معرض الفنانة السعودية سارة إبراهيم الأول.. تحدٍّ للوجود الإنساني المادّي

حوار: فاديا فهد 01 يناير 2024

قدّمت الفنانة السعودية - الأميركية سارة إبراهيم معرضها الفردي الأول بالتعاون مع مؤسّسة “بالي” Bally، تحت عنوان Sometimes We Are Eternal في فيلا هيلينيوم في لوغانو في سويسرا. المعرض تقاطع فريد بين الماضي والحاضر وتعبير عن الطبيعة التحوّلية للفنّ. وهو يشبه استديو للرقص يضمّ تركيبات فيديو وصوراً وصوتاً ومنحوتات، ويطرح تحدّياً لوجودنا المادّي في هذا العالم. مقابلة خاصّة تضيء على أعمال فنانة استثنائية. 


- مَن هي سارة إبراهيم؟

سارة إبراهيم فنانة سعودية، وُلدت في الرياض بالمملكة العربية السعودية عام 1992، وتلقّت تدريبها في مؤسّسات فنيّة مشهورة مثل معهد سان فرانسيسكو الموسيقي، ومدرسة لندن للرقص المعاصر، وجامعة أوريغون للصحة والعلوم. كانت إقامتي في مركز روبرت ويلسون المائي في نيويورك عام 2023، وزمالة البارونة نينا فون مالتزان للفنون المسرحية من المعالم البارزة في حياتي المهنية.

إن التعاون بين مؤسّسة “بالي” وسارة إبراهيم ليس مجرد احتفال بالفن، بل هو أيضاً تجسيد لالتزام المؤسّسة بتشكيل مستقبل لوغانو. ومن خلال تعزيز الحوارات على المستويين المحلي والدولي، تأتي هذه الشراكة بمثابة شهادة على الدور المحوري للمؤسّسة في تشكيل المشهد الثقافي للمدينة.

- كيف تصف سارة إبراهيم أسلوبها الفني؟

أسلوبي الفني هو مزيجٍ من خلاصة أبحاث متنوعة تشمل العلوم والهندسة المعمارية والفلسفة والسينما، والتي تساهم معاً في تعزيز فهمنا لتجاربنا الخاصة من النواحي الداخلية والخارجية والروحية.

- مَن شجّعك على الانطلاق في مسيرتك الفنية؟

حظِي عملي الفنيّ والبحثي الأول بدعم من الفنانة الرائعة فلوة ناظر والقيّمة الفنية وجدان رضا، ليكون جزءاً من معرضٍ جماعي، مما ساهم في مشاركتي وتكليفي لاحقاً بالبينالي الأول في السعودية، الذي أشرفتْ على تقييمه وجدان إلى جانب فيليب تيناري. ولطالما ساهمت والدتي وأختي بإحاطتي بالفنون الحِرفية والموسيقى والرقص والمسرح، واستفدتُ كثيراً من موهبتهما الفنية المميزة، حيث حرصتا دائماً على تجربة التعبير الإبداعي بكل أشكاله.


- ما هو مصدر إلهامك في أعمالك الإبداعية كونك فنانة سعودية لديها خلفية ثقافية في الولايات المتحدة الأميركية ولندن؟

تأثّر أسلوبي الفني بتدريبات الرقص والتاريخ الشفهي للأشكال الفنية التي درستها أثناء نشأتي، بالإضافة إلى المعلومات والخبرات التي اكتسبتها خلال فترة دراستي للطب. وأعتقد أن التأثير المتنوع لثقافات عدة ساهم في توسيع مداركي عن الأجسام وكيفية معاملتها في أماكن مختلفة. وأحببتُ تجسيد كيفية عمل الأجسام في مناطق المدينة أو المناطق البرّية مثلاً في فن العمارة في لندن؛ في حين تحتضن المملكة العربية السعودية خيارات متنوعة لإبداع الأعمال الفنية، لا سيما الأعمال المخصّصة للأماكن العامة. ومن جانبها، تبرز في الولايات المتحدة مواضيع الحزن والشفاء في الأعمال الفنية. كما تأثّرتُ بالفنانين والمبدعين الذين يسمحون للجمهور بدخول التجربة التي يحملها عملهم الفني، والذين يأخذون في الاعتبار مساحة الزائر ورحلته والجهد الذي يبذله. أحبُ أن أقدّم أعمالي كما لو كانت عروضاً، وأتمنى أن يغمر الناس شعورٌ مختلف بعد زيارة العمل، وأن يضيفوا شيئاً لأنفسهم.

