ميدان الخيل في بادن- بادن...

إسترخاء, نظارات شمسية, حمام زيت, مهرجان الموسيقى العريقة, بيكاسو, مصادر الطبيعة, قطار بيروت, أوروبا, مقاهي , حوض السباحة, بيوت بقرميد, بايرن ميونيخ, لوحة / لوحات فنية, تناول الفطور, متنزه, امبراطورية, بادن- بادن

22 سبتمبر 2011

استقيظت صباحًا بعدما قررت خيوط الشمس الربيعية التي اخترقت ستائر الغرفة، دغدغة عينيّ بمشاهد البلدة الوديعة وهي تغتسل بالنور وتتعطر بنسائم الربيع. وجدتني أمسك بكاميرتي وألتقط الصور خوفًا من أن يدهمني الوقت وتنهي بادن- بادن طقسها الصباحي، ثم نزلت لتناول وجبة الفطور رغم أنني في العادة لا أفعل ولكن ربما الطقس الجبلي والمناخ النقي، كما كانت جدتي رحمها الله تقول، يفتحان الشهية، فكيف بي وأنا في أجمل بلدة جبلية زرتها في أسفاري.

أثناء تناولي الفطور انضم إلي زملاء الرحلة، جميعنا كنا متشوّقين للتجوال في المدينة، فالتقتنا المرشدة السياحية بيت أندو لنقوم بجولة سريعة في البلدة لأننا سنتوجه إلى مربض سباق الخيل الشهير.
بدأت جولتنا فكانت الدهشة رفيقة مي ولوسي بجمال وسط البلدة التجاري الذي يجمع بين الحداثة في الهندسة المعمارية والتاريخ بأسلوب سلس يجعلك تحار في النظر إليه... أبنية عتيقة يتوّجها القرميد، شرفاتها مزينة بأصص تتدلّى منها الزهور بكل أنواعها وألوانها وتقف عند أقدامها البوتيكات لأهم دور الأزياء العالمية، إضافة إلى البوتيكات ذات الأسعار المقبولة والمتاجر التي تعرض التذكارات، تجاورها المقاهي التي تفوح منها رائحة القهوة الممتزجة بروائح الطعام اللذيذ خصوصًا عند الصباح.
فقالت لي مي سنعود بعد الظهر إلى هنا للتسوّق وسألنا عن الساعة التي تغلق فيها المحلات التجارية نهار السبت الذي هو يوم بداية العطلة الأسبوعية.
عدنا إلى الفندق وبدلنا ملابسنا الرياضية المريحة بلباس شبه رسمي لأن الذهاب إلى مربض سباق الخيل يتطلب ذلك. دارت بنا الحافلة في شوارع بادن- بادن إلى أن وصلنا إلى مركز سباق الخيل.

عند مدخل الميدان يستقبلك كشك تباع فيه القبّعات بتصاميم أنيقة وألوان جميلة لكن لا يخلو بعضها من الأشكال الغريبة.
أرادت مي أن تشتري قبعة ولكن سعرها جعلها تكبح تفكيرها فأرخص قبعة هنا تبدأ من 400 يورو، وصاحبها يتعامل مع هذه القبعات وكأنها تحف فنية يجدر بالمتسوق لمسها وتجربتها بعناية فائقة.

كان الميدان يعج بالحشود من كل الأعمار فهو ليس مجرد ميدان للخيول بقدر ما هو مركز يضم عشرات المقاهي ومحلات التذكارات والاسطبلات.
عند أحد الأجنحة حيث يقع مطعم The Champions استقبلنا المسؤول وصعدنا إلى المقهى المشرف مباشرة على ميدان، فضلاً عن أن شرفته تضم مدرّجات لمراقبة السباق عن كثب.


\بعد تناولنا الغداء أُعلن بدء السباق... هنا قررت مي أن تخوض التجربة وتعرف حظها، فاشتعلت حماستها عندما بدأ السباق وكانت فرحتها عارمة عندما فاز الجواد الذي اختارته...
بعد انتهاء السباق عدنا إلى بادن- بادن البلدة، قررت ومي خوض مغامرة التسوّق. أما جان بيار وشقيقته لوسي فقررا الاستجمام في مركز كركلا و تجربة حوض السباحة الساخن والتدليك على الطريقة الرومانية.

يعود تاريخ إنشاء منتجع كركلا الصحي إلى الإمبراطور الروماني كركلا الذي اكتشف أهمية المياه الجوفية التي تنبع من أرض بادن- بادن  في معالجة الأمراض فشيّد الحمامات الرومانية من وقتها.
يضم المنتجع مجموعة مطاعم موجودة في المبنى الحديث. وتمرّ جلسة العلاج هنا بخمس عشرة مرحلة لكل واحدة منها خصوصيتها وفوائدها على الصحة.

