أخطاء طبية مميتة!

مستشفى, طب, مصر, جريمة, ضحايا, أخطاء طبية

08 مايو 2013

الأخطاء الطبية المميتة مسلسل لا ينتهي، حلقاته كارثية يدفع ثمنها آلاف المرضى ممن يقعون ضحايا للإهمال الطبي، المحظوظون منهم قد يخرجون من تلك الأخطاء الطبية وهم على كراسي العجز يطاردون بها الأطباء في المحاكم، بينما هناك من دفعوا حياتهم بالكامل ثمناً لجريمة طبية عنوانها الإهمال. في السطور القادمة نرصد حكايات الأخطاء الطبية المميتة، وهدفنا إيقاظ الضمير الطبي ومواجهة كارثة الإهمال ووقف نزيف الضحايا. ونبدأ من مصر.


الطفل عبد الله: انقطع عنه الأكسجين في المستشفى فأصيب بضمور في خلايا المخ

على صرخات رضيعها ذي العامين استيقظت سمر جمال في حالة فزع، زرقة وجهه الممزوجة بصرخات متقطعة وانتفاضات بجسده الضئيل أثارت قلقها، ودفعتها للهرولة به إلى أقرب مستشفى بعد أن شعرت بعدم قدرته على التنفس، بين دهاليز المستشفى تفقدت طريقها بين عشرات الواقفين في انتظار ذويهم، بعضهم من غلفت عيونه دموع من فقد أمل الشفاء، والبعض الآخر من تصنّع الصبر الذي غطى عليه قلق لا يمكن كتمانه، نظرات التعالي واللامبالاة تطلّ عليها من عيون الطبيب، الذي وقف لتفقّد حالة رضيعها على عجل قبل أن يخبرها أن الحالة بسيطة ولا تحتاج لهذه «المناحة»؛ على حد تعبيره الذي ألقاه على والدي الطفل بانزعاج.

بقلم أخرجه من جيب «البالطو» كتب التشخيص «بلغم على الصدر، ويحتاج لعملية شق حنجرة لشفط البلغم»، أعاد القلم إلى جيبه متمتماً بكلمات واهية: «لا تقلقوا العملية لن تستغرق سوى نصف ساعة»، لكن «سمر» والدة الطفل «عبد الله» قضت ساعتين خارج غرفة العمليات، في انتظار عودة صغيرها إلى حضنها، حولها سادت حالة من توتر المنتظرين بلا صبر، محتفظين بما تبقى من رباطة جأش في أجواء غلفها القلق والشعور بمأساة قادمة في أي لحظة، انتهت من ترديد ما حفظته من أدعية حاولت بها التهدئة من المخاوف التي تسارعت داخلها، لم تكف يداها عن الرعشة التي حاولت إيقافها دون جدوى، تعلّقت عيناها بباب غرفة العمليات وهو ينفتح ببطء، لتصطدم لهفتها بالنظرات الجامدة للطبيب الذي خرج متوتراً ليخبرها أن صغيرها تم نقله للعناية المركزة لأنه يعاني من ضمور في خلايا المخ، كلمات ألقاها بفتور قبل أن ينصرف تاركاً الذهول على وجهها، تعالت صرخاتها في محاولة لفهم ما يحدث، لتخبرها الممرضات أن الأكسجين انقطع عن صغيرها أثناء العملية متسبباً في ضمور بخلايا المخ، لم تستوعب الصدمة سوى بعد رؤية صغيرها في غرفة العناية المركزة بين مئات الأنابيب التي شقت جسده، ليتركه الإهمال على حافة الموت بدون أمل يذكر.

 

