جراحة التجميل: بين الضروري والمرفوض!

ياسمين جمال, جراحة التجميل, شفط الدهون, حرق / حروق الجلد, الشيخوخة ومقاومتها, بتر الأعضاء, التجاعيد ومحاربتها, البوتوكس, تجميل الأنف, الوراثة, ترميم المخطوطات, التشوهات الخلقية, اضطرابات نفسية, أمراض سرطانية, د.جوزف أبو موسى, زرع الشعر, رفع الصدر

21 ديسمبر 2010

الجمال والتجميل عبارتان تتكاملان، بحيث يبحث المرء دوماً عن التحسين. ولا مانع من تجميل شكله ليغدو أكثر تألقاً. بيد أن الخطأ الأكبر الذي قد نقع ضحيّته، هو محاولة إلغاء كلّ معالم الجمال الطبيعيّ وإستبدالها بالتجميل الصناعي. ذلك أنّ الخط الفاصل ما بين التحسين والتشويه، رفيع للغاية. يطلب جميع الأطباء إستشارة الإختصاصيين في مجال التجميل للحصول على النتيجة المطلوبة، القريبة إلى الطبيعية من دون المبالغة والإبتذال وفقدان الهويّة. إنّ المعادلة الصحيحة هي معرفة الخضوع للتجميل المناسب بغية إزالة «العيب» أو «الشائبة» أو «التشوّه» والمحافظة على التعابير والتقاسيم والملامح الفريدة.


فمتى تكون الجراحة التجميلية هي سلّم النجاة والحلّ الجذري؟ ومتى تكون الحكم بالإعدام والتشوّه المؤبّد؟

يفسّر الدكتور جوزف أبو موسى، الإختصاصيّ في الجراحة التجميلية وجراحة الترميم، الحالات التي لا بدّ لها من الخضوع للجراحة التجميلية، بعيداً عن مبدأ المبالغة والإستنساخ. كما يتحدّث عن الشق الترميميّ الضروريّ إثر التعرّض لحادث أو لحرق، أو بسبب المعاناة من تشوّه خلقيّ أو تجميليّ. ومن جهة أخرى، تعطي إختصاصيّة علم النفس سارة مبارك، لمحة خاطفة عن النظرة الذاتية التي تجعل المرء في توق إلى الجراحة، مستشهدة بالعامل النفسيّ والشق الإجتماعيّ. تختلف الآراء إزاء طرح موضوع التجميل من الباب العريض. فالبعض يفضّل قطعاً ابقاء الشكل الذي وُلد الإنسان متمتّعاً به، أي التكاوين الأصليّة مهما إختلف شكلها. فيما يلجأ القسم الآخر إلى التحسين والتجميل، تماشياً مع العصر ومع الصورة الجميلة التي بات يفرضها، أو حتى إرضاءً لرغبة ذاتية وحاجة نفسيّة.
يقول الدكتور أبو موسى «لا بدّ من معرفة إستخدام الطبّ الحديث وتطويعه لخدمة رغبة الإنسان ومتطلّباته، لكن بعيداً عن الإستنساخ الحاصل والمبالغة إلى حدّ خدش البصر! فلا يجوز مطلقاً الإستعانة بالتجميل ما لم تدعُ الحاجة إليه».

بين الترميم والتجميل
يوضح الدكتور أبو موسى: «تُقسم الجراحة التجميلية شقين رئيسيين هما جراحة الترميم وجراحة التجميل. والهدف الأوّل من جراحة الترميم هو إعادة الشكل إلى ما كان عليه قبل التعرّض لحادث معيّن أو لحرق، أو محاولة تقريب الشكل قدر المستطاع إلى ما كان يجب أن يكون عليه طبيعياً في حال وجود تشوّه خلقيّ. وأمّا جراحة التجميل، فتهدف إلى تغيير الشكل أو تحسين الملامح بحسب طلب الشخص نفسه، كي يصبح أكثر تماشياً مع الموضة وأكثر مجاراةً للعصر وأجمل بنظره». فالفرق إذاً ما بين الشقين هو أنّ جراحة الترميم حاجة طبية وضرورة كي يتكيّف الإنسان مع «تشوّهه» ويتعايش مع آفته، بينما جراحة التجميل تخضع للطلب والرغبة، ولا مبرّر طبّياً لها أو ضرورة. يبقى أنّ معايير الجمال في تغيّر مستمرّ، فكيف نظلّ مواكبين للجمال وهو لا يخضع لمقاييس محدّدة؟

