هل يتحقّق حلم المكتبة الوطنية في لبنان؟

قاعة /صالة / غرفة مكتبة, الأبحاث, المكتبة العامة, اللغة العربية, جائزة الشيخ زايد للكتاب

13 أغسطس 2012

في بلدٍ لم توضع «المكتبة الوطنية» في سلّم أولوياته، لا بدّ من السؤال عن ماهية المكتبة الوطنية. هل هي مكان عام للمطالعة؟ مصدر للبحث عن المعلومة؟ الحفاظ على الإرث الوطني؟...
فيما باشر المعنيون في لبنان العمل على إعادة إنشاء المكتبة الوطنية التي اتخذّت من مبنى كليّة الحقوق والعلوم السياسية سابقاً في الصنايع (بيروت) مقرّاً لها، رصدنا خطوات هذا المشروع وأهميته واستطلعنا آراء الشباب اللبناني ومفهومه لمعنى المكتبة بعدما أحرقتها الحرب الأهليّة ودمّرت كيانها وجعلتها أمراً ثانوياً في ذيل أولوياتنا. فكان هذا التحقيق

المكتبة الوطنية هي مكان للمطالعة، للقاءات العامّة، للأبحاث... بل هي أكثر من ذلك. المكتبة الوطنية هي قبل أي شيء المسؤولة عن حفظ التراث الفكري الوطني وحمايته.
ماذا نعني بالتراث الفكري الوطني؟ «هو كلّ ما أنتجه وكتبه لبنانيون أو كُتب عنهم باللغة العربية وباللغات الأجنبية الأخرى.
علماً أنّ النتاج الفكري الاغترابي أساسي جداً انطلاقاً من أنّ عدد اللبنانيين خارج لبنان يفوق أضعاف عددهم داخله، مما يحثّ المكتبة الوطنية على الاهتمام بإرث أبنائها ممّن هم في الخارج كما في الداخل»، تُجيب مديرة مشروع إعادة تأهيل المكتبة الوطنية السابقة ندى عيتاني. ثمّ تُضيف: «تأثّرنا بالمفهوم الفرنسي عن طبيعة المكتبة الوطنية التي تتجلّى كالمكتبة الأم بالنسبة إلى المكتبات العامّة.
وبالفعل استطعنا عبر مشروع إعادة تأهيل المكتبة الوطنية العمل على تنمية قطاع المكتبات العامة وتطوير مجموعاتها، وهكذا ارتفع عددها في لبنان بحيث وصلت إلى ما يفوق 126 مكتبة بعدما كانت تقتصر على 32».

من أكبر مهمات المكتبة الوطنية أيضاً تلبية حاجات المواطنين العلمية والثقافية عبر اقتناء المنشورات المختلفة التي تتوافق واتجاهات في الثقافة اللبنانية، وعلى ميادين الإنتاج الفكري المختلفة فيها.
ومن وظائف المكتبة معالجة المجموعات المكتبية عبر خطوات كثيرة منها وضع المعايير البيبليوغرافية، فضلاً عن تطوير قطاع المعلومات إلى جانب المكتبات التي يفترض العمل على توسيع خدماتها وتنشيطها والعمل على إنشاء شبكة وطنية للمكتبات ومراكز المعلومات اللبنانية ودعم مجال حفظ المجموعات المكتبية والرقمية وترميمها وتطوير هذا المجال والريادة فيه.
وقبل هذا كلّه تفعيل القطاع الثقافي في لبنان، وهو القطاع الأكثر تهميشاً في ظلّ وجود وزارة ثقافة تصل ميزانيتها إلى 0%.

كيف يُمكن للمكتبة الوطنية أن تُعيد الحياة إلى قطاع شبه ميّت؟ «تُمثّل المكتبة الوطنية حجر الزاوية في البناء الثقافي. ومع إنشاء المكتبة، يتغيّر التفاعل الاجتماعي أيضاً لأنّ مفهوم المكتبة الوطنية سيجمع اللبنانيين المنقسمين في ما بينهم على تاريخ واحد وفكر واحد وإرث واحد.
وإذا أردنا أن نتكلّم عن «مواطنية» فلا من بدّ الحديث أولاً عن تفاعل ثقافي وطني لجعل الهوية اللبنانية أكثر قوّة وتأثيراً. والوطنية تبدأ من فكرة «أنا لبناني» إذاً أنا أملك ما أستند إليه. والمكتبة الوطنية سوف تكون هي أوّل وأهمّ ما يجمع اللبنانيين خصوصاً أننا بلد يعتمد على الهبات، مما يجعل من ثقافتنا الحالية مُشكّكا فيها إلاّ أن المكتبة الوطنية لا بدّ من أن تُنقّي الدم الوطني اللبناني الثقافي».
هكذا أجابت عيتاني عن هذا السؤال. إلاّ أنه يتوجب علينا في هذا المجال البحث في مصير هذه المكتبة التي تأخرّت في خروجها من تحت الركام.