محمد: باع كل ما يملك للحصول على «كلية» أودت بحياته

قصة الإهمال الطبي الذي تعرّض له الطفل «عبد الله» في أحد مستشفيات القاهرة ، ليست هي القصة الوحيدة التي تشير تفاصيلها إلى أخطاء طبية جسيمة يرتكبها الأطباء دون اكتراث بحياة مريض، وإنما هناك مئات القصص زادت فيها معدلات الأخطاء الطبية التي تصل بالمرضى إلى حالات العاهة المستديمة أحياناً، وإلى الوفاة في أحيان أخرى، هي القصص التي ترصدها آلاف الشكاوي والمحاضر والقضايا المتراكمة على قوائم المحاكم بين الضحية والطبيب، ومنها قصة محمد، الذي دخل غرفة العمليات لزراعة «كلية» وخرج منها جثة هامدة؛ نتيجة لفيروس بالمستشفى، والتفاصيل تؤكد أن محمد قضى 12 عاماً متواصلة بين عيادات الغسيل الكلوي، التي تردد عليها باستمرار، جسده الذي لم يُخف معالم الإعياء تحول لأسطوانة من الثقوب؛ التي شقها الأطباء أسبوعاً تلو الآخر لنجدته من آلام الكلى التي تداهمه بين الحين والآخر، بين عيادات الأطباء وتقارير المستشفى التي حفظ تفاصيلها طوال ثلاثين عاماً، هي عمر معاناته مع المرض، لم يتمن سوى زرع «كلية» قد تسمح له بحياة طبيعية لم يعرفها منذ طفولته، التي شابتها ذكريات الغسيل الكلوي ثلاث مرات أسبوعياً، الحاج يوسف محمد عبد الكريم، الرجل البسيط ذو الإمكانيات المحدودة، الذي وقف لسنوات لمراقبة ابنه محمد في عذاب الحصول على يومين من الراحة، بعيون زائغة وقلب لم يتوقف عن القلق على حياته التي اعتاد تأرجحها على حافة الموت، «فشل كلوي» هو التشخيص النهائي الذي سمعه من أحد الأطباء قبل أن يدخل ابنه في غيبوبة تستوجب سرعة الإنقاذ بزراعة كلية بديلة، جمع كل ما يملك لإجراء العملية، وانتقل بابنه من «المحلة» لمستشفى قصر العيني الفرنساوي لإجراء العملية، ساعات من القلق قضاها خارج غرفة العمليات التي خرج منها الطبيب لينهي قلقه، مطمئناً أن العملية نجحت وفي استطاعته الخروج بابنه من المستشفى بعد عدة أيام.

لم يكن الحاج «يوسف»، الذي خرج بابنه من المستشفى على أمل أن يراه في صحة جيدة، يتوقع أن تعود حالة ابنه للتدهور مرة أخرى، هرع به إلى المستشفى بعد حالة من التشنجات التي اجتاحت جسده بعد العملية، دخل على إثرها في غيبوبة طويلة، جمع ما يمتلك من تقارير طبية تشرح حالة ابنه بالتفصيل وتوجه بها إلى الأطباء، الذين أفادوا بتعرض الحالة لفيروس أثناء إجراء العملية نتيجة لتلوث في غرفة العمليات، انتهى الحال بمحمد داخل غرفة العناية المركزة بين الحياة والموت، حتى انتصر الموت على محمد بعد فترة قصيرة، تاركاً «ابنه» الوحيد ضحية لإهمال المستشفى.
عن تفاصيل القصة يتحدث «الحاج يوسف» قائلاً: «لم أكن أتوقع أن ينتهي الأمر بوفاة ابني بعد أن انتظرت شفاءه طوال سنوات؛ قضيتها في عيادات الغسيل الكلوي على أمل إجراء العملية التي أدت لوفاته».
يضيف: «حاولت الحصول على الأسباب الحقيقية للوفاة من داخل المستشفى، لكنني فوجئت برفض الأطباء الحديث في الأمر، فقمت بجمع التقارير وعرضتها على مجموعة من الأطباء في العيادات الخاصة، وحصلت على تقرير يثبت أن الوفاة نتيجة لفيروس في غرفة العمليات تسبب في تشنجات أدت إلى الوفاة، توجهت بعدها لتحرير محضر بقسم السيدة زينب، انتهى بتحقيق النيابة في الواقعة ثم عرض التقارير على لجنة من الطب الشرعي، التي أقرّت بتعرض «محمد» إلى تلوث داخل غرفة العمليات مما أدى إلى وفاته، ومازالت القضية متداولة بين المحاكم، ولم أحصل حتى الآن على حق ابني، ولم يُعاقَب الطبيب أو المستشفى المسؤول عن الحادث».


