لميس العلمي... أنا مثالية أكثر من اللازم

حقوق المرأة, الرئيس الفلسطيني محمود عباس, مدارس, وزارة التربية والتعليم, أطفال فلسطين, لميس العلمي

03 يناير 2012

تملك رؤية تعليمية تسعى فيها إلى خلق جيل مميز وقادر على مواكبة الثقافة والتكنولوجيا والتغيّر، وقبل أن تتسلم لميس العلمي منصبها كوزيرة للتربية والتعليم العالي الفلسطينية كانت تشغل منصب المدير العام للهيئة الفلسطينية المستقلّة لحقوق المواطن، وكان لديها نشاط كبير مع مؤسسات المجتمع المدني وخصوصاً تلك التي تدعم حقوق الإنسان وبالتحديد حقوق المرأة. الوزيرة لميس العلمي سلّطت الضوء على كيفية تعاملها مع المشاكل التي تواجهها الوزارة ودورها في تحسين المنهاج الفلسطيني ومنع التسرب من المدارس. في مقر وزارة التربية والتعليم العالي في رام الله التقينا الوزيرة لميس العلمي.


- أين كانت النشأة والدراسة وهل كان هناك علامات فارقة فيها؟
درست في مدرسة داخلية. وأعتقد أن المدرسة الداخلية وبغض النظر عن موضوع البعد عن الأهل لها مردود إيجابي لأن الإنسان يتعلّم من خلالها كل مستويات الاستقلالية مثل اتخاذ القرار وليس تنفيذ تعليمات الأهل فقط. وكنت في طفولتي أتخذ هذه القرارات لأنني الكبيرة بين إخوتي وهذا ساعدني على بناء صفاتي القيادية، إضافة إلى أن الاستقلال العاطفي مهم لأنه يعطي شيئا من القوة.
واعتقد أن صفاتي القيادية ظهرت أثناء دراستي تخصص اللغة الانكليزية في الجامعة، لأنها تشجع النشاطات اللامنهجية وهذا جعلني أقدّر قيمة النشاطات اللامنهجية سواء في عملي في وكالة الغوث أو كوزيرة. وهذه النشاطات تخلق بذور القيادة والعمل الجماعي وبناء القدرات سواء كانت فنية أو موسيقية وغير ذلك. وكنت دائما طالبة مميزة ودخلت الجامعة وعمري 17 عاماً. وفي العام الأول في الجامعة الأميركية في بيروت تعرّضت لكل المواضيع التي جعلتني اكتشف ذاتي.

- هل عانيت من التمييز؟
اذكر حادثتين مهمتين، الأولى في الصغر حين كان جدي يميز دائما أخي عني بالمصروف والدلال، مما جعلني أتساءل لماذا يميز الولد عن البنت؟ وقررت أن اثبت وجودي في المستقبل، وكان هذا دافعا قويا لي لأثبت وجودي. والقضية الثانية التي أعطتني الحس الإنساني كانت في أول عام عملت فيه في وكالة الغوث، وكنت من الناس المحظوظين المتوافر لهم كل ما يريدونه، وكنت أعيش حياة الرفاهية ولم أعانِ من الحرمان في أي شيء.
وفي أول عام عملت في كلية الطيرة التابعة لوكالة الغوث للاجئين، كان هناك صدمة اجتماعية لأنني أدركت للمرة الأولى الحالة التي كان يعيشها الناس، وكنت أتساءل في نفسي كيف أن الطالبات لا يملكن المصروف لكي يخرجن من البيت إلى الكلية، وكنت في أول الأشهر منطوية على نفسي وكان هذا يفهم بأني متعالية على الآخرين. ولكن في حقيقة الأمر كانت مرحلة التكيّف مع الواقع الجديد الذي لم أعشه، ومنذ ذلك الوقت صممت على خدمة مجتمع اللاجئين.

