الطاهر بن جلّون ضيف 'ربيع بيروت'...

سلمى المصري, خطر, العشاء السنوي لمؤسسة سمير قصير, جنسية / هوية, الدول العربية, تونس, جائزة الشيخ زايد للكتاب, الطاهر بن جلون, مهرجان بيروت الثقافي

13 يونيو 2011

حلّ الكاتب المغربي الفرنكوفوني الطاهر بن جلّون ضيفاً على «مهرجان بيروت الثقافي» الذي تُقيمه «مؤسسة سمير قصير» بدورته الثالثة، فجاءت استضافته ذات رمزية خاصة لكونها تزامنت والأحداث العربية المتغيرة. فهو الكاتب الإشكالي الذي طرح القضايا الإجتماعية بجرأة وندّد بالفساد السياسي عبر أعماله التي اتسمّت بتأملاتها الفلسفية وموضوعاتها الإنسانية.

حضر صاحب «الليلة المقدّسة» التي حاز عنها جائزة «غونكور» العريقة اللقاء المفتوح الذي أجراه معه الكاتب اللبناني شريف مجدلاني. وتمحورت الأسئلة على الثورات العربية وحوافزها ونتائجها ونسبة نجاحها وفشلها.
وقد يكون الطاهر بن جلّون من أكثر المفكرين والمثقفين الحاليين القادرين على الغوص في عمق هذه الثورات لكونه تابعها باهتمام وأصدر فيها كتابين جديدين بالفرنسية عن «دار غاليمار» الشهيرة.

كتاب «بالنار» هو عبارة عن رواية قصيرة تستعرض على شكل «يوميات» قصّة مُتخيّلة عن حياة «مُفجّر الثورة» الشاب التونسي محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه بالنار ردّاً على حياة الذلّ التي عاشها في بلاده. والثاني بعنوان «الشرارة»، فيه سلسلة مقالات كتبها بن جلّون خلال انتفاضات «ربيع العرب».

من صمت المثقفين العرب انطلق الحوار. فأبدى بن جلّون رفضه التام للإتهامات التي شنّها البعض على سلبية دور المثقف العربي. وفي هذا الصدد أكّد بن جلّون أنّ دور المثقف قد بدأ مبكراً وقد دفع قبل غيره ثمن مواقفه الجريئة، وسمير قصير من لبنان هو خير دليل على ذلك.
وفي حديثه عن كتابيه الأخيرين وظروف كتابتهما قال إنه ككاتب لا يمكنه الوقوف مكتوف اليدين أمام أحداث بمثل هذا الحجم، لا بل من واجبه أن يكتب. واعتبر أنّ الروائي ليس صحافياً يكتب مقالات آنية تنتهي عند بزوغ فجر يوم جديد، بل انّ أعماله الأدبية تُخلّد وتبقى للأجيال القادمة. من هنا اعتبر أنّ الثورات العربية مادّة مهمة يجب أن تُكرّس ابداعياً حتى يتسنّى للجميع التأمّل في آثار هذا التحوّل. هذا ما حصل معي.

المهرجان استوحى عنوانه من الحراك الشبابي ومن مقالة كتبها سمير قصير قبل وفاته بعنوان «ربيع العرب»، وفي هذا الإطار رأى بن جلّون أنّ كلّ ما جرى في الدول العربية وما يجري هو بمثابة ربيع الشباب، ربيع العرب. فهو أصرّ على مسألة العفوية في الثورات العربية التي انطلقت بتلقائية عبر مجموعات شبابية ساخطة على أنظمتها المستبدة البالية.

وفي الحديث عن أزمة الحكم ما بعد الثورة والتخوّف من إسناد الحكم الى الأصوليين، اعتبر صاحب «طفل من الرمال» أنّ «المتشددين» كمصطلح وفعل هم ليسوا سوى نتاج الإعلام الأميركي والأوروبي الذي استغلّ حساسية النقطة وعمل على إثارتها في شكل مُضخّم عبر وسائله الإعلامية المختلفة حتى تحوّل المتطرفون إلى وحوشٍ دفعت بالشعوب العربية إلى تحمّل الأنظمة القائمة وتقديم التنازلات خوفاً من الإنتقال إلى نظام حكم أكثر تعقيداً وتقييداً للحريّات.
وهذا السياق قال بن جلّون: «قصدت مصر وجلت في شوارعها ومحافظاتها ولم أجد إلا أن المتشددين أو الإخوان هم عكس كلّ ما يُحكى عنهم. فأعدادهم ليست كبيرة إلى الحدّ الذي نسمع به ونسبتهم ليست مخيفة أبداً، بل هم لا يُمكنهم تحقيق أي شيء يُذكر. وأعتقد أنّ خطر الأصوليين كان الخدعة الأبرز التي استخدمها نظام حسني مبارك بالإتفاق مع الغرب من أجل تهديد المعارضين وتخويفهم».


