الحِرف اليدوية ومواجهة الاندثار بالازدهار

جولي صليبا 29 أبريل 2024

الحِرف اليدوية والصناعات التقليدية هي بلا ريب نتاج حضاري لآلاف السنين من التفاعل الحي بين المجتمعات المحلية وتلك الدولية، وهي مكوّن أصيل للذاكرة الحضارية، ورصيد مخزون للخبرات الحياتية والإمكانات المتاحة داخل كل مجتمع محلي. وتضمّ الصناعات التقليدية تراثاً غنياً تتناقله الأجيال، مع بعض التحسينات الطفيفة في كل جيل استناداً إلى الإمكانات المتوافرة والخصوصيات الحضارية. إلا أن الصناعات التقليدية اليدوية تكافح الآن للصمود والحفاظ على ازدهارها، ولذلك عمدت بعض المجتمعات العربية إلى اتخاذ خطوات عملية تحمي الحِرف اليدوية من الاندثار.


KSA

تبذل المملكة العربية السعودية جهوداً حثيثة للحفاظ على الحِرف اليدوية، وركزت في رؤيتها 2030 على الأهمية الاستراتيجية للتراث الثقافي السعودي والإسلامي، فتعمل هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة على تعزيز هذه الاستراتيجية من خلال تطوير الحِرفيين والوصول بمنتجاتهم إلى العالمية.


تشتهر كل منطقة سعودية بحِرف يدوية معينة تتوارثها الأجيال وتواظب على ممارستها بحسب توافر الخامات الأولية. فعلى سبيل المثال، تشتهر صناعة الخوصيات في مناطق زراعة النخيل، والحُلي والمجوهرات في المناطق الساحلية، والعطور في المناطق الزراعية، وتتمثل أبرز الحِرف التقليدية في السعودية في المشغولات الخشبية اليدوية والنخيلية والمعدنية والفخارية والجلدية والنسيج والحُلي والمجوهرات والتجليد والتذهيب...


ولمواجهة خطر الاندثار، أُقيم العام الماضي الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية (بنان) بمشاركة أكثر من 300 حِرفي من 11 دولة حول العالم. اجتمع الحِرفيون تحت سقف واحد لتسليط الضوء على الحِرف اليدوية ودعم الحرفيين وتمكينهم، وإبراز أهم المهارات التي يتقنونها.


وقد سلّط هذا الحدث الاستثنائي الضوء على الحِرف اليدوية التي تجسد تنوع الثقافات، وتبرز العادات والتقاليد المحلية وتعرّف بتراث السعودية الغني بالمشغولات والمصنوعات اليدوية. وكان الهدف الأساس للأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية (بنان) التعريف بالتراث السعودي وإلقاء الضوء على عراقة وأصالة الحِرف اليدوية السعودية، وحماية الموروث البشري من الاندثار والضياع، عبر إعادة تقديمه بشكل معاصر ومنافس في السوقين المحلية والدولية.


EGYPT

على الرغم من الهجمة الشرسة للمنتجات الصناعية رخيصة الثمن، تستمر الحِرف التراثية التقليدية في النضال من أجل البقاء على قيد الحياة في مصر. وقد أُنشئت غرفة صناعة الحِرف اليدوية التابعة لاتحاد الصناعات المصرية بهدف الحفاظ على الحِرف اليدوية المصرية ودعمها وتطويرها. فصناعة الحِرف اليدوية من أهم القطاعات الاقتصادية في مصر، لأنها تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي للدولة. وتُعدّ الحِرف اليدوية من الصناعات الموغلة في القِدم، وقد تم تطويرها وتعزيزها على مر العصور لتصبح جزءاً مهماً من الثقافة والتراث الوطني. كما أطلق صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية مبادرة «صنايعية مصر» لإعادة الِحرف التقليدية والتراثية إلى دائرة الضوء والعمل على تأهيل جيل جديد من «الصنايعية». وهذه المبادرة تحوي ورشاً تدريبية على أعمال قديمة، ويتم منح المتدرّبين شهادة معتمدة بعد فترة التدريب التي تمتد لثمانية أشهر بين مواد نظرية وعملية وتطبيقية.