- كيف هو وضع التعليم في فلسطين؟ وهل للمرأة دور مهم في العملية التعليمية؟
عملت لمدة عشر سنوات في مجال التعليم ولكن الباقي كان في مجال الإدارة. وبالنسبة الى التعليم كان هناك وضع مميز سواء من جانب وكالة الغوث أو السلطة، فمنذ البداية كان هناك تساوٍ بين الجنسين في ما خص الفرص التعليمية، ولذلك لا نعاني مشكلة الأمية المرتفعة بين النساء مثل بقية دول المنطقة، فنحن لدينا طالبات مميزات على مستوى المدارس والجامعات، وعندما نكرّم أوائل الطلبة يتبيّن أن الفتيات يشكلن نسبة 80% من الأوائل. ونجد غالبا أن نسبة النساء المنخرطات في العمل أقل مما هي لدى الرجال بشكل عام.
ولكنني أجد الآن أن نسبة الإناث التي تنخرط في التعليم اكبر بكثير من الذكور، ومن يتقدمون لدي في الوظائف هم 80% نساء مقابل 20% رجال، وهذا يقلقني لأنني أريد أن يكون توازن في المجتمع لأن أولادنا في أعمار معينة بحاجة إلى نموذج. لذلك عملنا على تأنيث التعليم في المرحلة الدنيا. وفي بعض الحالات تعليم المرأة حمّلها أعباء إضافية لأنها كانت تعرف ان دورها في البيت والرجل هو من يزود العائلة باحتياجاتها، واليوم ما زالت مسؤولياتها في البيت ولكن إضافة إلى ذلك هي امرأة عاملة.

- ما هي نقاط القوة التي يجب أن تستند اليها المرأة لكي تصبح فاعلة أكثر في العملية التعليمية؟
يجب أن نقوّي النساء بالتعليم وإيجاد فرص عمل، واعتقد دائما أن عامل الاقتصاد هو المحور في التغيير المجتمعي وعلى شتى المستويات. فمثلا نحن نريد الاستقلال في القرار السياسي ولكن علينا قبلاً أن نكون مستقلّين مادياً. وهذه خطوة تجاه تقوية المرأة. وقد أجرت زميلة لي دراسة عن ضرب النساء واستخدام العنف ضد النساء حيث تعاملت مع ثلاث فئات مختلفة من المجتمع، فئة المرأة الارستقراطية وفئة المرأة العاملة وفئة المرأة المعدمة والنتيجة التي خرجت بها في كيفية تعاملهم مع قضية العنف ضد الزوجات هي أن الطبقة الارستقراطية تتحمل هذه الإهانة والعنف خوفا من كلام العائلة والناس. وبالنسبة الى النساء الفقيرات كُنَّ يتعاملن مع الضرب بشكل استسلامي، ويتحمّلن كل هذه الإهانات مقابل لقمة العيش لكي تبقى الى جانب أطفالها. وتبيّن أن النساء الأكثر جرأة هن النساء العاملات. ومن هذا المنطلق نقول أن التحرر الاقتصادي هو الخطوة الأولى، ولكن إضافة إلى ذلك يجب أن يكون هناك توعية بأمور كثيرة.

- هل ظاهرة التسرب من المدارس موجودة في المجتمع الفلسطيني وكيف تتعاملين معها؟
من هذه الناحية تختلف فلسطين عن بقية الدول لأن التعليم من أولوياتنا. وفي وكالة الغوث عندما كان الوضع المالي سيئاً كان مجتمع اللاجئين يقول لوكالة الغوث لا نريد الطعام ولا العلاج، نريد التعليم. ونسبة التسرب في مدارسنا هي اقل من 1% للذكور والإناث وهي من أكثر النسب انخفاضا في العالم.

 

- هل توليك لمنصب وزيرة التربية والتعليم العالي جعلك تشعرين بشيء من الخوف من المسؤولية؟
لم أشعر بالخوف بسبب المسؤولية لأنني طوال وقتي كنت مسؤولة في المواقع، وكانت ردة فعلي هي أنني إنسانة مهنية ولا أريد أن ادخل في السياسة وغيرها، وكانت ردة فعلي للدكتور سلام فياض هي أنني لست من سيخدمه في هذه المرحلة بسبب عنادي الذي لا يظهر على شخصيتي، ولا أرضى بأي نوع من الضغوط، وتعودت على أن تتم التعيينات بمنتهى الشفافية والالتزام بنتائج المقابلات. وأشعر بأن الرجل تسيطر عليه الأنا فيما المرأة تتفهم الصالح العام وتهمّها النتيجة. والشيء الثاني هو أنني يجب أن أتحمل المسؤولية وان أجري تغييرات ضمن المعطيات التي نعيش فيها.

