خالد يوسف: غادة عبد الرازق تفتعل المشاكل...

أطفال النجوم, فيلم قصير, هاني سلامة, سمية الخشاب, غادة عبد الرازق, وفاء عامر, شركات انتاج, المخرج خالد يوسف, نجوم عرب, مشكلة / مشاكل وخلافات فنّية

08 ديسمبر 2011

رغم أن غادة عبد الرازق فتحت عليه النار وأعلنت أنه تعمّد الحذف من مشاهدها في فيلم «كف القمر» بسبب الخلافات التي دبت بينهما بعد الثورة، يفاجئنا المخرج خالد يوسف بقوله: «لم أحذف مشهداً واحداً من دور غادة»، ويتهمها بمحاولة افتعال مشكلة، ويطالبها بالاعتذار، كما يتحدث عن تفاصيل فيلمه، وعلاقته بالنجوم الذين شاركوا فيه، ورأيه في وفاء عامر وهيثم زكي، وتعاونه مع جومانا مراد، وحقيقة خلافه مع سمية الخشاب وهاني سلامة.
ويعترف بأنه ديكتاتور ولا يجد حرجاً في ذلك، ويكشف أيضاً الأسباب التي جعلته الوحيد في السنوات الأخيرة الذي يمكن أن يقال عنه «المخرج النجم».


- هل كان إهداء الفيلم إلى روح مهندس الديكور حامد حمدان يعود إلى سنوات الصداقة التي جمعتكما أم أن هناك أسباباً أخرى؟
تستطيع أن تقول إنه جاء نتيجة لسنوات الصداقة، بالإضافة إلى وجود سبب مهني آخر وهو اشتراكنا في العمل بشكل مستمر منذ فيلم «المهاجر».
كما كان مهندس ديكور كل أعمال الأستاذ يوسف شاهين خلال العشرين عاماً الماضية، لذا اعتبرته رفيق مشواري في الحياة منذ ذلك الحين حتى توفاه الله العام الماضي، وحامد لم يكن بالنسبة إلي مجرد مهندس ديكور اشتركنا معاً في بعض الأعمال، بل كانت تربطنا صداقة قوية.
وأنا شخصياً أعتبره من أفضل مهندسي الديكور الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ السينما المصرية ستستمر لأجيال قادمة. أما بالنسبة الى فكرة الإهداء، فقد خطرت لي بعد وفاة حامد مباشرة، وقررت منذ هذه اللحظة أن أهدي أول أعمالي إلى روح هذا الفنان المبدع.

- هل استخدامك للغرافيك في تنفيذ تيتر الفيلم سببه التميّز عن أفلامك الأخرى؟
فكرة تيتر المقدمة جاءت بهذا الشكل لأنها كانت معبرة إلى حد ما عن البيئة التي نشأ فيها أبطال العمل، والتي ستدور داخلها أحداث الفيلم، ويبدو ذلك واضحاً من بداية التيتر نفسه الذي ينقلك من القمر، ثم النيل، ثم البيوت، وصولاً إلى تحول البيوت إلى شيء مادي ملموس مع بداية الفيلم.
لكن عدم وجود أشخاص في التيتر لم أقصد به عدم وجود شخوص داخل جدران هذه البيوت، أو أنها صماء.

