black file

تحميل المجلة الاكترونية عدد 1090

بحث

ريان حايك.. نجاح استثنائي لا يشبه أحداً

في زمن تعجّ فيه وسائل التواصل الاجتماعي بمحتويات متشابهة وسريعة الزوال، يسطع اسم ريان حايك كواحد من أكثر الأصوات الشابة صدقاً وتأثيراً. هو ليس مجرد مقدّم برنامج، بل حالة حوارية استثنائية استطاعت أن تلامس مشاعر الجمهور وتفتح نوافذ جديدة على الجانب الإنساني للضيف. انطلق ريان من الـ"يوتيوب" وهو لا يزال مُراهقاً، فحوّل تجربته الفردية إلى منصة تنبض بالحقيقة والعمق. في هذا اللقاء، نغوص مع ريان في رحلة بدأت من التنمّر في المدرسة، مروراً بالتحدّيات، وصولاً إلى مرحلة النضج الإعلامي المبكر، لنكتشف كيف نجح في بناء برنامج يحمل بصمته الخاصة، وكيف يرسم طريقه بتأنٍ نحو مستقبل يعكس رؤيته.


- كيف كانت بداية علاقتك مع وسائل التواصل الاجتماعي منذ كان عمرك 12 سنة؟ وما الذي ألهمك للانطلاق في هذا المجال؟

أشعر منذ صغري أن هناك ثورة داخليّة وحاجة ماسة للتعبير عن شيء ما. كنت دائماً أحب أن يصل صوتي وكلامي إلى مسامع الكثيرين ويكون محط اهتمامهم. لذا، فإن مواقع التواصل الاجتماعي كانت المنصة المثالية للانطلاق في هذا المجال، لأنها الوسيلة الفضلى لإيصال ما يريد أي شخص قوله للعالم.

- هل من شخص في حياتك ساعدك أو كان بمثابة مرشد لك في عالم السوشيال ميديا والإعلام؟

في بداياتي، ساندني أهلي بلا شك وبعض الأصدقاء الأوفياء، إضافة إلى العزيزة إيليان الحاج، التي كانت صديقة مقرّبة لي وباتت اليوم مديرة أعمالي. هي ترافِقني في كل خطواتي الإعلامية وتساندني في كل مشاريعي. أحمد الله على وجود هؤلاء الأشخاص في حياتي الذين يتمنون لي النجاح والتقدّم.

- ما الدور الذي لعبته عائلتك في مسيرتك المهنية؟ وهل كان لهم تأثير كبير في قراراتك؟

لا شك في أن عائلتي لعبت دوراً مهماً في نجاحي إذ وفّرت لي الدعم بشكل غير محدود، وكانت بمثابة محامي الدفاع عني كلما تعرّضت لموجة انتقادات أو تجريح على وسائل التواصل الاجتماعي. يحرص أفراد عائلتي على إطلاعي على التعليقات السلبية التي تُكتب على حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي، كي لا أتفاجأ بها عندما أقرأها بنفسي. هذه الأمور بالغة الأهمية بالنسبة إليّ. ولا أنسى طبعاً تحفيزهم الإيجابي لي على الدوام، بحيث يشجّعونني على التطور والتحسّن في كل المجالات.

لكن من جهة أخرى، ليس لعائلتي أي تأثير في قراراتي، لأنهم يدركون تماماً أنني أنفّذ دائماً ما أريده حتى لو عارضني الجميع.

- ما هي التحدّيات التي واجهتها في بداياتك؟

التنمّر والتعليقات السلبية هي من أبرز التحدّيات التي واجهتني شخصياً، وتواجه جميع مشاهير السوشيال ميديا للأسف. صحيح أن هذه الأمور السلبية لا تزال مستمرة حتى الآن، لكن البدايات كانت أصعب، لأنني لم أكن محصّناً بما يكفي لها. أما التحدّي الحالي فهو الاستمرار في النجاح والحفاظ على تألّقه.

