الممثلة اللبنانية تقلا شمعون

مقابلة, مسلسل, تقلا شمعون

10 أبريل 2012

«تقلا بتسوى تِقلا» عبارة سمعتها من سيّدة لبنانية تشاهد مسلسل «روبي». هي فعلاً كذلك، فالممثلة اللبنانية تقلا شمعون تؤدي اليوم دور الأم المتأرجح بين الحنان وعمق العاطفة المسؤولة. لقاء مع «أم روبي» التي تسلّلت إلى القلوب باستئذان درامي استثنائي.


- أي مرحلة تعيشها تقلا شمعون في الدراما اللبنانية اليوم؟
لا أعيش مرحلة جديدة مع كل تجربة درامية أخوضها. لا يمكن تعريف هذه المرحلة، لكن ما يمكن قوله إن دوري في «روبي»  وما هو واضح وظاهر للعيان في عمل «روبي» تشاهده نسبة كبيرة من العالم العربي. وهذا ما يعدّ تقويماً لي وللعمل. ولا أجد نفسي مضطرة للتعبير عما لمسه المشاهد والنقاد في تجربتي التي يتمناها كل ممثل لبناني لناحية التسويق العربي لصورته.

- كانت لك تجارب عربية سينمائية ودرامية ولكن لم تحقّق لك هذا الإنتشار...
حتى الأعمال السورية لم تكن تحقّق انتشاراً، وكان الأكثر تسويقاً هو المسلسل المصري. كان الممثل السوري يعاني عدم تسويق صورته في الخليج. ما زلت أذكر الأحاديث التي كانت تدور بيني وبين الممثلة السورية ليلى جبر (خلال تصوير فيلم «ناجي العلي»). كانت تشكو من عدم عرض الأعمال السورية في مصر، تماماً كما يفعلون على الشاشات السورية. في تلك المرحلة، كان الممثل السوري مغموراً. عرض لي مسلسل «الجامعة» على شاشة «إم بي سي»، لكنه لم يؤمن لي كثافة الإنتشار الذي حقّقته في «روبي» لدوري المكتوب بعمق والفاعل في الأحداث والحلقات الممتدة.

- كيف تصفين هذا الدور، «عليا» أو «أم روبي»؟
الحنان والعاطفة والنبل والكرامة وعزة النفس، تعلّق المشاهد بصورة «الأم» التي قدمتها «عليا».

- كمشاهدة وبعيداً دوراً عن دور الأم، كيف تقوّمين شخصية «روبي»؟
«روبي» هي شخصية جديدة لم نعرفها في الدراما العربية. فالبطلة الجميلة بمفهومنا هي من تتوافر فيها مواصفات الخير ولا تخطئ، كأنها لا تنتمي إلى هذا العالم ولا ينقصها إلاّ جناحان. تكتب شخصيتها ليتعلّق بها المشاهد ويحبها ويتخذها مثالاً يحتذى به، بعلاقتها مع والدتها وحبيبها وأصدقائها وكأنها لم تعد كائناً من لحم ودم. أرجو أن يدرك المشاهد هذا الجانب من المسلسل. فهذا العمل شكّل ثورة على صورة البطل، فنحن نستاء من سلوك «روبي» التي اشترت فستاناً غالي الثمن ووالدتها لا تقوى على تسديد قيمة أدويتها. «روبي» هي إنسان ضعيف تقوده هواجسه وأنانيته. هي تكتشف الحياة وفي خلفيتها العائلية ماضٍ مؤلم جداً ثارت عليه. توفي والدها وهي صغيرة وهي ابنة زواج ثانٍ، عائلة والدها الثرية لا تعرف بوجود والدتها ووجودها هي وشقيقها.

هي فتاة تشعر بالقرف من وضعها المادي. تطالب بحقها ولكن تصنع واقعها الجميل بأي وسيلة. وهنا يبرز تحدي الإنسان لوجوده على الأرض، هي شخصية عميقة جداً. كل إنسان في مكان ما ثائر على واقعه بأسلوبه. ثارت «روبي» على الظلم. هدفها جيد، تطالب بحقها وحق عائلتها بأي طريقة. والدتها تقول لها إنه لا تصح المطالبة بالحق بأي وسيلة وأن علينا التكيّف مع ما كتبه الله. «عليا» و«روبي» شخصيتان حقيقيتان تلتقيان وتتعارضان في الوقت نفسه. «روبي» صورة جديدة لمفهوم البطولة في الدراما العربية.

