Home Page

توتر الأبناء المفاجئ

اضطرابات في الأكل, اضطرابات في اللغة, العدوانية, معالج نفسي, فراق, حزن, مشكلة / مشاكل وأمراض الطفل / الأطفال, اضطرابات جسدية, اضطرابات نفسية

11 يونيو 2009

ييجد الأهل أنفسهم أمام سؤال كبير تثيره ملاحظات معلمة ابنهم حول سلوكه المضطرب والمفاجئ. ماذا يحدث لابني؟ عمر يتصرف بعدوانية مع أقرانه، منى لم تعد تتحدث مع صديقتها، رامي يسرق، هاني يستيقظ مرتعبًا... سلوك مفاجئ لا سبب ظاهرًا له، وفي المقابل يصعب على الأهل مواجهته ويفضّلون تحجيم المشكلة ظنًا منهم أن هذا السلوك عابر. فهل هذا مؤشر لاضطراب نفسي يعانيه الطفل؟

يجيب الاختصاصيون أن هناك اضطرابات طبيعية عابرة تصيب الأطفال، تقابلها اضطرابات مقلقة لأنها تظهر فجأة. فخلال مرحلة النمو يمر الطفل بمراحل صعبة: أزمات غضب، عدائية مفاجئة، انعزال لا مبرر له، معارضة... . ولكن هذه الاضطرابات السلوكية لها مفاتيح سرية أو إشارات. ففي سن الثالثة تظهر عند الطفل أزمة اللـ«لا»، وبين الثانية والخامسة تظهر اضطرابات النوم التي قد يكون وراءها أحداث جديدة، كولادة أخ جديد،أو الدخول إلى المدرسة أو الانتقال من مكان إلى آخر...  وفي المقابل قد يكون سبب الاضطراب مشكلة صعبة يواجهها الطفل، والسلوك الناتج عنها يظهر رغبة سلبية. فهو مثلا يريد أن يتصرّف بحرية مطلقة ويكتشف العالم حوله ولكن تعيقه أمور كثيرة، مما يجعله يكبت الغضب في داخله فيتحوّل إلى شعور بالتوتر، أو التصرّف بعدوانية...

وهذه بعض إشارات التوتر المرضي الذي يصيب الطفل والتي على الأهل أخذها في الاعتبار:

  • تغيير في السلوك: عدوانية، ظهور حركات لا إرادية Tics، طقوس اغتسال جديدة.
  • قلق مفرط: قلق، عصبية، انكماش على الذات، انهيار عصبي، عدم الرغبة في اللعب، صمت دائم.
  • اضطرابات في الأكل: أنوركسيا، تقيؤ متكرر.
  • اضطرابات في اللغة: صعوبة في اللفظ وصعوبة في التعلّم.
  • اضطرابات نفس-جسدية: التبول الليلي، آلام في الرأس والمعدة.
  • صعوبة في النوم: سرملة( أي المشي أثناء النوم)، أرق، كوابيس مخيفة.
  • رسوب مفاجئ في المدرسة.

من يجب استشارته؟

درهم وقاية خير من قنطار علاج. من الأفضل اكتشاف المشكلة والعمل على حلها فورًا بدل الانتظار أملاً في أنها ستزول وحدها. فالمشكلة وإن زالت من دون طلب مساعدة قد تعاود الظهور في مرحلة المراهقة أو عند حدوث أمر طارئ. والحل الأمثل هو استشارة طبيب العائلة أو طبيب الأطفال الذي يساعد الأم في اختيار اختصاصي نفسي أو طبيب نفسي أو اختصاصي نفسي- جسدي، أو مقوّم نطق. ولا يجوز أن تقلق هذه الخطوة الطفل والأهل، فاستشارة اختصاصي لا تعني الشروع في العلاج نفسي، بل بعض الجلسات تكون كافية للتخلص من المشكلة. والطفل يفهم أن هذه الجلسات سببها الصعوبة التي يواجهها حاليًا.

كيف يعمل المعالج النفسي؟

يطلب المعالج النفسي من الأهل المشاركة الفعلية في عمله بالطلب منهم أن يزوره مع طفلهم أو من دونه. فهو لا يهتم فقط بمؤشرات الاضطراب التي هي سبب الزيارة، وإنما يبحث عن إعادة تشكيل المحيط العائلي، والتعرّف إلى تاريخ الطفل. وفي المقابل تتضمن جلسات العلاج نشاطات يقوم بها الطفل إما وحده أو مع أهله بحسب سنّه. فللطفل ما دون الست سنوات تكون النشاطات اللعب أو الرسم أو لعبة تبادل الأدوار. ومع الطفل ما فوق الست سنوات تحل جلسات الحوار محل الألعاب.

