تكوّن شخصية الطفل وتطوّرها

تربية الطفل / الأطفال,نمو وتطور الطفل / الأطفال,طفل / أطفال,مرحلة القلق,أزمة المعارضة,إدراك الهوية الجنسية,مرحلة الخوف,مرحلة السيطرة,كيفية ممارسة السلطة

07 ديسمبر 2009

يتفق اختصاصيو علم نفس الطفل على أن بناء شخصية الطفل وتطويرها  ليصبح كائنًا مستقلاً وقادرًا على تدبّر أموره وحده، لا بدّ لهما أن يمرا بمراحل، للأهل دور في جعل هذه المراحل تمر بسلام.

 

مرحلة قلق في الثمانية أشهر
يمر كل الأطفال بمرحلة القلق. فبمجرد خروج الأم من حقل نظر الطفل أو اقتراب أي شخص غريب منه يشعر بالقلق فيعبّر عنه بالبكاء. وهذا القلق لا يقتصر على والدته بل يشمل كل الأشخاص الذين يشكّلون بالنسبة إليه المحيط العاطفي، كالأب والأخ والأخت والجدة والخالة... فهذا الاختفاء الموقت يجعل الطفل يغوص في بحر من القلق. ويشير الاختصاصيون إلى أن أزمة القلق لا علاقة لها بالنكوص، بل هي مؤشر حقيقي لأن الطفل بدأ يتطوّر على المستوى الفكري، فهو يفهم أنه ووالدته كيانان مستقلان. والشعور بالقلق يشير إلى أنه أصبح يدرك أنه جزء من هذا العالم. وتسأل الأم كيف يجب التصرّف تجاه بكائه؟ على الأم أن تشرح لطفلها لمَ عليها الخروج ومن سيهتم به أثناء غيابها، وعليها أن تؤكد له أنها ستعود، فهو يفهم أكثر مما تتوقع.

أزمة المعارضة
هناك أزمات معارضة عدة تشير إلى نمو الطفل. فالطفل يعارض بشكل تلقائي الراشدين، ويدرك أنه لا يريد أن يخضع لوالديه، ويبتزهما باستعمال كلمة «لا»  كي يعبّر عما يشعر به. ومراحل المعارضة هذه مرهقة بالنسبة إلى الوالدين، ولكنها ضرورية للطفل، فمن خلالها  يبني شخصيته. وتظهر مرحلة المعارضة هذه خلال مراحل التعليم  الكبرى مثل المشي والنظافة، وكلما تعلّم الطفل تدبر أمور وحده صعبت السيطرة على رغبته في حرية التصرف، فهو يريد اكتشاف العالم وممنوعات أهله تعيقه عن التحرك كما يريد. وفي المقابل فإن المعارضة بالنسبة إلى الطفل وسيلة للتكيف خلال مرحلة الانقلابات الكبرى لاسيّما مع مجيء شقيق صغير أو الانتقال من منزل إلى آخر.

كيف يجدر بالأم التصرف تجاه « لا» الطفل؟
ذكرنا أنه خلال تطور الطفل الحركي واكتسابه الاستقلالية يمر بمراحل عدة من المعارضة. وعلى الأم التحلي بالصبر والابتكار كي يعبر هذه المرحلة. لذا يجب استعمال التفاوض مع الطفل، فإذا لم يشأ مثلا ترتيب ألعابه فورًا فاوضيه ليقوم بذلك بعد خمس دقائق... يرفض ارتداء كنزته الحمراء، اقترحي عليه الزرقاء.

مرحلة  الـ« لماذا
يرهق الطفل أمه بالأسئلة التي لا تتوقف طوال النهار، فكل ما يراه ويسمعه هو موضوع أسئلة، إنها سن الـ « لماذا» التي تبدأ في الثالثة. فمع دخول الطفل الحضانة يكتشف عالمًا جديدًا بعيدًا عن والدته. وبمواجهة كل هذه الأمور الجديدة من الطبيعي أن يبدأ بطرح الأسئلة اللامتناهية، التي تناسب سنه. وكلما تقدّمت سنه يمكن الأم الدخول في التفاصيل أثناء شرحها للأمور. ويلفت الاختصاصيون إلى أن عدم الإجابة عن أسئلته وتجاهلها قد يؤديان بالطفل إلى عدم الشعور بالاستقرار.

مرحلة إدراك الهوية الجنسية
كان سيغموند فرويد أوّل عالم نفسي اهتم بموضوع الهوية الجنسية، وقد حدّدها بثلاث مراحل يمر بها الطفل خلال نموّه وهي:

  •  المرحلة الشفوية: حيث يضع الطفل كل ما يجده في فمّه، و تدفعه هذه الرغبة إلى الهدم، وتصحو جسديًا مع ظهور الأسنان ، وهكذا ليس غريبًا أن يميل الطفل إلى العض.
  •  المرحلة الشرجية التي تظهر في السنة  الثانية، فالطفل يبدأ بالتفكير انطلاقًا من جسده، ويدرك الحدود بينه وبين كل من هو غريب، وتدفعه غريزته إلى الاحتفاظ بحسناته، وتعلّم السيطرة على جسده، كما يدرك في هذه المرحلة تأثيره على الآخر.
  •  مرحلة الإدراك الجنسي وتكون في السنة الثالثة، يكتشف فيها الطفل جسده و يتعلّم معنى النظافة، والسيطرة على أعضائه التناسلية فمثلاً يمنع نفسه من التبوّل تلقائيًا ويذهب إلى الحمام، ويظهر فضولا للتعرف على الفارق الجنسي بينه وبين أهله والمحيطين به. وفي هذه المرحلة يتعلّم الممنوعات.

