مقدونيا وطن الإسكندر الكبير

الإتحاد الأوروبي, اليونان, بلغاريا, الحرب العالمية الثانية, إسطنبول, مقدونيا, أوروبا الجنوبية, فيتو, مقاطعة مقدونيا, جمهورية مقدونيا, الإسكندر الكبير المقدوني, البلقان, شبه جزيرة البلقان, صربيا, درع كوسوفو, ألبانيا, فيليب الثاني, سكوبيا, مطار الإسكند

29 يناير 2010

مقدونيا هذه البلاد الجميلة التي تقع في أوروبا الجنوبية لا تزال مستبعدة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بسبب فيتو جارتها اليونان التي ترفض أن تحمل الاسم نفسه  لمقاطعة مقدونيا اليونانية بحجة الخوف من ظهور مطالبة إقليمية  بضمّها إلى جمهورية مقدونيا، رغم أن التعديل الثاني في  دستور هذه الأخيرة يمنع اجتياح أقاليم البلدان المجاورة. ولعلّ اليونان  تحمل في لاوعيها التاريخي هاجس ظهور إسكندر عصري يستحضر بطولات الإسكندر الكبير المقدوني الذي أخضع المدن اليونانية لسيطرته واجتاح الغرب والشرق قبل ألفي سنة. فكأن التاريخ في مقدونيا  يحاول إخضاعها  لقوانين الجغرافيا السياسية التي تتحكم فيها الدول الأقوى، رغم أن تاريخها  الشخصي أثبت أنها تعرف كيف تكون صانعته.

ومقدونيا اليوم التي تعيش في كواليس ذاكرتنا نحن أبناء الشرق وربما أبناء الغرب أيضًا، تقع في شبه جزيرة البلقان، تحيطها اليونان وبلغاريا وصربيا وكوسوفو وألبانيا، تحاول أن تعود إلى خريطة العالم الحديث حاملة معها كل أمجاد اسكندرها الكبير. فجعلت علمها الوطني تتوسطه نجمة فرجينا التي وجُدت على مقبرة فيليب الثاني والد الإكسندر رغم أنها قلّصت عدد خطوطها من ١٦ إلى ٨، ومطلقة على مطارها الدولي في عاصمتها سكوبيا «مطار الإسكندر الكبير» مما يثير حفيظة اليونان.
وفي التاريخ أن مقدونيا خضعت للإمبراطورية البيزنطية، ثم الإمبراطورية العثمانية و كانت ضمن المعسكر الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن تهاوى مع سقوط جدار برلين عام ١٩٨٩، وعادت مقدونيا لتلملم بقايا تاريخها عام ١٩٩١ وتكون دولة مستقلّة تعرف بـ«جمهورية مقدونيا» بعد أن كان اسمها «جمهورية مقدونيا الاشتراكية».

سكوبيا العاصمة: التاريخ الذي ابتلعته  أحشاء الأرض
سكوبيا عاصمة مقدونيا والمدينة التي وُلدت فيها الأم تيريزا. يعود تاريخها إلى عهد الرومان وكانت جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية ثم إحدى ولايات الإمبراطورية العثمانية وعرفت وقتها باسم أوسكوب ثم انضمت إلى يوغوسلافيا وعادت إلى أحضان مقدونيا لتكون عاصمتها.
عرفت المدينة نموًا بعد الحرب العالمية الثانية في عهد الديكتاتور تيتو، عكّرته قسوة الطبيعة بزلزالها الذي ضرب سكوبيا عام ١٩٦٣ ودمّرها بشكل شبه كامل.

ونتج عن سقوط النظام اليوغسلافي و استقلال مقدونيا إغلاق عدد من المصانع، لتحاول المدينة جاهدة الانضمام إلى الاقتصاد الأوروبي. لا تخلو الهندسة المُدُنية للمدينة العصرية من الفوضى المعمارية التي تعكس روح النظام الشيوعي المتقشّفة.
ولكن مهما فعل التاريخ والجغرافيا بسكوبيا،  فإنها مدينة متعدّدة الوجوه رسمتها الحضارات التي مرّت عليها عبر التاريخ القديم والحديث لتراها اليوم محتشدة ينبثق منها مزيج من الثقافات متجسدًا بحجارة ومعالم تاريخية انفلتت من زلزال غاضب.