- في ظل كل ما تردد في الصحف عن ترشيحاتك لأكثر من فنانة لتجسيد دور الأم، لماذا وقع اختيارك النهائي على وفاء عامر تحديداً؟
قد تكون مفاجأة للجميع عندما أقول إن وفاء عامر كانت الترشيح الأول ثم الأخير لهذا الدور، وما بين الفترتين، كانت هناك أسماء كثيرة بالفعل، فقد كانت وفاء أول ممثلة أرشحها لدور «قمر»، لكنني تراجعت بعد أن تملكني شعور بالخوف من إسناد الدور لها، خاصة أن شخصية «قمر» تمر بمراحل عمرية كثيرة، بداية من عمر الثلاثين حتى السبعين، وهذا كان يحتاج إلى مجهود كبير من الممثلة التي ستقدمه، وهو ما جعلني أفكر في أسماء أخرى.
لكن بعد فترة قررت وبشكل نهائي إسناد الدور لها، لأنني كنت على يقين منذ البداية من أنها ممثلة محترفة وتستطيع تقديم ما هو مطلوب منها، ولم يكن هناك بعد ذلك سوى أن نتلاعب بالعمر عن طريق الماكياج، خاصة بعد أن تيقنت من صعوبة الاستعانة بممثلة كبيرة في السن، ثم إظهارها في سن أصغر، لنعود في ما بعد لنظهرها في سن أكبر، خاصة أنها نقطة شديدة الصعوبة في التنفيذ.
وقد كان حماس وفاء الفني لخروج الشخصية بشكل جيد أفضل سبيل لمساعدتي في ذلك.

- هل كانت لك بعض التوجيهات لتساعدها في الوصول إلى هذه المرحلة من الإجادة في الدور؟
بلا أدني شك هناك ما نسميه فن إدارة الممثل، وهنا أنا لا أتحدث عن وفاء تحديداً، بل أتحدث عن كل فريق العمل، ولذلك دخلنا جميعاً ورشة عمل كبيرة قبل بداية التصوير، وطلبت من كل ممثل كتابة تاريخ الشخصية التي سيؤديها منذ نعومة أظافرها حتى بعد انتهاء الفيلم، كأن كلاً منهم يكتب سيرة ذاتية عن شخصيته في الفيلم، ليدخل كل منهم في تفاصيل دوره، وتظهر الفوارق بين كل شخصية على الشاشة عن طريق عامل الذاكرة الانفعالي الذي يختزنه كل فنان عن دوره، فيصبح كل منهم متحداً مع شخصيته.
وهذا يساعد الفنان نفسه في معايشة الشخصية وتفاصيلها ومشاكلها، مما يؤهله لتقديم كل انفعالاته أمام الكاميرا بمنتهى البساطة، لأنها أصبحت مخزوناً انفعالياً حقيقياً داخله.
وبعد انتهاء كل بروفة أطلب منهم العودة إلى المنزل وقراءة ما سبق أن كتبوه، ليظل كل منهم في حالة توحد مع شخصيته. وقد تتعجب عندما أقول لك إن تفاصيل كل شخصية كانت أكبر من سيناريو الفيلم نفسه.

- ألا يعتبر هذا مجهوداً مضاعفاً منك كمخرج؟
العكس هو الصحيح، لأنني مؤمن بأن إدارة الممثل تساوي نصف عمل المخرج داخل موقع التصوير، لأني إذا نجحت كمخرج في إدارة الممثل الذي يقف أمام الكاميرا، سأعتبر أني حققت تسعين في المئة تقريباً من عملي، ليتبقى لي في ما بعد استخدام الأدوات الطبيعية التي حتى لو جاءت بشكل غير ممتاز فلن تلفت نظر المشاهد، لأنه في هذه اللحظة سيكون أمام ممثل يؤدي دوره بإتقان شديد، يصعب معه التركيز على تفصيل آخر.
وقد أعطي لك مثالاً على ذلك بمشهد أداه الممثل بشكل ممتاز، لكن هناك بعض النواقص مثل ضبط الإضاءة أو خطأ في حركة الكاميرا أو الإكسسوار، فهنا أؤكد أن المشاهد لن يشعر بهذه الأشياء أبداً، ولو طبقنا المثال نفسه لكن بالعكس، بمعنى أن تكون كل الأدوات التي ذكرتها تم تقديمها بشكل ممتاز لكن الممثل لم يؤد ما عليه، فسيكون مشهداً ضعيفاً بلا شك. ولذلك، أهتم دائماً بهذه النقطة، لأنني أعتبر أن نصف الإخراج يكمن في كيفية إدارة الممثل، الى درجة أنني كنت أطلب من أبطال العمل أن يجلسوا معاً في الورشة ليقص كل منهم ذكرياته عن الشخصية التي سيقدمها، وبعد فترة تكتشف أن كلاً منهم ينادي الشخص الآخر باسمه في الفيلم لا باسمه الطبيعي المعروف.



