مريم البلوشي... قصة نجاح عمادها الهندسة والكتابة والفن

حوار: جولي صليبا 06 يناير 2024

مريم البلوشي، شخصية إماراتية متعددة المواهب، بين الكتابة والهندسة والفن. بدأت مسيرتها المهنية في هندسة البيئة بالطيران المدني، حيث كانت أول امرأة إماراتية وعربية تدخل هذا المجال عام 2006. إلى جانب دورها في المجال الهندسي، أنشأت مؤسّسة في الإمارات وهي تشغل منصب رئيسة مفاوضي ملف التغير المناخي لقطاع الطيران.


- كاتبة وفنانة خط، مهندسة كيميائية، خبيرة في تغير المناخ، مدير قسم البيئة في الهيئة العامة للطيران المدني، ورئيس مفاوضي ملف التغير المناخي لقطاع الطيران... أي مجال هو الأحب إلى قلبك ولماذا؟

الكتابة هي منطلقي الأول في الحياة، وقد بدأت بالكتابة منذ أن كنت في المدرسة، ثم تعلّمت أصول الخط العربي الذي تألقت فيه قبل تخصّصي في الهندسة، وبعدها دخلت عالم البيئة وتغير المناخ. الحرف العربي هو متنفّسي وعالمي الذي ألجأ إليه للتخلص من ضغوط العمل، والكتابة جعلتني أعرف نفسي وأؤثر إيجاباً في حياة الآخرين.

باختصار، أنا إنسانة مأخوذة بحب الكلمة، والكتابة تجري في عروقي وأعبّر من خلالها عمّا يعتريني من مشاعر وحالات... وأطمح لأن أكون سفيرة الحرف عالمياً وإدخاله الى العلامات العالمية، وأسعى لأن أغيّر الكثير في أسلوب طرح اللوحة الخطّية مستقبلاً، وهو ما قدّمته في تعاوني مع دار «فان كليف» العالمية في عام 2020 وشركة «بي أم دبليو»، ضمن احتفالات اليوبيل الذهبي للدولة. كما أنني مؤلّفة وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة «الخليج».

- كيف اكتشفتِ شغفك بالخط العربي؟

كنت في الثالثة من عمري حين اكتشفتُ شغفي بالخط العربي. ذات يوم أعطاني أحد أبناء عمّي كرّاس الخط العربي الذي كانوا يدرّسونه في المدرسة. كنت طفلة مشاغبة قليلاً، وعندما أمسكت بالكرّاس لم أكن أعرف الألفباء، لكنني أحببت أشكال الحروف ورحت أقلّدها وأنسخها. وحين دخلت المدرسة، بدأت أتعلّم اللغة العربية وأنواع الخطوط، ولطالما راودني سؤال: هل يمكن أن يكون خطّي جميلاً يوماً ما؟ كنت أسعى لذلك، إلى أن قررت في المرحلة الثانوية التخصّص في الخط العربي، ورحت أدرس وأتدرّب كل صيف، بدءاً من النسخ إلى الرقعة ثم الديواني. وفي بداية المرحلة الجامعية، علمتُ أن هناك معهداً لتعليم الخط العربي في الشارقة أُنشئ عام 2003، فالتحقت به. ولكن دخولي ميدان العمل بعد أن تخصّصت في الهندسة الكيميائية ونلت الماجستير في علوم البيئة دفعني لاتخاذ قرار بالتخلّي عن موهبتي هذه. كنت أحاول إقناع نفسي بأن الدراسة والوظيفة أهم، وفي الوقت نفسه أشعر بالحزن لعدم ممارسة هوايتي في الخط العربي طوال 6 سنوات، الى أن قررت العودة الى هذه الهواية في عام 2009 بتشجيع من أستاذي محمد النوري.

- تقولين إن الخط هو انعكاس لشخصيتك وظروفك وحبّك للحياة من خلال الورق والألوان...

أخبرينا أكثر عن ذلك. الخط العربي بالنسبة إليّ هو تتويج لمرحلة من الدراسة والاكتشاف الذاتي. ففي الماضي كنت أمتهن الخط كأساليب وأشكال، أما اليوم فقد بدأت شخصية الكاتبة تفرض نفسها على الخط، وأصبحت أرى نفسي وبكل ثقة فنانة القصة، فنانة تسرد قصصاً من خلال الحرف العربي، وهذا تجلّى في عدد من أعمالي ذات الأثر، وبينها: لوحة «القهوة» 2015، التي تُعرض الآن في البرازيل وتلقى رواجاً كبيراً لدى الشعب البرازيلي لارتباطها بتاريخ القهوة لديهم، ولوحة «زايد» 2018، التي تحكي عن التعايش... وهناك عمل قيد التنفيذ ذو معنى إنساني نبيل.