- كيف تطوّرت فكرة برنامجك؟ وما الهدف من تقديم هذا النوع من المحتوى؟

خطرت لي فكرة البرنامج بلمح البصر من دون أية تحضيرات مُسبقة. شعرت أن من الضروري تقديم مثل هذا البرنامج، وأحسست في قرارة نفسي أن مصيره النجاح الحتمي من دون أي شك. فهذا النوع من البرامج لم يكن موجوداً قبل نحو 3 أعوام، ولذلك أَحب الناس برنامجي، لأنه مختلف عن باقي البرامج الحوارية التي كانت موجودة آنذاك. وأعتقد أن هذا الاختلاف في برنامجي هو الذي جذب الناس إليه ودفعهم إلى متابعته، ومن ثم الإعجاب بمضمونه. كما تطرّق البرنامج إلى مواضيع لم تكن مطروحة في البرامج الأخرى، وهو ما زاد أيضاً من جاذبيته عند الجمهور، والذي أصبح يقترح عليّ أفكاراً لطرحها في حلقاتي، وهذا ما ساعدني على التطوّر. أودّ الإشارة إلى أن حلقات برنامجي شارفت على التسعين، وهذا العدد لوحده كافٍ لكي أتطوّر.

الهدف من برنامجي هو إظهار الجانب الإيجابي والإنساني للضيف، وليس مجرد استضافته للتحدث عن فنه وأعماله. كما أحاول طرح أسئلة تدفع الضيف إلى التحدث عن أمور لا يبوح بها عادةً، ويكون صادقاً في كلامه.

- مع كثرة المنافسة، ما الذي يميز محتوى برنامجك عن غيره من البرامج الحواريّة؟

فكرة البرنامج موجودة منذ زمن طويل، لكنها لم تكن رائجة كما هي الحال اليوم. لكن أعتقد أن شخصيتي وعمري هما من أبرز الصفات التي تميز برنامجي عن غيره. فليس أمراً بديهياً أن يُعِدّ شاب عمره 18 عاماً فقط برنامجاً من هذا النوع ويقدّمه. أضيفي إلى ذلك، الحوار الحقيقي النابع من القلب بدون أي خوف من الأحكام المُسبقة.

- برنامجك يشتهر بأسئلته العميقة التي تكشف جوانب إنسانية للمشاهير. كيف تحضّر لهذه الحلقات؟

أبدأ أولاً بمشاهدة كل المقابلات التي أجراها الضيف لأعرف ما الذي تحدث عنه وما الذي لم يتطرق إليه، وأحاول حينها تركيز أسئلتي على الجوانب التي لم يتم الكشف عنها قبلاً. أجري الكثير من الأبحاث أثناء الإعداد لضمان نجاح الحلقة، إضافة إلى طرح الأسئلة العميقة التي يمكن أن تتكرر من حلقة إلى أخرى لكن أجوبتها تختلف حتماً، لأن لكل ضيف فلسفته الخاصة وأجوبته الشخصية. هكذا، يتم التحضير للحلقة. وفي بعض الأحيان، أرتجل أسئلة أثناء التصوير، لأن الضيف يجيب على سؤال معين بطريقة لم أكن أتوقعها.


- في بعض الأحيان، يواجه ضيوفك مواقف صعبة أو إجابات مُحرجة. كيف تتعامل مع هذه اللحظات أثناء التصوير؟

برنامجي مبني على أسلوب إيجابي، وعندما ألاحظ أن الضيف تلاقى أكثر مع حقيقته، بحيث ينفعل أو يبكي، يكون ذلك ضمن إطار مبني على التشافي وليس أبداً على التجريح. لذا، مَن يتابع حلقاتي يدرك تماماً أنه عند بكاء الضيف، لا يتم استغلال هذا الموقف بطريقة سلبية تجرّ الضيف إلى مكان مزعج أو محرج أو مؤلم. إنها لحظة تشافي وتلاقي مع الذات بإطار إيجابي. ولذلك لا أجد صعوبة في إقناع الضيوف بالمشاركة في برنامجي، لأنهم على دراية تامة بأسلوبي المبني على التشافي.