- ظهرت وفاء عامر في بعض المشاهد وقد بدت على ملامحها علامات كبر السن، مثل تجاعيد الرقبة وتحت العينين، ثم تبعتها مشاهد أخرى بدا واضحاً فيها وجود اختلافات بين المشهدين رغم اتفاق الفترة نفسها، وهو ما يعني إجادة الماكيير في مشاهد وإخفاقه في مشاهد أخرى؟
يجب مراعاة شيء مهم جداً، وهو أن الفيلم قائم على «الفلاش باك»، فمثلاً عندما قرر الأبناء الاتجاه إلى القاهرة كانت الأم في الخمسين، ثم يتذكرون بعض المواقف عندما كانت في الثلاثين، ثم نعود مرة أخرى إلى ذكريات الأم نفسها مع الزوج وهي لا تزال في مقتبل العمر، ثم نقفز مرة أخرى إلى سنوات لاحقة عندما تكون في السبعين... لهذا ربما اختلط الأمر على البعض.
وهنا يجب أن أشيد بالماكيير شريف هلال، وأعتقد أن مستواه يصل إلى العالمية نظراً لنجاحه في الوصول إلى هذه المرحلة من الإجادة، في ظل وجود الأدوات الضعيفة القليلة المتاحة لديه.
وإذا حاولنا المقارنة مثلاً بين أفلامنا والأفلام التي تنتج في الخارج، فقد نجد أن «الماسك» الذي تم تصنيعه للممثل الأمريكي راسل كرو في فيلم Beautiful Mind يوازي تقريباً ميزانية فيلم «كف القمر» بأكمله، وهنا يتضح الفارق بيننا وبينهم، فنحن نعمل بتكاليف زهيدة جداً، وأعتقد أن شريف نجح في عمله بنسبة 95 في المئة، أما نسبة القصور المتبقية فهو ليس مسؤولاً عنها، ولا يعود سببها إلى ضعف الإمكانات، بل لأنني كنت دائماً ما أطلب منه الإسراع والإنجاز في الوقت.

- أبناء وفاء عامر في الفيلم كانوا ينادونها باسمها «قمر» مجرداً دون ألقاب، وهذا يتنافى مع عادات أهل الصعيد. ما تفسيرك؟
الأبناء في هذا الفيلم كانوا يتعاملون مع والدتهم «قمر» باعتبارها الأم والأب والشقيقة وليست الوالدة فحسب، وكان كل منهم يتعامل معها باعتبارها الحبيبة، لذلك لم يكونوا ينادونها بكلمة «يامّا» كما يفعل أهل الصعيد، بل كانوا ينادونها باسمها مجرداً، لأنهم اختصروا في شخصيتها كل المعاني الجميلة كما ذكرت من قبل. ويتضح هذا من التنافس المستمر بينهم ليحوزوا رضاها.