- ثمة مفهوم آخر للبطولة في الدراما العربي أيضاً، «البطولة الجماعية»...
لطالما عمد كتّاب الدراما إلى التركيز على شخصيتين، دون سرد حكاية أو قصة أو معاناة 40 ممثلاً شاركوا في العمل. كان التركيز يقتصر على بناء شخصية العاشق والعاشقة، أما في «روبي» فثمة قصص عدّة وخطوط درامية عدّة تفرضها حلقات المسلسل التسعون. كل ممثل بطل بحكايته، وفي مكان يسلّط الضوء عليه. جذبتني كثيراً شخصية نور (الممثلة نور هلال) التي تؤدي دور ابنة رجل فقير يهب كليته. تعلّقت بحكايتها. هي ممثلة شاطرة وحقيقية. شعرت فعلاً بأنها تنتمي إلى بيت فقير.

- كيف تقوّمين تجربة البطولة النسائية اللبنانية مع الممثل السوري مكسيم خليل والمصري أمير كرارة وبالتأكيد الممثل اللبناني القدير فادي ابراهيم؟
لقاء جميل. وفكرة جميلة، هذا المزج بين المصر والسوري واللبناني الذي نشهده أخيراً. قد نكون هذه المرة أكثر سعادة وكأننا استدعينا مصر وسورية إلينا، خصوصاً أنني ممثلة لبنانية وقد عهدنا اللبناني ضيفاً على الأعمال الدرامية العربية. جاء دورنا، وكأننا أصحاب الدعوة اليوم. يفرحني هذا الأمر.

- هل «تنفّست الدراما اللبنانية الصعداء» بعد «روبي» («روبي» دراما عربية ولكن تسيطر عليها الأجواء اللبنانية)؟
هذا تقويم مفتعل، فسبق أن تنفست الدراما اللبنانية الصعداء عبر أكثر من عمل بمستوى فني جيّد.

- أقصد انتشاراً...
بالتأكيد. «روبي» هي الإنتشار الأوسع. وأنطلق من دوري لشخصية الأم التي لقيت صدى إيجابياً وإعجاباً بأدائي لدى المشاهد اللبناني والسوري والمصري والخليجي. أُشاهَد في كل الوطن العربي. وأهمية هذا المسلسل أنه يعرض على أكثر من شاشة.

- عرض هذا المسلسل عام 2006 مدبلجاً بنسخته المكسيكية. هل تابعته أو شعرت بفضول مشاهدة شخصيتك (أم روبي)؟
لا. لم أتابعه، رغم أنني كنت أعمل في مجال الدبلجة. لم أشعر بأي فضول لمشاهدة شخصيتي (تضحك). قد يؤذي الممثل هذا الأمر، فعليه أن يؤدي نصه ويدخل موقع التصوير  Fresh دون أي فكرة مسبقة. الشخصية تولد على منصة التصوير.

- ما الفرق بين عدسة المخرجين اللبناني سمير حبشي والسوري رامي حنا؟
الإثنان أكاديميان ومتفوقان، أنا سعيدة لأنني تعاونت معهما. عملهما نتاج قراءة درامية معمّقة للنص ويتقنان جيداً إدارة الممثل. هما من مدرسة واحدة، رغم أن سمير حبشي قادم من عالم السينما ورامي حنا يملك لغة وإطارات سينمائية رغم أنه يصور Soap Opera.

- في عصر الإنتشار والفضائيات، هل خفّ وهج الحلم السينمائي؟
لا. وأظن أن السينما اللبنانية تعيش عصرها الذهبي.

- بعد نادين لبكي؟
لا يمكن أن ننكر أن نادين عنصر مساهم، وشكلت - إلى جانب أسماء أخرى - خطوة مهمّة مع «كاراميل» في عالم السينما. نلحظ أن ثمة أعمالاً سينمائية عديدة تصوّر بعد أن كان الفيلم اللبناني محطة سنوية في الصالات. السينما اللبنانية إلى تطوّر وتكسب ثقة المنتجين. الممثل الذي يحّقق نجوميته على الشاشة الصغيرة مطالب ومرغوب فيه في السينما.

- في مشروعك الدرامي التالي «أحمد وكرستينا» ستلتقين مجدداً سيرين عبد النور والكاتبة كلوديا مارشيليان...
نعم، وسمير حبشي إخراجاً و«مروى غروب» إنتاجاً. يروي قصة حب تجمع بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، تدور الأحداث بين منطقة جبلية وبيروت في فترة الخمسينات والستينات. لم نبدأ التصوير بعد، خصوصاً أننا لا نزال نصوّر حلقات «روبي».

- أين يقع منزل «أم روبي» في لبنان؟
في الأشرفية (كرم الزيتون).