- وزارة الخارجية الأميركية اختارتك لتمثيل دولة الإمارات في برنامج «القادة الزائرين الدوليين» عام 2019. ما أبرز ذكرياتك عن تلك التجربة؟

الاختيار بحد ذاته لأمثّل دولتي الإمارات هو شرف كبير لي ومدعاة فخر... التجربة كانت مختلفة، فلأول مرة أخرج من محيط المنطقة العربية لألتقي بنساء قياديات من كل دول العالم. كنا 50 امرأة من مختلف الأقاليم والمناطق الجغرافية، وأصبح لي صديقات وزميلات كثيرات من بينهنّ، والذي لا أنساه كيف أن النظرة إلينا كانت في البداية مجحفة، وأننا نساء مدلّلات كل شيء ميسّر لنا ولا نتعب للحصول عليه. وبعد انتهاء البرنامج، أبهرني احترامهم الكبير للفتاة المحجّبة المتعلّمة، وهذا أكد لي أن البرنامج يستأهل التعب والجهد الذي بذلته خلاله. فالبرنامج علّمني كيف أحكي قصّتي، وأن قصتي تستحق أن تُروى، وأن هناك كثيرين سيتعلمون من أبسط ما فيها.

- تعاونتِ مع دار «فان كليف إند آربلز» في العام 2018، ماذا أضافت التجربة إلى مسيرتك؟

كانت تجربة مختلفة تماماً استقيتُ فيها إلهامي من قيم الشهر الفضيل، شهر السكينة والسلام والمحبة والتواصل، وبحثت خلالها عن سبل مزج هذه القيم مع هوية هذه العلامة الشهيرة لتثمر عن تعاون أساسه الحب والفرح والاحترام والتواصل بين الفريق. وكان ذلك في غاية الأهمية بالنسبة إليّ كفنانة، وفرصة لاستكشاف المزيد من طاقتي الكامنة.

تجربة «فان كليف» غيّرت نظرتي الى فني وأعمالي، وجعلتني أحترم مسوّداتي أكثر، فهذه الدار تعتز بالمسوّدات وتعاملها كالقطعة الأصلية، فهي الأساس والتفاصيل تعني الكثير. ولا أبالغ إذا قلت إن التجربة جعلتني أدرك أن قيمتي الإنسانية في ما أقدّم من قصص ورسائل في أعمالي أهم بكثير من أن أنتج أعداداً عشوائية تتميز بقوالبها وأشكالها فقط.

- كيف توفّقين بين حياتك الشخصية وتلك العملية؟

لن أدّعي المثالية، أحياناً أجد صعوبة في ذلك، وأحاول الموازنة بين الأمور، لكن تبقى الأولوية لعملي على حساب حياتي الاجتماعية.

- ماذا تقولين للمرأة الإماراتية التي أثبتت نفسها في كل المجالات وتقلّدت أهم المناصب؟

أقول لها: لا تنسي نفسك، فالحياة جميلة، وكل ما وصلنا إليه من تمكين في كل المجالات هو بفضل الله ثم قيادتنا الحكيمة، ودولتنا الإمارات تستحق منا التضحيات، وأنا أفتخر بكل امرأة تعيش الحلم وتسعى لتحقيقه فيكون إنجازاً عظيماً في مسيرتها.


- ماذا عن مشاركتك في «مهرجان الإمارات للآداب»؟

أعتز دائماً بمشاركتي في هذا المهرجان، وأشكر القائمين عليه. ولكوني أنتمي الى قطاع الطيران، أفخر بطيران الإمارات التي حققت توازناً في دورها في المجتمع الأدبي الثقافي في الإمارات وعالمياً. لكن مشاركتي هذه المرة كفنانة مختلفة، وأتمنى أن تكون مرآة للمجتمع عني ليعرف أن الحرف العربي هو رسالة عالمية من خلال الخط العربي وقصصي.

- قدوتك في الحياة؟

جدّتي رحمها الله، كانت امرأة قوية تعطف عليّ، وكانت لي الحياة. كم أشتاق إليها اليوم وأريدها في كل نجاحاتي. جدّتي ستبقى أساس نجاحي وسبب وجودي بعد الله في الحياة.

- أمنية تودّين أن تتحقّق...

أتمنى أن أكون بخير، وأن أكتب روايتي الأولى بمشاعر إنسانية، فأنا في الأصل كاتبة قصة، والقصة ستبقى في داخلي ما حييت.