الدكتورة فوزية أخضر: أعمال الأمير سلطان الخيرية لم تقف عند حدودنا الداخلية...

الأمير سلطان بن عبد العزيز, أعمال خيريّة, فوزية أخضر

13 فبراير 2012

يتحدث الناس عن النبلاء في العالم وتروى سيرهم على الملأ وتسطر الكتب مآثرهم ويبقون في الذاكرة لأنهم جندوا أنفسهم لفعل ما. ولكن عندما يتناول الحديث الأمير سلطان - رحمه الله تعالى - يكون له طعم خاص ومعنى مختلف لأنه يرتبط بالعمل الإنساني التطوعي بأسمى معانيه. والواقع أن كل خطوة من خطوات الراحل الكبير الخيرية تحتاج إلى ساعات طويلة ولا يمكن سردها أو اختصارها في هذه العجالة... «لها» التقت الدكتورة فوزية أخضر مدير عام التربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم سابقاً ورئيسة اللجنة النسائية العامة لشؤون المرآة في الجمعية الوطنية للمتقاعدين، وعضو فريق العمل في النظام الوطني للمعاقين، وكان هذا الحوار.


- ماذا قدم الأمير سلطان، رحمه الله، لك ولابنك؟
سلطان الخير اسم لا ينسى على مرور السنين إذ أنه رجل شهد له التاريخ بما قدمه من أعمال خيرية وإنسانية لخدمة وطنه. وستبقى ذكرى سلطان الخير راسخة في عقول الجميع وقلوبهم وضمائرهم. ولا تخفى على أحد الإنجازات التي لا تقف عند حدودنا الداخلية بإنسانيته وشخصيته الرائعة وسياسته الحكيمة، بل تصل إلى العالم أجمع. فهو «مؤسسة إنسانية عالمية» وصاحب اليد المعطاء، فقد نقش التاريخ إنجازاته بأحرف من نور بما قدمه من أعمال خيرية وإنسانية لخدمة مواطنيه، رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا، أصحاء ومعوقين، وذوي احتياجات خاصة وأيتاما ومساكين. أقول افتقدتك الإنسانية جمعاء وخصوصاً ذوي الإعاقة وأسرهم. فقد كنت سندا داعما لهم ولأسرهم والمهتمين بهم... كنت فيضاً من الحنان والحب والعطاء وبموت هذه القامة فقدنا أجمل ابتسامة صادقة.

- كيف مد يد العون لك ولأسرتك؟
مد لي يد العون في أحرج أوقات حياتي بعد علمي بإعاقة ابني بالصمم الكامل منذ الولادة، وكان زوجي ضابطا في الجيش آنذاك وقد تواصلت مع سموه بالهاتف مباشرة وبكل سهولة بعد أن تخبطت كأم في بداية حياتها ومع أول طفل تعلم أنه أصم صمما كليا ولا تعرف شيئا عن هذه الإعاقة ولا طرق التعامل معها. وبدأت الوقفات الإنسانية والمعنوية معي ومع ابني حتى تخرج ابني وتوظف في المكتب الخاص لرئيس المراسم الملكية وتزوج ولديه الآن أربع بنات وولد ولله الحمد.

- هل كان الوصول الى الأمير سلطان سهلاً؟
نعم كان الوصول اليه من أبسط ما يمكن بل أسهل من أن تصل الآن إلى مجرد مدير في أي منشاة عادية. فقد كنت أتواصل مع سموه عن طريق الهاتف والخطابات، وكان سموه متجاوبا ومتعاطفا معي إلى أبعد الحدود. وأذكر أنني كتبت خطابا لسموه بعد عودتي من ابتعاثي أوضح فيه بأن أبناء الضباط من المعوقين ليس لديهم خدمات تربوية، بينما هناك خدمات كانت تقدم للمعاقين في وزارة المعارف، وأننا كزوجات ضباط لدينا أبناء معاقون يحتاجون إلى هذه الخدمات التربوية. وما كان من سموه إلا أن أجاب على خطابي بخطاب رسمي يطلب إجراء إحصاء ودراسة عن أعداد أبناء الضباط المعاقين من الجنسين في كل مناطق المملكة. وما زلت أحتفظ بخطابات سموه وبالخطابات التي وجهت إلى قائد الأركان بالتعاون معي أثناء قيامي بهذه الدراسة. وأجريت الإحصائية كاملة ورفعت إلى سموه تصوراً مقترحاً للمركز المطلوب، ولكنه أبى أن يكون مركزا فقط بل أنشأ يرحمه الله أكبر مدينة للخدمات الإنسانية والاجتماعية وهي مدينة الأمير سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية والتي تعتبر أكبر مشروع خيري على مستوى الشرق الأوسط، فهي منشأة صحية تأهيلية بسعة 400 سرير، توفر خدمات علاجية شاملة للمرضى المحتاجين الذين يعانون أمراض الإعاقة المختلفة. وتقع المدينة على طريق الرياض - القصيم السريع، على مسافة 30 كيلومتراً من الرياض، وتشغل أرضاً مساحتها مليون متر مربع.

