الاختصاص الجامعي...

نصائح, المدرسة, دعم الأهل, الاختصاصيون, الطموح, الاختصاصيين, قلق الأهل

28 مارس 2012

«أريد أن أصبح مهندس معلومات»، «لا أريد أن أصبح طبيباً بل مؤلف موسيقى»... طموح المراهق لا حدود له، أحياناً يريد أن يصبح عالم بحار مثل جاك كوستو وأحياناً أخرى بطلاً رياضياً مثل مايكايل شوماخر.
أما طموح الأهل فهو أن يتوجه ابنهم إلى المهنة التي يختارونها له. وبين إصرار الأهل وطموح المراهق يقع الخلاف على مهنة المستقبل، «أنت لا تعرف مصلحتك نحن أعلم بها».
هكذا يُحل الخلاف! أيهما الأصح: طموح المراهق أم رغبة الأهل؟ لماذا لا يستطيع المراهق أن يحدد اختياره؟ وكيف يمكن الأهل مساعدته في تحقيق طموحه وتوجيهه إلى مهنة المستقبل؟
لها توجّهت إلى الاختصاصية في التقويم التربوي لما بنداق بلطجي التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.

- متى يبدأ إعداد التلميذ للحياة المهنية؟
منذ دخوله إلى المدرسة. ففي مرحلة الروضات يتعرّف التلميذ الصغير إلى المهن (المزارع، المهندس، الطبيب، وما شابه). وفي المرحلة الإبتدائية يقرأ التلامذة عن حياة العديد من الأشخاص العاملين والفعّالين في المجتمع، ويقومون بأبحاث حول أشخاص محددين (من مخترعين، شعراء، رجال أعمال، ممثلين، وسواهم).
وفي المرحلة المتوسطة يقوم التلامذة بزيارات للمعامل والمصانع والمكاتب والمستشفيات ودور العجزة وما شابه، وبذلك يتواصلون بشكل مباشر مع العاملين في مختلف الميادين.
إضافة إلى ذلك، تقوم إدارة المدرسة بالتعاون مع لجنة الأهل بإستضافة مجموعة من الأهل الذين يعملون في مختلف الإختصاصات، فيتحدث كلّ عن إختصاصه، ودراسته، ومجالات العمل في ذلك الإختصاص. وفي المرحلة المتوسطة والثانوية تستضيف المدرسة ممثلين لمعظم الجامعات الموجودة.

- لماذا لا يستطيع التلميذ المراهق أن يحدّد اختصاصه الجامعي، رغم أنه أُعدّ لهذا الأمر منذ نعومة أظافره؟
من المعروف أن المراهقة تشهد سلسلة من التغيرات الفيزيولوجية السريعة. وهي الفترة الأكثر صعوبة بالنسبة إلى الانسان، لأن عليه خلالها التركيز على قدراته الفكرية، مما ينشئ تناقضاً بين التغيرات الجذرية في جسده وعلاقاته مع الآخرين و بحثه عن هويته المقبلة، وبين ضرورة بذل جهد كبير للحفاظ على مستوى معين من العلم كي يتمكن في ما بعد من التوجّه إلى المهنة التي يريدها في المستقبل.
لذا لا يجدر بالأهل أن يقلقوا حيال الارتباك والتشوّش اللذين يمر بهما المراهق. فمن خصائص المراهقة ومميزاتها عدم الوضوح، ومن الطبيعي جداً أن نلاحظ هذه التقلبات في مزاج المراهق واختلاف رغباته وميوله

- كيف يمكن توجيه المراهق إلى مهنة المستقبل؟
إن توجيه المراهق نحو مهنة المستقبل لا يمكن أن يتم بمعزل عن المدرسة، خصوصاً أن التلميذ يمضي معظم وقته فيها. فمع التطور الحاصل في علم النفس تُجري المدرسة اختبارات علمية وُضعت خصيصاً لقياس القدرات والميول المهنية عند التلامذة.
ودور المدرسة إقناع الأهل بالقدرات التي يمكن ابنهم بلورتها وفقاً للاختبارات التي أجرتها. أما دور الأهل فمعنوي، فهم الذين يعطون المراهق العطف والمحبة، ولكنهم في الوقت نفسه غير مهيئين علمياً ونفسياً لتحديد الإختيار أو المهنة التي تناسبه.
صحيح أن بعض الأهل يحلمون بأن يكون ابنهم طبيباً أو مهندساً أو أن يمارس مهنة تؤمن له مستقبلاً باهراً، ولكن إذا بيّنت الاختبارات أن ليس لديه القدرات ولا التوجهات ولا الميول اللازمة، وأصر الأهل على موقفهم فإنهم سوف يسببون لابنهم عذاباً نفسياً يؤدي إلى تراجع أدائه المدرسي.