- هل تجد صعوبة في تحديد نوعية المحتوى الذي تريد إنتاجه على السوشيال ميديا، أم أن الأفكار تتدفق بسهولة؟

لا شك في أن هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقي لإنتاج محتوى قيّم وجذّاب، واختيار النهج الأنسب في ظل التنوّع الهائل في ما تقدّمه وسائل التواصل الاجتماعي اليوم. فثمة مَن يعتمد أسلوباً استفزازياً وسلبياً قد يحرّك مشاعر الجمهور بطريقة غير صحية، ومع ذلك ينجح في جذب عدد كبير جداً من المتابعين. وفي المقابل، هناك مَن يلتزم تقديم محتوى قائم على القيم، يحترم عقل المشاهد ويحميه، ويمنحه مساحة للتثقيف والنمو في بيئة آمنة. وهنا بالذات، يتوجّب اتخاذ القرار الحاسم بشأن المسار الذي نريد سلوكه.

بالنسبة إليّ، لم أجد صعوبة في تحديد نوعية محتوى برنامجي، لأن هدفه واضح، وإطاره محدّد، وقد أصبح يمتلك هوية خاصة وفريدة تميّزه. التحدّي الحقيقي يكمن في الوصول إلى أعماق الضيف، واستخراج مادة جديدة ومختلفة في كل حلقة. البرنامج الذي أقدّمه لا يرتبط بزمن محدّد، بل هو أشبه برحلة مع الضيف في محطات حياته، ومشاعره، وتطوّره الروحي والإنساني. ولهذا، فإن الأثر الذي تتركه كل حلقة لا يقتصر على اللحظة، بل يمتد في الزمن، وقد يُلهم المشاهد حتى بعد مرور عشر سنوات على عرضها.

- في عالم يتغيّر بسرعة مثل السوشيال ميديا، هل تخشى من فقدان تأثيرك مع مرور الوقت؟

لا أعتقد أن الإنسان الذي يحمل في داخله شعاعَ نورٍ حقيقياً يخاف يوماً من أن يخفت هذا النور. بل على العكس، هذا الشعاع يكبُر يوماً بعد يوم. أجد نفسي اليوم في مكان مُشبع بالنور، من حيث الإطار الإيجابي للمحتوى الذي أقدّمه. وإذا كنتُ قد استطعت، في عمر الثامنة عشرة، أن أُحدث فارقاً من خلال البرنامج، فلا شك في أن الأثر سيكون أعمق بعد خمس أو عشر سنوات، بفضل النضج المتزايد والتجارب التي تصقلني. أؤمن بأن الإنسان كيان قابل للتطوّر والتغيير بفعل ما يمر به من تجارب في الحياة، وأن هذا التطوّر يجب أن يكون دائماً نحو الأفضل. وحده الإنسان الذي يغرق في ألمه أو يظل أسير أخطائه، هو مَن يراوح مكانه من دون أي تقدّم. أنا لا أسعى إلى التأثير بحد ذاته، بقدر ما أسعى إلى تقديم محتوى يُشبهني، يعكس قيمي، ويُعبّر عن المساحة التي رسمتها لنفسي على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة جميلة وواعية. وفي الوقت نفسه، أحرص على تطوير ذاتي من خلال تجارب وأنشطة متعددة، لأكون في المرحلة المقبلة صوتاً إعلامياً أكثر نضجاً وعمقاً. أرى نفسي في مكان مختلف في المستقبل، ولا أخشى أن يخفت التأثير، لأنه لم يكن وليد لحظة عابرة، بل ثمرة عمل دؤوب ومجهود مستمر.

- كيف توازن بين متطلبات عملك ودراستك؟

أدرس الصحافة في الوقت الحاضر، وأطبّق ما أدرسه في برنامجي، وهذا يساعدني كثيراً من دون شك. كما أحرص على تخصيص وقت كافٍ ومنفصل لكل منهما.