أعرف أن موت أحد الأقارب يسبب توترًا عند الطفل. كيف يمكن أن أتحدث إلى ابني عن الموت؟

 يقلق معظم الأطفال من الموت ويطرحون حوله الأسئلة، وسبب هذا أن الأهل يتكلمون على الموت بالهمس والسر وأحياناً بغموض، مما ينتج عنه حيرة وخوف عند الطفل الذي لا يستطيع أن يتخيل أن للحياة نهاية، ويرتعب عندما يفكر أن حياته أو حياة من حوله يمكن أن تنتهي فجأة.

يجب قول الحقيقة للطفل بوضوح أي ألا نقول له أن جدتك نامت ولم تقم. لأن الطفل سوف يخاف أن يغمض عينيه لأنه سيظن أنه إذا نام فلن يقوم، وقد يرى كوابيس مرعبة. يجب التكلم مع الطفل بصراحة ولكن يجب السيطرة على عواطفنا ومشاعرنا لأنه من الممكن أن يخاف الطفل إذا أظهرنا الحزن في شكل عنيف. وهذا لا يعني أن لا نظهر حزننا. والكلام على الموت بصراحة يمنح كل أفراد العائلة شعوراً بالراحة.

كيف أعلّم طفلي تقبل الفراق والحزن؟

يرى الاختصاصيون أنه لا يجوز انتظار موت أحد الأقارب حتى يواجه الطفل معنى الموت. فالأفضل جعله يدرك معنى الموت في سن صغيرة عندما تتاح الفرص المناسبة لذلك. فمثلا عندما يموت حيوانه الأليف يمكن الأم انتهاز هذه الفرصة والشرح له دورة الحياة أو قراءة قصة له تتضمن أحداثها فكرة الموت. فبهذه الطريقة يعتاد الطفل فكرة الموت فيبدو له أنه أمر طبيعي إلى حد ما، حتى لو لم يكن يقدّر النتائج مسبقًا. فالطفل دون الخمس سنوات والذي لا يدرك بعد مفهوم الوقت أو المدة لا يمكنه فهم معنى الموت. أما الانفصال الموقت  فخلال التجارب التي يمر بها والمواقف التي يواجهها الطفل تجعله يفهم معنى الانفصال تدريجيًا، مثلا ابتعاده عن أمه خلال ساعات وجوده في الحضانة أو فقدان لعبته المفضلة يسببان له حزنًا. هذا النوع من الحزن الرمزي يساعده في إدراك  في اللحظة المناسبة معنى الموت والخسارة.

ماذا يفهم الطفل بعد موت أحد الأقارب؟

غالبًا ما  يفرض الموت مجموعة كبيرة من الأسئلة ويسبب قلقًا عند الطفل. وترتكز أسئلة الطفل على مستوى فهمه لمعنى الموت، وعلى سنّه وتطوره الفكري وتجاربه الخاصة. فالطفل ما دون الخمس سنوات تكون أسئلته مرتبطة بشعوره بالأمان. متى يعود جدي؟ إلى أين رحل؟ هل علي مناداته بصوت عالٍ جدًا؟ لذا من المهم جدًا في هذه الحالة ألا تكون أجوبة الأم ترتكز على وهم عودة الجد أو القريب الذي مات. لذا من الضروري تجنب القول للطفل «إنه سافر في رحلة» أو «إنه نائم» لأن الطفل يأخذ هذه الوعود الواهية على محمل الجد و بالتالي لن يعيش حزنه. وإذا قالت الأم «رحل إلى السماء» عليها أن تكمل هذه العبارة «ولن يعود». كما يمكن الأم أن تستشير الاختصاصي النفسي أو طبيب طفلها في العبارة الصحيحة «مات لأن حياته انتهت».

وينصح الاختصاصيون الأم أيضًا بتفادي القول لطفلها «إن الشخص الذي مات يراه وهو في السماء أو يراقبه باستمرار»، فهذه العبارة تقلقه أكثر مما تطمئنه، حتى ولو كان الطفل في سن لا يفهم معها المعنى  الحقيقي للموت. لذا من الأفضل قول الحقيقة لأن الطفل يستوعبها تدريجيًا. وفي المقابل يجب أن تلازم هذه الخطوة عبارات  مواساة لطمأنة الطفل الذي يشعر بأنه مهمل. كالقول له مثلاً «أن بقربك» أو «أنت لست وحيدًا» أو  «سوف أهتم بك دائمًا». ومن الضروري في ما بعد أن تقوم الأم بتشجيع طفلها على التعبير عن حزنه من خلال الرسم أو بعبارته الخاصة، أما الطفل الذي تتعدى سنه الخامسة يمكن التحدث إليه كي لا يتحوّل الحزن إلى صمت يسبب له كآبة.