سحر الضيافة العربية بين الشارقة ومسقط والدوحة

جولي صليبا 29 أبريل 2023

تحرص بعض فنادق الدول العربية على إبراز التقاليد العربية انطلاقاً من ثراء هذه التقاليد ومكانة التراث العربي وأهمية الحفاظ عليه. وتتنوع هذه المظاهر بين كيفية الترحيب بالزائرين منذ اللحظة الأولى للدخول بتقديم الضيافة العربية الشهيرة وصولاً إلى إبراز بعض ألوانها في زوايا وردهات الفندق وحتى الغرف. وإيماناً من العلامة التجارية «جي إتش إم» GHM Hotels بأن الضيافة العربية هي صفة تتميز بها الدول العربية منذ القِدم، تلقيتُ دعوة منها لزيارة فنادقها الثلاثة في الشارقة ومسقط والدوحة للتعرّف عن كثب على مزايا كل فندق وكيفية إبرازه لسحر الضيافة العربية.


في الشارقة

انطلقتُ من مطار بيروت إلى الشارقة، وأقلّتني السيارة من المطار إلى فندق “ذا تشيدي البيت”، الذي يستحضرُ النسيج التاريخي لدولة الإمارات العربية المتحدة من خلال إعادة إحياء نمط الحياة الذي ميّز المجتمع المحلي.

فور وصولي إلى الفندق، لفتني تصميمه المختلف والمميز. فهذا الفندق التراثي من فئة الخمس نجوم يتألف من مجموعة بيوت تاريخية ويحتوي على 53 غرفة وجناحاً، ويتألق بتصميمٍ عربي مميز منسجم مع محيطه. يمتدّ الفندق على مساحة تزيد على 10000 متر مربع، وهو جزء من مشروع إماراتي للحفاظ على التراث المحلي، وتم دمج غرفه ومطاعمه ومنتجعه الصحي ومرافقه ضمن المباني التراثية التي يعود تاريخها لأكثر من نصف قرن. وعلى الرغم من تحويل منزل قديم إلى مكتبة ومتحف حديث، استمرّ الحرص على حماية تراث الشارقة في هذا المكان الذي بات يشكّل المنطقة الأكثر فخامةً في الإمارة. بُني الفندق حول تشكيل من أربعة منازل لتجّار سابقين: بيت إبراهيم بن محمد المدفع وتشغله المكتبة التي بُنيت من مجلس إبراهيم المدفع؛ بيت عيسى المدفع وتشغله صالة الاستقبال؛ بيت عبدالرحمن المدفع ويشغله مبنى غرفة الضيوف التراثية؛ وبيت عبدالله المحمود ويشغله المطعم العربي. ويعود تاريخ البيوت الأصلية التي شُيّدت من الطوب اللّبن والمرجان مع أعمدة من خشب الساج والمانغو والمسقوفة بسعف النخيل على نمط باراستي، إلى العام 1927.

يقدّم فندق “ذا تشيدي البيت” في الشارقة خدمات مميزة تجمع بين الضيافة الراقية والشعور بدفء المنزل، مع غرف تقليدية فسيحة وديكور يلائم الأزواج والعائلات والصغار. كما التزم الفندق منذ افتتاحه بتقديم مفاهيم الضيافة المستدامة، ويتيح لضيوفه استكشاف الثقافة المحلية والاستمتاع بالكثير من الأنشطة. وهو يضمّ مطاعم ومجالس مميّزة تقدّم أفخر تجارب الطعام وتعكس كرم الضيافة العربية.

من جهة أخرى، أعلنت شركةGHM عن توسعة جديدة في الفندق ستضمّ بيت خالد بن إبراهيم المدفع الى جناح السراي، بعد ترميم مقر الإقامة السابق لتاجر اللؤلؤ. ستضم التوسعة منزلين رئيسيين يمتدان على مساحة 1000 متر مربع وسيضيفان 12 غرفة وجناحاً إلى فندق “ذا تشيدي البيت”، وصُمّم الجناح الجديد ليوفر عروضاً فاخرة لفئة المسافرين الباحثين عن ملاذ عائلي خاص.

جولة سياحية

انطلقتُ مع زملائي لاستكشاف قلب الشارقة برفقة مرشدة سياحية من هيئة سياحة الشارقة. يعتبر “قلب الشارقة” أكبر مشروع تطوير وترميم تراثي، ويهدف إلى إحياء المنطقة والارتقاء ببنيتها كي تصبح وجهة ثقافية نابضة بالحياة من خلال ترميم المباني التاريخية، وإنشاء مبانٍ جديدة ذات هندسة معمارية تقليدية، لتتيح للجيل الحالي والأجيال القادمة فرصة التعرّف على تاريخ إمارة الشارقة الاجتماعي والثقافي. المحطة الثانية في جولتنا كانت الغرفة الماطرة، وهي عبارة عن عمل فني تركيبي يتيح معايشة تجربة غامرة تهطل فيها الأمطار على نحو متواصل. عند دخولنا إلى الغرفة الماطرة، تم توجيهنا للتنقل بشكل حذِر متّبعين حدسنا، عبر الفضاء المعتم للأرضية التحتية اتقاءً للأمطار المنهمرة. يُذكر أن الغرفة الماطرة تستهلك 1200 ليتر من الماء النقي المُعاد تدويره والمعالَج ذاتياً، وتقوم تحركات الزوّار بتشغيل أجهزة الاستشعار الحركي التي توقف هطول الأمطار عند اكتشاف أي حركة.

