'إنتظارات'

هالة كوثراني, أقلام

28 ديسمبر 2009

- لا يمكن أن توقف السيارة هنا. هذا الموقف مخصّص لسيارات المشتركين الذين يدفعون شهرياً لترك سياراتهم فيه.

- لكنه موقف كبير. لن أتركها وقتاً طويلاً. أعود بعد نصف ساعة.

- أَخرج سيارتك من هنا.

- أوكي، أين أوقف سيارتي؟

أبحث عن شرطي لأسأله. سيقولون إنني مجنون. في تلك اللحظة أضاءت الألعاب النارية سماء الحمرا السوداء. هل السماء حمراء أم سوداء في الحمرا؟ ما أعرفه أنها ليست سماء للجميع. يستطيع شخص وقح أن يمتلكها متى شاء. الوقاحة سرّ الراحة في هذا البلد.

تأخرتُ. إتصلت بالمترجم الألماني الذي ينتظرني واعتذرت عن تأخير موعدنا ثم أكدت له أنني سأنضمّ إليه. مشيت مسافة طويلة لأصل إلى الشجرة الطويلة في الجامعة الأميركية. وصلت أخيراً. المترجم ينتظرني. تعيد إليّ انفجارات الألعاب النارية ماضيَ المعارك المسلّحة. يلتقي عنف أصوات المفرقعات بغناء الكورال في ساحة الجامعة. ترقص بيروت على إيقاعات متناقضة.


صفّ الانتظار

وقفنا وانتظمنا صفوفاً كالعساكر أمام شباك الموظف في السفارة. نفّذنا الأوامر. تركنا معهم هواتفنا والمفاتيح والأوراق الثبوتية. بحثوا في ملابسنا عن عنف «وراثي». ثم أُدخلنا غرفة الانتظار حيث قطْبُ الحاجبين شرط من شروط الوظيفة. ليست الموظفة أوروبية لكنها شديدة الحرص على أمن أوروبا، وتدّعي أنه «لا يمكن الوثوق بأبناء بلدها».


غرفة الانتظار

أنتظر أنا وهدى موعدي مع الطبيب. رغم زحمة السير وصلنا قبل الموعد الذي اتفقتُ عليه مع السكرتيرة. قاومنا ركوب سيارة أجرة ومشينا بين السيارات. قررنا خلال رحلتنا أن نعدّ الأشجار الباقية في شوارع بيروت. مشينا طويلاً. قلت لهدى إنني أنزعج إذا تأخرت عن موعد ما. «لن نتأخر، نحن نمشي كي لا نتأخر. لو كنا في سيارة الآن لما وصلنا على الموعد أبداً».

وصلنا في الوقت المحدّد. جلسنا في غرفة الانتظار. «إذهبي» قلت لها، «أحب أن أنتظر وحدي. وجودكِ معي يقلقني، أعرف أنك يمكن أن تقومي بأمور كثيرة خلال هذا الوقت الضائع كلّه».

- «لا بأس، لا تهتمّ أريد أن أكون معكَ، كما أنني أسجّل أحاديثنا وأدوّن المشاهد كما اتفقنا».

- كم شجرة عددتِ في طريقنا إلى هنا.

- ثلاثاً فقط. كانوا أكثر، لكنهم حفروا قطعة الأرض خلف محل الآلات الموسيقية، بعد أشهر يرتفع برج هناك.

في الوقت الضائع، تقرأ هدى كتب سِيَر ذاتية. ثمة كتاب في حقيبة يدها، يحكي قصة حياة مغنية أو ممثلة أو سياسي سابق ما زال يتاجر باسمه.

اسمها غرفة الانتظار، فلننتظر. ما الذي ننتظره؟ أن يتوقف المطر كي نستطيع الهروب إلى الشارع أم أن أدخل غرفة المعاينة أم أن يصلحوا العطل الكهربائي في البناية حيث أسكن؟ أنتظر أن تخفّ زحمة السير ويتقلّص حجم الدين العام وتتخلّى الجماعات عن زعمائها. «ما الذي ننتظره؟» سألتُ هدى.

ثم سألت نفسي: مَن تأثر بمَن؟ أنا تأثرت بهدى أم هي تأثرت بي. تقول إنني علّمتها الكثير. أعطيتها كتب تاريخ واستمعت إليها، علّمتها أن لوم الآباء لا يجدي وأنه يتحوّل ندماً في المستقبل وأن المستقبل أكذوبة، والحاضر هو الماضي المستمرّ، الحاضر في عالمنا هو الماضي المستمرّ. أما المستقبل فهو وعد لغوي لا يتحقّق. كيف نهرب من هنا؟