مرحلة الخوف
يخاف الطفل من الظلام ومن الحيوانات ، ومن النوم... وبين السنتين والخمس سنوات تظهر أولى علامات الخوف لديه، وهناك أسباب مختلفة لهذا الخوف، وكلها طبيعية، وتكون جزءًا من توازنه. فهو عندما تتطور لديه ملكة التفكير، يصبح أكثر إدراكًا للتغيرات التي تحدث حوله والأخطار المحتمل وقوعها والتي يمكن أن تؤذيه. ولكنه في الوقت نفسه لا يعرف كيف يتصرّف عدما يجد نفسه في مواجهة موقف غريب ومفاجئ، فتكون مخاوفه نداء استغاثة كي يساعده الراشدون, وعلى الأهل  مساعدته في السيطرة على مخاوفه وبالتالي مساعدته في أن يكبر وينمو.

مرحلة السيطرة
يحتاج الطفل إلى أن يكون لديه مرشد، يساعده في استيعاب  الممنوعات الأساسية في المجتمع. فلكي يعيش في المجتمع عليه أن يتعلم تأجيل تحقيق رغباته فورًا. لذا فإن كبت الرغبات تجربة مناسبة لنمو الطفل. وفي الوقت نفسه عليه أن يعرف أن السلطة والحب أمران متلازمان وأن أحدهما يتفرع من الآخر، فلأن أمه تحبه تضع له لائحة ممنوعات تجعله في مأمن من الأخطار. وضع الحدود في طريق الطفل يساهم في تطوّره، فطريق واضحة المعالم والحدود تعني الأمان، وبالتالي يكسب الطفل ثقة بنفسه، ويكون مستعدًا أكثر للاستقلالية. و دون سلطة الأهل يشعر بأنه مهمل ومتجاهل.

كيف يمكن ممارسة السلطة؟
الوصفة السحرية هي التواصل، فالمنع من دون شرح لن يجعل الطفل يفهم لماذا عليه التقيّد بالحدود التي وُضعت، إذًا المنع غير مفيد في هذه الحالة. لذا من الضروري شرح اسباب الممنوعات بوضوح. كما من الضروري أن يتفق الوالدان في ما بينهما على أسلوب تربوي واحد، فإذا حصل الطفل على موافقة الأم ورفض الأب في الوقت نفسه لن يخضع لهما ويلعب على وتر تعارض الآراء بين والديه. لذا التوافق في الآراء بين الوالدين ضروري لكي يستطيعا إلزام الطفل بالقوانين المنزلية والخضوع لها. وفي المقابل من الضروري ترك هامش من الحرية للطفل شرط أن يكون في مأمن، إذ ليس من الضروري بحسب اختصاصيي علم نفس الطفل توتير الطفل بلائحة من الممنوعات اليومية، بل يجب أن يكون لديه سلطة واضحة المعالم ومنطقية كي يشعر بالأمان. و لا تنسوا أن الولدين هما نموذج الطفل.
وأخيرًا يجب ألا يخلط الوالدان بين السلطة والتسلط، إذ يصبح الوالدان متسلطين عندما يشعر الطفل بالخوف  إذا كانت تعليماتهما غير منطقية وغير عادلة، وإذا منعاه من التعبير عن مشاعره وحالته النفسية.

هل أعاقب أم لا ؟
عندما يتخطى الطفل الحدود يكون العقاب مقبولاً شرط أن يكون له معنى. إذ أن العقاب لمجرّد العقاب غير مفيد، بل من الضروري أن يفهم الطفل سببه. ومن جهة أخرى يجب أن يكون العقاب مباشرًا كي يدرك الطفل الربط بين السبب ونتيجته : حماقة كبيرة تساوي عقابًا. فالعقاب يجب أن يكون تربويًا، لا عنيفًا أو مذلاً. لذا فإرسال الطفل إلى غرفته حل جيد لأنه سيجعله هادئًا ويفكر في تصرفه مما يُشعره بالراحة. وفي المقابل يكون استعمال العقاب لأسباب وجيهة جدًا، فالعقاب المستمر لا يكون له مفعول إيجابي ويجعل الطفل يتوقع نتيجة فعله، وبالتالي قد يكذب ليتجنبه فيما على الأم أن تعزز ثقته بنفسه.
وأخيرا حضور الوالدين وكلامهما هما المحرك الأساسي لنمو الطفل. لذا من الضروري أن يكونا إلى جانبه لتشجيع نموه. ويحتاج الطفل إلى هامش من الحرية، لذا من الضروري أن يتفادى الوالدان القيام بالأمور تلقائيا بدلا منه، بحجة أن إنجازها يكون أسرع وأفضل. وقد يتعرض الطفل لصدمة الفشل، لذا على الوالدين أن يكونا إلى جانبه لإرشاده وتفادي العبارات التي تقلل من قيمته. مثلاً«أنت أحمق، أو فوضوي». فكلمات من هذا النوع تجرح مشاعره وتفقده الثقة بنفسه وتخلّ بتطوره الشخصي. وعندما يظهر عليه تقدم  في تصرفاته يجب مدحه دون المبالغة في ذلك. فالقليل من المديح يمنحه الثقة بنفسه.
وأخيرا على الأم ألاّ تصرّ على  الكمال في تصرفاته فليس هناك شخص كامل، والطفل الذي ينمو ويتطوّر يومًا بعد يوم من الطبيعي أن يخطئ . لذا يجب احترام تطوره. وأخيرًا على اهتمام الأم بطفلها أن يكون مناسبًا لسنه.