرأة.

- في الإحصاءات الأخيرة، تبيّن أن الدراما أكثر تأثيراً في الناس من الحملات التوعوية. هل قامت الدراما بدورها تجاه المرأة لجهة تسليط الضوء على الظلم اللاحق بها نتيجة الإجحاف القانوني والمجتمعي؟

في لبنان، لم تقُم الدراما بدورها المساند للمرأة. في حين أن الدراما الخليجية تعالج مشاكل المرأة أكثر وتسند الى نجمات في منتصف العمر أدواراً رئيسة تسلّط الضوء على معاناة المرأة والمشاكل التي تواجهها. وهنا أوجّه تحيّة الى الدراما الخليجية التي نجحت في تقديم قضايا المرأة في قالب توعوي جذاب وهادف.

- بعض المسلسلات العربية طرح مشكلة العنف ضد المرأة وحضانة الأم لأولادها بعد موت الزوج أو عند الطلاق. ما رأيك بهذه الرسائل النسوية الدرامية؟

أعتقد أنها مهمّة ومهمّة جداً، لكنها لا تكفي كي تُحدث تغييراً في مجتمعاتنا، لأن طرح المشكلة هو ثانوي في السياق العام للقصّة، وليس رئيسياً كي يدخل المُشاهد في التفاصيل ويكشف النقاب عن المعاناة ويطرح الحلول. نحتاج الى طروحات درامية أكثر جدّية تقدّم قصصاً تعالج تفاصيل المعاناة، كي تؤثّر في عقول النساء المشاهِدات وتساهم في تطوير العقلية السائدة. نريد أن نؤثر في المرأة قبل الرجل العربي، لأن المرأة في رأيي عدوة نفسها من حيث لا تدري. فهي التي تربّي ابنها تربية فيها الكثير من التمييز، فيكون مستقبلاً الرجل الذي يظلم زوجته وابنته ويظلمها هي نفسها. يجب أن نغيّر الفكر النسائي أولاً كي نغيّر الفكر الذكوري في المجتمع.

- هل من دور ترفضين تقديمه لأنه يسيء الى المرأة؟

طبعاً، لا أحب دور المرأة الضعيفة الا في حال انتفضت هذه الأخيرة على واقعها وانتصرت لذاتها لأن ليس هناك من امرأة ضعيفة. المرأة مخلوق ذكيّ وقويّ ومتمكّن، وأرفض أن أقدّمها بصورة لا تليق بإمكاناتها وذكائها وقوّتها وقدرتها على التحمّل والعطاء. المرأة الضعيفة هي ضحيّة نفسها أولاً، قبل أن تكون ضحيّة المجتمع. في أيامي كان التمثيل محرّماً، وقد ناضلت حتى حققت نفسي في التمثيل والفنّ. لا مستحيل عند المرأة!    

- هل من شخصية نسائية تحبّين أن تجسديها في دور تمثيلي؟

لا أحبّ التركيز على دور معيّن، لأن ذلك من شأنه أن يؤثّر في خياراتي، ويحول دون أن أستمتع بالدور الذي أختاره وأقدّمه. أحبّ أن أكون منفتحة على كلّ الأدوار. أعشق الدور الذي أختاره وأتماهى معه الى أبعد حدود، وهو ما يصنع النجاح الكبير. 


- هل من قضيّة نسائية تحبّين أن تضيئي عليها في أدوارك؟

أحبّ أن أضيء على قضية الحضانة. أعتقد أن الحضانة هي حقّ للمرأة وحدها، لأنها هي مَن يربّي ويتحمّل ويرعى ويسهر ويداوي ويبلسم ويوجّه ويعلّم... وعلى المسؤولين أن يعيدوا النظر في القوانين المُجحفة. 