نظرة الشباب اللبناني إلى المكتبة الوطنية

وليد إبن السابعة عشرة من العمر يقول: «لا أقصد المكتبات أبداً، ولا أهتم لوجودها لأنّني أعيش وسط غابة من المكتبات الرقمية والإلكترونية التي تعطيني المعلومة بسرعة أكبر وبصعوبة أقل».
وتالا، تلميذة في إحدى مدارس بيروت الرسمية، متحمسة لوجود مكتبة وطنية تُساعدها في إنجاز أبحاثها المدرسية. أمّا سارة، تلميذة في مدرسة فرنكوفونية، فتقول: «أحبّ الأوقات التي أمضيها في مكتبة المدرسة وفي المكتبة العامة التابعة للمركز الثقافي الفرنسي.
ولا أعرف شيئاً عن المكتبة الوطنية». ولكن صلاح، طالب في الجامعة الأميركية في بيروت، يعتبر أنّ مكتبة جامعته هي الأهمّ في لبنان ووجودها يُغنيه عن أي مكتبة أخرى، مع أنّه يعتقد أنّ إنشاء مكتبة وطنية لحفظ الإرث الثقافي والفكري في لبنان مهمّ.
بينما يعتب باسل، الطالب في الجامعة اللبنانية، على الدولة اللبنانية التي لا تهتم بتاريخها وإرثها وثقافتها.
ويُكمل: «الحرب الأهلية والأوضاع الأمنية لم تعد حجة مُقنعة. فالدول الأوروبية أعادت بعد الحرب العالمية الثانية إعمار مدنها كاملة بعد أربع وخمس سنوات، أمّا لبنان فلم يعرف كيف يُعيد بناء مكتبته الوطنية بعد مضي 22 سنة على انتهاء الحرب».

ولا تخفي رُبى، مُدرّسة متخرّجة حديثاً، انزعاجها من وجودها في دولة لا تُقدّر قيمة الكتاب والمكتبات. فهي طالما حلمت بوجود مكتبة وطنية تقصدها للتعرّف إلى إرث وطنها ولتُعرّف تلاميذها على جواهر بلادنا الحقيقية.
وفي هذا الصدد تقول: «من لا يخاف على ماضيه فإنّه لا يخشى على مستقبله. وإرثنا الفكري والتراثي ظلّ طوال أعوام عرضة للشتات والسرقة والنهب في ظل غياب مكتبة وطنية تحميه».
إلاّ أنّ خبر إنشاء المكتبة كان له وقعه الإيجابي على رُبى وغيرها من شباب لبنان، فهل يُستكمل المشروع وتُصبح مكتبتنا الوطنية جاهزة في موعدها نهاية عام 2014؟

                                                                                                                   
المكتبة الوطنية بين الماضي والمستقبل

المكتبة الوطنية التي أسّسها عام 1921 الفيكونت فيليب دي طرازي في دارته الخاصة ومن مجموعته الشخصية التي تحوي عشرين ألف وثيقة ومطبوعة وثلاثة آلاف مخطوطة بلغات عديدة، هي التي شكلّت نواة المكتبة الوطنية اللبنانية.
وكان دي طرازي يسعى دائماً إلى الحصول على أوّل عدد من أي دورية، إضافة إلى أعمال مفكرين لبنانيين وعرب.
وقد حُفظت هذه المجموعة الثمينة في دار المحفوظات الوطنية الى جانب لوحات زيتية لمفكرين لبنانيين, ستُعرض في المكتبة الوطنية اللبنانية التي من المفترض أن يُعاد افتتاحها أواخر عام 2014.

المكتبة الوطنية ترقد اليوم في المرفأ. أمّا المبنى الجديد أو المستقبلي للمكتبة الوطنية فهو كليّة الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية (سابقاً) في منطقة «الصنايع». « اختيار هذا المبنى ليس شخصياً، بل الدولة هي من اقترحت ضرورة إيجاد مبنى مُلائم في مدينة بيروت.
والمعروف أنّ موقع المكتبة الوطنية كان في مجلس النوّاب إلاّ أنّه، وبعد احتراقها في السبعينات نتيجة الحرب، اتُفّق على أنّ هذا المكان لم يعد مناسباً كي يكون مكتبة وطنية.
ومن بين المباني التي رُشّحت كان مبنى كليّة الحقوق في الصنايع، ووقع الاختيار عليه عام 1999 نظراً إلى موقعه الاستراتيجي في قلب مدينة بيروت، بالإضافة إلى قيمته المعمارية والتاريخية والتراثية لكونه يعود إلى العهد العثماني ويتميّز بهندسة رائعة ومساحة واسعة تُمكنّه من احتضان مكتبة بحجم المكتبة الوطنية اللبنانية»، تقول ندى عيتاني.
والجدير ذكره أنّ الخطة المعمارية وُضعت خلال فترة إعادة تأهيل المكتبة، من قبل مهندسين واختصاصيين في عمل المكتبات.
خلال تلك الفترة الواقعة بين عامي 2004 و2005 زار لبنان عدد كبير من المختصين من أكثر من مكتبة عالمية وعربية مثل مديرة المكتبة الوطنية الكندية وممثلون لمكتبات السعودية والكويت والإسكندرية وبريطانيا وفرنسا.
إلى جانب استقدام خبراء لتدريب فريق عمل المكتبة. المكتبة الوطنية تدخل اليوم في حيّز التنفيذ من خلال ترميم المبنى وتحسينه، وتقوم هذه الخطوة على الهبة التي قُدّمت من دولة قطر ومقدارها 25 مليون دولار سُلّمت للدولة اللبنانية عام 2011 بدلاً من 2006 بسبب الظروف الأمنية التي طرأت على لبنان خلال تلك الفترة، بما فيها الاعتداء الإسرائيلي على لبنان في تموز/يوليو 2006.
واشترطت قطر استثمار هذه الهبة في مجال الإعمار وليس من أجل أي عمل آخر. أمّا شركة «إيرغا غروب» الهندسية فهي التي تتولّى العمل على ترميم المبنى وتجهيزه وبناء المساحات الجديدة ليُدشّن في نهاية عام 2014.