حياة سندي

مقابلة, المرأة السعودية / نساء سعوديات, عضوية مجلس الشورى, حياة سندي

01 مارس 2013

حضر اسمها ضمن 30 إمرأة تم تعيينهن في مجلس الشورى السعودي لدورته السادسة، بعد تعديل المادة الثالثة من نظام المجلس بما يتيح تمثيل المرأة فيه بما لا يقل عن 20 في المئة من عدد الأعضاء. ثمة علامات استفهام حول اسم العالمة السعودية حياة سندي وما يمكن أن تضيفه إلى مجلس الشورى. فهي إمرأة تركت السعودية من أجل السعودية، بحسب قولها، لتتعلّم وتدرس وتبحث وتصنّف ضمن علماء العالم الهادفين إلى خدمة الإنسانية. غادرت السعودية بإمكانات علمية ومادية بسيطة لتبدأ رحلتها الطويلة في مجال العلوم، بعد سنتين من المحاولات لإقناع والدها بالسفر، لحبها لعلم الأدوية وشغفها به. بدأت دراستها في جامعة كينغز كولدج في لندن، ثم حصلت على منحة لدراسة الدكتوراه في جامعة كامبردج البريطانية  حيث حصلت على الدكتوراه في التقنية الحيوية. عملت كأستاذة زائرة في جامعة هارفرد الأميركية للعمل على توثيق الصلة بين العلم والعمل الاجتماعي، وحققت العديد من الاختراعات العلمية التي ذاع صيتها عالمياً. أسست «معهد التخيّل والبراعة» الذي تسعى من خلاله إلى المحافظة على الكفاءات العلمية والمخترعين، واختارتها اليونيسكو سفيرة للنوايا الحسنة للعلوم عام 2012، كما صنفت ضمن 150 إمرأة ملهمة وشجاعة في العالم في العام نفسه.  فهل ستتخلى سندي عن أبحاثها ومختبراتها ومشاريعها من أجل مجلس الشورى؟ سؤال أجابت عنه وعن سواه في حوار مطول مع «لها».


- لنبدأ بالخبر الأحدث، كيف استقبلت خير تعيينك عضواً في مجلس الشورى؟
كنت في أميركا، وكان الوقت مبكراً، كانت مفاجأة كبيرة جداً عندما رن الهاتف، والحقيقة لم أصدق للحظات. جاءني اتصال من الديوان الملكي وقال: معك خالد التويجري رئيس الديوان الملكي. بداية لم أصدق، ثم قال: لقد تم ترشيحك لعضوية مجلس الشورى، ولا يمكنك الإعلان عن الخبر حتى صدوره رسمياً.

- هل كنت تعلمين أنك من المرشحات قبل أن تتلقي الخبر أم أنه كان مفاجأة؟
لم تكن لدي أي فكرة عن الموضوع إطلاقاً، وبعد المكالمة أسرعت إلى جهاز الكومبيوتر وبحثت عن مجلس الشورى لأفهم دور دخول المرأة الجديد، وما يمكن أن يطلب مني، وكيف يمكن أن أخدم فيه وأضيف إليه.

- ما أول فكرة طرأت في بالك؟
سألت رئيس الديوان ما المطلوب مني تحديداً؟ فأجاب أن ثقة الملك، خادم الحرمين، بك واختياره لك دليلان على دورك الفعال للوطن. وفي الوقت نفسه أكد لي أنني سأتمكن من مواصلة أبحاثي وعملي إضافة إلى وجودي في مجلس الشورى. أول فكرة جاءت في بالي: «كيف يمكن أن أخدم وطني ومجتمعي؟».

- عندما حصلت على جائزة مكة للتميز قلت: «لقد باتت المرأة قريبة جداً من المشاركة في صنع القرار»، هل كنت تعرفين أم أنك كنت تتوقعين؟ أم أنها كانت مجرد أمنية عبرت عنها؟
كان ذلك في 2010، وعلّق على هذه الكلمات الكثير من الناس. الحقيقة كنت دائماً أطالب بوجود المرأة في مراكز صناعة القرار، لتتمكن من اقتراح الحلول واتخاذ القرار من وجهة نظرها كإمرأة، فهى لها طريقتها في حل المشاكل والتعبير عنها، وبالتالي فهي توجِد البيئة المناسبة لتطبيق القرارات.  مثلا عندما صمموا الـ Air Bag «كيس الهواء» الخاص بالسيارات، كان أصحاب القرار رجالاً، وأدى ذلك إلى حوادث بشعة للنساء والأطفال، ولكن عندما كانت المرأة ضمن فريق صناعة القرار لتصميم السلامة من ناحية الأكياس الهوائية، فكرت في زوجها وطفلها ونفسها، وفكرت في الأسلم للجميع. فهذه القصة تعبر عن طبيعة المرأة التي تفكر في جميع أفراد أسرتها وفي المجتمع ككل، فهي مكملة للرجل. ويمكنها أن تطبق ذلك على كل القضايا الخاصة بمجتمعها إذا كانت في مراكز صناعة القرار.