- ماذا تعني لك هذه العبارة «ولا يهمك أنا معك ومع ابنك»؟
عبارة جميلة قالها لي سموه عندما ذكرت له أن ابني بعد فحصه في بريطانيا قيل لي إن صممه الكلي منذ الولادة ناجم عن إصابة في الأعصاب الداخلية للأذن ولا يمكن علاجه، وإنني كأم يجب أن أتسلح وأتخصص في مجال إعاقته. وقد كنت في حالة يأس شديد وأتخبط ماذا أعمل مع ابني... وإذ بسموه يجيب «ولا يهمك أنا معك ومع ابنك»، فقلت له زوجي ضابط ويتنقل من مكان إلى آخر وأنا معلمة في رئاسة تعليم البنات ومنتسبة إلى جامعة الملك سعود. وبمساعدات كبيرة من سموّه وجدت نفسي مبتعثة من وزارة المعارف، وكنت من أولى النساء المبتعثات للدراسات العليا في التربية الخاصة فقد كنا أربع نساء فقط أنا واحدة منهن. وقد انتقل عمل زوجي إلى الملحقية العسكرية في لندن في المكان الذي كنت أنا وابني ندرس فيه، علماً أن ابني كان أصغر مبتعث يدرس في بريطانيا  في ذلك الوقت. وبعد عودتي من البعثة طلب زوجي التقاعد مبكرا وقد أجاب سموه طلبه. وهكذا كانت مواقف سموه تتوالى حتى بعد التقاعد. رحمك الله يا سلطان الخير . 

- سموه قدم لك هذه الخدمات فماذا أهديت أنت لسموه؟
الحقيقة أنني لم ولن أستطيع تقديم شيء يذكر ولم أجد سوى ان أكتب مسيرتي ومعاناتي مع التربية الخاصة لمدة 38 عاما وأهديها  لسموه.

- احتضن سلطان الخير الأطفال المعاقين بعطفه طوال الأعوام الماضية، كيف ترين ذلك؟
من أهم أهداف مدينة سلطان للخدمات الإنسانية تقديم الرعاية الاجتماعية والصحية، والتأهيل الشامل للمعوقين والمسنين، وإيجاد دور للنقاهة والتأهيل والتمريض، لتقديم خدمات متطورة طبيّاً وتجهيزيّاً وبشريّاً، وتوعية المعوقين والمسنين على استخدام وسائل الرعاية المنزلية والاجتماعية، إضافة إلى توعية المواطنين حول مظاهر الشيخوخة المبكرة والعجز البدني والعقلي، والعمل على التقليل منها بالوسائل المتاحة، و تقديم الأجهزة التعويضية للمعوقين والمسنين لمساعدتهم في التكيف مع ظروفهم وتخفيف معاناتهم وتشجيعهم على المشاركة في مجالات الحياة العامة مع أقرانهم الأسوياء.

- هل مازلنا في السعودية في حاجة إلى تطوير مفهوم العمل التطوعي؟
نعم نحن ما زلنا في حاجة ماسة إلى تطوير العمل التطوعي وتغيير النظرة الخاطئة بأن العمل التطوعي هو بالمال فقط، فقد يكون  التطوع بالمال كالصدقات والتبرعات والقروض والمشاركات في شركات تنمية المال، وقد يكون التطوع بالجاه كالشفاعات،والعلاقات وغيرها. وقد يكون التطوع بالبدن كالمراسلات والحِرف والتحميل والحراسة. ولكن  يجب أن تكون هناك إستراتيجية واضحة وشاملة ومظلة واحدة تشمل جميع جهات العمل الخيري.