- أين لحظات الفرح والحزن في حياتك؟ 
اشعر بأنني مثالية أكثر من اللازم، وعندما أرى أموراً خارجة عن المعايير التي أضعها لنفسي يهزني هذا الشيء وخصوصاً في قضايا الفساد سواء المالي أو الإداري. وداخليا أنفعل رغم أنني تعودت على ضبط مشاعري. عندما أنتقل من مكان سكني في القدس إلى منطقة عملي في الضفة الغربية وأشاهد الفوضى واشعر بأن الناس في حاجة إلى الانضباط الذاتي، وأحاول دائما أن أعيد منظومة القيم المجتمعية إلى مجتمعنا.

- كيف تنظرين إلى الضغوط الحزبية في فلسطين؟
أنا مستقلّة ولم أرضخ لأي نوع من الضغوط الحزبية ودائما استوعب من حولي، وهذا النمط من الإدارة لم يَعْتَدْ عليه من يعملون معي.

- هل تتبنين رؤية عزل الطالبات عن الطلاب حتى سن معينة ولماذا؟
أرى أن عدم الاختلاط ووضع الفتيات وحدهن أمر صحي لعدة أسباب منها نمو الإناث ونمو الذكور حيث نجد أن الإناث أسرع نموا ، ونشعر بأن الأنثى أنضج من الذكر، وهذا يكون حتى سن معينة وبعدها ينعكس الأمر فيصبح النمو أكثر عند الذكر. والأمر الثاني أنه من الأفضل إذا أردنا أن نقوي النساء أن نبقيهن وحدهن فترة، لأن هناك طلابا يحاولون قمع الطالبات فكريا ولا يتيحون لهن المجال لكي يتحدثن وهن بطبيعتهن يخجلن لأنهن حتى في طبيعة المعاملة المنزلية الذكر يفضل على الأنثى، ولذلك إذا كنا بصدد تقوية المرأة وبناء شخصيتها وفكرها المستقل يجب أن تبقى منفصلة عن الذكر لفترة.

- ما هي المعايير لتعيين المرأة في الوزارة؟
لا أستطيع أن أعيّن امرأة غير كفوءة، ولكن إذا تساوت الكفاءة أعيّن امرأة، وغالبا لا يفضل الذكر العمل في مجال العمل الإداري أو التعليم فهو يبحث عن المشاريع الخاصة، ووظيفة التعليم بالنسبة الى المرأة سهلة من كل النواحي.

- ما هو مدى رضاك عن المناهج الفلسطينية وعرض صورة المرأة فيها؟
انتهينا من المناهج عام 2007، وعندما صمم هذا المنهاج لم يعمل بشكل عشوائي بل درسنا المناهج في كل الدول العربية ومناهج أجنبية، وهو أول تجربة لنا ولذلك نعمل على تصحيح بعض الأمور كالاكتظاظ بالمعلومات. ونحن في وقت لا نهتم فيه بالمعلومة وحدها لأنه مع وجود الانترنت عندما نريد أي موضوع نجده، وأهم من ذلك تحديد نوعية المعلومة. وقد أصبح من المهم التركيز على تنمية المهارات العقلية التي تتمكن من حل المشاكل. وقد أدخلنا التكنولوجيا إلى مدارسنا... يجب أن نعمل على إيجاد جيل مفكر وقادر على التكيف مع أي مجتمع لان التكيف جزء من علامات الذكاء، ونحن نحاول أن نزرع كل هذه المفاهيم الايجابية بين طلابنا.

- أين حياتك الاجتماعية؟
حياتي الاجتماعية اختفت منذ أن أصبحت وزيرة للتربية والتعليم، وتقتصر على حضور المؤتمرات والاجتماعات وافتتاح مدارس وغير ذلك. ولدي ابن وابنة والاثنان يعملان.

- بعد مضي أربع سنوات في عملك، كيف تقوّمينه؟
خلال أربع سنوات بنيت 300 مدرسة، وعندما يكون لكل طفل فلسطيني مقعد دراسي أشعر بأنني أنجزت، لأنه من خلال التعليم نستطيع أن نبقى ونقاوم. التعليم وسيلة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز هويتنا الفلسطينية.

- كلمة أخيرة؟
أطمح على المستوى الشخصي أن يبقى ولداي بصحة جيدة وأن ينجحا في حياتهما. ومن أهدافي الكبيرة في وزارة التربية والتعليم تحسين نوعية التعليم، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي تكون فيه فلسطين نموذجا يحتذى به.