الفيليبين... البلاد التي تحضن سحر آسيا المنسي

جزر, ماليزيا, ثمار البحر, الحرب العالمية الثانية, قارة آسيا, فيليبين, مانيللا

19 أكتوبر 2010

الطريق إلى الفيليبين يعني خوض غمار رحلة فريدة للعبور نحو بلاد يتراكم فيها الجمال الطبيعي العذري، لتكشف مدنها عن سحر آسيا المنسي في ذاك الجزء من الكرة الأرضية.وفي التاريخ أن المستكشف البرتغالي فيرناند دو ماجيلان أوّل أوروبي وطئت قدماه أرض جزر الفيليبين عام 1578 لتصبح عام 1565 مستعمرة أسبانيةوالفيليبين، الاسم المؤنث لفيليب، أطلقه الأسبان على شرف فيليب الثاني، ثاني أبناء ملك أسبانيا، بعد مدة وجيزة على اكتشافها. يمتد أرخبيل الفيليبين المؤلف من  7107 جزر، ألفان منها مأهولة بالسكان، على طول 1840 كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب وعلى طول 1104 كيلومترات من الشرق إلى الغرب.
يحدّها من الشرق بحر الفيليبين، ومن الغرب بحر الصين ومن الجنوب بحر السلبيز. ورغم هذا التحديد الطبيعي الجغرافي فإن الفيليبين معروفة بأنها تسبح في المحيط الهادئ، وكأن للطبيعة كواليس لا يعرفها إلاّ من يدخلها. فعند جنوبها تسبح جزيرة سلبيز و أرخبيل مولوك اللذان ينتميان إلى أندونيسيا، وعند جنوب -غربها تقع جزيرة بورنيو التي تتقاسمها ماليزيا وأندونيسيا، وعند شمالها تقع تايوان، وعلى مسافة 500 كيلومتر شرقًا تقع جزر بالاووس.

مانيللا
تتميّز العاصمة مانيللا بأنها مدينة عصرية رغم أنها دمّرت بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية، يفوق عدد سكّانها 11 مليون نسمة وتتضمن أكثر من وسط تجاري. أما المناطق الأكثر جذبًا للسياح فهي  الواقعة عند حدود نهر بازيغ Pasig وخليج مانيللا وجادة تافت Taft حيث تجتمع أحياء إنتراموروس وإيرميتا ومالات. وأنتراموروس أقدم أحياء مانيللا بناه الأسبان في القرن السادس عشر على امتداد نهر بازيغ. لذا فهو يضم معظم المواقع التاريخية. وكلمة إنتراموروس تعني داخل الجدران. وعلى مقربة منه موقع ماليزي إسلامي، سيطر عليه ثلاثة رؤساء قبيلة، رجا سليمان، ولاكان دولا ، ورجا مانتادا.
ويعرف الموقع باسم مانيلادا الذي أتى من نبتة نيلادا التي تعيش على ضفاف نهر بازيغ. ووجود هذا النهر والمدخل الذي يكوّنه عند خليج مانيللا جعلا منه موقعًا استراتيجيًا وبالتحديد تجاريًا مع الشعوب الآسيوية مثل التجّارالصينيين والمسلمين الذين يأتون من الصين وبورنيو وأندونيسيا، وهكذا أصبح ماينلاندا المكان الأهم للرؤساء الذين حكموا القطاع قبل مجيء الأوروبيين.
ويعتبر متنزّه ريزال جنوب العاصمة ملاذًا للنزهة الهادئة وسط الطبيعة الخلاّبة، تقع عند جنوبه إيرميتا وهي مركز العاصمة السياحي الذي يضم مجموعة فنادق ومقاهٍ، أما الفنادق الفخمة فتقع في مالات.

وفي السنوات الأخيرة استقطب شارع ماكاتي التجاري اهتمام السياح بفضل المقاهي الراقية الموجودة فيه، والبوتيكات التي تعرض لأشهر دور الأزياء العالمية والفنادق الفخمة والنوادي الليلية. أما الحي الصيني تشاينا تاون فيقع شمال نهر بازيغ.

بانو Banaue
على ارتفاع 1200 متر تمتد روائع الطبيعة. إنها بانو التي تزنّر خاصرة جبلها حقول أرُز يقال إنها « ثامنة عجائب الدنيا». نحتها قبل ألفي سنة شعب الإيفوغاو Ifugao، وهم قرويون بناؤون نحتوا الجبال بأيديهم بفضل معرفتهم كيفية العمل، وذكائهم وثقافتهم عبر العصور. الوصول إلى هذه الحقول مع شروق الشمس والوقوف عند رأس بانو ، يسمحان برؤية مشهد خلاب عز نظيره في العالم، يتمركز عند حقول تتماوج على وجه صفحاتها كل الأبعاد الجمالية ، فيشعر زائر المكان بأنه خارج الزمان. إذ تشكل الحقول مربّعات من السلالم الغريبة التي تبدو كأنها تتسلق خاصرة الجبل لتصل إلى السماء، وبعضها يشكّل أحواضًا طبيعية تنعكس على وجه مائها ألوان الفضاء الأزرق. وما يثير الدهشة شلالات حقول الأرز التي تتدحرج متبعة تقوسات الأرض لتصل إلى عمق القناة، لتكون الشاهد على التناغم بين الطبيعة والإنسان.

فيغان
تبدو بعض المدن تعرف كيف تنجو من همجية الحروب لتحافظ على جمال تاريخها. هكذا هي حال مدينة  فيغان شمال لوزون التي أفلتت من قصف الطائرات أثناء الحرب العالمية الثانية بأعجوبة، لتبقى نموذجًا رائعًا للمدن التي استعمرها الأسبان.