- هل أقنعت وفاء بسهولة بضرورة أن يدفعها الكلب برأسه في مشهد سقوطها مريضة أمام منزلها؟
هذا المشهد من أصعب المشاهد التي يمكن أن تواجه أي ممثلة، لأن المطلوب منها في هذا المشهد أن يقوم الكلب بلعق وجهها ووضع يده على عينيها وشعرها دون أن تتحرّك أو تبدي أي انطباع يدل على عدم فقدانها للوعي.
وفي الحقيقة لم أكن أحلم أن تقدم وفاء هذا المشهد بهذه الإجادة والإبداع، حتى أنني كنت على يقين من البداية أن الكلب سيؤدي ما هو مطلوب منه لأنه مدرب على أيدي متخصصين في أكاديمية الشرطة، لكنني كنت أعرف كإنسان أنه من الصعب أن يحتمل ممثل أو ممثلة حركات أظافر الكلب على الوجه والعين دون أن يتحرك، لكن أؤكد أن وفاء قامت بما هو مطلوب منها وأكثر في هذا المشهد حتى خرج بهذا الشكل الطبيعي، فقد وضع الكلب أظافره على عينيها لكنها لم تحرك ساكناً، حتى أنني كنت أعتقد أنني سأقطع المشهد في بداياته بعد توصيل المعني المطلوب فقط من فكرة محاولة الكلب للاطمئنان الى صاحبته، لكنني فوجئت بأن المشهد اكتمل تماماً ولم أقطعه، والفضل في هذا المشهد يعود إلى وفاء التي تحملت أظافر الكلب دون حركة.

- كيف جاء اختيار هيثم زكي لدور «ياسين» رغم حالة التخوف التي تنتاب المخرجين وشركات الإنتاج من اختياره بسبب المقارنة الدائمة بينه وبين والده النجم الكبير الراحل أحمد زكي؟
كنت على يقين منذ فترة بأن هيثم تعرض لظلم شديد في بداية مشواره الفني، ودائماً ما كنت أشعر بأن في داخله طاقة تمثيلية كبيرة لم ينجح أحد في إظهارها، وكنت مستبشراً خيراً بموهبته، بل راهنت على موهبته اذا توافرت له الظروف المناسبة، بداية من القصة والتوجيه وكل شيء. هذا بالإضافة إلى أنه ابن أحمد زكي الذي ندين له جميعاً بالفضل كسينمائيين.
وبالمناسبة لم يكن هناك سابق معرفة بيني وبين والده، ولم نعمل معاً من قبل، لكن يكفي أنه أمتعنا لسنوات طويلة بأدائه وبأفلامه، وأنا اعتبرت أن مشواره الفني ديْنٌ في رقبتنا جميعاً يتوجب معه تقديم يد العون إلى ابنه، لأن هيثم يستحق ذلك كفنان موهوب قبل أن يكون ابن أحمد زكي، لكن للأسف تعرض لظلم في بداية حياته الفنية.

- ما الذي كنت تقصده بمشهد قتل وفاء للثعبان في اللحظة نفسها التي يجد فيها زوجها الكنز؟
قد لا تصدقني إذا قلت لك إنني لم أكن أقصد معنىً محدداً في هذا المشهد، حتى أنني أثناء عملية المونتاج كنت أقوم بهذا القطع المتوازي دون هدف معين. وأنا أرى أن الناقد الفني يتوجب عليه أن يفسر لي ما الذي كنت أقصده من هذا، لأني أعتبر أن دوري كمخرج انتهى بمجرد عرض الفيلم.

- ألم تكن تقصد مثلاً أن المال قد يجلب الموت أو الخراب؟
هذا رأي جيد، قد يكون صحيحاً وقد يكون خاطئاً، ولذلك أطلب من النقاد كما قلت منذ قليل أن يفسروا لي شخصياً ما الذي كنت أقصده، لأنني مؤمن بأن دور الناقد هو تفسير قرارات المبدع، وهذا شيء معروف، وهناك الكثير من المشاهد التي نقوم بتنفيذها بشكل معين، لكننا لا ندري لماذا قدمناها بهذا الشكل، وهنا تأتي أهمية الحركة النقدية التي تقرأ ما يجول داخل ذهن المبدع، ونرى بعض النقاد يذهبون إلى اتجاهات واجتهادات مختلفة، لكنها ليست وظيفتي.
وأذكر على سبيل المثال أحد مشاهد الأستاذ يوسف شاهين في فيلم «الأرض» عندما كان الحصان يسحب بطل العمل «أبو سويلم» من قدميه، كتب النقاد وقتها أشياء كثيرة جداً مثل أنه يجرف الأرض، والبعض قال إنه كان يروي الأرض بدمه، وعندما سألت الأستاذ يوسف عن المعنى الذي كان يقصده، رغم أنني كنت حينها لا أزال صغيراً في بداية مشواري، قال لي «لم أكن أقصد أي شيء، ولكنني رأيت أن هذا المشهد جيد لنهاية الفيلم، ولم أكن أقصد أي شيء مما كتبه النقاد».