- من المسؤول عن توجيه الطالب لإختيار الإختصاص المناسب؟
المسؤولية تقع على عاتق الجميع: التلميذ، والأهل، والمدرسة، ووزارة التربية والتعليم العالي، والبلديات. فالطالب اليوم وبعد ثورة المعلومات، أصبح في مقدوره البحث في الإنترنت والاطلاع على الإختصاصات الحديثة والمطلوبة في ميادين العمل.
كما يمكن الطالب خلال البحث في المواقع الإلكترونية الخضوع لإمتحانات دون مقابل مما يساعده في إختيار الإختصاص (يمكن الوصول إليها من خلال الكتابة على محرك البحث Google أننا نريد Free career guidance test ).
ويمكنه أيضًا معرفة الجامعات وإختصاصاتها من خلال مواقع وزارات التربية في كل بلد. ودور الأهل توفير جميع المعلومات ومساعدة الطالب ودعمه في كل المراحل.
أمّا المدرسة فتكون من خلال وعي الإدارة وإدراكها أهمية تقديم الخدمة التعليمية، وتوفير جميع العناصر المساندة (دعوة الإختصاصين للتحدث عن أعمالهم، والجامعات للتعريف عن الإختصاصات، والمشاركة بالمعارض، ووجود مرشد تربوي في المرسة يقدّم المساعدة ، والسعي لتأمين المنح الجامعية للتلامذة المتفوقين).
أمّا وزارة التربية فيجب أن توفر خدمة التوجيه المهني من خلال إقرار إلزامية وجود مرشد تربوي في كل مدرسة، وتأمين كل المعلومات عن الجامعات والإختصاصات وقوانين المعادلات، وتأمين الإحصاءات حول فرص العمل، وتفعيل دور المنح الدراسية.

- لكن قد يحدث أحياناً رغم رفض المراهق الانصياع لرغبة أهله أنه يعودويعمل على تحقيقها. لماذا؟
قد تكون قدرات المراهق وميوله قابلة لأن تحقق رغبة الأهل. وحالة الرفض عنده في البداية يكون سببها رفضه الأمور التي فرضها أهله.
وهذا طبيعي في هذه المرحلة لأن المراهق يبحث عن هويته الخاصة، ويريد أن يحقق استقلاليته في الرأي فيكون رفضه محاولة منه لبلورة شخصيته وإثبات أنه سيد نفسه وقادر على اتخاذ القرار المتعلق بمستقبله المهني دون تدخل الآخرين.
وهذا الرفض لن يشّكل أي خطر على مستقبله المهني. ولكن عندما يطلب الأهل من المراهق ما يفوق قدراته ويختلف كلياً عن ميوله، فإن ذلك سوف يؤثر سلباً في أدائه المدرسي وبالتالي في توجّهه المهني.
أما المراهق الذي لا يعرف ماذا يريد رغم تفوقه فهو في حاجة إلى توجيه. وفي كل الأحوال لا بد للمدرسة من التدخل والعمل على توجيه المراهقين إلى مهنة المستقبل.
وإذا حصل تناقض بين ميول التلميذ وقدراته ورغبات الأهل، على المدرسة وعبر الاختصاصيين العمل على توضيح الصورة للأهل، وتُبيّن لهم أنهم إذا تشبثوا برأيهم فسوف يكونون مسؤولين عن أي فشل قد يتعرض له ابنهم.

- ما دور شلّة الأصدقاء في اختيار التلميذ اختصاصه الجامعي؟
قد يتأثر المراهق بخيارات شلة أصدقائه، فمن المعروف في هذه السن تبادل المراهقين الأمور التي تشغلهم، وتشاطرهم الهموم نفسها، وعملهم على الاحتفاظ بصداقاتهم إلى ما بعد المدرسة. وقد تقرر شلة الأصدقاء الانتساب إلى الدراسة الأكاديمية نفسها، ولكن نادراً ما ينجح هذا القرار.
فمن الملاحظ أن الكثير من الطلاب في السنة الأولى يتركون المجال الأكاديمي الذي اختاروه ليلتحقوا بمجالات أخرى تناسب قدراتهم الفكرية وميولهم المهنية.
صحيح أن الأهل يتمنون ألا يمر ابنهم بهذه التجربة ولكن هناك بعض المراهقين لا يمكنهم النجاح إلا بعد تجربة فاشلة.
لذا على الأهل ألاّ يبالغوا في لوم ابنهم وألا يحاولوا الحط من خياراته وألا يستغلوا الأمر وكأنه نقطة ضعف بل عليهم مساعدته في تخطي الفشل، فالهدف هو بناء شخصية المراهق لا هدمها.