نادية محمد: أدخلت المستشفى بساق مكسورة وخرجت بجلطة رئوية

«نادية محمد»، لم تختلف قصتها كثيراً عن غيرها من قصص الإهمال الجسيم بين أروقة المستشفيات وتهاون بعض الأطباء في التعامل مع حياة البشر، القصة بدأت داخل أروقة أحد المستشفيات، عندما توجهت إليها لإجراء عملية يوم 12 آب/أغسطس عام 2012 لزراعة شريحة، بعد أن تعرضت ساقها لكسر يستوجب الجراحة، الحالة العامة لم تكن توحي بالقلق كما أكد الدكتور ذو الاسم الأشهر في علاج العظام في مصر، ورئيس قسم العظام بالمستشفى، تفحص ساقها سريعاً قبل أن يخرج قلمه لكتابة التشخيص، «كسر بالساق يستوجب تركيب شريحة»، انتهت العملية ونظر إليها الطبيب معلناً إمكانية الخروج من المستشفى، مؤكداً ضرورة البقاء دون حراك لمدة ستة أسابيع، ربما لم يسعفه وقته الثمين من كتابة روشتة بالأدوية التي تحتاجها المريضة بعد العملية، لم يأمر بمتابعة الحالة التي اختفت من ذاكرته بمجرد الخروج من الغرفة، ملتفتاً لجدول أعماله المزدحم بالمواعيد.

بعد عدة أسابيع من إجراء العملية هرول زوج «نادية» لإحضار طبيب في المنزل، بعد أن ارتفعت صرخاتها طلباً للنجدة، اتسعت عينا الطبيب أثناء الكشف عليها، مؤكداً إصابتها بجلطة نتيجة للرقود دون حراك طوال هذه المدة، نظراً لما تشير إليه التقارير الطبية التي سبقت إجراء العملية، والتي كانت تستوجب إعطاءها دواء مسيلاً للدم لتفادي الإصابة بجلطة متوقعة بعد إجراء العملية، الطبيب الذي حضر إلى البيت أكد ضرورة نقلها للمستشفى على وجه السرعة في محاولة للحاق بالجلطة، التي تسبب فيها إهمال طبيب العظام الذي لم يشر إلى دواء «سيولة الدم»، تاركاً المجال للجلطة التي أصابت ساقها مؤدية إلى جلطة على الرئة.

يحكي زوج نادية  تفاصيل المأساة التي عاشتها الأسرة قائلاً: «بعد العملية أشار الطبيب إلى ضرورة التزام الفراش وعدم الحركة، دون أن يلقي بالاً لدواء سيولة الدم، وهو ما أدى إلى جلطة بالساق نتيجة لعدم الحركة مع الحالة العمرية لزوجتي، توجهنا بها إلى نفس المستشفى بعد تدهور حالتها ، لكننا فوجئنا بحالة من الإهمال الجسيم متمثلة في تباطؤ الأطباء بالكشف على الحالة، وعدم وجود طبيب في قسم الطوارئ، إلى جانب عدم فحص المريضة، سوى بعد إجبارنا على دفع عشرة آلاف جنيه في خزينة المستشفى، كشرط لفحصها، بعد دفع المبلغ بدأ فحص الحالة بعد تأخير طويل أبقاها لأربع ساعات متواصلة تعاني من آلام حادة في طرقات المستشفى، قبل أن تنتقل أخيراً لغرفة العناية المركزة للخضوع لمذيب للجلطة، التي لم تنجح في إنقاذها نتيجة للإهمال، فكانت النتيجة وفاتها بعد ساعة من الدخول لغرفة العمليات». يكمل الزوج تفاصيل الإجراءات التي قام باتخاذها عقب الوفاة مباشرة: «توجهت لإدارة المستشفى مطالباً بالتقارير الطبية التي تشرح حالة زوجتي، وفوجئت برفض الإدارة إعطائي ما يشير إلى الإهمال، خوفاً من إبلاغي عن الواقعة، ثم نجحت في الحصول على التقارير، بعد أن أقنعتهم أني أحتاجها للحصول على تأمين على حياتها».

يضيف: «توجهت لتحرير محضر رقم «8100» بقسم شرطة مصر الجديدة، أتهم فيه الدكتور والمستشفى بقتل زوجتي نتيجة للخطأ المهني الجسيم، وقمت بسرد تفاصيل الواقعة التي تضمّنت إهمالاً مهنياً جسيماً متمثلاً في عدم التوصية بتعاطي حقن تمنع تجلط الدم، بالرغم من ضرورة حقنها بهذا الدواء بعد إجراء العملية لمدة ثلاثة أو أربعة أيام على الأقل، الأمر الذي تسبب في حدوث جلطة رئوية للحالة أدت إلى الوفاة بتاريخ 24 آب (أغسطس) من نفس العام، وذلك طبقاً لتقرير الوفاة الصادر من نفس المستشفى، مما يعد خطأ طبياً ومهنياً جسيماً تسبب في إهدار حياتها.