- قلت في أحد تصريحاتك: «لا يوجد أجمل من تكريم الملك للمرأة بتعيينها في الشورى»... تعتبرينه تكريماً بينما يراه البعض مسؤولية كبيرة؟
في رأيي، دخول المرأة مجلس الشورى أفضل قرار بعد تعليم البنات. هو بالطبع مسؤولية كبيرة، ولكنه تكريم أيضاً لأنها عُيّنت لفكرها ولكونها إنساناً. فهو قرار تُرجمت من خلاله مقولة الملك عبدالله «نرفض تهميش المرأة». فدخول المرأة مجلس الشورى يعني أن لها وزناً ورأياً وبصمة.

- هل تتفقين مع من يرى أن دخول المرأة مجلس الشورى سيحل مشكلاتها من أعلى الهرم؟
بالتأكيد ستتمكن المرأة بمساعدة الرجل من حل الكثير من مشكلاتها، ووجودها في مجلس الشورى سيوصل صوتها ومشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والعملية والعلمية وغيرها، وستحرص على وصول صوتها وفكرتها ومعاناتها باستمرار، وبالتالي ستكون القرارات المتخذة أكثر تعبيراً عنها. قضايا المرأة كثيرة ومتشابكة، ولا نستطيع أن نقول أن كل قضاياها ستحل بهذا القرار في يوم و ليلة بعصا موسى.

- يعتبر البعض أن السيدات أعضاء مجلس الشورى من «النخبة» ولا يعرفن المشكلات الحقيقية التي تعانيها المرأة، ماذا تقولين؟
كيف لا نعرفها ونحن نعيشها؟ كل إمرأة تعاني مشكلات مختلفة وتعرف مشاكل من حولها من النساء. فهناك المتزوجة، والمطلقة، والتي تعاني في عملها وفي أبحاثها. الاختلاط، والسفر، والحركة، وغيرها من المشكلات التي تختبرها جميع النساء بطرق مختلفة. فنساء الشورى لم يجئن من كوكب آخر بل من المجتمع نفسه، ولهن أمهات وأخوات وقريبات وصديقات يعانين مشكلات مختلفة. فمن هي المرأة السعودية؟ هل هي ربة المنزل، العالمة، المعنفة، المطلقة، الموظفة، وغيرها؟ كل واحدة منا هي إمرأة سعودية.

- هل تمثل حياة سندي المرأة السعودية؟
نعم أمثل المرأة السعودية. فمنذ أن غادرت للتعلّم خارج السعودية، كان ذلك من أجل السعودية. عرّفت العالم عن بلادي من خلال أعمالي الجادة التي تسعى لخدمة الإنسانية، وأعتقد أني صنعت نموذجاً مشرفاً ومشرقاً للمرأة السعودية.

- ما الذي يمكن أن تضيفه حياة سندي كعضو مجلس شورى؟
بالتأكيد سأضيف خبرتي في مجال البحث العلمي لكل ما يحتاجه الشباب والمرأة والإنسانية بشكل عام. دائماً أبحث عن المشكلة وأحددها ثم أوجد لها حلولاً. هذه هي طريقتي في العمل والتي بالتأكيد ستنعكس على مشاركتي في مجلس الشورى، وسأطرح قضايا تهم الجميع بإذن الله.

- ما هي أبرز التحديات التي تواجهها المرأة في السعودية؟
المرأة في السعودية تعاني أزمة ثقة. فالرجل لا يثق بالمرأة والمرأة أيضاً لا تثق بالمرأة، ولا يمكن أن نخرج من هذه الأزمة إلا من خلال الاستمرار في العمل وإثبات العكس من خلاله، وليس من خلال الأقوال.

- ما أكثر القضايا الملحة التي لا بد لها من حسم، من خلال وجود النساء في مجلس الشورى، في ما يخص قضايا المرأة تحديداً؟
الإعلام يبحث عن عناوين ويريدنا أن نخرج بوعود وتصريحات، والحقيقة أنني لم أدخل المجلس بعد لأجيب على هذا السؤال. فهناك الكثير من القضايا والأفكار المطروحة من المقام السامي، وأيضاً لنا الحق أن نطرح أفكاراً، وبالتالي سنقوم بأبحاث وتوصيات تخدم القضايا المطروحة. ولكن من منطلق خبرتي وتخصصي، سأركز على أهمية البحث العلمي وسبل الارتقاء به في الجامعات والوزارات وسائر الجهات، وكيف نوفر الجو الملائم والخلاق للمعلم والطالب والأستاذ، إضافة إلى قضايا المرأة في مختلف المجالات. 

