الأهل الذين ينتظرون من أبنائهم عرفان الجميل...

تربية الطفل / الأطفال, مراهقة / مراهقات, مراهق / مراهقون, سلطة , شخصيّة المراهق, التواء العمود الفقري, فرانز كافكا

31 يناير 2011

عندما قرأت هذه العبارة في كتاب «جورنال» للأديب التشيكي فرانز كافكا مرّ في ذاكرتي مشهد لوالد يذكّر ابنه المراهق بفضله عليه لأنه يوفّر له أفضل تعليم وملبس ومسكن، وبأن هذا الابن  برأي الأب ناكر للجميل لأنه لا يقدّر له التضحيات التي يقدّمها من أجل راحته لمجرّد أن علاماته لم تكن على قدر توقّعات الأب.
وفي مشهد آخر تجد أمًا تعاتب ابنتها لأنها لم تحضر لها كوب الماء فورًا قائلة:" ولو، حملتك في بطني تسعة أشهر، وعندما وُلدت كان لا يغمض لي جفن حتى تنامي، وأحرم نفسي أمورًا عدة كي أوفّر لك حياة كريمة مثل صديقاتك، وتستكثرين علي جلب كوب ماء".

والجواب الذي نسمعه من هذين المراهقين اللذين طفح  كيلهما من تذكيرهما بأن أهلهما ينتظرون عرفانًا بالجميل :" لم أولد بإرادتي، وما علاقة ما توفّره لي بعلاماتي المدرسية أو بجلب كوب ماء؟ فهذا واجبك وحقي عليك".
 صحيح إن هذا المراهق لم يولد بإرادته، وما يوفّره والداه لا يجوز أن يكون منّة؟ فما الرابط بين حب الأهل لأبنائهم  وما يوفرونه لهم من أمور حياتية مادية؟ أليس حب الأهل لأبنائهم غير مشروط؟ وفي المقابل فإن علاقة الأبناء بأهلهم لا يجوز أن تقوم على أساس أنه على الأهل تنفيذ كل ما يطلبونه لأنه واجبهم؟ فللأهل أيضًا على أبنائهم حق الاحترام والحب وتقدير ما يوفّرونه لهم؟ ولكن لا يجوز أن يتحوّل هذا الحق إلى عبء ثقيل يرهق عقل المراهق وضميره؟ فاحترام الأبناء أهلهم وحبهم لهم أمر طبيعي يشعرون به تجاههم.

وإذا أظهر أنه غير مكترث لما يمر به أهله من صعاب لا يعني أنه ناكر للجميل أو أناني.
وغالبًا ما يتهم الراشدون المراهقين بالأنانية واللامبالاة وبأنهم لا يفكّرون إلا بأنفسهم. ولكن هذا الاتهام ظالم، إذ ليس صحيحاً أن المراهق أناني بهذا القدر، وليس صحيحًا أنه لا يقدّر ما يقوم به والداه من أجله، صحيح أنه في هذه السن يكرّس تفكيره في البحث عن هويته المستقبلية ويميل إلى الاستقلال الذاتي، ويبدو عليه أحياناً عدم الاهتمام بما يحدث ضمن إطار العائلة. ولكن في المقابل بيّنت استطلاعات للرأي أجريت مع عدد من المراهقين أن غالبيتهم لديهم قلق مما يحدث في العالم من تزايد للفقر ومجاعة وتلوث للطبيعة وحروب مدّمرة.

وهذا يفسر تطوّع الكثير منهم في جمعيات إنسانية بغرض المساهمة في تخفيف وطأة كل هذه الأمور.
فأنانية المراهق مرحلة عابرة وهي مظهر من مظاهر بناء فردانيته وهويته الخاصة. ونعت الأهل أبناءهم المراهقين طوال الوقت وبشكل مستمر بالأنانيين وناكري  الجميل، يجعل هؤلاء الأبناء يشعرون بالضيق وضرورة التحرر من وطأة صفة ناكر الجميل. وبذا يتحوّل الأهل كما يقول كافكا إلى مرابين يخاطرون إراديًا برأسمالهم وهم أولادهم، فيجنون فوائد تربيتهم التي تكون إما راشدًا يعيش تحت وطأة الذنب وبالتالي لا يستطيع المضي قدمًا في حياته بعيدًا عن سلطة أهله لأنه لا يريد أن يكون ناكرًا للجميل، وإما راشدًا طفح به الكيل فذهب إلى أبعد الحدود في الابتعاد عن أهله وسلطتهم، ويتصرّف كأنهم ليسوا موجودين.
فالمراهق في أعماق نفسه يعترف بفضل والديه عليه وإن كان لا يظهر لهما هذا الاعتراف بشكل علني ومستمر، فكلمة "شكرًا" حين يقولها مراهق لوالده وإن بدت بسيطة  فهي تبعث برسالة إلى الأهل مفادها أنني أقدّر لكم ما تقومون به لأجلي.