مهندسة الديكور الأميركية ميشيل نوسباومر ومفاهيم مبتكرة لتأصيل جماليات المكان

باريس - نجاة شحادة 08 ديسمبر 2023

مع أعمال مهندسة الديكور الأميركية الشهيرة ميشيل نوسباومر، يصعُب الحديث عن التفاصيل، فهي هنا تتجاوز حدودها وتتمدد لتحتل كل المساحات وتتّحد مع فضاءاتها لتشكل كلاً جمالياً ووظيفياً، تتأتى فرادته من رؤية نوسباومر ليس للأناقة والرفاهية فقط وإنما للمتعة والتسلية أيضاً. رؤية تدعمها تجربة عريقة وثقافة موسوعية تسمح لها بمزاوجة الطرز والأساليب، الحقب والعصور، وكذلك الثقافات والجذور.


في هذه الفيلا الفخمة التي تقع على الجرف الجبلي قُبالة المحيط الهادي في لاغونا بيتش بكاليفورنيا، عمدت ميشيل نوسباومر الى تجسيد فلسفتها في التعامل مع الأمكنة، فحققت مشهداً داخلياً يتخطى في جرأته وبراعته كل قوانين التناسب والتناغم، ويؤكد أن اكتشاف عبقرية المكان لا تحتاج فقط الى القواعد والمعايير، وإنما الى مشاعر وأحاسيس تتبدى في المقترحات الثرية من خلال الأشكال والألوان والأحجام، والتي تلبي متطلبات يومية تتمثل في قضاء الأوقات الممتعة، والأنشطة المسلّية وأيضاً الراحة والاستجمام. وانطلاقاً من هذا المنظور، استطاعت نوسباومر أن تزرع روح» المنتجع العائلي «في مكان بديع مخصّص للإجازات القصيرة والطويلة.

ومن أجل تأصيل هذه الفكرة، وظّفت نوسباومر كل العناصر المتاحة لابتكار معادلة فذّة تتوافق مع هندسة معمارية تعود الى ثمانينيات القرن الماضي، فكانت قطع الأثاث المتباينة في أشكالها، المتنوعة في خطوطها ومنحنياتها، والتي تتوزّعها كل مساحات المكان تحدّياً للخطوط المستقيمة بالغة النقاء. كذلك كان اختيار الألوان التي شكّل باليته بديعة تتميز بحساسية متفوقة تؤكد عمق المعرفة بطبيعة الألوان وعلاقاتها الجدلية مع الأمكنة، وتأثيرها في فضاءاتها .


والمنزل الذي يتألف من العديد من غرف النوم وصالات الاستقبال والجلوس والطعام والسينما المنزلية وأيضاً صالات الترفيه والرياضات المنزلية وغيرها من الأركان متعددة الوظائف، استطاعت نوسباومر أن تنشر فيه أجواء من البهجة والمرح بتوزيعها للأعمال الفنية على كل جدرانه والتي جاءت متمّمة لمواصفات قطع أثاث مبتكرة ومختارة بعناية فائقة وموقّعة بأسماء مصمّمين كبار أمثال: جورجيو سوريسي ورالف بوتشي .وبالطبع لم تحصر نوسباومر خياراتها فقط بالأعمال الموقّعة، بل استعانت بقطع نادرة من الأثاث القديم وعملت على تجديده ومنحه روحاً معاصرة. أما مروحة الأقمشة التي اختارت استخدامها هنا فهي من التنوّع اللوني والمادي، ما يشير الى تمرّسها وخبرتها العميقة في هذا المجال، وقد أضفت الأقمشة ذات الموتيفات الغرافيكية أو تلك المطبوعة أو ذات النقوش الإتنية، جواً يعكس روح المغامرة وعشق السفر، وهو ما يتناسب مع منظر المحيط الذي يتمدد حتى داخل بعض الغرف. أما التأمل في ألوان الأقمشة والبُّسط والسجاد، وطغيان الأبيض والأسود على معظم مرافق المنزل، فهو يستدعي التمكّن من توزيع عناصر الزخرفة الداخلية وإقامة توازن دقيق بين كل التفاصيل ووحدتها اللونية والشكلية، والتي تترجم واحدة من مواهب نوسباومر الكثيرة .

كما تجدر الإشارة هنا الى الإضاءة حيث تم المزج بين الإضاءة الداخلية والخارجية، ففي حين أن المصمّمة اعتمدت بشكل كبير على الإضاءة الطبيعية التي تتسلل من النوافذ والواجهات الزجاجية في العمارة المعاصرة، اختارت أيضاً عناصر إضاءة داخلية مميزة تقترب أشكالها من المنحوتات والتي تتناغم ببراعة مع الأعمال الفنية المنحوته والتي تتوزعها كل الأركان.


ولعل من أهم ميزات أسلوب نوسباومر الزخرفي، أنها تلجأ، من أجل إشباع شغفها الخاص، الى مزيج فريد بين القديم والحديث، بين الأصيل والمعاصر، بين الجمالي والوظيفي وبين الداخل والخارج. ومثل هذا الأمر يتطلب الى جانب المعرفة والخبرة جرأة موصوفة. لذا، ليس من المستغرب أن تلجأ الى أعمال وقطع أثاث وعناصر زخرفة أيقونية مثل “كراسي آب” الشهيرة للمصمّم جايتانو بيسي، أو الى ورق جدران للمبدع فيليب جيفريز.

إن التدفّق السلس في توزيعات الأثاث وتنسيق المساحات، يوفر لشاغلي المكان فرصة الاستمتاع بالخارج وهم في الداخل من دون الحاجة الى تعديل الوضعيات. إذ يمنح الداخل الغني بمشهديته الفنية فرصة فريدة للمزج بين الداخل والخارج، بين المبتكر والطبيعي.


وهكذا تكتمل آيات المشهد في توليفة نادرة تؤسّس لنمط زخرفي فريد، مرجعيته ليس في جمالياته فقط وإنما في تحقيقه صلات حدسية بين ما هو ضروري للجسد والروح.

الحيوية التي تنتشر في أجواء هذا المنزل الفخم، تعود الى الأسلوب الاستثنائي الذي تتميز به المهندسة ميشيل نوسباومر التي وُضع اسمها على لائحة أفضل 100 مصمّمة ديكور في العالم، لمجلة «أرشيتكتيرال دايجست» Architectural Digest ، كما كتبت عنها أشهر مجلات الديكور في العالم ومنحتها العديد من الألقاب اللائقة.