تجميل للضرورة!
بعيداً عن النزوات وحبّ تقليد الغير، وبعيداً عن المبالغة والإبتذال، من الممكن الخضوع للجراحة التجميلية في حالات أربع. يقول الدكتور أبو موسى: «بادئ ذي بدء، نلجأ إلى التجميل بعد التغلّب على أمراض سرطانية تتطلب إقتطاع عضو أو بتر عظام أو تترك تشوّهاً في الوجه أو الجسم. عندها، لا بدّ من إعادة زرع عضل أو عظم أو عضو، ليعود الشكل طبيعياً قدر الإمكان بفضل الإستعانة بالترميم للتجميل. في مجال آخر، تكون الجراحة التجميلية- الترميمية الحلّ بعد التعرّض لحروق بالغة أو حوادث. وذلك لإعادة تحسين المنطقة المشوّهة أو تطبيب الحرق وزرع الجلد الذي هو عازل مانع للإلتهابات. وأيضاً، للجراحة التجميلية حيّز لا يُستهان به في تجميل التشوّهات الخلقية الناتجة عن معضلة وراثية، كنقص في عدد أصابع اليد أو نقص عضو خارجيّ.. وهنا قد يتطلّب الأمر سلسلة من العمليات للحصول على النتيجة المطلوبة». هذه هي الحالات الثلاث التي تشكّل «ضرورة طبية» لا غنى عنها لإعادة تكوين الجسم والوجه البشريّ بطريقة سليمة وطبيعيّة.
وأمّا الحالة الرابعة، فهي حسب أبو موسى «حالات ثانوية تكون نتيجة جراحة سابقة غير ناجحة تماماً، تستدعي بعض الترميم بعدما كانت تجميلاً». فعندما تكون العملية الإختيارية التجميلية الأولى غير مُرضية، بسبب خطأ طبي، أو تطلّب من المريض، لا بدّ من عملية ثانية ضرورية للتصحيح.

متى ولماذا؟
عندما يقرّر الإنسان أخيراً الخضوع لمبضع الجرّاح التجميليّ،لا بدّ من أن يكون متاكداً من قراره، بحيث لا رجوع عنه. على الطبيب أن يقوم بواجبه كاملاً من حيث إطلاع الشخص على كل التفاصيل، من نسبة نجاح العملية، إلى الوقت اللازم للتعافي، إلى الآثار التي لا تزول، إلى العواقب وحتى إلى الكلفة، كي لا يخيب أمل المريض بعدما كان قرّر التجميل كخيار!
والجدير بالذكر أنّ العمليات التجميلية الإختيارية تُطبّق في مختلف الأعمار، حسب نوعها. فمن الممكن حتى أن يخضع لها المولود الجديد في حالة إنقسام فتحة الفك مثلاً. ويبقى المعيار الوحيد هو نوع العملية والحاجة الطبية إليها.
ولا بدّ من التنويه بأنّ أكثر جراحات التجميل المطلوبة والشائعة الآن عند الرجال هي زرع الشعر وشفط الدهون عند الأرداف وفي منطقة البطن المترهل، إضافة إلى حقن البوتوكس لإخفاء التجاعيد وتقنية الليزر للتخلّص من الشعر الزائد في الخدّين والأذنين. وأمّا عند النساء فهي رفع الصدر وتكبيره، وشفط الدهون، وتعديل الأنف، إضافة إلى البوتوكس وحقن الدهون للتخلّص من مظاهر الشيخوخة المبكرة، وطبعاً التخلّص من الشعر الزائد في مختلف أنحاء الجسم.


إبتذال ومبالغة!