- كيف تتعامل مع النقد؟ وهل يؤثر فيك عندما يأتي من شخصيات مشهورة؟

إذا كان النقد بنّاء، أقرأه بكل محبّة ورحابة صدر. لكن إذا كان النقد يهدف إلى التجريح فقط، فلا أتابع القراءة. وإذا جاء النقد من شخص مشهور في الإعلام، أحلّل ما قاله بدقّة وأناقشه بعمق واحترام.

- في حال تحقق حلمك في تقديم برنامجك التلفزيوني، كيف ستكون رؤيتك لهذا البرنامج؟

لا يمكنني القول إن حلمي هو تقديم برنامج تلفزيوني، رغم أن هذا الاحتمال وارد في مرحلة لاحقة. لكن ما أودّ التشديد عليه هو أن النجاح على "يوتيوب" أصعب بكثير من النجاح عبر أي وسيلة إعلامية تقليدية. في البداية، كان نجاحي نتيجة مجهود فردي بحت، وأعتبر ذلك بحد ذاته إنجازاً كبيراً. طموحي اليوم يتمثل في تطوير برنامجي أكثر فأكثر، وليس بالضرورة على شاشة تلفزيونية، مع أن برنامجي عُرض في مراحل معيّنة على عدد من الشاشات العربية، ما أتاح لي تجربة الظهور عبر التلفزيون. لكن هدفي الحقيقي هو أن ينمو البرنامج وتتوسّع دائرة ضيوفه، بحيث لا تظل محصورة في العالم العربي، بل تمتدّ لتشمل شخصيات عالمية من مختلف البلدان. التجربة التي خضتها بشكل فردي منحتني شعوراً بالاكتفاء من جهة، وجعلتني أقل تَوقاً للظهور التلفزيوني، رغم إدراكي التام لأهمية الحضور على الشاشة التقليدية.

- هل من لحظة معينة تفتخر بها أكثر من غيرها خلال مسيرتك المهنية حتى الآن؟

كل إنجاز جديد أحققه، وكل حلقة جميلة أقدّمها، وكل لحظة أشعر فيها أنني أترك أثراً إيجابياً في أبناء جيلي، هي بلا شك لحظة فخر بالنسبة إليّ.

حين أعود بذاكرتي إلى المراحل التي اجتزتها، وإلى فترات التنمّر التي عشتها في المدرسة، أُدرك أن تلك التجارب كانت بمثابة حجر الأساس الذي بنيت عليه هويتي. كانت هي الدافع لتطوّري، ولتجاوز مخاوفي وشفاء جروحي. حوّلتُ الألم إلى حافز، والتحدّي إلى طاقة، لأقدّم شيئاً مختلفاً وأرسم صورة جميلة تعكس الإيمان بالذات والقدرة على التغيير.

- ماذا تقول للشباب الطموح في مجالات السوشيال ميديا والإعلام بشكل عام؟

أقول لكلٍ من هؤلاء الشباب: اعرف تماماً ما الذي تريده، وحدّد الهدف الذي تطمح إلى بلوغه، وتذكّر دائماً أن لا شيء مستحيلاً. قد يستغرق تحقيق الأحلام وقتاً، لكنها ستتحقّق حتماً في النهاية.

فمن يؤمن بنفسه، ويضع هدفاً واضحاً أمامه، ويتحلّى بالصدق مع نفسه ومع الآخرين، لا بد من أن يصل إلى مبتغاه.

جيلنا يملك من الفرص ما لم يتوافر للأجيال السابقة، وعلينا أن نستثمر هذه الفرص بالشكل الصحيح، وننظر إليها بعينٍ إيجابية. فلنسعَ لأن نكون نقطة ضوء في الأماكن المُعتمة، لا أن نكون نقطة سوداء تختفي في الظلام.

المجلة الالكترونية

العدد 1090  |  تشرين الأول 2025

المجلة الالكترونية العدد 1090