- لماذا انتقلت من مشهد المركب في النيل أثناء اتجاه الأبطال إلى القاهرة إلى مشهد شوارع منطقة العتبة المزدحمة تحديداً ولم تستبدلها بشوارع القاهرة الراقية؟
قد يكون ما أقصده صدمة القرويين عندما يحضرون إلى القاهرة للمرة الأولى من منظر البشر المتلاحم مع بعضه كأنه كتلة لحم واحد.
وأنا هنا أحاول التحليل معك كمشاهد وليس كمبدع العمل، لأنني ببساطة تعرضت شخصياً لهذه الصدمة عندما حضرت إلى القاهرة للمرة الأولى، لكنني أعود وأؤكد أن تفسير هذه النقاط أتركه للنقاد ولخيال كل مشاهد.

- ألا ترى أن مشهد وفاة ابن غادة عبد الرازق في الفيلم جاء رد الفعل عليه أقل من المطلوب بالنسبة إلى أداء الممثلين؟
هذا حدث لأن الوفاة كانت متوقعة، وتم التمهيد لذلك عن طريق توضيح أن الأم لا تستطيع إرضاعه مثل أي أم لعدم قدرتها على ذلك، بالإضافة إلى أن الطفل نفسه يرفض الرضاعة من أي سيدة أخرى، ولذلك كانت وفاته متوقعة.



- يبدو من اختياراتك لأبطال أعمالك أنك تفضل التعامل مع فريق عمل ثابت إلى حد ما كل فترة، فقد أسندت إلى خالد صالح من قبل أدوارا في «هي فوضى» و«حين ميسرة» و«الريس عمر حرب»، كما أسندت إلى حسن الرداد من قبل دوراً في فيلم «خيانة مشروعة» كما ظهر صبري فواز في معظم أفلامك وأيضاً حورية فرغلي في فيلم «كلمني شكراً»!
عندما أعمل مع ممثل وأتيقّن من موهبته، والتزامه بمواعيد التصوير، ويكون الدور الذي سأرشحه له متلائماً مع شخصيته وسيجسده كما هو مطلوب منه، بالتأكيد لن أبحث عن ممثل غيره، خاصة أنني سأكون حينها على دراية كاملة بطاقته الفنية، وولدت بيننا حالة انسجام فني.
لكن في حال عدم ملاءمة الدور لأي فنان سبق أن تعاملت معه، لا بد أن أبحث عن ممثل آخر لم يسبق لي التعاون معه ليقدم الدور بالشكل الصحيح، ولهذا ستجد أن هناك ممثلين تكرر تعاونهم معي أكثر من مرة، كما ستجد أن هناك فنانين أتعامل معهم للمرة الأولى، مثل جومانا مراد، وياسر المصري.

- كيف تقوّم المشاهد التي يجب حذفها من عدمه؟
كل حالة لها ضوابطها، فمن الممكن مثلاً أن أعدّل الشكل الدرامي للفيلم تماماً أثناء عملية المونتاج عندما أكتشف أهمية ذلك، أو أبدّل السياق الدرامي بتقديم أو تأخير مشاهد عن مشاهد، رغم أن تتابع الفيلم من البداية لم يكن بهذا الشكل.
لكن هناك ما يسمى رؤية مونتاجية، وعادة ما يحدث ذلك بين المخرج والمونتير أثناء عملية المونتاج، فيحدث تقديم لمشهد وتأخير في مشهد آخر، ويجد المخرج نفسه هنا مضطراً لحذف مشهد ثالث لأنه لم يعد ذا قيمة ولن يضيف الى العمل أو ينتقص منه، لذلك لكل حالة ضوابط.

