مسرح بيروت... «باي باي»

المهرجان القومي للمسرح المصري, السفارة الباكستانية في بيروت, بيروت عاصمة عالمية للكتاب, مسرحية

03 يناير 2012

المسرح في بلادي محكومٌ عليه بالإعدام. تقتحمه دبابات الورش المعمارية وتبدأ بنطحه إلى أن يسقط أرضاً. هكذا نحن.
مشهدُ مسرحٍ منتصبٍ في وسط المدينة العربية الأكثر انفتاحاً وثقافةً وجمالاً يؤلمنا. الحياة في بيروت لا تتحمّل وجود مسرح. المسرح في مجتمعنا أضحى رجلاً دخيلاً، ثقيل الظلّ.

ذنب المسرح أنّه قيمة ثقافية. هيكلٌ ثابت لا يدرّ الأموال. ولا يجذب عموم الناس. ذنبه أنّه بِناء غير تجاري. ينشر أفكاراً عن الحبّ والمعرفة والنور والإنسانية.
الحياة في مدينتي العريقة سريعة. الحوار فيها مُنعدم. الأفكار استهلاكية. الغايات فردية... فماذا يفعل المسرح هنا؟

المسرح فنّ يوقف الزمن. المسرح إبداعٌ جماعي. خيال. وحوار... بصفاته هذه، هو يُناقض أسلوب حياة الناس في عاصمة الثقافة «بيروت». لذا، هم عرفوا كيف يتخلّصون منه.
وكي لا نرمي التهم جزافاً على أحد، عرفنا كيف نتخلّص منه جميعنا. فلو لم نسمح «بهدم» مسرح «غراند تياتر» في البلد و«البيكاديللي» في الحمرا و«المدينة» في كليمنصو، لما وصل الدور إلى المسرح الذي حمل اسم «بيروت» وقدّم على خشبته أهمّ العروض التي عرفها لبنان وأقواها.

إنّ مسرح بيروت الذي تأسس في بداية الستينات من القرن الماضي، لم يكن مجرّد مسرح. ولم نذكره يوماً كأوّل مسرح دائم للعروض الملتزمة فقط.
بل كان حضناً جامعاً للشخصيات الفكرية والأنشطة الثقافية والإبداعات المسرحية. فظلّ يُعدّ بمثابة الذاكرة التي تحفظ صورة بيروت بحقبتها الذهبية. يوم كانت بيروت أمّ المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون والأدب والنشر.
مسرح بيروت لم يمت فجأة. بل جاء موته على سكرات. آخرها كانت الغيبوبة التي دخل فيها عام 2004 حيث بقي مُقفلاً ست سنوات، إلى أن أُعيد افتتاحه عام 2010 بإدارة الممثل عصام أبو خالد والمخرج طارق عمّار على أمل تكريس الوجه الحضاري والنبض الثقافي لمدينة اسمها وحده يحكي عنها «بيروت».

أمّا اليوم، ومع بداية هذا العام «يُهدَم» مسرح بيروت. ويُباشر العمل على بناء عمارة ضخمة تطلّ على البحر لتكون بناية أخرى من بنايات «الأحلام» المنتشرة في محيط «السان جورج» البحري.

بهذه المشهدية التراجيدية ينتهي مسلسل إغلاق مسرح بيروت وإعادة افتتاحه. ومن هنا تبدأ قصّة بيروت جديدة. بيروت متخففة من ثقل المسارح والهموم الثقافية.
ومن دون أن يرفّ لأبناء بيروت جفن، حضروا تأبينه. استرجعوا ذكرياته. تحسّر بعضهم. ووودّعناه جميعاً، بلامبالاة. «باي باي... بيروت».