- كيف نغرس في أطفالنا حب العمل الخيري؟
يمكن غرسه عن طريق التنشئة الأسرية التي أصبحت تهتم فقط بالتعليم دون زرع روح التطوع و بث الانتماء والمواطنة وحب مساعدة الآخرين، وعن طريق مناهج المدارس وأنشطتها، علماً أن الجامعات تكاد تكون خالية من كل ما يشجع على العمل التطوعي الحقيقي. وللتوعية الإعلامية دور كبير في تحسين النظرة إلى المؤسسات والقائمين عليها.

- من خلال تجربتك في جمعية الأطفال المعاقين كيف تقوّمين أداء هذه الجمعية؟
قد تكون شهادتي مجروحة في هذه الجمعية لأني عضو مؤسس فيها منذ التأسيس، وأنا الآن عضو مجلس إدارة هذه الجمعية وأشعر بانتماء كبير الى الجمعية التي تُعتبر محظوظة جدا برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز. وهي أول مركز للرعاية المتخصصة للأطفال المعوقين في العالم العربي، وتبلغ مساحتها نحو 50 ألف متر مربع. وفي الجمعية مركز طبي يشتمل على أقسام ووحدات علاجية وتأهيلية، وقسم تعليمي يستوعب في مختلف المراحل التعليمية ما يزيد عن 400 طفل وطفلة، إضافة إلى مساكن الأطفال والأمانة العامة للجمعية. وقد نجح هذا المركز منذ افتتاحه في توفير أفضل مستوى من خدمات الرعاية والعلاج والتأهيل لآلاف الأطفال المعوقين، كما تمكن من تأهيل المئات منهم للالتحاق بمدارس التعليم العام ضمن برنامج الدمج الذي يطبقه.

تقدم الجمعية برامجها الخدمية لنحو 1500 طفل سنوياً، وقدمت تجارب رائدة في مجال رعاية المعاقين مثل مشروع الدمج و«جرّب الكرسي» و«الوصول الشامل» و«عطاء الطالب» وغيرها من المشاريع الرائدة في خدمة ذوي الإعاقة.

- ما أهم المعوقات في وجه العمل الخيري في المجتمع السعودي؟

تختلف العوائق من مجتمع إلى آخر فهناك:
1- عوائق بيئية: أي أن يكون الموقع بعيداً، أو في مكان مزدحم، أو يصعب الوصول إليه.
2- عوائق اجتماعية: كأن يكون القائمون على المؤسسة من فئة معينة أو من طبقة اجتماعية واحدة، أو النظرة الدونية الى المؤسسة.
3- عوائق مادية كحد لنشاط المتطوع بما يحمله على الدفع من جيبه الخاص.
4- عوائق فكرية كتفاوت الثقافات بين القائمين على الجهة الخيرية وفئات المتطوعين في المجتمع واختلاف المناهج الدراسية.
5- عوائق أمنية: كعدم معرفة اللوائح، وكثرة التشويش على الجهات الخيرية.
6- عوائق إدارية: كمحدودية البرامج التطوعية المطروحة وضيق الأفق في تحديد معنى العمل الخيري، وضعف برمجة العمل الخيري حسب الوقت والمكان والتخصص.

- وكيف يمكن تشجيع العمل التطوعي؟
 عن طريق بث روح التطوع من خلال التنشئة الأسرية والمؤسسات التعليمية، وتعليم الناشئة ممارسة التطوع بصورة منظمة و فعالة وإقامة مراكز للمتطوعين لتكون وسيطا يوجه المتطوع الى الجهة المناسبة للتطوع حسب وقته وإمكاناته ومهاراته، وتنظيم العمل التطوعي داخل المؤسسات التطوعية بشكل أكثر تشجيعا للشباب، وإحياء مفهوم التطوع في المجتمع وخاصة بين الشباب.