- ما أهمية مشاركتك في المعرض الفني لمؤسّسة “بالي” في سويسرا اليوم؟ وما الذي يضيفه المعرض الى مسيرتك الفنية؟

يشكّل العمل مع فيتوريا، المديرة والقيّمة الفنية في مؤسّسة “بالي”، تجربة مُلهمة غيّرت حياتي الى الأفضل. وتكمن أهمية العرض في أن فيتوريا أتاحت لي فرصة الاستفادة من كامل مساحة الفيلا لعرض 10 أعمال تركيبية، حيث زوّدتني بالمساحة والوقت للبحث، وعملت معي على إبداع هذه الأعمال الجديدة الخاصة بموقع المعرض. ونادراً ما تتوافر هذه الفرصة لأي أحد، حيث يمكنني عرض أعمالي ضمن موقع غامر بانسجامٍ تام مع غرف الفيلا.

- هل يمكنك التوسّع أكثر في الحديث عن القطع المعروضة في المعرض؟

لدينا أولاً المنحوتة والفيلم الأدائي بعنوان “قالت بإنه لطالما كان هناك جسدان”، والذي يجسّد مفهوم التوتر الذي نشعر به عندما تنكسر الأشياء الهشّة أو يتغير شكلها. وأردت هنا تقديم مفهومٍ ناعم عن شيء يتغير شكله، فيدخل الجسد في حوار مع جسدٍ آخر ومنظر طبيعي، مشيراً إلى لحظة الولادة أو الموت، أي عندما ندخل العالم أو نغادره. ويتحدث العمل عن البصمة التي يتركها أحدهم داخلنا عندما نراه قد فارق الحياة وتغيّر شكله. يتعاون العمل والصوت على إظهار الرغبة بتغيّر الشكل رغم صعوبة ذلك، فضرورة التحول إلى شيء آخر تلعب دور القوة الدافعة لذلك التغيير. وعملت على إنتاج المقطوعة الصوتية “لا أصوات خاطئة” مع أطفال من بلدتي يتعلّمون الرقص النقري، وساعدتهم في التدريب من خلال منحهم بعض المهام عن كيفية ربط أصواتهم وحركتهم بما سمعوه من حولهم في وقتٍ معين، وبنمط تنفّسهم، ونبضات قلوبهم، وبأصوات المسطّحات المائية المختلفة. وبدلاً من تعليمهم الخطوات التي نؤدّيها معاً، أردت أن أُفهمهم كيف أن الأصوات التي نسمعها ونصدرها تتناغم بحوارٍ داخلي وخارجي جميل، يتنقل ما بين مساحتنا الداخلية والروح والجسد والبيئة المحيطة. ويشكّل العمل الفني الأول للمعرض بعنوان “الصوت الثاني للصدى” ثنائياً يجمعني مع والدي، وهو في أواخر الثمانينات من عمره. ويظهر والدي في العمل وهو يضرب حجرين ببعضها بعضاً لإحداث شرارة من الضوء أو النار، لكنه يتبع إيقاعاتٍ يختارها بنفسه، والتي تبدأ بالانسجام مع إيقاع تنفّسه ونبض قلبه وإيقاعات جسده بصورةٍ عفوية. أما أنا فلا أضرب إلا بإيقاع نبض قلبي الذي كان نبض أبي وأمي قبل أن أرثه منهما. وبهذه اللحظة الوجيزة تتداخل أجسادنا عبر الزمن لتبدع تركيبة فريدة، كان فيها هذا النبض مُلكاً لوالدي فقط، وفي المستقبل قد يكون مُلكي وحدي. ويشكل العمل الفني الأخير في المعرض، بعنوان “قال إنه لا بد لنا من النسيان”، فيلماً مؤلّفاً من قناتين، وتم إنتاج معظم مشاهده باستخدام كاميرات تناظرية مقاس 16 ملم طوال فترة البحث في العرض. ويتناول العمل الفكرة الرئيسة الموضّحة في الفصل الأول من كتاب “ميتامورفوسيس” لإيمانويل كوتشيا، حيث يركز على مفهوم النسيان في حياة البشر، وأن ولادتنا هي أول شيء يجب أن ننساه حتى نتمكن من المُضي قُدماً في تكوين أنفسنا. ورسمتُ كل جزء من الفيلم يدوياً لإنشاء فصل ثانٍ، حيث تبدأ الأفلام في حجب الذكريات ومحوها وطمسها، وتنتهي بعدم التأكد مما تم تخيّله أو تذكّره.


- هل تخطّطين لعرض أعمالك في المملكة العربية السعودية؟

نعم، أحب عرض أعمالي في المملكة العربية السعودية والعمل على مشاريع هناك. ومن المهم جداً بالنسبة إليّ أن أكون جزءاً من المجتمع السعودي الذي ينمو بطريقة جميلة. وتُعرض أعمالي حالياً ضمن معرض “نور الرياض”، وسيتم عرضها بتكليف عام في مؤسّسة “فيلا الحجر” في العُلا خلال شهر نيسان (أبريل) المقبل.

- ما هي طموحاتك في مجال الفن؟

أسعى لمواصلة ممارساتي الفنية بكل الوسائط، والعمل مع أشخاص رائعين على مشاريع مختلفة لترك انطباع لدى الجمهور والمجتمع. وأتطلع في العام المقبل للعمل على أول فيلم سينمائي خاص بي.