- تابعنا مشاكل كثيرة أثناء فيلم «الريس عمر حرب» وبعده بينك وهاني سلامة وسمية الخشاب. وبعد عرض «كف القمر» ظهرت مشاكل بينك وغادة عبد الرازق. ما وجهة نظرك في هذه الخلافات؟
لم يكن هناك خلافات بيني وبين هاني سلامة أو سمية الخشاب بعد فيلم «الريس عمر حرب»، لكن الصحافة تصطنع الخلافات في كثير من الأوقات. وما حدث مع غادة أمر لا يستحق التعليق عليه، فهي تحاول أن تجد لنفسها دوراً ما، فافتعلت مشكلة، رغم أنها تعرف جيداً أنه لا يحق لها التدخل في عمل المخرج، وهي تعلم تماماً لماذا لا يحق لها، لأنها بذلك تجاوزت حدود المهنة وعليها أن تعتذر لأنها تحدثت عن هذه النقطة.
وبالمناسبة أنا لم أحذف أي مشهد من مشاهدها، وأنا هنا لا أدافع عن نفسي، لأنه يحق لي أن أفعل ما أراه دون تدخل من أي شخص، ولو أنني رأيت أن دورها يجب حذفه من البداية الى النهاية لكنت فعلت ذلك فوراً دون تردد، لكن الغريب أنني لم أحذف من مشاهدها «كادراً» واحداً، وهي صدفة غريبة بحق أن تخرج لتقول هذا الكلام رغم عدم حذفي لأي مشهد، والدليل أن هذا الفيلم تم مونتاجه بالكامل قبل أحداث الثورة، أي قبل حدوث أي خلافات بيني وبينها، وهو ما يدل على أنها لا تعي ما تقوله.
وقد شاهدت الفيلم بعد انتهاء عملية المونتاج شخصيات عامة، منها غابي خوري ونجيب ساويرس وكامل أبو علي وأحمد المسلماني ويوسف زيدان ومجدي الجلاد وسمير فريد، وما شاهدوه في كانون الأول/ديسمبر الماضي هو نفسه ما عرض في دور العرض، وهذا يدل على أن ما تقوله غير صحيح، لكن يبدو أنها تبحث عن حضور إعلامي بشكل أو بآخر فاختلقت هذه المشكلة.

- ما رأيك في الاتهامات التي وجهتها إليك مثل «فاقد الشيء لا يعطيه» وأنك تنادي بالحرية ولكنك ديكتاتور كبير؟
يملك المخرج في الفن صلاحيات مطلقة لا يجوز أبداً أن يتدخل أي فنان فيها، وإذا كان هذا هو المقصود بكلمة ديكتاتور، فنعم أنا ديكتاتور، لأن مهنتي تفرض عليَّ أن أكون ديكتاتوراً.
وبمجرد انتهاء المناقشات بيني وأبطال العمل أثناء جلسات التحضير، لا أستشير أحداً بعد ذلك في أي شيء، لأنني على يقين أنه متى بدأ التصوير، لا صوت يعلو فوق صوت المخرج، لأن المخرج هو نصف العمل، ولست أنا صاحب هذه النظرية الفنية، بل هي من أصول المهنة.
ولا أشعر بالحرج من كلمة ديكتاتور، لأنني أعطيت في البداية كل فنان مساحة كافية ليعلق على كل تفصيلة يراها ويدخل معي في كل المناقشات التي يريد التحدث فيها، لكن بمجرد أن يبدأ التصوير ينتهي الموضوع، لأن أي شخص يوقّع عقد فيلم يعرف تماماً أن الكلمة الأولى والأخيرة من حق المخرج، سواء كان مهندس ديكور أو سيناريست أو أي مهنة تشارك في العمل.