- هل برأيك يعود نجاح «روبي» إلى طرحه فكرة بعيدة الحرب والطائفة، ما قد يبرر تعلّقنا بالدراما التركية أو المكسيكية في ما مضى من جهة أخرى؟
ما هي الفكرة التي طرحها مسلسل «روبي»؟ في كل عمل درامي، نعالج مسألة الفقر والثراء و»الضحايا». قد نكون دخلنا إلى شارع الفقير أكثر في «روبي». بالنهاية، مواضيع الدراما هي بعدد الأصابع لكن السر يكمن في المعالجة الجديدة. يعود سبب نجاح «روبي» بالدرجة الأولى إلى السيناريو الجميل والحوار الرائع القاطع للأنفاس. لقد اطلعت على السيناريو بالكامل ولم أكتفِ بقراءة دوري. أتابع المسلسل وأتفاعل مع أحداثه وهذا مردوده إلى عناصر ثلاثة: النص والإخراج والممثل. وقد  وفّر الإنتاج الشروط الجيدة لنجاح هذه العناصر. هو عمل متكامل والأخطاء فيه شبه معدومة.

- ماذا تقصدين بالأخطاء؟ قرأت لك تصريحاً ورد على لسانك: «روبي أنهى حالة كان فيها الفنانون اللبنانيون دخلاء على أعمال الدراما العربية» وقد عنون الحوار بأنك قصدت «التطفّل» بعبارة دخلاء.
لم أقصد ذلك أبداً. بل أعني أن الممثل اللبناني كان مغموراً بالنسبة الى العالم العربي وكان يعتبر أقل أداء بالنسبة الى الممثل السوري أو المصري. وهذا غير صحيح، فنحن نعاني سوء تسويق فقط لا غير. بات الممثل اللبناني من صلب الدراما العربية ولم يكن يوماً متطفلاً عليها. كلمة تطفل مضحكة.

- لكن الشاشة اللبنانية ألم تكن باباً لغير الموهوبات وسأستخدم كلمة «متطفلات»؟
في كل عمل، ثمة تفاوت في الأداء. ومن الطبيعي أن يدخل إلى هذا الوسط غير المتخصصين وهذا وارد في كل دول العالم. ثمة من أثبتوا جدارتهم وكانوا أهم ممن درسوا هذا المجال. في النهاية، التجربة فرصة للجميع خصوصاً أمام الشاب الجميل والمرأة الملفتة. قد يفرضون موهبتهم وجدّيتهم أو يعرضون نفسهم للحرج. الأهم هي القدرة على الإستمرار. المتطفل سيتعرّف على نفسه بنفسه بعد التجربة.

- هل ستنجح الدراما اللبنانية على منافسة المصرية والسورية والخليجية اليوم ملتزمة بمحلّيتها؟
مسألة مهمة أن تدخل الدراما اللبنانية إلى البيوت العربية. فعصر الفضائيات يغفل هويتك ويصبح الممثل عربياً. أنا مع الإنتاج العربي الجامع دون أن نفقد خصوصية وهوية كل بلد عربي. على اللبناني أن يتكلّم عن قضاياه كذلك المصري والسوري... وألاّ نتطرق إلى القصص الخيالية و«روايات عبير». أنا مع خصوصية المجتمعات العربية.

- ما القضية التي تشغلك كممثلة لبنانية؟
المرأة المتزوجة والعاملة والمسؤولة في منزلها، التي تساعد في تسديد قسط طفلها والفواتير. لم تعالج الدراما اللبناني هذا الموضوع بشكل صحيح. هذه أزمة طارئة، خصوصاً أن العلاقة بين الرجل والمرأة تتأثر غالباً نتيجة هذا الواقع. يجتاحنا الفقر جراء الأزمة الإقتصادية. كذلك هناك مسألة هويتنا الشرقية التي نفقدها يوماً بعد يوم والتعليم في لبنان الذي يواجه أزمة أخلاقية، لم تعد للأستاذ مكانته. لم تعد فكرة «الكبير» واردة في المدرسة والحياة، نعيش واقع «اللا مرجعية».

- سؤال  أخير، من هي الشخصية التي تأثرت بدورها في «روبي»؟
تأثرت بـ «عليا»، بدوري (تضحك). من أدى هذا الدور؟ كلٌّ بدوره رائع. لكنني تعلقت بعلاقتي بالممثلتين بياريت قطريب وسيرين عبد النور (ابنتيّ). أحيي كل ممثل في هذا العمل، مع الممثل مكسيم خليل (بدور عمر)، شعرت بأننا استعدنا الممثل العربي والبطل الرومانسي الذي تعشقه كل فتاة وتحلم بأن يكون حبيبها.