غالباً ما يكون الهدف من الذهاب الى الجرّاح التجميليّ هو التخلّص من شيء مزعج في الشكل يكون وضحاً ونافراً. لكن في بعض الأحيان، يكون اللحاق بالموضة العمياء أو الغيرة من الأخريات أو حبّ لفت النظر هو المبرّر الوحيد لتقرّر السيدة الخضوع للتجميل. يشير الدكتور أبو موسى الى «أنّ السيدة التي لا تعاني عيباً في شكلها وتريد إجراء الجراحة رغم معارضة الطبيب المختصّ، تتصرّف بتطرّف وتكون نتيجة ذلك الشكل المبتذل الزائد عن حدّه والتجميل المبالغ به، بحيث يُضحي نافراً أكثر من ذي قبل وقد يولّد النفور أو حتى الإشمئزاز منه». فماذا بعد تعديل الأنف ونفخ الشفاه وتعبئة الخدود وتكبير الصدر وتصغير الأرداف وشدّ العينين؟ وأين فرادة المرأة وتميّزها عن سواها؟ وأين إختفت تعابيرها وملامحها وتقاسيم وجهها؟
في هذه الحالة، لا تعود الغاية من التجميل هي التحسين، بل تنمّ عن جهل وعدم ثقة بالذات الى حدّ إعتبار أن الشكل النافر والحجم المبالغ به هو ما سوف يمكّن المرء من البروز في المجتمع!

نفسيّة مرتاحة

لا تكمن أهمية التجميل فقط في إخفاء عيب خارجيّ أو تحسين الطلّة. وإنما هو ركن أساسيّ في جلب الإستقرار النفسيّ والطمانينة والراحة إلى الشخص الذي قد لا يكون متصالحاً مع شكله الخارجي، مما يدفعه إلى الخجل والإنزواء ويزعزع ثقته بنفسه ويحطّم معنوياته. تفسّر مبارك «إنّ الشخص ذا الثقة المتزعزعة بنفسه وغير المتصالح مع ذاته هو الأكثر عُرضة للمشاكل النفسية من سواه. فمن هذا المنطلق، تكون الجراحة التجميلية ضرورة له كي يتنفّس الصعداء، إذ تحرّره من القلق والتوتر والحزن غير المبرّرة. كما تعطيه الدفع الضروريّ للإنخراط في المجتمع، فينعكس الأمر إيجاباً على تصرّفاته، ويتماثل للشفاء من عقدة الشكل ويختلط بالمجتمع. فالمعنويات هي المحفّز الأوّل للمضيّ قُدُماً. وعندما يقرّر المرء التخلّص من شيء يعيقه لتحقيق أحلامه، فعليه القيام بذلك. وإن عنى ذلك الخضوع للتجميل، فليكن!».
فالتحسين الطفيف في الشكل أو التعديل في عضو معيّن مثل الأنف أو الصدر، أو محو التجاعيد، ليس إبتذالاً وشواذاً، بل هو تجميل بسيط لنفسية مرتاحة، ولا يتّصل بالتغيير الجذريّ والرفض القاطع للصورة الذاتية الحالية. لأنه إذا عانى الشخص إشمئزازاً كاملاً ورفضاً كلّياً لشكله وأراد تجميلاً جذرياً، فذلك، حسب مبارك «دليل واضح على المعاناة من داء نفسيّ يستدعي العلاج الفوريّ وعدم الرضوخ لنزوات «المريض»، لأنه لن يتقبّل حتى شكله الجديد، بل سوف يظلّ توّاقاً للتغيير في محاولة يائسة منه لجلب الإستقرار النفسي الذي يفتقده في حياته».
وتشدّد مبارك على «أنّ الشخص الذي يكتفي بجراحة تجميلية معيّنة للتخلّص من شائبة تقضّ مضجعه ليس بمريض نفسيّ، بل هو إنسان محبّ للجمال ويسعى للحصول على الشكل المتناسق، بمساعدة الطبّ التجميليّ الذي يمكّنه من القضاء على مشكلة قد تكون بسيطة وصغيرة، لكنها تعيق أسلوب حياته أو تمنعه من الشعور بالرضى التام والإكتفاء الذاتيّ».
ما من أحد راضٍ كلياً عن شكله، وكلّنا نتمنى التغيير وإن البسيط في تفصيل معيّن في جسمنا أو وجهنا. لكن المهمّ هو إتخاذ القرار الصائب، لتكون الجراحة التجميلية سبباً للراحة وليس لإضافة التعاسة والندم لاحقاً، في حال عدم التمكّن من عكس مفعول التجميل.
علينا أن نفرّق ما بين الرغبة الحقيقيّة في التغيير، النابعة من إنزعاج حقيقيّ من مظهرنا، ونزوة عابرة لتقليد المشاهير أو المحيطين بنا.