- هل تعتقدين أن المرأة أصبحت شريكة للرجل أم انها ما زالت مهمشة؟
أغلب المشكلات التي تعانيها المرأة تعود إلى تصنيفها من زمن مضى بأن مكانها البيت، واليوم بعد خروجها إلى الحياة العامة بدأت تعاني مشكلات أخرى. هناك تهميش للمرأة، ويتوقف التصدّي له على رغبتها وإصرارها على رفض هذا التهميش. فهي يمكنها أن تنهيه وتثبت وجودها.

- ماذا تعني عبارة «حقوق المرأة» لحياة سندي؟
حقوق المرأة بالنسبة إلي أن تحصل على حقوقها كإنسان وكفرد و كيان فعّال في المجتمع، فهي صانعة الأجيال.

- هناك رأي يقول إن جهل شريحة كبيرة من النساء بحقوقهن، وبالتالي عدم رغبتهن في تغيير أوضاعهن، من أكبر العقبات التي تواجه وضع المرأة وإشراكها في الحياة العامة، إضافة إلى فكرة «التغريب» والعمل على إخراجها من منزلها التي تتبناها شريحة معينة. كيف تنظرين إلى هذه المسألة؟
سألتني إحدى السيدات عن إمكان وجود فئة من النساء في مجلس الشورى يطالبن بعدم خروج المرأة إلى العمل. فقلت هذه المرأة ستخرج من بيتها، وقد تسافر إن كانت تعيش في مدينة أخرى، وتحضر اجتماعات مجلس الشورى، وستطرح أفكاراً وتناقش قضايا، وبالتالي هي تعمل في مجلس الشورى، فكيف تكون ضد عمل المرأة؟ فهذا نوع من التناقض، وربما جهل بأهمية العمل.عندما ينشأ الطفل في منزل يرى والدته التي هي في البيت وأيضا هي نفسها التي تعمل في مجلس الشورى أو عمته أو خالته أو أياً من قريباته،  سينشأ ليعرف أن لوالدته دوراً مثل والده، هي  كائن له كيان. المرأة جزء من البيت، والبيت جزء من المجتمع، وأي عمل تقوم به هو جزء من هذا المجتمع بما في ذلك دخولها الشورى. فأنا لا أفهم ما معنى كلمة « تغريب»، وإن كان المقصود بها كل ما أتى من الغرب، فعلينا أن نترك السيارات والطائرات والكمبيوترات وكل ما جاءنا منهم. 

- هناك رأي يقول إن «الاعتبارات الاجتماعية» تقف حاجزاً كبيراً أمام أي محاولة لتغيير وضع المرأة، بل بإمكانها تعطيل بعض القوانين التي تخصها، فما رأيك؟
كثيراً ما تخرج قرارات ويصعب تطبيقها، والحقيقة أن الوقت هو اللاعب الرئيس مع المجتمع ليتقبلها. فالمجتمع يحتاج إلى وقته ليهضم الفكرة، ويفهمها، ويتمكن من التعامل معها، ومن ثم قبولها. وليس معنى ذلك أن لا نعمل للتغيير واتخاذ القرار المناسب، لكن كل جديد صعب في بداياته. وجود المرأة في مجلس الشورى اليوم سيعزز مفهوم شراكة المرأة في المجتمع، وبالتالي سيغير صورة المرأة ويجعلها شريكة للرجل في مراكز القرار. فالطفل الذي ولد اليوم سيختلف عن الطفل الذي ولد قبل 10 سنوات.

- كان والدك داعماً لك، ترك لك الفرصة لتسافري وتثبتي نفسك، فكنت من المحظوظات... كثيراً ما نقرأ عن نساء لا يستطعن أن يحققن أحلامهن بسبب استغلال سلطة ولي الأمر، وغيرهن لا يتمكن من السفر لاشتراط وجود «محرم» مرافق مما قد يعيق طالبة العلم عن الاستمرار في دراستها. كيف يمكن أن تساهمي في حل هذه القضية؟
أنا أعتبرها قضية شخصية تحلها الأسرة. صحيح والدي دعمني، وسمح لي بالسفر، ولكن هذا لا يمنع أني كنت أواجه سؤال: «متى ستعودين؟» بشكل مستمر. ولو قرر والدي أو والدتي أن أعود ولا أكمل دراستي في الخارج لعدت. أنا أحترم العادات والتقاليد، وأقدر الأسرة، ودائماً أقول العمل هو الإثبات الأكبر لجدية الإنسان. عملك سيتحدث عنك وسيسهل لك كل الطرق، وعلى الفتاة أن تجد طريقة لتثبت ذلك من خلال عملها، وستصل.