المحامي عمر أمين: لا توجد نصوص قانونية رادعة للإهمال الطبي

التفاصيل القانونية التي شهدتها حالة السيدة «نادية محمد» يكمل روايتها محامي القضية السيد «عمر أمين»، المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، والذي غرق طوال سبع سنوات كاملة بين قضايا الإهمال الطبي، التي لم تحصل أغلبها على حق أمام تشابك المنظومة الطبية المعقدة، والتشريع الذي لا يعطي للضحية حق فيما تعرضت له من إهمال.
يقول أمين: «بدأنا باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المستشفى والطبيب المسؤول عن الحالة، بعد تحقيقات النيابة التي أودعت التقارير الطبية إلى لجنة الطب الشرعي، التي أبقت على الأوراق منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي دون الخروج برأيها النهائي حتى الآن». وعن تفاصيل الإجراءات القانونية المتبعة في حالات الأخطاء المهنية الجسيمة، يتحدث عمر أمين بشيء من التفصيل موضحاً: «الإجراءات القانونية تتمثل في استيفاء التقارير الطبية، ثم عرضها في تحقيقات النيابة، التي تقوم بعرضها على لجنة الطب الشرعي للفصل في حالة حدوث خطأ طبي من عدمه، وهي اللجنة التي غالباً ما تبتعد عن إدانة الطبيب في معظم الحالات، وفي حالة رفض اللجنة للإفصاح عن الخطأ، نقوم بتقديم مذكرة لعرض التقارير مرة أخرى على لجنة ثلاثية من الطب الشرعي للوصول إلى تقرير يفيد بتأكيد الواقعة، وهو الأمر الذي قد يستغرق سنوات ولا يصل في أغلب الحالات لإدانة الطبيب، نتيجة للمنظومة الطبية المتشابكة التي ترفض الوشاية بالطبيب مهما كانت درجة الخطأ، دون النظر لحق المريض الضائع نتيجة للإهمال».

الكارثة الكبرى لا تتمثل فقط في الأخطاء الطبية، التي تزايدت معدلاتها بشكل كبير داخل المستشفيات المصرية، بل تتجاوز إلى تواطؤ المنظومة الطبية في عدم إدانة الأطباء في أغلب الحالات، على حد تأكيد المحامي عمر أمين، الذي أرجع الأمر لعدة أسباب، على رأسها تراخي المادة 38 من قانون العقوبات، وهي المادة التي تعاقب على الأخطاء المهنية الجسيمة، ويشرحها قائلاً: «التشريع الخاص بالمعاقبة على الأخطاء المهنية الجسيمة، وهي المادة 28 عقوبات، لا تنص على أحكام رادعة لمن يقوم بخطأ مهني جسيم قد يؤدي للوفاة، وتقول المادة إنه في حالة حدوث خطأ مهني جسيم قد يسبب الوفاة لا تتعدّى العقوبة في حالة إثبات الحالة سوى 50 جنيهاً غرامة للطبيب، غالباً يصعب الحصول عليها، إلى جانب صعوبة الحصول بشهادة من طبيب على طبيب آخر، في ظل حالة تشابك المنظومة الطبية التي تعيشها معظم المستشفيات في مصر.


أيمن محمود «رئيس جمعية الدفاع عن ضحايا الإهمال الطبي»: من الصعب الحصول على تقرير من طبيب يدين فيه زميلاً له

 2003 هو تاريخ إنشاء الجمعية المصرية للدفاع عن ضحايا الإهمال الطبي، التي أطلقها أيمن محمود المحامي بالنقض والباحث بالقانون الدولي، بالتعاون مع مجموعة من المحامين المصريين، الذين تبنوا قضية الدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية الجسيمة.
آلاف القضايا استقرّت بين أدراج الجمعية التي تبنت القضية، وفتحت باباً من الأمل لأصحاب الحقوق الضائعة دون مقابل، في محاولة لتكوين جبهة للتصدي لتزايد معدلات الأخطاء الطبية ورصدها والحصول على الحقوق القانونية والتعويضات لأصحاب هذه القضايا.