UAE

تحظى الحِرف والمهن التراثية التقليدية باهتمام بالغ في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبات الحفاظ عليها عملاً مؤسّسياً راسخاً مرتكزاً على التخطيط الجيد، وإعداد الكفاءات الوطنية المؤهّلة وتزويدها بما يلزم للحفاظ على هذه المهن، والترويج لها لما تمثله من قيمة كبيرة في ثقافة أهل الإمارات وذاكرتهم.


عشرات الحِرف التقليدية لا تزال حية في المجتمع الإماراتي، ولا سيما صناعة السيوف والخناجر، والتلي، والحبال، وتجريد الخوص، وغزل الصوف، وقرض البراقع، والنجارة وصنع اليازرة، والقراقير، والسفافة، والسفن، والعطور، والسدو، والدخون، والحلوى، والأطباق الشعبية وغيرها الكثير. وتقيم الإمارات العديد من الفعاليات الثقافية التي تنظّمها جهات مثل نادي تراث الإمارات، ومهرجان قصر الحصن في أبو ظبي، والمهرجان الوطني للحِرف والصناعات التقليدية في العين، ومهرجان ليوا للرطب، ومعرض أبو ظبي الدولي للصيد والفروسية. كما تستضيف إمارة الشارقة منذ عام 1993 «بنيالي الشارقة» الذي تنظّمه مؤسّسة الشارقة للفنون، وهي احتفالية تعمل على مد جسور التبادل الثقافي بين الفنانين، والمعاهد، والمنظّمات المعنية بالفن على المستويات: المحلي والإقليمي والعالمي.


JORDAN

يتمتع الأردن بتراث ثقافي غني اجتذب السيّاح من مختلف أنحاء العالم بفضل خصوصية الموقع الجغرافي والجيولوجي والتاريخي والمناخي والديني... وتسعى المملكة إلى المحافظة على هذا الإرث ليصل الى الأجيال القادمة من خلال الفنون الفولكلورية التقليدية والشعبية، مثل المطرّزات والنسيج والحفر على الخشب وخشب الزيتون والنحاسيات والخزف والفخاريات والجلود والفرو وصياغة المجوهرات التقليدية والأحجار الكريمة والخناجر والسيوف والفسيفساء الحجري والزجاج والرمل الملوّن وغيرها... وتُعدّ «مؤسسة نهر الأردن»، التي أسّستها الملكة رانيا العبدالله، رائدة في المجال التنموي وتعزيز المهارات في إنتاج الصناعات اليدوية التقليدية، وبناء القدرات في مجال إدارة المشاريع وتطويرها. وفي كل عام، تقيم المؤسّسة معرضاً للحِرف اليدوية حيث يتمّ تقديم العديد من الحِرف والمشغولات اليدوية، وبالتالي تشجيع المواهب ورعايتها وحماية الصناعات التقليدية من الاندثار.


QATAR

تتميز قطر بثراء تقاليدها في الفنون والحِرف اليدوية، بدءاً من كونها مركزاً لصناعة الصبغة الأرجوانية إلى تميّزها بالمنسوجات الفريدة والفخار وروائع المجوهرات. وتعمل الدولة منذ سنوات على إحياء تراث البلاد من خلال مجموعة من الفعاليات والمبادرات، وتجديد الأسواق القديمة التقليدية، وتشجيع الحِرف الفنية التقليدية، مثل الخط العربي وصناعة الفخار والنقش على الجبس وحياكة السدو وسف الخوص وفن التطريز وغيرها... وأطلقت متاحف قطر «مبادرة النجادة» في سوق واقف التراثي، الذي يوفر مختلف السلع التقليدية والمشغولات اليدوية، ليصبح من أفضل الوسائل للتعريف بحياة قطر القديمة بأسلوب معاصر. هذه المبادرة هي خطوة لتخليد الموروث القطري وتشجيع المبدعين والحِرفيين للمشاركة في هذا الفضاء الإبداعي، وبيئة مناسبة للتفاعل والتعاون بين الحِرفيين التقليديين، والفنانين المعاصرين، والمصمّمين، والصنّاع. وتتيح هذه المبادرة العديد من الإمكانيات للمشاركين فيها من المبدعين الناشئين والمتمرّسين الذين يركزون على الحِرف الجديدة الآخذة في النمو بالدولة الخليجية، وهي تشمل: الحياكة، وتصميم المجوهرات، والخزف، والفخار، وصناعة العطور، وصناعة الزجاج، والأزياء، والمنسوجات.