- كيف ترين برنامج الإبتعاث، وهل يحتاج إلى تطوير؟ وماذا عن التخصصات العلمية المتاحة حالياً؟ وكيف تقوّمين مخرجات التعليم في السعودية؟
برنامج الإبتعاث رائع جداً، ولم توفره أي دولة في العالم. سأحدد ملاحظاتي بشكل دقيق بعد انخراطي في المجلس، ولا بد من العمل على مخرجات التعليم لتواكب تطلبات المجتمع، ونستطيع أن نواكب دول العالم المتقدم.

- وفقاً للأرقام الأخيرة بلغت نسبة البطالة النسائية 34 في المئة وأكثرهن من حملة الشهادات الجامعية، هل تؤرقك هذه المشكلة؟ وكيف ترين جهود وزارة العمل؟ ومن المسؤول عن ارتفاع البطالة النسائية؟
لا يفترض أن تكون بطالة المرأة أكثر من بطالة الرجل في المجتمعات المتقدمة، وقد يرجع ذلك إلى كون المجالات التي فتحت لها للدراسة محددة، وأعطيَ الرجل فرصاً أكبر، ولم تراعَ احتياجات سوق العمل. أتذكر عندما أردت ترجمة شهادتي من كامبريدج بتخصص»هندسة الجينات»، رفضت معادلة الشهادة لأن التخصص هندسة، وقال الموظف إن الهندسة تخصص غير مسموح بدراسته للبنات. فخاطبت الديوان الملكي، وترجمت شهادتي وعادلتها بأمر الملك عبدالله . اتخذ خادم الحرمين ذلك القرار في ذلك الوقت، واليوم البنات يستطعن أن يدرسن الهندسة وغيرها من التخصصات التي كانت حكراً على الرجل. مشكلة البطالة النسائية متشعبة ومعقدة. فما هي التخصصات التي درستها المرأة؟ وما هي الخبرات التي حصلت عليها؟ وما هي المجالات التي يمكن أن توفر عملاً لها؟ لا نستطيع أن نلقي اللوم على وزارة العمل فقط، فالتدبير المنزلي مثلاً  تتخرّج منه الكثيرات، ولا يوجد لهن عمل لأن السوق لا يحتاج إليه. اليوم الشهادة الجامعية وحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى تدريب وتطوير بعدها لتفي باحتياجات سوق العمل. فحتى الطبيب ينهي دراسة الدكتوراه ويقوم بالأبحاث قبل أن يبدأ العمل، وبالتالي هو يوفر لنفسه فرصة عمل أفضل في ما بعد. فالمجالات المفتوحة لدراسة الفتاة لها دور، واختيار الفتاة للتخصص له دور، وتطويرها لقدراتها له دور، ووزارة العمل لها دور. وكما قلت المشكلة متشعبة ومقلقة، فكيف نرى فتيات يحملن شهادات جامعية ولا يحصلن على وظيفة؟ هنا يأتي دورنا في مجلس الشورى بأن نقوم بدراسات حقيقية تساهم في حل مشكلة البطالة.

- كيف ستوفقين بين أعمالك الكثيرة كعالمة بكل مسؤولياتها، ومسؤوليات الشورى، وأنت بين أميركا وبريطانيا والسعودية؟ ففي مقال بعنوان « أخرجوا حياة سندي من الشورى» اعتبر الكاتب أنه ليس المكان المناسب لك، وأنك كفاءة علمية لا بد من الاستفادة منها في مكانها بعيداً عن الشورى، ما رأيك؟
سأكون في مكان يوصل صوت المرأة إلى المجلس. في مكان سأواصل عملي الدؤوب من خلاله للتغيير. هي تجربة جديدة ولا بد من خوضها. كيف سأوفق بين كل هذه المهمات؟ لا أعرف بعد، لكني مستعدة لخوض التجربة بكل تحدياتها. بالطبع لا يمكن أن أتخلى عن البحث العلمي و سوف استمر لأني عالمة وهذا عملي، وعملية الموازنة تأتي مع الوقت. فلو كان لصوتي دور في تغيير وضع المرأة وإشراكها في عملية البحث العلمي، فهذا يأتي في صلب ما أؤمن به، والعمل في مجلس الشورى سيكون من خلال الأبحاث والاستفتاءات، وهذا كله جزء من عملي. فأنا لست عالمة فحسب، وإنما أنا حريصة أيضاً على خدمة مجتمعي.