وعمّا اذا كانت الثورات قد حققت أهدافها الرئيسية أشار بن جلّون إلى أنّها نجحت حتماً في إحداث متغيرات لم يتوقعها أحد خلال هذه الفترة، و«هي على الأقلّ نجحت كمحاولة في تعزيز صورة المواطن في أن يكون كائناً حرّاً وليس مجرّد مادّة أو شيء أو صوت انتخابي».
وتطرّق بن جلّون في معرض حديثه الى الدول العربية التي حدثت فيها تظاهرات بعيداً عن مصر وتونس. فاعتبر أنّ الملك محمد السادس استمع الى مطالب الشعب وبدأ بالإصلاحات فبل رفع أوّل شعار مُطالب بالتغيير، وصرّح أنه استثناء لأنه محبوب من شعبه.
أمّا التظاهرات المستمرة فهي للإستمرار في تقديم الإصلاحات التي يحتاجها الشعب. ولم يتوقّف كثيراً عند سورية بل استرسل في حديثه عن الزعيم الليبي الذي وصفه بطريقة كاريكاتورية. وأكّد حق الشعوب في تقرير مصائرها واختيار أنظمتها وحكامها والمطالبة بإصلاحات تضمن لها حياة كريمة في أوطانها.

أمّا الجزائر فتوقّف عندها مطوّلاً لكونها تُمثّل الإستثناء. فالقضية في الجزائر هي الأكثر تعقيداً بحسب رأي بن جلّون. فالجزائر- برأيه- تضمّ الكثير من الإثنيات، فهي تُعاني «اشكالية الهويّة». لهذا أصبح الدين فيها هو البديل عن الهوية الضائعة.
وأكمل في هذا الشأن أنّه من الصعب زعزعة النظام العسكري القائم في هذا البلد منذ العام ١٩٦٢ من دون التعرّض لعنف الجيش وبطشه.
وعن سؤال تناول الديمقراطية في الغرب أجاب الكاتب المغربي أنّها ببساطة ديمقراطية مزيّفة، تلعب فيها وسائل الإعلام الدور الأكبر في التعتيم حيناً والتضخيم حيناً أخرى. وقال إنّ الإنتخابات هناك هي أيضاً غير عادلة لكونها تقوم على أساس منافسة غير شريفة.
فالسياسي منهم يملك أكثر من محطة تلفزيونية وعدداً من الصحف والمجلاّت، ومن ثمّ يدخل كمنافس لسياسي آخر له تطلعاته السياسية والتنموية ولكنّه لا ينجح في أن يثبت نفسه أو يظهر لعدم امتلاكه الإمكانات ذاتها.
ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني هو الصورة التي تُكرّس المفهوم الخاطئ للديمقراطية، اذ استطاع أن يبني سلطته بالمال وعلى الرغم من فضائحه المتكرّرة الاّ أنّ إعلامه الخاص يعمل دائماً على تلميع صورته وتكريس حضوره السياسي.

وختم الطاهر بن جلّون حديثه بأنّه لا يؤمن بفكرة أنّ الدول العربية هي عالم واحد. فالدول العربية بنظره لا تتشابه، ولا يُمكن أن تكون وطناً واحداً يوماً ما. فلكلّ دولة خصائصها وروحها التي لا تختلف فقط عن الثانية بل تُناقضها أحياناً. وأكمل في هذا الإطار: «عندما أكون في لبنان أرى شيئاً من وطني المغرب، فأجد فيه التنوّع المذهل في الثقافات والديانات واللغات.
كما أنّه يحوي في تركيبته تداخلاً ما بين الشرق والغرب. أمّا عندما أسافر إلى الكويت مثلاً فأشعر بأنني أمشي فيها كالسائح بمعنى أنني لا أنتمي إليها، وهذا لأنّها من البلدان التي تتميّز بخصوصية وروح عربية شرقية صرف لم أعهدهما في وطني الأم».