مفاجآت الدراما الرمضانية ‏2011‏‏...

ماجدة الصباحي, كارول سماحة, رفيق علي أحمد, دراما رمضان, سمير حبشي, الجمهور, عمار شلق, مسلسل, شحرورة

19 سبتمبر 2011

منذ عقود على ضياعها مع أشياء كثيرة غيرها ضاعت في الحرب الأهلية الدامية، ها هي الدراما اللبنانية قرّرت أن تنتفض على موتها وتنفض عنها الركام الذي غرقت تحته سنوات عجافاً.
فجاءت استفاقتها مؤاتية في ظلّ انحسار أعداد المسلسلات الهائلة نتيجة الأحداث في مصر وسورية. فكانت «الشحرورة» و«باب إدريس» و«الغالبون» ثلاثية مفاجئة في البانوراما الرمضانية العربية لهذا العام. المسلسلات الثلاثة، وإن تختلف في مواضيعها وتوجهها وهدفها، إلاّ أنّها تتقاطع في كونها تعرض استرجاعاً زمنياً يوثّق، وإن لم يكن بالمعنى الدقيق لكلمة توثيق، مرحلة لبنانية معينة.
«الشحرورة» يُقدّم سيرة قطب من أقطاب الفنّ اللبناني، صباح، وهي المرّة الأولى التي تُعرض فيها سيرة فنانة وهي لا تزال على قيد الحياة. و«باب إدريس» يُصوّر البيئة البيروتية في أربعينات القرن الماضي قبيل الإستقلال.
أمّا «الغالبون» فإنما هو إستعادة لانطلاقة المقاومة اللبنانية بين عامي 1982 و1985 في وجه الإحتلال الإسرائيلي وهو العمل الفني الأول الذي ينقل البيئة الجنوبية وقت بزوغ المقاومة الإسلامية. ورغم تعرّض هذه الثلاثية للكثير من الإنتقادات، فإنها سجلّت نسبة متابعة جيدة خلال شهر رمضان المبارك الذي كان محصوراً بالأعمال المصرية والسورية في السنوات السابقة.

«الشحرورة» الذي لعبت بطولته الفنانة كارول سماحة ونخبة من الممثلين اللبنانيين أمثال رفيق علي أحمد وجوليا قصّار وعمّار شلق وجوزف بو نصار وألكو داوود وباسم مغنية، استطاع أن يجذب إليه الجمهورين اللبناني والمصري في شكل خاص لكونه يحكي سيرة نجمة لمعت في سماء الفنّ في لبنان ومصر، وما زال وهجهها حاضراً في كلا البلدين عبر أفلام وأغنيات لا تُنسى.
وكانت هذه المشاركة اللبنانية فرصة لإيصال الممثل اللبناني إلى الجمهور العربي على نحو أكبر وأوسع.

ولم تلد الدراما الرمضانية ثلاثية لبنانية واعدة فحسب بل كشفت عن نجوم حقيقيين لم يسبق أن نالوا حقهم من الشهرة في العالم العربي.
فالأداء الكبير الذي قدّمه رفيق علي أحمد في مسلسل «الشحرورة» بدور والد صباح كان أجمل ما عُرض في الحلقات الأولى من المسلسل، بحيث لعب دور الأب القاسي باحترافية وإتقان يذكّراننا بمستوى عمالقة الفنّ من الزمن الجميل.
وكذلك أصبحت مشاهدة «الغالبون» متعة بفضل قدرة أحمد الزين التمثيلية الهائلة في أداء دور والد المقاومين الثلاثة والمناضل بالفطرة ضدّ الظلم والقهر والإحتلال.
ووجود ممثلين لبنانيين قديرين بحجم رفيق علي أحمد وأحمد الزين داخل المنافسة الرمضانية هو بالتأكيد نقطة تُحسب للدراما المحليّة المتقدّمة بخطى ثابتة.

ولا شكّ أن هناك نجوما شباباً استطاعوا للمرّة الأولى أن يُبرزوا قدراتهم عبر أعمال ترتقي إلى المستوى المطلوب إنتاجياً وإخراجياً وتمثيلياً، فكان طوني عيسى الذي أدّى دور «علي» في «الغالبون» ودارين حمزة التي لعبت دور بتول في المسلسل نفسه ودور «نجاة» شقيقة صباح في «الشحرورة»، وديامان بو عبود التي جسّدت شخصية «شمس» في «باب إدريس» فاكهة هذه الأعمال التي تَعِد بنضج أكبر خلال الفصول المقبلة لتُصبح محطّ أنظار جمهور الدراما والسينما في لبنان والعالم العربي.

والمؤكّد أنّ دخول مخرجين وكتّاب سوريين (باسل الخطيب وفتح الله عمر في «الغالبون») ومصريين (أحمد شفيق وفداء شندولي في «الشحرورة») منح كلا العملين نكهة خاصة، وهذا ما انعكس في شكل كبير على أداء الممثلين اللبنانيين الذين ابتعدوا قليلاً عن «الشعرية التمثيلية» في الأداء اللبناني.
أمّا «باب إدريس» الذي يُعدّ لبنانياً منقّحاً من ألفه إلى يائه فهو من الأعمال التي سوف تكون بمثابة النقلة النوعية في الدراما اللبنانية.
فالكاتبة كلوديا مرشيليان ارتأت تقديم صيغة جديدة لم يعتدها المشاهد اللبناني وهي تتمثّل بتشابك الخيوط الدرامية وتعدّدها وتنوّع الشخصيات وتميّزها، كما أنّ المخرج سمير حبشي لم يقع في فخ العودة الزمنية الذي غالباً ما يقع فيه المخرجون ويظهر ذلك جلياً عبر ثغرات في الديكور والتصوير أو الملابس والكلام، بل نجح في بناء بيئة بيروتية أربعينية تحترم عقل المشاهد إلى حدّ ما وتُقنعه.

مع كلّ تحفظاتنا الشخصية عن بعض زوايا في المسلسلات الثلاثة وخصوصاً لجهة نقل بعض الوقائع سواء في البئية البيروتية القديمة أو الجنوبية الثمانينية أو في سيرة صباح الحقيقية، فإن وجود الدراما اللبنانية عبر أكثر من عمل جيّد على أكثر من فضائية عربية هو فرصة حقيقية لأن تستعيد المسلسلات المحليّة أمجادها التي اندثرت إبّان الحرب مع نجوم رحلوا أمثال فريال كريم وهند أبي اللمع وابراهيم مرعشلي وغيرهم... أمّا السؤال الذي يطرح نفسه أخيراً: هل السخاء الإنتاجي الذي لاحظناه في الأعمال اللبنانية خلال الدراما الرمضانية 2011 سيستمرّ في الأعمال اللبنانية المقبلة ليتحفنا بأعمال جديدة مميزة أم أنّها كانت مجرّد مغامرة عابرة؟ وهل ستكون الثلاثية اللبنانية التي تابعناها هذا العام بداية جديدة للدراما المحليّة أم مجرّد صدفة تحتاج إلى سنوات أخرى لكي تُعاد؟