- من مكة المكرمة إلى المملكة المتحدة وخاصة لندن بكل صخبها ، كيف كانت هذه النقلة؟ فتاة سعودية من بيئة محافظة لم تخرج من السعودية حتى للسياحة، كما قلت في أحد لقاءاتك. هلّا حدثتنا عن هذه التجربة التي تمر بها بالتأكيد الكثيرات من المبتعثات اليوم؟
عندما هبطت الطائرة في مطار لندن كان الجو بارداً جداً في شباط/فبراير وشعرت بكآبة فظيعة. كانت لي صديقة تنتظرني في المطار، ووصلت بعدها إلى الفندق وتركتني لأرتاح. أمضيت الليلة كلها أبكي مقررة العودة في رحلة اليوم التالي. نمت من شدة البكاء، ثم استيقظت وفتحت النافذة، كانت الشمس مشرقة والناس يمشون في الشارع. هدأت نفسي، وقلت: «بعد سنتين من محاولات إقناع أهلي أنت هنا اليوم فلا تضيعي الفرصة». كان حلمي أن أطور نفسي وأحصل على شهادات عليا وأخدم الإنسانية أكبر من حاجتي إلى أن أكون مع أهلي و مدللة بينهم.

- كيف تمكنت من الالتحاق بالدراسة هناك، وقد جئت بخلفية علمية بسيطة، بالتأكيد مررت بمراحل فشل وإحباط كثيرة، كما قرأت؟
بدأت أبحث عن جامعة للدراسة، ولم يتم قبولي بالطبع، ولم يُعترف بشهادة الثانوية التي أحملها، وطلبوا أن أدرس  ALevel مؤكدين أنني لو درسته لن أتمكن من النجاح فيه، وبالتالي لن ألتحق بأي جامعة. تمكنت من الالتحاق بكلية توفر حصصاً للطلبة الراغبين في تعديل درجاتهم في المرحلة الثانوية، حاولت ونجحت. أنا مؤمنة بأن كل عالم أو أي إنسان ناجح هو في النهاية بشر مثلي، فإن استطاع تحقيق النجاح، فيمكنني أيضاً أن أحققه. أؤمن بأن الإنسان عليه أن يخوض التجربة بنفسه. تعبت كثيراً، كنت أعمل أكثر من 18 ساعة يومياً. وبعدها اتصلت بـ King's College وقالوا لي أهلا وسهلاً.

- تتذكرين تلك الأيام بعد تحقيق خطواتك الأولى من حلمك...
لم أتخيل في حياتي أن أتمكن في الدراسة في هذه الجامعة التي كنت أحلم بها عندما قرأت عن اكتشاف الحمض النووي وأنا في عمر 13  الـ DNA في كينغز كولدج وكامبردج. كنت كالإنسان الذي يسمع عن الوصول إلى القمر ولا يتخيل نفسه أن يقف على سطحه. فأن أتمكن من دخول الجامعتين اللتين حلمت بهما، كان أمراً عظيماً بالنسبة إلي. فأول يوم كان كالحلم عندما قابلت كل الأسماء من البروفسورات الذين سمعت عنهم و قرأت كتبهم. كنت أريد أن أتعلم، وأن أخدم البشرية، كنت أعشق أن أدخل قاعة المحاضرات وأجلس في الصف الأول وأسمع بكل حواسي.

- ماذا تعلمت من الغرب؟
الحياة تحتاج إلى جدية ومجهود ابتداء من انتظار «الباص» الذي إن لم ألتزم وقته سأضطر لانتظار «الباص» الذي يليه، وبالتالي سأتأخر على المحاضرة، وبالتالي سأحصل على إنذار. في الغربة تتعلمين تنظيم الوقت وتقديره من جهة، ولكن من جهة أخرى تمكنك الغربة من تقدير ما هو لديك من دين وعادات وتقاليد. وفي النهاية أسلوب حياتك سيجذب حولك شخصيات تضيف إليك وتتفق معك. تعلمت من الغربة أن آخذ إيجابيات الغرب وأن أنظر إلى الأمور بشكل إيجابي، مع محافظتي على هويتي. كان العلم هو وسيلتي لتكوين الصداقات والمعارف حتى لا أكون منعزلة. ومن أفضل ما تعلمته من الغربة هو عدم إصدار الأحكام على الآخرين، فأسوأ ما يمكن أن تؤذي به نفسك أن تنصبي نفسك حكماً أو قاضياً على الآخرين. تعلمت أن أتقبل الإنسان كما هو وأحترم خلفيته وأفكاره.