تشتهر فيغان بشوارعها المرصوفة بالحجارة وبيوتها التي شيّدت على النمط الأسباني، ويكفي أن يتجوّل زائرها بين شوارعها صباحًا ويتأمل خيوط الشمس تتأرجح على أسطح البيوت مستأذنة الدخول إليها حتى يدرك أنه وسط مدينة توقف فيها الزمن عند القرن السابع عشر، فتخجل الحداثة أن تعكّر صفوه وتكتفي بالوقوف عند بابه من دون طرقه وتكتفي بالنظر إليه.
وتضم فيغان عددًا من المتاحف خاصة بالأبطال الوطنيين الذين وُلدوا فيها.

بويرتو غاليرا
في جزيرة ميندورو جنوب لوزون يقع بويرتو غاليرا حيث تمتد شطآن رملية يذوب عندها موج محيط يخفي في أحشائه مدنًا بحرية يعجز سكان اليابسة عن تقليدها، يزورها هواة رياضة الغطس، فيندهشون بروائع قد تجعل أنابيب الأوكسجين تزيد ضخها بفعل زيادة منسوب الأدرنالين بسبب الرهبة التي تجتاحهم وهم يتجوّلون في أروقة عالم أعماق البحر.
فلا عجب أن تضعه اليونيسكو ضمن المواقع المثالية لمراقبة تغيرات النظام الطبيعي. وبويرتو غاليرا الرائعة تضم خلجانًا وجزرًا، الوصول إليها يكون بركوب العبّارات البحرية واكتشاف مرفأ شكّلته الطبيعة على مر العصور.

بوراكاي
تستقطب بوراكاي نخبة الزوّار من عائلات من كل الجنسيات، وسكان مانيللا يشعرون بالمتعة بعد نهار أمضوه على شاطئها اللؤلؤي، بمناخ جميل ومطابخ عالمية وفنادق فخمة توفر برامج ترفيهية تبدأ من نزهة على الرمال، ورياضة بحرية، ومنتجعات تدليك، والسباحة في مياه فيروزية تتدرج ألوانها بشكل فريد. كما توفر مراكز الرياضات البحرية مروحة من النشاطات، الرياضات الشراعية والتزلج المائي والرافتينغ. ويعتبر وايت بيتش مقصد هواة السمرة ويمتد في قلب بوركاي.

فيساياس
بين لوزون ومينداناو يقع أرخبيل فيساياس الذي كان نقطة الالتقاء الأولى مع الأوروبيين في القرن السادس عشر، وهو واحد من أغنى المواقع البحرية بالتنوّع الطبيعي في العالم. ففي جزيرة سمر Samarيكتشف الزائر الشلالات الهادرة والأنهر المتدفّقة في باطن الأرض، ومتنزه مغاور سوهوتون  Grottes de sohotoالوطني، فيما يربط جسر سان خوانيكوSan Juanico  جزيرة سمر بـ لييت التي تحضن بالو بريفها الرائع. هنا الجنرال ماك آرثر رست سفينته عام 1944 وطرد اليابانيين. أما محبو الشوكولاتة فلن يفوتوا زيارة تشوكوليت هيلز Chocolate Hills ،  أي هضبة الشوكولا الموجودة في جارة جزيرة بوهول حيث يمتد ريف غريب وهضاب على مد النظر يبدو أن لا نهاية لها. أما جزيرة سيبو Cebu  التي رست  فيها للمرة الأولى سفينة ماجيلان، فهي غنية بالمعالم الأثرية التي تعود إلى الحقبة الأسبانية.

جمال  الفيليبين، يجعل من يزورها يفكّر في قول  أديبها وبطلها خوسيه ريزال: «ما هي الصدفة؟ هي حدث لا يتوقّعه الشخص. وما هي الأعجوبة؟ هي تناقض قوانين الطبيعة وانقلابها. اللامتوقع والتناقض في العقل الذي يقود آلة العالم يدلّ على نقصين كبيرين». وهكذا هي الفيليبين، السفر إليها  ينقض كل الأفكار المسبقة التي تنظر إليها بعين الشفقة خصوصًا لدينا في العالم العربي، فهي بلاد أقل ما يقال عند زيارتها إنها اكتشاف لعالم طبيعي جماله فاحش الثراء، التيه في أروقته البحرية و تسلّق روائع جباله وهضابه ووديانه والتجوال في مدنه العائمة وسط المحيط الكبير، مغامرة تخضع الحواس لسلطتها فتتلاعب بأخيلتها بين المد والجزر إلى أن ترسخ في ذاكرة لا تشيخ.

عادات فيليبينية طريفة

القول الفرنسي المأثور «الأشخاص المترفون يتأخرون دائمًا عن موعدهم» يبدو في الفيليبين عادة اجتماعية محببة. فإذا كنت على موعد مع أحدهم عليك ألا تصل في الوقت المحدد. فمفهوم الوقت الفيليبيني مختلف إذا كنت في مانيللا أو في إحدى جزر الأرخبيل، وهكذا التأخر عن الموعد ميزة جيدة في مانيللا وقد يصل إلى أيام عدة.

أما إذا كنت تزور أحد البيوت فمن الضروري أن تخلع حذاءك قبل الدخول إلى المنزل، كما عليك أن تبدي احترامًا كبيرًا لكبار السن. وإذا دعيت إلى تناول الطعام عليك أن تتذوقه، وإذا أعجبك الطعام عليك أن تترك القليل في طبقك، فهذا يشير إلى أنك شبعان. و لا تنزعج إذا حدّق إليك أحدهم، فهذا لأنه يجدك شخصًا مهمًا. ويستحيل عليك أن تبقى وحيدًا إذا كنت تتناول طعامك في أحد المطاعم فهناك دائمًا من يبادر إلى الدردشة معك.