فيليب ستارك: ظاهرة زخرفية معاصرة

باريس - نجاة شحادة 28 نوفمبر 2023

المهندس المعماري، المبدع، المبتكر، المصمّم والمدير الفني... في حقيقة الأمر، لم يكتسب فيليب ستارك شهرته من تراكم الألقاب والأنشطة ولكن من رؤيته للمعاني الجديدة التي تزخر بها اليوميات المعاصرة والتي تتطلب التعامل مع جوهر الأشياء لجعل الحياة أفضل لجميع البشر. ومثل هذا الهدف السامي يستدعي صفات نادرة فيمَن يأخذ على عاتقه المساهمة في دفع حدوده ومعاييره الى آفاق أوسع وأكثر انفتاحاً. ولعل أول هذه الصفات، الأمانة... ومن هذا المنظور يبدو ستارك أميناً ليس لأفكاره فقط وإنما لكل المسيرة الإنسانية ذات الصلة بالجماليات الزخرفية  والتقاليد والبيئة والتراث الإنساني الذي يتجسّد روحاً تسكن منجزاته.


حين نقول إن فيليب ستارك هو موهبة استثنائية، فهذا لا يعني مجرد توصيف تمليه أنشطته، ولكنه دلالة تاريخية لمسيرة إبداع متعددة المسارات، تشكل في المحصلة النهائية ظاهرة مبهرة تتشكّل عناصرها من إنجازات ومبتكرات وتصاميم تتصل بكل مدارات حياتنا المعاصرة. ولعل أكثر ما يثير الانتباه في مسيرة ستاركه ورؤيته الجمالية والوظيفية والتي تتجسد في شمولية إبداعاته، وتفرّده في معالجة المساحات واختيار المواد وقدرته اللافتة على المزج بين التقليدي والحديث من خلال توليد أسلوب خاص، يُعنى بالجوهر بالقَدر نفسه من العناية التي يوليها للمظهر.

وهكذا تبدو أعمال ستاركلا زمنية تتجاوز المؤقت، وتؤسّس لنفسها كياناً زخرفياً تتجدّد تعابيره ومفرداته مع كل مشروع، ويرفد الفضاء الزخرفي بلغة شاعرية ثرية.


براعة فيليب ستاركلا تكمن فقط في المزج بين الطُرز والأساليب أو بين الأزمنة والحقب، بل تعدّت ذلك إلى مزج المواد نفسها ومنحها حيوات جديدة لم نكن على دراية بها من قبل. وعملياً، فإن ستارك يستخدم كل المواد الموجودة في الطبيعة، بل يكشف من خلال معرفة عميقة بطبيعتها وإمكاناتها، أسرار تركيباتها الأولية. لذا فهو يحافظ على خصائصها الجمالية والوظيفية، بل ويتيح لها عبر صياغاته الذكية أن تحتفظ بنبالتها وثباتها. فحين يستخدم الأخشاب، نجد في عمله احتراماً بالغاً لخصائص هذه المادة النبيلة، وكذلك عند استخدامه للرخام مثلاً أو للجلود أو الأقمشة وصولاً الى الكريستال وزجاج المورانو.

وابتداءً من فرشاة الأسنان أو عصّارة الليمون وصولاً الى اليخوت الفخمة والفنادق التي تتحول عبر رؤيته الفريدة الى أماكن محفّزة فيها الكثير من الخيال وتغمرها حيوية نادرة، تتوزع أنشطة ستارك لتأكيد صيانته لرفاهية مستدامة تبدو حياتنا المعاصرة، يوماً بعد يوم أكثر حاجةً اليها. ولم يتردد ستارك في الدخول، وبالاندفاع نفسه الى عالم التكنولوجيا حيث اهتم كثيراً بتصاميم السيارات الكهربائية، التي تدخل ضمن اهتماماته بالبيئة، والتي نجد آثاراً واضحة لها في معظم أعماله.


ولعل الحلول التي يقدّمها لكثير من المشكلات التي تتولد من تسارع الحياة المعاصرة، تتحول الى ضرورات حيوية للفرد والمجتمع على حد سواء.

كل مشروع لفيليب ستارك يبدو كأنه سيناريو لواقع جديد، وكل تصميم له يبدو كأنه حكاية مثيرة، وكل ابتكار جديد منه يبدو كأنه نقلة نوعية نحو غدٍ أكثر ثراءً ورفاهيةً.

ولعل الأكثر إثارةً في أعماله المتنوعة، مزجه بين الجدّية والفكاهة الى حد مثير للإعجاب والتأمّل. فروح الدعابة التي تتّسم بها بعض أعماله لا تنتقص من التزامه التام بالجمالي والوظيفي، التزام يصل في بعض الأحيان حد التطرف.

.

1.. 2. . 3. . 4. .

1. . 2. تناغم مثير بين أجواء الداخل والحديقة. 3. . 4. .