وكان لا بدّ من القيام بجولة على متن الحافلة السياحية المؤلفة من طابقين لاستكشاف أبرز المعالم في الشارقة، مثل سوق الشناصية، وسوق العرصة، ومسجد النور، ومتحف الحضارة الإسلامية، ومتحف الشارقة للفنون، ومتحف الشارقة للتراث، وواجهة المجاز المائية، وجزيرة النور، وحديقة الشارقة المائية وغيرها الكثير.

وأيقنت بعد الجولة أن الشارقة تقدّم الترفيه، والمتعة، والثقافة، والتسوّق في جرعة سياحية متكاملة تجمع بين الأماكن الترفيهية، والمتاحف، والتراث الأصيل، والتاريخ الغني وكنوز الثقافة الإسلامية الزاخرة.


في مسقط

بعد قضاء يومين في الشارقة، انطلقنا إلى محطتنا الثانية، فندق “ذا تشيدي مسقط”، المصنّف فئة 5 نجوم، أحد أبرز الفنادق الراقية في مسقط، سلطنة عمان. كانت السيارة في انتظارنا في المطار لتقلّنا إلى الفندق الواقع في شارع غبرة الشمالي على بُعد 15 دقيقة من مطار مسقط الدولي و20 دقيقة من مركز الأعمال في مسقط.

يمتدّ الفندق على مساحة 21 فداناً من الحدائق الهادئة عند سفح سلسلة جبال الحجر الوعرة حيث تحيط به المياه الفيروزية لخليج عمان. ويمزج المنتجع تقاليد الضيافة العربية السخيّة مع وسائل الراحة المتبعة في أسلوب الحياة الحديث. يضمّ الفندق 160 غرفة وجناحاً تجمع في تصاميمها بين الأسلوب الآسيوي واللمسات العُمانية، وتطلّ على خليج عُمان وجبال الحجر والحدائق الغنّاء، تتمايز بينها أجنحة نادي “ذا تشيدي” الستة والثلاثون التي تشكل خياراً مثالياً لنخبة الضيوف. تتوافر في “ذا تشيدي مسقط” ستة مطاعم استثنائية أُتيحت لي فرصة تناول الطعام فيها وتذوّق أشهى الأطباق العالمية. كما يضم الفندق مركز الرفاه الصحي الأكبر من نوعه في البلاد، وهو ممتدّ على مساحة 1500 متر مربع تضم النادي الصحي الذي يتوزّع عبره 11 جناحاً لجلسات التدليك البالينيزية، والطقوس الشرقية، وعلاجات الأيورفيدا وغيرها. وتتكامل هذه الواحة مع مرافق للساونا والعلاج بالبخار، وثلاثة أحواض للسباحة، ومركز للياقة البدنية كامل التجهيز، وملاعب لكرة المضرب، وشاطئ خاص يمتد بطول 370 متراً.


دار الأوبرا ومصنع عطور “أمواج”

في يومنا الثاني في مسقط، زرنا دار الأوبرا السلطانية، وهي أول دار أوبرا في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية، وقد أمر السلطان الراحل قابوس ببنائها عام 2001. تم الشروع في أعمال البناء عام 2007 لتنتهي عام 2011، وتمتدّ على مساحة شاسعة تبلغ ثمانين ألف متر مربع.

لاحظتُ عند دخولي دار الأوبرا تناغم التراث المعماري العُماني والعربي والإسلامي في عهود مختلفة، وأخبرنا مرشدنا السياحي أن دار الأوبرا تستضيف فعاليات مختلفة مثل حفلات الأوبرا، والحفلات الموسيقية والمسرحيات، بالإضافة إلى المؤتمرات والملتقيات الثقافية والفنية، وتستوعب 1100 شخص كحد أقصى. تجدر الإشارة إلى أن دار الأوبرا السلطانية هي أول دار أوبرا تستخدم تقنيات عرض الوسائط المتعددة من طريق شاشات تفاعلية في المقاعد، وتستخدم أحدث تقنيات الصوت والإضاءة.

