منغوليا الإمبراطورية تعيش استراحة محارب عنيد...

فندق / فنادق, حضارة, مصادر الطبيعة, المنحوتات الإغريقية, أحجار, قارة آسيا, حفل إستقبال, لجنة التعليم والعلوم بالبرلمان الأذري, كواليس, منغوليا, امبراطورية, مظاهرة / مظاهرات

16 مارس 2011

منغوليا هذا الاسم الذي ارتبط في ذاكرة شعوب الأرض التاريخية بحملات المغول، وقيام إمبراطورية على أنقاض مدن لم تستسلم بسهولة لوقع جياد جيش مهول قاده الشاب تيموجين، بعد أن وحّد قبائل المغول وأصبح يعرف بجنكيز خان أي 'الإمبراطور الكوني' الذي سابق الريح فاجتاح آسيا، ليحقق حلمه أحفاده من بعده ويقيموا أكبر الإمبراطوريات على مرّ العصور.

انكمشت الإمبراطورية وتقلصت وعادت إلى حدود جغرافيتها الطبيعية بين روسيا والصين، والمثير للتعجب والتساؤل: كيف يمكن لهذه البلاد التي خصها الخالق بطبيعة تحبس الأنفاس مغلّفة بفضاء أزرق تسكن دونه سهوب رحبة تتماوج فيها الألوان بلا حدود، وأودية متدحرجة يستريح في أحضانها ريف هادئ لا تسمع فيه سوى صدى الريح يتسرب إلى داخل خيمة لباد، أن يخرج منها هولاكو حفيد جنكيز خان، المرتبط اسمه في ذاكرتنا العربية بدمار بغداد عاصمة العلوم في العصر العباسي، وبحريق بيت الحكمة معقل نتاج العرب الفكري الذي حوّله رمادًا، واغراق ما بقي منه في نهري دجلة والفرات وتعكير صفو مياههما النقية بحبر أسود دوّن في صفحات التاريخ: «المغول مروا من هنا».

ومهما يكن من تاريخ لم يرحم طغاة إمبراطورية غابرة، فمما لاشك فيه أن منغوليا تستحق أن يزورها من يهوى السفر إلى بلاد ليست موجودة على لائحة الوجهات السياحية التقليدية، ليعيش وسط عالم المغول الذي سقط من حسابات الزمن الحاضر رغم أنه غيّر في ما مضى وجه الحضارة الإنسانية وزمانها. إنها سخرية التاريخ!

أولان باتور
وسط شمال البلاد وعلى ضفاف نهر تولا تقع أولان باتور عاصمة منغوليا التي تتشابك فيها الأبراج السكنية ذات النمط الستاليني الشيوعي المتقشف مع أحياء خيم اللبّاد المغولية  المتنامية حول المدينة حيث يعيش أكثر من 250000 ألف نسمة.

مما يمنح المدينة سحرًا وشعورًا بمساحة فريدة من نوعها، يفوح في فضائها عبق الصنوبر المنبعث من أشجاره المتسلّقة جبالاً مهيبة تزنّر العاصمة.
يوفر الوقوف عند إحدى قممها مشهدًا بانوراميًا لا يعرف حل ألغازه إلا من يدخل كواليسه.

تمتد في وسط أولان باتور ساحة سوخباتور حيث أعلن دامديني سوخباتور بطل الثورة المنغولية عام 1921 استقلال منغوليا، وهنا أيضًا أقيمت عام 1989 التظاهرات الأولى المطالبة بالحكم الديموقراطي التي أدّت إلى سقوط النظام الشيوعي في البلاد.
ويقع شمال- غرب ساحة سوخباتور متحف التاريخ الطبيعي حيث تعرض وثائق جغرافية عن منغوليا وثروتها النباتية فضلاً عن هيكلين عظميين كاملين لديناصورين اكتشفا في صحراء غوبي. ويملك متحف الفنون دزانابدزار مجموعة رائعة من اللوحات والنقوش والمنحوتات وأعمال فنانين ونحاتين من بوذيي زانابازار.

دير غاندان تشيغ شينلين خيد
يعدّ دير غاندان تشيغ شينلين خيد، ويعني» مكان السعادة المطلقة العظيم»، واحدًا من المعالم المدهشة في العاصمة الذي حافظ عليه النظام الشيوعي كي يثير إعجاب السياح.
يضم الدير مجموعة معابد رائعة منقوشة بالذهب والأحجار الكريمة، ولا يزال الرهبان البوذيون يقيمون الاحتفالات فيها حيث تصدح ترانيمهم في أجوائها.