- غالبية البطولات في الدراما العربية تُسند الى الرجال، ثم تُعطى المرأة الصغيرة والجميلة دوراً مسانداً للرجل، ما رأيك بهذا؟

يجب أن يُعاد النظر في هذا الوضع اللاسوي، لأن له تأثيره في المجتمع والأجيال القادمة. الدراما العربية اليوم تقدّم قصّة حبّ بين بطل ستيني وشابّة في العشرينيات على أنها قصّة حبّ عاديّة وطبيعية، وهذا غير مقبول. ثمّ تقدّم المرأة الخمسينية في قصّة حبّ مع شابّ يصغرها بثلاثين عاماً!!! لا أفهم لماذا لا تقدّم الدراما العربية قصّة حبّ بين رجل ستيني وامرأة خمسينية، وبين شاب ثلاثيني وفتاة عشرينية. هذا ما يقوله المنطق والعقل، وعلى المنتجين والكتّاب أن يتنبّهوا لما يقدّمونه وآثاره المشوّهة للمجتمع.

- مَن مِن الممثلات الأجنبيات تعجبك مثابرتها على أعمال البطولة رغم تقدّمها في السنّ؟

تعجبني ميريل ستريب. هي ممثلة جبّارة، وموهبتها لا تعترف بعمر معيّن. كلّ الأدوار التي قدّمتها كانت ناجحة ولافتة ونالت عليها جوائز "أوسكار". 

- بين "رسميّة" و"الستّ أسمى" و"العمّة عايدة"... الأدوار الثلاثة التي شكّلت عودة كارمن، أخبرينا أكثر عن دورك المخيف والقاسي في "2020"؟

لقد استفزّني دور "رسمية"، وهي شخصيّة شعبية قاسية غير جذّابة، فقبلتُ الدور. "رسمية" هي امرأة قست عليها الحياة، حتى باتت امرأة "مسترجلة" مخيفة بلا قلب، خصوصاً أنها وُلدت "بلا قيد" لا أم لها ولا أب ولا عائلة. ولأنها امرأة "بلا قيد"، فقد تعرّضت لمواقف كثيرة مؤلمة جعلت منها المرأة التي صوّرتها في الشخصية. لقد حرصت في دور "رسمية" على أنسنة هذه الشخصية المخيفة عبر إضافة شيء من الحزن والوجع والحنان إليها. 

- قلتِ في مقابلة سابقة إن لا مشكلة لديك في الظهور بمظهر المرأة البشعة على الشاشة، عندها ستركّزين على الدور أكثر... هل يربكك دور المرأة الجميلة؟ 

لا أحبّ أن أشتّت تركيزي في الشخصية، بالتلهّي بجمالي ورموشي وأحمر شفاهي وملابسي، وأفضّل أن أغوص في خبايا الشخصيّة النفسية وأحاسيسها ومشاعرها. في "ع الحلوة والمرّة"، كان الدور يفرض أن أهتمّ بأناقتي، لأن "الستّ أسمى" هي سيدة أعمال ناجحة وغنيّة من طبقة معيّنة، لذا تطلّب الدور الاهتمام بالملابس و"اللوك" الخارجي. ورغم ذلك طلبتُ أن أعيد ارتداء بعض قطع الملابس، لأن كلّ امرأة في حياتها اليومية تكرّر استخدام ملابسها، لكن المخرج رفض ذلك لإظهار الغنى الذي تنعم به "الستّ أسمى".     


- أخبرينا عن "الستّ أسمى" في "ع الحلوة والمرّة"؟

"الستّ أسمى" عانت من هجر زوجها فأقفلت باب قلبها وتفرّغت لولديها وعملها. إنها امرأة أنيقة وبسيطة تعشق "الأتيكيت" وتخفي حاجتها الى الحبّ، خوفاً من تكرار التجربة الفاشلة وحبّاً بولديها. لم أترك "أسمى" تغرق في تفاخرها وعليائها، بل أضفتُ إليها بعضاً من حنان الأم العملية، فكسرت الحاجز الزجاجي الذي بنته بينها وبين الآخرين. وأضفتُ في حوار مع دانا مرديني رداً على تعليق لها عندما كانت الاثنتان تخضعان لجلسة تدليك وعناية بالوجه: "حياتك شو سهلة!". فأجيب: "لا، مش مظبوط. حياتي أبداً مش سهلة كوني امرأة مطلّقة في مجتمع عربي". 

- ماذا عن وجه الشبه بينك وبين "الستّ أسمى"؟

التحفّظ والتواري وراء قناع من اللامشاعر، والزجاج الفاصل بيني وبين الآخر. لقد صار القناع جزءاً منّي يحميني. 

