كاظم الساهر في 'بيت الدين'...

كاظم الساهر, مهرجان بيت الدين, سفرجل, نزار قباني, لوحة / لوحات فنية, الجمهور

25 يوليو 2011

تقول أحلام مستغانمي في كتابها «نسيان كوم» نقلاً عن كاتب فرنسي إنّ «الرجل الحقيقي ليس من يُغري أكثر من امرأة بل الذي يُغري أكثر من مرّة المرأة نفسها».
وأنا أقول إنّ الفنان الحقيقي ليس من يُغري أكثر من جمهور بل هو من يُغري أكثر من مرّة الجمهور نفسه وفي المكان نفسه. إنّ هذا هو ما ينطبق حتماً على الفنان كاظم الساهر الذي منذ اعتلائه مسرح مهرجانات «بيت الدين» في العام 1997 غدا نجمها الأكبر وضيفها الأبرز الذي ما يغيب عن مهرجاناتها إلاّ قليلاً، وما زادته حفلاته الصيفية السنوية فيها إلاّ ألقاً وجاذبية في عيون جمهور المهرجان اللبناني الأوفياء.
فاسمه وحده أصبح موعداً مُنتظراً في أجندة عشاقه اللبنانيين والعراقيين المقيمين في لبنان الذين يحجزون أماكنهم على مدرجات القصر الجبلي العريق من العام إلى العام للسفر عبر أمسية استثنائية إلى عالم من الحبّ والعشق والرومانسية المفقودة في زمن العولمة والسرعة والحداثة.

هذه السنة كانت مهرجانات بيت الدين أكثر كرماً مع جمهور قيصر الغناء العربي. فهي اختارت أن تمنحهم فرصة أكبر لحضور نجمهم المفضل لليلتين متتاليتن كانتا الأكثر اشتعالاً بحجم المشاركة والتفاعل منذ افتتاح المهرجانات في 24 حزيران/ يونيو الماضي.
قبل بدء الأمسية «الساهرية» بساعتين امتلأت الباحة الخارجية للقصر بالجمهور الموعود مُسبقاً بحفلة غنائية لا نظير لها إلاّ مع فنان بحجم وحضور وصوت وكاريزما كاظم الساهر.
ومعظمهم سبق أن حضر صاحب «مدرسة الحبّ» في بيت الدين أكثر من مرّة، إلاّ أنّهم قصدوا المكان نفسه من جديد لاستعادة ذكرى جميلة أمضوها في إحدى سنوات المهرجان المنصرمة مع النجم الذي ما خيّب دلع أنثى رومانسية أو شوق رجل عاشق أو حنين امرئ إلى تراب وطنه.

كاظم الساهر بصوته العابق بسحر الرجولة وكآبة الفراق ونشوة الحب والغزل يجعلك رغماً عنك مشدوداً إليه وإلى عوالمه المفعمة بالعواطف والأحاسيس. أمّا أغنياته التي هي بمعظمها روائع «أستاذ العشق» نزار قباني، فتُرغمك على تبنّي فلسفة جديدة تُصوّر لك الحياة من دون حبّ وكأنها «جدولٌ لا ماء فيها». وكان القمر المكتمل يتوسّط سماء بيت الدين في تلك الأمسية الراقية ليشهد على سهرة أُعيد فيها الاعتبار للحبّ والكلمة والمرأة.

واختار كاظم أن يفتتح الحفلة بأغنية «ها حبيبي» التي أدخلت الجمهور منذ البداية في جوّ من الصفاء والهدوء والرومانسية التي لم يعد يتسّع زماننا لها. ومن ثمّ أكمل الحفلة بجملة من أشهر أغنياته المأخوذة من قصائد للشاعر الكبير نزار قباني مثل: «إلى تلميذة» و«حافية القدمين» و«أحبيني بلا عقد» و«زيديني عشقاً» و«أشهد» و«قولي أحبّك» و«المستبدة» وغيرها من الأغنيات التي أشعلت المدرجّات كما لم يُشعلها أي فنان آخر هذا العام.
واختار أن ينوّع في أسلوب الأغنيات، فقدّم الإيقاعية منها والهادئة والمواويل العراقية التي تجلّى فيها صوت الساهر الذي وجد في الهواء الطلق مناسبة لينطلق حرّاً في فضاء قصر الأمير بشير مُنشداً ومُطرباً الآذان المشتاقة إلى هذه الخامات الصافية الجميلة في زمن التلوّث السمعي المُسيطر على الساحة الفنية.
وعندما غنّى بغداد في رائعته «كثر الحديث» ارتفعت أمواج بشرية مُصفقة للوطن الجريح الذي رُفعت أعلامه عالياً بأيدي أبناء وطنه الذين لم يتخلّفوا يوماً عن حضور حفلات ابن وطنهم في أكثر من مدينة وعاصمة علّهم يرتقون عبر صوته وألحانه وكلماته صورة الوطن الممزّق.
وقدّم الساهر أخيراً الدبكة العراقية مع عدد من أفراد فرقته على إيقاع الأغنية التي أنهى بها حفلته لتُسدل الستارة على أمسيتين كانتا فعلاً ككلمات مطلع أغنية الختام: «عيد وحبّ هاي الليلة الناس معيدين»...