وإذا قصد الشيوعيون المحافظة على الدير لتبييض صفحتهم الحمراء، فإن قصر بودج خان الشتوي الذي كان مكان إقامة آخر أتباع البوذية في منغوليا شُيّد بين عامي 1893 و1903 انفلت من قبضتهم ولم يلحقه الخراب.
وتضم باحة القصر ستة معابد تحضن الهدايا التي كانت تقدم للرهبان، ومن بينها مجموعة من الحيوانات المحنّطة.

بايان غوبي
يعتبر بايان غوبي نموذجًا أصيلاً للطبيعة المنغولية بكل أنماطها وأشكالها. وتحيط المخيم كثبان رملية وهضاب مغلّفة ببعض أحراج الصنوبر وغابة صغيرة تجاور النهر الذي يستلقي عليه المخيّم. عند الوصول يرحب بك موظف الاستقبال بزيّه المغولي التقليدي الـ Del، وبابتسامة ارتسمت على وجهه الملتحف بشمس دافئة كسرت برودة الوقت، يرشدك إلى خيمة اللباد التي ستمضي فيها أيامك، فتدخل كواليس العالم المغولي بكل حواسك غير آبه بصورة جنكيز خان الهوليوودية.

هنا في هذا المكان تخضعك الطبيعة الفسيفسائية لأن تكون جزءًا منها وتتمتع بتناقضاتها. 

تجد نفسك وسط الصحراء بكثبانها الذهبية تتبختر فيها الجمال، وتقف على لسان جرف صخري لا أمواج بحر تتكسر عنده، ونهر هادئ يمكنك السباحة فيه من دون أن تخشى تمساحًا يدهمك على حين غرّة.
وسواء كنت تعرف ركوب الخيل أو لا، فالتجوال على ظهر حصان مغولي مدرّب على حماية فارسه، أو ركوب الجمل تجربة تتيح لك اكتشاف المنطقة بهذه الطريقة التقليدية. وإذا مررت بمضارب البدو يفاجئك أحد الرعاة يدعوك إلى خيمته لتذوّق حليب الفرس المخمر وهو الشراب الوطني للمغول.

أما عند المغيب فيتغيّر المشهد في هذا المخيم، فيصدح في الأفق الأرجواني غناء الكومي الخاص بالرجال، وهو غناء تقليدي عند المغول يرتكز على إصدار الحنجرة أصواتًا عدة في آن واحد، لينطلق بعد ذلك مسرح الفرسان الذي يستعرض فيه الخيّالة سرعتهم وتقنيات السباق.

بحيرة خوفسغول نور
وسط عشرات الجبال الشاهقة وغابات الصنوبر والبراري الخضراء حيث ترعى قطعان الثور المغولي والجياد. 

تسكن بحيرة خوفسغول نور الأعمق في آسيا الوسطى والتي تأتي في المرتبة الرابعة عشرة لاحتياط الماء العذب في العالم. الولوج إلى عالم هذه البحيرة يحبس الأنفاس رغم نقاوة المناخ وعذوبته، ولكن الجمال المترف والمنتشر بسخاء في هذه المنطقة من العالم يجعل زائرها خاضعًا إراديًا للتيه في أرجائها.

تمتد البحيرة على طول الحدود الروسية وتعتبر مكانًا مقدسًا بالنسبة إلى سكان المنطقة ويطلقون عليها اسم الأم.
تعيش فيها الأسماك وترعى في محيطها الأغنام والعنز البري والدببة والأيائل ويحلق في فضائها أكثر من 200 نوع من الطيور.

كما يحيط البحيرة مجموعة من الغور يصعب الدخول إليها من دون مرشد سياحي. تعيش في هذه المنطقة ثلاث إثنيات: الدارخاد والبوريات والتساتان. ويعتبر فصل الربيع بين شهري نيسان/ أبريل و أيار/ مايو أفضل فترة لاكتشاف البحيرة، وإن كان الطقس باردًا والبحيرة تحتفظ ببعض الجليد.
ويزداد عدد الزوار في فصل الصيف نظرًا إلى اعتدال الحرارة. وهناك على مقربة من البحيرة عدد من الفنادق الخيام التي توفر العديد من النشاطات التي يمكن القيام بها.

على سبيل المثال ركوب الخيل أو ركوب الثور المغولي وممارسة رياضة الكاياك أو الصيد، كل هذا في أجواء مغولية فريدة هذه بعض مدن منغوليا وقراها تعيش استراحة محارب عنيد يعيش خارج الزمان.

ويكتفي بتأمل سهوب معشوشبة، وصحراء رحبة وقاسية، وجبال شاهقة كأنها تداعب السماء، وشعب متشبث ببداوته أول أطوار الحياة، مكتفيًا بترف الطبيعة العذراء، تسكن في ذاك الجزء المنسي من العالم.