- هل يمكن أن تؤثر خلافاتك الشخصية أو الفنية مع الفنانين على تعاملاتك معهم في أعمالك؟
أي خلاف قد يحدث بيني وأي فنان لا يمكن أن يؤثر بأي شكل من الأشكال على علاقتي المهنية به، بل في حال حدوث أي خلاف قد أتراجع عن موقفي اذا ثبتت لي صحة وجهة نظر الفنان الآخر.
لكن خلافات أصول المهنة لا أتفاوض فيها أبداً، خاصة عندما تكون خلافات حذف أو إضافة مشاهد، فهذا عملي وحدي وأتخذ فيه قراراتي منفرداً بما يتواءم مع مصلحة العمل ككل. وعندما أجد فناناً يحاول أن يتدخل في عملي فأنا أعتبر أنه يقول لي أنت لست المخرج بل أنا المخرج، وهذا لا يصح أبداً بالطبع.

- في المشهد الذي يقوم فيه الطبيب ببتر كف «قمر» قمت بتقطيع متواز مع مشهد قطع شجرة ضخمة. هل كنت تقصد تشبيه بتر الكف بقطع الجذور بعد سفر أبنائها إلى القاهرة؟
هذا ما كنت أقصده بالضبط، وبلا أدنى شك.

- هل كنت تقصد الإشارة إلى الفجوة التي حدثت في حياة «قمر» بعد سفر الأبناء عندما ركزت للحظات على الفتحة الكبيرة التي حدثت في جدران المنزل؟
لا، كنت أقصد الإشارة إلى الخراب، وأن اللصوص لم يتركوا حتى جدران المنزل سليمة بعد أن سرقوا القمح والشعير، أي أنهم لم يكتفوا بسرقة ما يريدونه بل سرقوا أحجار المنزل أيضاً.

- كان يوسف شاهين مخرجاً نخبوياً يهتم بالمهرجانات بينما كان حسن الإمام مخرجاً جماهيرياً. هل حاولت الجمع بين الميزتين؟
لم أقصد ذلك بالتحديد، لكنني حاولت أن أعبّر عن نفسي واهتماماتي بحال الإنسان المصري البسيط، وبالصدفة وجدت نفسي متواصلاً مع كل أطراف المجتمع سواء مع النخبة الذين يتابعون أفلامي، أو مع الإنسان البسيط الذي يرى نفسه في أفلامي.
لكني لم أقصد أن أصنع طريقاً ثالثاً بين يوسف شاهين وحسن الإمام، لكن لأنني عبرت عن أفكاري بصدق وجدت أن الجماهير التحمت معي، وأن النخبة استحسنت أعمالي، والواقع أني لم أحدد من البداية كيف سيكون مشواري في الإخراج.

- يمكن أن نقول إنك الوحيد الذي يقال عنه المخرج النجم في السنوات الأخيرة في مصر. لماذا؟
أولاً، كانت البداية عندما تم تسليط الضوء على اسمي بشكل عشوائي باعتباري أحد تلاميذ يوسف شاهين الذي كانت الأضواء مسلّطة عليه باستمرار، ولذلك أصابني جزء من هذه الشهرة، وثانياً التحامي بالحياة العامة في مصر خاصة الجزء السياسي، وهو ما ساعد على استمرار تسليط الضوء على اسمي، وثالثاً جاء نجاح أفلامي ومناقشتي لعدة قضايا وتقديمها بشكل مختلف، ثم المعارك التي خضتها دفاعاً عن أفلامي وأفكاري.
لكنني بالتأكيد لم أخطط لكل ذلك، لأنه لا يوجد شخص يقرر أنه سيكون ناجحاً فينجح، بل هناك إنسان يقوم بما عليه ويجتهد فينجح. وبمنتهى الصراحة لم أقصد الوصول إلى نجاح معين أو شهرة معينة، لكنني كنت صادقاً مع نفسي منذ البداية في كل شيء، حتى في مبادئي التي لا تتزعزع مهما حصل ومهما كانت الضغوط.