الثورة تختصر عام نجيب محفوظ...

مكتبة الإسكندرية, نجيب محفوظ, جائزة نوبل للآداب, الطموح, جائزة الشيخ زايد للكتاب, العدالة, الثورة المصرية, ميدان التحرير

03 يناير 2012

كان من المقرر، في مصر، أن يكون العام 2011 هو عام نجيب محفوظ احتفالاً بمئوية مولده، إلا أن اضطراب الأحوال الذي رافق ثورة «25 يناير»، وضع سقفاً لهذا الطموح، ومن ثم انحصر الاحتفال في أنشطة محدودة على مدى بضعة أيام من الشهر الأخير من العام.
وحدث الثورة نفسه ألقى بظلاله على الحدث الأبرز في ذلك الاحتفال، وهو إعلان اسم الفائز بجائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي، التي يمنحها قسم النشر في الجامعة الأميركية في القاهرة سنوياً في ذكرى ميلاد صاحب رواية «أولاد حارتنا»، 12 كانون الأول/ديسمبر، فلجنة تحكيم الجائزة قررت منحها إلى «إبداع الشعب المصري الأدبي».
وقالت اللجنة إنها قررت بالإجماع أن تمنح الجائزة هذا العام إلى الشعب المصري «تقديرًا لدوره العظيم فى الثورة المصرية التى استطاعت أن تبهر العالم بتحضرها وإبداعها على المستوى الإنسانى والأدبي».
وتعد هذه هي المرة الأولى التي لا تذهب فيها الجائزة إلى عمل روائي محدد منذ انطلاقها في العام 1996، لكن لوحظ تعذر إعلانها من مقر الجامعة، كما كان يحدث كل عام، لاشتعال الموقف في «ميدان التحرير» والشوارع المحيطة به، والتي يقع في نطاقها ذلك المقر، ومن ثم أقيم الاحتفال التقليدي بإعلانها في منتدى ساقية الصاوي الثقافي في ضاحية الزمالك البعيدة نسبياً عن قلب القاهرة الملتهب.

كان لابد إذن ألا ينقضي العام من دون الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبل في الآداب، باعتبارها حدثاً ثقافياً استثنائياً، وأيضاً للرد على تيار أصولي تصدر المشهد عقب الثورة، واعتبر أحد رموزه في تصريحات صحافية أن أدب نجيب محفوظ هو «أدب إباحي».
ومعروف أن محفوظ تعرّض لمحاولة اغتيال عام 1994 على يد التيار نفسه بحجة أن روايته «أولاد حارتنا» معادية للدين، بما يعني أن هناك إصرارا على ملاحقة هذا الكاتب العربي الاستثنائي من جانب المتطرفين دينيا حيا وميتا.

ومن هنا حرص وزير الثقافة المصري، الدكتور شاكر عبد الحميد، خلال افتتاح مؤتمر تحت عنوان «نجيب محفوظ في السينما والتلفزيون» على تأكيد أن التصريحات المتطرفة التي تطعن في أدب نجيب محفوظ هي «خارج الزمان والمكان»، وأضاف عبد الحميد أن محفوظ كتب سيناريوهات عدد من الأفلام المصرية، وأنتجت السينما، في مصر وخارجها، عدداً كبيراً من رواياته وقصصه، وكذلك فعلت تلفزيونات عدة عبر الكثير من المسلسلات، وكان يتميّز بالتفكير البصري الذي يتجوّل في الواقع ويرصد تفاصليه وينتقد أبرز ما فيه ثم يحوله إلى مادة إبداعية خصبة.


إعادة اكتشاف

ومن جانبها نظمت مكتبة الإسكندرية من 11 إلى 31 كانون الأول/ديسمبر في «بيت السناري» الأثري في القاهرة، احتفالية تحت عنوان «إعادة اكتشاف نجيب محفوظ»، اشتملت على الكثير من الفعاليات برعاية إعلامية من مجلة «العربي» الكويتية وجريدة «أخبار الأدب» القاهرية.
وصَاحب الاحتفالية معرض ضمّ صورًا تمثل مراحل حياة نجيب محفوظ (1911 -2006) المختلفة، والأفيشات الأصلية للأفلام التي كتب السيناريو لها.

وقال الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية في افتتاح الاحتفالية: «من المناسب أن يكون الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ في بيت السناري، ذلك المبنى الأثري الذي يقع في قلب القاهرة الإسلامية التي أحبها وكتب عنها محفوظ».
وأكد أن مصر كانت شغل محفوظ الشاغل، حيث كان وطنيًا حتى النخاع، تتبدى مصريته في حديثه وقلمه، فانغمس في هموم المصري، وتغلغل في المحلية لينطلق بها إلى آفاق العالمية».

من جانبه، أعرب الدكتور عماد أبوغازي، وزير الثقافة المصري السابق، عن اعتقاده أن حدث الثورة المصرية أضاف إلى نجيب محفوظ الذي أمضى حياته كلها مدافعاً عن قيم الحرية، ومبادئ العدالة الاجتماعية، وهى المبادئ التي تبناها الثوار.
وقال أبو غازي إن نجيب محفوظ عاش محافظًا وأمينًا على فكرة الدولة المدنية، التي تحترم المواطنة وحقوق الإنسان، والتي تقوم على أساس عدم التمييز الديني، وترفض الدولة العسكرية.

وأكد أن الاحتفاء بنجيب محفوظ في ظلال الثورة الجديدة يكتسب معاني جديدة وعميقة ومهمة، تدعونا لأن نحافظ على الشرارة التي انطلقت في مطلع 2011، وتستمر إلى منتهاها.

ونظم «ائتلاف الثقافة المستقلّة» المصري، يوماً للسرد في المناسبة تحت عنوان «مئة كاتب وروائي في مئوية نجيب محفوظ»، في مدن القاهرة والإسكندرية والأقصر.
ويطمح الائتلاف إلى جعل هذا اليوم يوماً سنوياً للسرد المصري والعالمي، وسيفتح باب المشاركة أمام الجماعات الأدبية فى مختلف أقاليم مصر لتنفيذ هذا التصور في يوم 11 كانون الأول/ديسمبر من كل عام.

واحتفلت الهيئة العامة لقصور الثقافة بالمناسبة بعرض الفيلم التسجيلى «حارة نجيب محفوظ»، من إخراج سميحة الغنيمي، وأعقب ذلك ندوة بعنوان «أدب نجيب محفوظ... رؤى جديدة».

ومن أبرز الكتب التي صدرت في هذه المناسبة، كتاب لمحمد سلماوي عنوانه «في حضرة نجيب محفوظ»، وصدر عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، وكتاب «نجيب محفوظ الإنسان» للكاتب سعيد سالم، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.