- لو كان الابتعاث متاحاً عندما قررت السفر، هل كانت حياتك لتكون أسهل؟
بالتأكيد. لك أن تتخيلي أنك تحملين الهم يوميا حول مصاريفك، وتعيشين حياة متقشفة جداً، ولا تتمكنين من شراء الكتاب فتضطرين لتصويره أو دراسته في المكتبة لأوقات طويلة و متعبة، وخصوصا في فصل الشتاء، بدلاً من شرائه وأخذه إلى البيت. الإبتعاث اليوم يوفر الكثير. بذلت مجهوداً كبيراً جداً لأتمكن من إتمام تعليمي وتعرضت للكثير من العقبات العلمية  والمادية، ربما أهمها عندما قرر الدكتور المشرف على ابحاثي أن ينهي المنحة الدراسية لسبب ما، وكلف شخصاً آخر. طبعاً مضت سنوات عملت فيها على البحث، والمنحة أوشكت على الانتهاء، فلم يكن أمامي إلا أن أكتب للملك، وتكفلت الحكومة بتكاليف البحث، وتمكنت من إنهائه بالشكل الذي أردت وبالفكرة ذاتها.

- لماذا اخترت علم الأدوية تحديداً؟ وكيف استطعت أن تحددي توجهك؟
قرأت كتاباً وعرفت أني أحب علم الأدوية. وعرفت أنه لا يدرّس كمادة فقط في جامعات السعودية، وأنا أردت أن أدرسه كعلم.  فهو بين الصيدلة والطب ومليء بالتحديات.

- مررت بمراحل تحدٍ وفشل وقرأت لك أن مرحلة «كامبردج كانت خمس سنوات من الصراعات والتحديات، كيف تتذكرينها؟
عندما تبدأين بالتعامل مع العلماء في الجامعات العريقة ومراكز الأبحاث المتميزة، تشعرين بجو غريب، فهم يعتبرون أنفسهم قبل الخالق. وعندما يرى عالم إمرأة متدينة، يعتقد أن هذا التدين سيحد من قدراتها العلمية لأنها تؤمن بوجود الخالق، والدين يعيق العلم، من وجهة نظرهم. كان هذا من أبرز التحديات، وكان علي أن أقنعهم بالمثابرة...

- حياتك مليئة بلحظات الفشل والنجاح، في كل مرة ماذا تقولين لنفسك؟
أعيدي الكرّة في كل فشل. أنا ما زلت أشعر بعالم الطفل البريء الخالي من الخوف. فلو خاف الطفل لما تمكن يوماً من المشي. والدي علمني أن لا أخاف إلا مِن مَن خلقني.

حدثينا عن:

«مارس»: أداة للتشخيص وفهم تركيبة الأدوية، ساهمت في اكتشافه أثناء دراسة الدكتوراه وعملت على تفعيله.

«التشخيص للجميع»: شركة غير ربحية أسستها مع جامعة هارفرد. هو جهاز مصنوع من مادة الورق لكشف الأمراض التي تنتج عن علاجهم للسل والإيدز في المناطق النائية. فمرضى السل مثلاُ يعالجون بأدوية تؤثر على الكبد وتتسبب بوفاة الملايين في أفريقياً، بينما في أميركا يموت منهم القليل جداً لوجود المتابعة والرصد للحالات. وبالتأكيد يمكن الاستفادة منه وتعديله لخدمة أي دولة حسب احتياجاتها.

مشروع «شلمبر جيه» لتأهيل الأطفال على التفكير والتحليل: هي شركة عالمية للتنقيب عن البترول، وكان لديهم مشروع لتهيئة الأطفال ليكونوا مبتكرين. عملت معهم واخترت مصر ثلاث مرات وعملنا على تحفيز الإبداع عند بعض الأطفال من خلال توفير الأدوات التي تمكنهم من استخدام مهاراتهم، وفاز طفلان من عمان لا يسمعان ولا يتكلمان.


- ما هو «معهد التخيل والبراعة»؟
هو حلم 10 سنوات، وفكره فريدة من نوعها. فكرته المبسطة هي خلق بيئة تمكن المبدعين من الابتكار في العلوم والتكنولوجيا والهندسة، وأن يتم تحويل أفكارهم وابتكاراتهم إلى شركات تخدم المنطقة. فهو برنامج غير ربحي، قد يكلف ما بين 9 و10 ملايين دولار سنوياً، بين جدة وأفضل مراكز البحث والجامعات في العالم. هدفه خدمة العلماء العرب وتبني ابتكاراتهم، وانخراطهم في برامج بناءة لتحفيز ريادة الأعمال، ومن ثم يقدمون ابتكاراتهم وأفكارهم المدروسة وبراءة اختراعاتهم من خلال مؤتمر يستضيف رجال الأعمال ويمكنهم من الاستثمار في العلم.   