بعد انتهاء جولتنا في الأوبرا، توجّهنا إلى مصنع العطور “أمواج” AMOUAGE، الذي يصدّر عطوره العُمانية إلى 80 بلداً حول العالم. أُتيحت لنا فرصة الدخول إلى المصنع ورؤية العمال عن كثب وهم ينجزون مختلف مراحل صناعة العطور، بدءاً من الحصول على المكوّنات من مرافقها الداخلية وصولاً إلى التقطير والتصفية والتعبئة والتغليف. واستطعنا خلال الجولة التعرف على تاريخ العطور في الشرق الأوسط.


في الدوحة

المحطة الثالثة والأخيرة كانت في فندق ومنتجع “تشيدي كتارا” في الدوحة، وهو الأول للشركة العامة لإدارة الفنادق المحدودة (GHM) في قطر. نقلتنا السيارة من مطار حمد الدولي إلى الفندق المتربع في قلب الحي الثقافي كتارا، واستمرّت الرحلة 30 دقيقة فقط.

فور وصولنا إلى الفندق، لفتتني “شجرة السلام” البيضاء الموجودة في المدخل الرئيسي. هذه الشجرة عبارة عن قطعة فنية مصنوعة يدوياً بدقة بارتفاع سبعة أمتار وقُطر ستة أمتار، وستبقى مورقة لقرون رغم التغيرات الموسمية، وهي رمز للسكينة ومضيف كريم يرحّب بزوّار الفندق. يقع الفندق على مقرُبة من العديد من مناطق الجذب، بما في ذلك المتاحف وقاعات الحفلات الموسيقية والمعارض والمسرح المدرّج. ويضمّ 91 وحدة فاخرة موزّعة على 59 غرفة وجناحاً بإطلالة خلابة على الخليج العربي و32 فيلا مجهّزة بأفضل المواصفات، علماً أن كل فيلا تتضمن حمّام سباحة خاصاً بها وحديقة غنّاء لضمان أقصى درجات الخصوصية.

يلفتك في “ذا تشيدي كتارا” المزيج المذهل بين العناصر الجمالية للإمبراطورية المغولية والامبراطورية العثمانية، مما يجعله تحفة معمارية متفردة تمزج بين القصور الملكية والحداثة، مع الكثير من القطع الفنية والتحف التراثية. يرقى فندق ومنتجع “تشيدي كتارا” إلى اسمه حيث يعني “مكاناً للتأمل وإيجاد السلام”، ولذلك يوفر لضيوفة ملاذاً هادئاً تتلاقى فيه الثقافات مع الضيافة الأصيلة. ويقدّم السبا ملاذاً من الصفاء مخصّصاً لاستعادة القوة والجمال والتوازن. ويحتضن السبا الفلسفة الشرقية مع طقوس مستوحاة من آسيا، ويقدّم مجموعة واسعة من علاجات التجميل. أما النادي الصحي فمجهّز بأحدث معدّات التمارين الرياضية واللياقة البدنية، مع إطلالات هادئة على تلال كتارا. من جهة أخرى، يوفر “ذا تشيدي كتارا” لضيوفه شاطئاً خاصاً مجهّزاً بكل الخدمات، مع مسبح كبير مطلّ على مناظر آسرة، مما يتيح للضيوف التنعّم والاسترخاء.

وكان مسك الختام مع سهرة عربية على شاطئ البحر، حيث تمّ نصب خيمة عربية تقليدية على الرمل وتلذّذنا بأشهى المأكولات العربية تحت ضوء القمر.

قرية كتارا الثقافية

نظراً لقرب فندق “ذا تشيدي كتارا” من قرية كتارا الثقافية، كان لا بدّ من زيارتها واكتشاف ما فيها. تجمع هذه القرية بين الترفيه والثقافة والسياحة والجمال الطبيعي في مكان واحد، وتشكّل ملتقى للمثقفين والفنانين ومحبّي الأنشطة والصروح الثقافية. يعتبر اسم “كتارا” الذي أُطلق على الحي الثقافي، أقدم اسم استُخدم للإشارة إلى شبه الجزيرة القطرية في الخرائط الجغرافية والتاريخية منذ العام 150. ويسعى هذا الحي الثقافي إلى المساهمة في تحقيق رؤية قطر 2030، ولذلك فهو يستقبل سكان قطر والسيّاح الذين يريدون الاستمتاع بالشاطئ الجميل، والشوارع المعبّدة بالحجارة والمطاعم المتنوعة. كما أن أبراج الحمام المنتصبة عند المدخل تستقطب اهتمام الزوّار مثل غيرها من المباني والمسارح كالمسرح الروماني والمسرح المكشوف ومسرح دراما استديوهات كتارا للفن، وأكاديمية قطر للموسيقى، والمركز الثقافي للطفولة، وأوركسترا قطر الفلهارومونية، والمتحف العربي للطوابع، ومركز الفنون البصرية، ومؤسّسة الدوحة للأفلام، والجمعية القطرية للفنون التشكيلية، ومجلس الشعراء، بالإضافة إلى جامع كتارا الكبير الذي يُعدّ تحفة معمارية.