- ما هو دور المرشد التربوي أو اختصاصي التقويم التربوي في إختيار الإختصاص الجامعي؟
دور اختصاصي التقويم التربوي أو المرشد التربوي ضروري لمساعدة الطالب في اختيار الاختصاص الجامعي الذي يناسب قدراته، فقد يكون اختياره مبنيًا على رغبة أكثر مما هو مبني على قدارته الفكرية الواقعية.
وكما ذكرت سابقًا، للأصدقاء والأهل دور كبير في حياة كل شاب وفتاة وتأثيرهم لا يستهان به في هذا المجال أو غيره من المجالات. فالصورة التي يبنيها الطالب من خلال أصدقائه أو أهله لإختصاص ما يمكن أن تكون صحيحة وقد لا تكون كذلك.
ومن جهة اخرى هناك «موضة» الإختصاصات فكل فترة يظهر توجه كبير نحو إختصاص معين، وهذا لا يعني بالضرورة خطأ ولكن يجب أن يتناسب مع شخصية الشاب وقدراته وحاجات سوق العمل.
وفي بعض الحالات نرى أن الإختيار ُيبنى على المثل الأعلى، فمثلاً عندما يعجب الشاب بشخص معين يتأثر كثيرًا بمجال عمله، وبهذا يحاول تقليده ولهذا نطلب من الشباب التروي عند الإختيار وبناءه على أسس سليمة.

- ما هي التقنية المتوافرة لإرشاد الطالب في مجال الإختيار الجامعي؟
في العيادات نستطيع مساعدة الطالب من خلال اختبار مقنن يعطينا الإختيارات الأنسب للطالب في مجال الإختصاص الجامعي. وبالمقارنة مع الجامعات المتوافرة التي يستطيع الطالب تحمّل أعبائها المادية، ينحصر بذلك الإختيار ما بين اثنين وثلاثة. وننصح الطالب بالتقدّم بطلبات إنتساب الى ثلاث جامعات، فبهذا يضمن أكبر فرصة في إنتسابه إلى الإختصاص الموافق له.
نحاول في هذا الإختبار أن نركز على شخصية، وميول، وإهتمامات، وقدرات وكفاءات الطالب (Personality, Interest, Aptitude, and Skills)

القدرات Aptitude: وهي المكون الموروث من الكفاءة لتأدية عمل ما، ليس لها علاقة بالعلم. وممكن أن يكون جسديًا أو عقليًا.
الشخصية Personality: وهي مجموع المكونات العاطفية، والسلوكية، والتصرفات.
الإهتمامات Interests: وتنحصر بالنشاطات والمهن.
الكفاءات والمؤهلات Skills: ويمكن تعلمها أو إكتسابها، أي التمكن من إنجاز مهمة بكيفية محددة وبدقة لامتناهية وسرعة في التنفيذ.

إن معرفة الذات المهنية، ومعرفة مواقع العمل وحاجة سوق العمل، ومعرفة نظام الجامعات وقوانينها ، وما يتناسب مع البيئة والمحيط الإجتماعي والإمكانات المادية هي الأساس للإختيار السليم.

- ما هي النصائح العامة لطلاب المرحلة الثانوية؟
أولاً: التدقيق والتأني، والتروي والتأكد أنّ الإختصاص الجامعي الذي يختاره الطالب هو الذي يريد العمل به لمدة 40 سنة من حياته. ففترة الدراسة الجامعية مهما طالت فهي تتراوح من ثلاث إلى إثنى عشر عامًا أو أكثر بقليل.
وإذا ما أخذنا معدّل 6 أعوام للإختصاص، وقارنا ذلك مع سنين العمل التي حددت بعمر 64 كمعدل (أي أنّ الفرد يعمل من عمر 24 لعمر 64 أي 40 عاما)، نجد أنها تشكّل نحو 15% من سني العمل.
ثانياً: التأكد أنّ الجامعة التي يريد الطالب متابعة دراسته فيها مرخّصة وشهاداتها معادلة في وزارة التربية في بلده. وأيضًا التأكد من الإختصاص، لأن بعض الكليات ضمن الجامعات المرخصة نفسها لم ترخّص بعد.
والطريقة سهلة جدًا للتأكد وذلك من خلال مواقع وزارات التربية، أو الإتصال المباشر بالوزارات.
ثالثًا: التأكد أن الأوان لم يفت حتى ولو تم الإنتساب لسنة أو أكثر إلى إختصاص لم يجد الطالب نفسه به، يستطيع الإستعانة بمكتب الإرشاد داخل الجامعة أو التوجه إلى العيادات الخاصة للتأكد من مساره.
رابعًا: يجب الإبتعاد عن إختيار أي تعليم بالمراسلة لسبب عدم إمكان معادلة الشهادة في وزارة التربية، أي أن حامل الشهادة لا يستطيع الإنتساب إلى النقابات (مثل نقابة المهندسين، نقابة المحاسبين المجازين، نقابة المحامين، وما شابه).
وبسبب عدم قدرة الطالب في متابعة دراساته العليا بعد ذلك في معظم الجامعات إذا أراد ذلك.
خامسًا: مراعاة سوق العمل عند الإختيار، فهذا يعطي فرص عمل أفضل بكثير بعد التخرج.