يضم القسم القديم منه وتحت الأرض أطلال حمامات رومانية تعود إلى حوالي ألفي سنة.
عند المساء كنا على موعد على العشاء في Weinstube Baldreit ،والوصول إلى هذا المطعم يكون عبر أزقة ضيقة مرصوفة بالحجارة.
فتدخل في متاهة من الخطى الألمانية إلى أن تفاجئك باحة مبان تاريخية عدة تتدلى منها الزهور وبعضها تتسلق جدرانها نبات اللبلاب، في وسطها طاولات المطعم الذي تفننت نادلته في نصحنا باختيار الطبق الرئيسي.
انتهى عشاؤنا الأخير في بادن بادن. ليستقبلنا صباح اليوم الأخير على طريقته، فبعد الفطور كنا على موعد لركوب القطار الجبلي والصعود نحو ماونت ميركور.
وصلنا إلى قمة الجبل وكان المشهد مهيبًا. فمشهد الغابة السوداء يجعلك ترصدها بعيني نسر يحاول سبر أغوار الغابة التي تعجز خيوط الشمس عن اختراق أشجارها الوارفة، فلا عجب أن يقال عنها الغابة السوداء.
في قمة ميركور تركنا العنان لطفولتنا فركبنا الأراجيح وتسلّقنا الشباك، في جو من السكينة التي لا يخترقها سوى النسائم الباردة المتكسرة بدفء الشمس.
عدنا إلى البلدة لنتعرّف إلى وجه آخر من وجوهها وهو زيارة متحف بوردا الذي صممه المهندس النيويوركي ريتشارد ماير.
وبحسب المرشدة أن سكان البلدة اعترضوا على الهندسة العصرية التي لا تشبه البلدة ولكن عندما انتهت أعمال البناء بدا المتحف معلمًا متماهيًا ونافرًا في الوقت نفسه وسط البلدة، لكنه كما قالت لنا المرشدة يبدو جزءًا من أكوام الثلوج التي تغطي بادن-بادن خلال الشتاء.
دخلنا المتحف وكان سؤال مي الفضولي الذي طرحته أنا قبل سنتين على المرشدة هل هو صاحب مجلة «بوردا» للأزياء والتي الكثير منا في العالم العربي يعرفها، خصوصاً الخياطين لأنها تضم رسوم قصّات الأزياء، فكان الجواب لا ولكن من المعروف أن فريدر بوردا هو واحد من ثلاثة ورثة لإمبراطورية إعلامية وهاوي مجموعات فنية من منحوتات ولوحات، وهو يعرض في هذا المتحف الذي شيّده مجموعاته الخاصة، إضافة إلى منحوتات وأعمال لفنانين انطباعيين وتجريديين وأعمال لبيكاسو وإدغار ديغا.
تركنا المتحف وأعماله وكان في انتظارنا عربة خيل جالت وصالت بنا وسط الطبيعة الغنّاء التي تندسّ فيها البيوت الراقية المتماهية مع حسنها، إلى أن وصلنا إلى مطعم «ريزي» المشرف على متنزّهات البلدة.
اللافت في بادن- بادن أنك تحتار في الأمكنة التي تريد أن تقصدها فكلها جميلة ومهما كان اختيارك يكون صائبًا، ففي كل زاوية وركن وشارع فيها تجد نفسك مرميًا وسط الجمال فلا تقول لو جلسنا هنا أو هناك فكل دروبها معبّدة بالأخضر.
في مطعم «ريزي» قررنا الجلوس في الشرفة الخارجية المشرفة على المتنزه وأثناء تناولنا الغداء مرّت فرقة من ثلاثة عازفين لعبوا أجمل الألحان، فما كان منا ومن روّاد المطعم إلا وضع نقود في الطبق النحاسي الصغير الذي يحملونه.
عدنا إلى الفندق وحزمنا أمتعتنا مودعين بادن- بادن وفي قلوبنا جميعنا غصة فراق عالم افتراضي جميل لا يأبه لحوادث الزمان والمكان.
غريبة هذه البلدة التي يبدو كل من وما فيها من بشر وحجر ونبات يحتفل بلا ملل ولا كلل. الكل سعيد ويعيش قمة الاسترخاء، لا علاقة لهم بما يحدث خارج حدود الغابة السوداء.
ركبنا القطار نحو ميونيخ مستعدّين لمغامرة ألمانية جديدة نحو عالم أوروبا عصر النهضة .فهل يمكن لميونيخ أن تنسيني سحر بادن- بادن؟!

بادن- بادن
تعني  بادن- بادن الحمامات في بادن نظرًا إلى الحمامات والينابيع العلاجية الموجودة في البلدة، إضافة إلى أنها مركز للاصطياف. تبلغ مساحة البلدة 140,18كيلومترا مربعا، يسكنها 54,777 نسمة.

مواعيد مهرجانات ميدان الخيل

  • مهرجان الربيع من 28 أيار/ مايو إلى 5 حزيران/ يونيو
  • المهرجان الكبير من 27 آب/ أغسطس إلى 4 أيلول/ سيبتمبر
  • مهرجان البيع والسباق بين 8 و9 تشرين الأوّل/ أوكتوبر