- ينتقد البعض الفكرة بأنها تبحث عن مبدعين جاهزين، بينما ينقص المملكة مناهج تعليمية ومعاهد تنمي هذا الإبداع أو تكتشفه. ما رأيك؟
الفكرتان لا تتعارضان وكلاهما مهم. لدينا 200 طالب مبتعث مخترع خلال هذا العام فقط، 14 منهم حصلوا على براءات اختراع. هذه مرحلة حرجة جداً بالنسبة إلى العلم أو المخترع. بعد دراسة وتعب، تقول له ليس لك مكان أو مجال لتعمل فيه. هنا يأتي دور «معهد التخيل والبراعة» ليساعده على إكمالها ومن ثم فتح السبل لتنفيذها، وهي فجوة موجودة في العلم.  

- كيف يمكن أن نقنع رجال الأعمال بالاستثمار في العلوم؟
الجودة، واختيار الأفكار الواعدة، وتقديم عمل متكامل مدروس من افضل شركات العالم من فكرة, ونموذج عمل, وتسويق مع فريق عمل, في مشاريع تهم البلد أو يحتاجها المجتمع ببراءة اختراع مضمونة.

- العقول المهاجرة مشكلة تهمك، وكان لك تقرير عرضته في منتدى الاقتصادي في جدة عام 2005، هي صحيح مشكلة عالمية لكن كيف ترينها في السعودية تحديداً؟
«معهد التخيل والبراعة» يحل جزءاً من هذه المشكلة في السعودية. فمن خلاله أقول للعلماء المخترعين والمبتكرين، يمكنكم أن تعودوا إلى الوطن. جنة العالم والمخترع مركز أبحاثه، والبيئة المحيطة به التي تقدره، وأن يتم تبني فكرته وتطبيقها على أرض الواقع... كل هذه العوامل إذا لم تتوفر له في وطنه لن يعود. نحن نخسر يومياً بسبب العقول المهاجرة من الشرق الأوسط، و37 في المئة من الكراسي صاحبة القرارات العلمية في العالم من الشرق الأوسط. والسعودية تحديداً بدأت تستقطب عقولها المهاجرة بشكل غير مباشر، وأنا أعتبر تعييني في مجلس الشورى دليلاً على ذلك، وعلى أن الدولة يمكنها أن تستفيد مني ومن أبحاثي وأعمالي وتوفير المناخ المناسب لها.

- هل تحلم حياة سندي بجائزة نوبل؟ أم أنك مازلت بعيدة عنها كما سبق أن صرحت؟
لا أركض وراء  الجوائز أو المناصب.عندي هدف وهو تغيير حياة الناس إلى الأفضل، وهذا الذي اطمح إليه، وما زلت بعيدة عن نوبل.

- أين حياتك الخاصة وسط كل هذه الاهتمامات العلمية والاجتماعية، والآن مجلس الشورى؟ هل مازالت مؤجلة؟
أنا إنسانة تقليدية جداً ومحافظة، لكني أحب الحياة والسفر والشعر، وكانوا يسمونني رمز هارفرد للأزياء والأناقة، لأني لا أعتقد أن العالم لا بد أن يكون أشعث الشعر بلباس غير متناسق!

- هل أفهم أن العلم سرقك من الزواج وتأسيس حياة أسرية أم أن الفكرة مازالت مؤجلة؟
الحقيقة وبكل بساطة أني لم أجد الشخص المناسب الذي يتفهم وضعي كعالمة، ولا يشعر بالتهديد من كوني إمرأة ناجحة، ويتفق معي فكرياً. لم ألتق حتى الآن شخصاً أستطيع أن أنبهر به وبرسالته في الحياة بغض النظر عن الشهادات والمناصب.

- ماذا علمتك الحياة؟
الصبر والتفاعل والتفاؤل وتقبل الآخر وعدم الحكم على الآخرين.

- مبدأ لا تحيدين عنه؟
الإخلاص.

- كلمة أخيرة ترغبين في أن تضيفيها إلى الحوار...
على الإنسان أن ينظر إلى عمق الأشياء، ولا تغريه القشور وتفاهات الحياة. لقد خلقنا لهدف في الحياة، وهو عمارة الأرض، فلا بد أن يكون لنا بصمة. وأتمنى أن يمنحنا الناس الثقة والصبر لنستطيع أن نقدم الأفضل لمجتمعنا.-


ماذا يعني لك:

اختيارك كسفيرة للنوايا الحسنة للعلوم في اليونيسكو: «كان له فرحة خاصة كوني أول سفيرة من السعودية، وأول إمرأة تختار سفيرة في مجال العلوم داخل اليونيسكو. أهديت هذا الاختيار للمرأة السعودية التي يمكن أن تُختار لعقلها فقط».