يخترق سكوبيا نهر فاردار الذي يقسم المدينة قسمين يتواصلان عبر جسر كاميني موست العثماني والذي يعتبره سكان العاصمة رمزًا مهمًا للوحدة وشاهدًا على الحضور العثماني في المدينة خلال قرون، ويقوم الجسر على إثني عشر قوسًا. تقع في الضفة الشمالية للمدينة الأحياء التركية التي يضربها الزلزال، بينما تقع في الضفة اليمنى الأحياء الجديدة التي بُنيت بعد الزلزال وتضم مجموعة من المباني العصرية الحكومية تشير إلى انفتاح سكوبيا على الغرب بعد خروج العثمانيين.

يضم وسط المدينة ساحة كبيرة تعرّف بساحة مقدونيا. ورغم أن هذه الساحة ليس فيها ما يدهش السائح لجهة الهندسة المعمارية فإنها تشكل فخر سكان سكوبيا لأنهم يرون فيها رمز الحرّية بعد قرون من الإحتلالات. وهي ملتقى السكان بلا منازع، يرتادون المقاهي المنتشرة في أرجائها.
تعتبر قلعة كالا بأبراجها المربّعة وأطلالها التي تعود إلى القرن الحادي عشر مقصد سكان سكوبيا وسياحها.
كما تضج المدينة  بالمعالم الأثرية العثمانية منها جامع ألاديا وجامع مصطفى باشا، وحمام دوت باشا التركي الذي يعود إلى القرن الخامس عشر، وخان القوافل «سولي آن» الذي تحوّل إلى غاليري للفن.
ولعلّ بازار كارسيا أكثر الأماكن التي تعكس نمط الحياة التركية بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية.
فهذا السوق أكثر أصالة من بازار اسطنبول نفسها عاصمة الإمبراطورية العثمانية سابقًا وأكثر غرابة، يدهشك بالبضائع التي تعرض فيه بأسعار زهيدة فهو يعكس روح الشرق بوجهه المسلم وتألق مقدونيا الأوروبية، في عاصمة حيث الهوّيات الدينية وممارسة طقوسها تبرز بقوّة في الأحياء التركية والأحياء السلافية.

في سوق كارسيا يتحوّل السائح إلى محط أنظار مندهشة وفضولية، ولكن الابتسامة تظهر على ثغر البائع بمجرد أن ينطق السائح بكلمة حتى لو لم يفهم لغته فتزال الحواجز الثقافية بينه وبين البائع الذي يبذل مجهودًا ليسعد السائح فيعرض عليه تذوّق كاجماك (وهو نوع من الأجبان قريب إلى القشطة العربية وتعتبر من المأكولات التقليدية التركية وبلاد البلقان وتقدّم على الفطور).
إضافة إلى بازار كاسيّا هناك سوق بزيستن الذي يعود إلى القرن الخامس عشر، وسوق بيتبازار الذي يجذب السياح ببرج الساعة الذي تتوسطه.
رغم الحضور القوي العثماني في مقدونيا، توجد بعض الأماكن الدينية المسيحية، مثل كنيسة الصعود، وكنيسة القدّيس كليمان- دوريد، وكنيسة القدّيس دمتري وكاتدرائية القدّيس كليمانت، فضلاً عن مجسّم للأم تيريزا ومنزل خاص بها تعرض فيه تذكارات هذه الراهبة التي نذرت نفسها لخدمة المحتاجين في كل أنحاء الكرة الأرضية.

رغم المآسي التي مرّت بها سكوبيا تحتفل في الأول من أكتوبر/ تشرين الأوّل من كل عام بمهرجان الجاز الذي انطلق عام ١٩٨١، ليتطور سنة بعد أخرى ويصبح مقصد هواة الجاز من كل أرجاء البلقان. فما أجمل أن تشارك هذه المدينة التي تعيش في حواشي التاريخ في احتفالها بالحياة، لتتعلّم كيف يُصنع التاريخ.