- أخبرينا عن دور العمّة في "عروس بيروت"؟

"العمّة عايدة" امرأة قويّة وجبّارة تختزن حقداً بسبب ما عاشته في مراهقتها، وتغار كثيراً من "الستّ ليلى". هي شخصية مركّبة ومجبولة بالشرّ، ويطغى الحزن على حياتها.

- هل من دور تحضّرين له قريباً؟ 

أقرأ نصوصاً كثيرة، وسيكون لديّ عمل بطولي مع "إيغل فيلمز" هو الأول لي بعد تجاوزي سنّ الخمسين، سنبدأ تصويره قريباً.  

- أيّ خبرة تحبّين أن تنقلي الى الأجيال الجديدة من الممثلين؟

أقول لهم: لا تركّزوا على المكياج والثياب والإطلالة، بل على الأحاسيس والمشاعر وردود الفعل. شغّلوا كاميراتكم الشخصية وراقبوا أنفسكم ومَن حولكم في مواقف معيّنة، لأنكم ستحتاجون إلى ذلك في الأدوار التي ستُسند إليكم. فأنتم ستُخرجون في أدواركم ردود الفعل التي خزّنتموها في ذاكرتكم ذات يوم. ولا تنسوا أن لكلّ شخصيّة طبقة صوت معيّنة، وأسلوباً معيّناً في الكلام، وانفعالات ومِشية ولغة جسد خاصّة بها. والأهم من كلّ هذا، أنصح الجيل الجديد بالتواضع وعدم التفاخر بأول نجاح يحققه ومتابعة المسيرة كما لو أن نجاحاً لم يكن، والبحث دائماً عن دور جديد ونجاح أكبر من النجاح الذي كان.  


بعيداً من التمثيل

- هل سرقك التمثيل من حياتك الشخصيّة؟

طبعاً، حياتي اليوم هي التمثيل ولا شيء غيره. فرحي الحقيقي هو في تأدية مشهد بأسلوب جميل ورائع وناجح.

- وبعيداً من التمثيل، كيف تمضين أوقاتك؟

أمضيها في البيت، المكان الأكثر أماناً لي.

- هل يدقّ قلب كارمن، ولمن؟

أقفلت على قلبي بالمفتاح. 

- كيف يكون شكل الحبّ لدى المرأة الخمسينية: أهو عشق عقلاني أم حبّ من النظرة الأولى؟ 

الحبّ من النظرة الأولى لا وجود له عندي، والعشق بالنسبة إليّ عقلاني أكثر منه غريزياً وفوضوياً.

- عمَّ تبحثين اليوم في الرجل؟

الأمان والثقة والاستقرار وكرم الأخلاق والاهتمام. 

- هل ما زلت تحلمين؟

طبعاً أحلم... الحلم هو نبض الحياة.

- بماذا؟

أحلم بحياة أفضل، بأطفال لا يموتون جوعاً، بأمهات لا يبكين فلذات أكبادهنّ... بسلام يحلّ محلّ الحروب. أحلامي كبيرة جداً ليتها تتحقق. 


سين وجيم

- كتاب قرأتِه وتعودين إليه باستمرار... "حكايتي شرح يطول" للكاتبة حنان الشيخ، و"مريم الحكايا" للكاتبة علوية صبح.

- فيلم أثّر فيك... Pay It Forward.

- عمل سينمائي تتمنين أن تؤدي فيه دور البطولة... The Bridges Of Madison County. 

- جائزة تطمحين لنيلها... أوسكار أفضل ممثّلة.

- أغنية تدندنينها في ساعة صفاء... هي ليست أغنية واحدة بل أغنيات عدّة.

- ثلاث أمنيات تتمنين أن يحققها لك الفانوس السحري... 

- الأمنية الأولى: أن يعود المرحوم والدي من الموت، وأمضي معه 24 ساعة.

- الأمنية الثانية: ألاّ أعوز مخلوقاً في حياتي.

- الأمنية الثالثة: أن تكون لي سلطة أعلى من كلّ الزعماء الفاسدين في لبنان.



CREDITS

تصوير : تصوير: دافيد عبدالله

مكياج : ماكياج وشعر: كوليت وميشال

شكر خاص : شكر خاص لمطعم La Crêperie في جونيه، لبنان.