منحة «كامبردج»: «كانت التحدي الأكبر، وبالتالي المحفّز الأكبر، عندما تم قبولي عرفت أنهم مؤمنون بإمكاناتي وقدراتي وتمكنوا من الشعور بشغفي وكيف سأصنع فرق».

جائزة مكة للتميّز العلمي: «بكيت وأبكيت من حولي في مناسبة تسلّمها، فهي الأقرب إلى قلبي. ذكرتني بوالدي رحمة الله عليه وتمنيت أن أراه وسط الحضور ليشهد على نجاحي. شعرت بأني كالطفل الذي حصل على تقدير تفوّق في المدرسة وأراد أن يعود إلى المنزل ليقول لوالده أنظر إلى ما حققت».

عضوية مجلس الشورى: «المسؤولية».


السيرة الذاتية لحياة سندي

● الدكتورة حياة سندي هي مؤسس ورئيس معهد i2 بالمملكة العربية السعودية، وهي مؤسسة غير ربحية تسعى إلى خلق منظومة للإبداع الاجتماعي وريادة الأعمال من أجل العلماء والتقنيين والمهندسين في الشرق الأوسط وخارجه.

● غادرت حياة سندي، وهي من مواليد مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية في سن المراهقة متحدية كل الصعاب في سبيل أن تصبح أول امرأة خليجية تحصل على شهادة الدكتوراه في مجال التكنولوجيا الحيوية، وذلك عقب دراستها في كل من كلية لندن الملكية (King's College)، وكامبريدج، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهارفرد.

● والدكتورة سندي أيضاً شريك مؤسس في مؤسسة «التشخيص للجميع»، وهي مؤسسة غير ربحية تقدم خدمات تشخيصية عالية الكفاءة بما يساعد على معالجة 60% من الأشخاص الذي لا يتمكنون من الوصول إلى مرافق ومنشآت الرعاية الصحية. تم التصويت لمؤسسة «التشخيص للجميع» كواحدة من كبرى الشركات التي تساهم في تغيير العالم.

● كانت سابقا أستاذة زائرة في جامعة هارفرد،  حيث عملت على تحقيق هدفها الذي تسعى إليه منذ زمن بشأن توثيق الصلة بين العلم والأثر الاجتماعي. وتحلم الدكتورة سندي بأن تجعل من معهد i2 منطلقاً للعديد من قصص النجاح التي ستكتب بأيدي جيل واعد من المبتكرين الشباب.


حصلت سندي على العديد من الجوائز والتكريمات، ومنها:

1999: دعيت للانضمام إلى مجموعة العلماء الشبّان الأكثر تفوقاً في بريطانيا التابعة لمجلس العموم البريطاني (البرلمان).

2005: شاركت تطوعياً في مشروع (follow the women) (اتبعوا النساء) في جولة حول العالم بالدراجات الهوائية ضمن 300 سيدة ترويجاً للسلام للمرأة والطفل وإنهاء العنف في الشرق الأوسط.

 2008: حصلت مع فريقها العلمي على جائزة المركز الأول في مسابقة خطط العمل للمشاريع الاجتماعية التي أقامتها «جامعة هارفرد للأعمال»، وكذلك في مسابقة المبادرات التي أقامها «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT» وذلك تقديراً لتقنيتها «التشخيص للجميع»، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها  فريق بالجائزتين في السنة نفسها.

2009و2010: اختارتها منظمة تِك باب Tech Pop (منظمة مستقلة) ضمن أفضل 15 عالماً في مختلف المجالات ينتظر ويتوقع منهم أن يغيّروا الأرض عن طريق أبحاثهم وابتكاراتهم. وكانت سندي هي الوحيدة التي اختيرت دون تقديم طلب أو فرز. وأيضا هي الوحيدة التي فازت باللقب مرتين.

2010: نالت جائزة مكة للتميز العلمي من الأمير خالد الفيصل.

2011: منحتها مؤسسة ناشونال جيوغرافيك لقب مستكشف صاعد.

2012: تمت تسميتها سفيرة عالمية للأصوات الحيوية .

2012: حازت المرتبة التاسعة بين أقوى 100 امرأة عربية من مجلة  CEO

2012: عيّنتها منظمة اليونسكو سفيرة للنوايا الحسنة للعلوم، وهي أول امرأة سعودية تنال هذا اللقب.

2012: صنفتها مجلة «نيوزويك» ضمن 150 امرأة ملهمة و شُجاعة في العالم.