وعن أسباب إنشاء الجمعية تحدث أيمن محمود، رئيس مجلس إدارة الجمعية غير الهادفة للربح، قائلاً: «الفكرة من إنشاء جمعية للدفاع عن حقوق ضحايا الإهمال الطبي، نبعت من المعدلات الصارخة للأخطاء الطبية، التي غالباً ما تحدث نتيجة اللامبالاة والتهاون بالأرواح، إلى جانب تزايد أعداد الضحايا التي تحولت إلى فئة كبيرة من أصحاب الحقوق المهضومة، في ظل تشريع لا يتم تطبيقه في معظم الحالات، كما ينظر إليهم المجتمع باعتبارهم مجرد فئة تبحث عن تعويض مالي، بالإضافة إلى تهاون «نقابة الأطباء» في النظر في الشكاوى المقدمة من الضحايا، والتي وصل عددها منذ بداية عام 2013 فقط إلى ألف شكوى، لم ينظر فيها حتى الآن.

وعن الإجراءات القانونية والمنظومة الطبية يتحدث أيمن محمود، بحكم خبرته في هذا المجال، قائلاً: «المنظومة الطبية تسير من سيِّئ إلى أسوأ في مصر، بداية من قضية أكياس الدم الملوثة وبنوك الدم مجهولة المصدر، مروراً بالأخطاء الطبية الجسيمة من الأطباء، وإهمال المستشفيات، ووصولاً إلى ضياع الحقوق في ظل منظومة مغلقة من الأطباء الذين يصعب اعترافهم بالجريمة، وتكمن صعوبة الحصول على حكم قضائي لصالح الضحية في تواطؤ لجان الطب الشرعي، التي تميل إلى إنصاف الأطباء وعدم إدانتهم، فمن المستحيل الحصول على شهادة من طبيب تدين أحد زملائه، وهو ما تعارف عليه من عادات وتقاليد المهنة، التي ترفض الحديث بضمير في مثل هذه الوقائع، وتترك حياة المريض معلقة على شهادة طبية غالباً ترفض الاعتراف بحقه».

وعن التشريع الخاص بالفصل في قضايا الإهمال الطبي يقول: «ليست المشكلة في المادة الخاصة بالأخطاء المهنية في قانون العقوبات، المشكلة الأكبر في عدم تطبيقها، وصعوبة الوصول إلى حكم قضائي لصالح الضحايا، المشكلة يجب حلها بعدّة طرق، أولها فصل مصلحة الطب الشرعي عن نقابة الأطباء وتحويلها لمصلحة تابعة لوزارة العدل، حتى يتسنى لها الحكم بشفافية في قضايا الإهمال، كما يجب مطالبة وزارة الصحة بإعادة هيكلة المنظومة ككل، وتطبيق المعايير العالمية في الحفاظ على أرواح المرضى، وتطبيق عقوبات رادعة على من يخطئ، والتوقف عن التهاون في تعامل المنظومة الطبية مع أرواح البشر.


الدكتور علاء العشري: هناك فرق بين الخطأ الطبي والمضاعفات المتوقّعة بعد إجراء العملية الجراحية

وعن معايير السلامة التي تمنع حدوث الأخطاء الطبية يتحدث الدكتور علاء العشري، أستاذ جراحة السمنة المفرطة وجراحة الثدي بجامعة عين شمس، قائلاً: «منذ ما يزيد على عشر سنوات، بدأت معايير الجودة في الدخول ضمن أساسيات إجراء العمليات الجراحية، وهي المعايير التي نعمل على تطبيقها تفادياً للأخطاء الطبية الجسيمة، وتتعدد أنواع الأخطاء الطبية كما تتعدد أسبابها، فهناك الأخطاء الناتجة عن ترك فوط العملية داخل بطن المريض، وهي الحالة الشائعة التي لا تعد خطأ من الطبيب، فهي مسؤولية هيئة التمريض في إحصاء الفوط وأدوات الجراحة قبل وبعد العملية، وهي الحالات التي يجب أن تقنّنها معايير عالمية في التأكد من عدد الأدوات تجنباً لخطأ مماثل».

يضيف العشري موضحاً الفرق بين الأخطاء الطبية ومضاعفات المرض قائلاً: «هناك فرق بين الخطأ الطبي والمضاعفات المتوقعة بعد إجراء العملية الجراحية، فالأخطاء الطبيّة قد تؤدي لنتائج كارثية قد تبدأ بتسمم بكتيري، يؤدي إلى المضاعفات التي قد تصل للوفاة مع اختلاف الحالات، ويجب على المريض متابعة الحالة مع الطبيب المختص بعد العملية للكشف عن أي خطأ فور حودثه، وفي النهاية هذه الأخطاء يجب أن يحكمها تطبيق المعايير الدولية بشكل صارم، والتفتيش عليها من لجان مستمرة داخل المستشفيات».